صلابة الفكر و شفافية الروح : حسقيل قوجمان أيقونة الماركسية العراقية (1921- 2018) 1-5


حسين علوان حسين
2019 / 1 / 4 - 05:07     

توطئة
ساهم يهود العراق بنشاط وجد متميزين في إثراء جُلّ الحركة الفكرية و الفنية و الأدبية و العلمية و السياسية العراقية طوال النصف الأول من القرن العشرين ، علاوة على نشاطهم الاقتصادي التقليدي المشهود له تاريخياً ، و ذلك على نحو أكبر من أي بلد عربي آخر ؛ لذا ، فقد كان منهم أشهر التجار و الصناعين و الوزراء و الشعراء و الأدباء و الكتاب و الفنانين و الحرفيين العراقيين ؛ و نعم - أول الشيوعيين ، مثلما هو حاصل في العديد من البلدان الاخرى في العالم . لذا ، نجد أن طالب الصف المنتهي للإعدادية و المتفوق دراسياً في فرعها العلمي : شاؤول طويق هو أول شهيد للحزب الشيوعي العراقي عندما خرَّ - مع عاملين إثنين و جندي و طفل - صريعاً بمواجهة رصاص الشرطة الملكية خلال مظاهرة الحزب ببغداد يوم 28 حزيران 1946م وهو يردّد هتاف : "لا مساومات ، لا مهادنات ، نريد عراقًا حرًّا مستقلًّاً".
و من بين آلاف الشيوعيين العراقيين اليهود الشرفاء نساءً و رجالاً من ذوي التاريخ المجيد المشهود ، يتبوأ الفقيد حسقيل قوجمان مكانة فذّة ، حيث استطاع أن يجمع طوال حياته بين ثبات الموقف و قوة الفكر الرائي و شفافية الروح ، فبقي أميناً على اخلاصه للعراق و للماركسية حتى آخر نفس له . و لقد اجتمعت فيه مجموعة من أجمل الخصال : فهو المناضل اليساري الصلب الشجاع ، و الباحث العلمي الموضوعي ، و الرفيق الجدي و الصديق الصدوق الرقيق المتواضع ، و المحاور الذكي الناقد الواسع الاطلاع ، و المترجم و القاموسي البارع ، و المؤرخ الدقيق للموسيقى العراقية ، و الباحث و المعلم و المؤرخ الماركسي ، ووو - نعم : المفكر الواسع الأفق بخياله المحلق . مَنْ يُمكن أن يفكر بصناعة أول عود في السجون العراقية من "رَبُد" و "قُبقاب" و "خيوط" لكي يغني و يرقص عليه رفاق السجن غير حسقيل قوجمان ؟ و مَنْ غيره يحتفظ بقشور الرمان في "يطغه" الحبيس لكي يمكنه أن يعالج بها بعدئذٍ المغص المعوي لرفاقه في السجن ؟ غير أن أحد أنصع صفاته كان احترامه الشديد للوقائع و نقده الملازم لها ؛ و مثلها امتلاكه لكل خصال الإنسان المنتصر لكرامة الانسان ، و الكريم النجيب المشيد بأفضال الآخرين عليه شهادة للتاريخ . و عندما نقرأ مذكراته ، نستطيع أن نضع أغلب قادة حشع الذين زامنهم في المكان المستحق لهم ، بلا أدنى رتوش ، و لا تزويق ، كما لو كان الميزان الدقيق لمعادنهم الحقيقة .
يتبع ، لطفاً .