الحلقة التاسعة: منظمة -إلى الأمام-: حول الخط الإستراتيجي، الإيديولوجي، السياسي والتنظيمي - محاولة تركيبية


موقع 30 عشت
2018 / 12 / 31 - 15:05     

يقدم موقع 30 غشت الحلقة التاسعة من مقالة " منظمة "إلى الأمام": حول الخط الإستراتيجي، الإيديولوجي، السياسي والتنظيمي ـــ محاولة تركيبية"، بقلم عسو أمزيان. وهي تضم المحاور التالية:

5 ــ "القيادة الجديدة": "التحليل الطبقي وطبيعة الثورة".
1 ــ الأعداء الطبقيين.
2 ــ "الطبقات الوطنية والشعبية".
3 ــ "القيادة الجديدة" و"طبيعة الثورة".
أ ــــ حول التناقض الأساسي.
ب ــ حول "البرجوازية الوطنية" وموقعها في الصراع / التناقضات.
ج ــ في جوهر "البرجوازية الوطنية" الذي تقدمه لنا "القيادة الجديدة".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ الحلقة التاسعة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

5 ــ "القيادة الجديدة": "التحليل الطبقي وطبيعة الثورة"

لقد عملت "القيادة الجديدة"، بعد سنتين من إطلاق "مسلسل إعادة البناء"، على طرح ما أسمته ب "التناقضات الطبقية وطبيعة الثورة في المرحلة التاريخية الراهنة، وقيادتها الطبقية، والتحالفات بين الطبقات الشعبية وأسلوب حسم السلطة"، كقضايا استراتيجية في الثورة المغربية.

1 ــ الأعداء الطبقيين:
بالنسبة للتناقضات الطبقية، حددت "القيادة الجديدة" "البرجوازية الكمبرادورية وملاكي الأراضي الكبار كقوى طبقية سائدة، وهم يشكلون مع الإمبريالية مجمل الأعداء الطبقيين للجماهير الشعبية المغربية"1.
واعتبرت "أن البرجوازية الكمبرادورية وملاكي الأراضي الكبار ... يشكلون القاعدة الاجتماعية المحلية للإمبريالية، التي تخدم مصالحها بواسطتهم، وبواسطة الدولة التي يسيطرون عليها، وهذه الدولة التي تجسد ديكتاتورية الكمبرادوريين وملاكي الأراضي الكبار على الجماهير الشعبية، هي الخادم الأمين لمصالحهم ولمصالح أسيادهم الإمبرياليين، أما النظام الملكي الاستبدادي فهو ليس سوى الشكل الحالي لدولة الكمبرادور وملاكي الأراضي الكبار".
ما يعيب هذا التحديد، هو اعتبار "القاعدة الاجتماعية المحلية للإمبريالية" منفصلة داخليا فيما بينها، وليست في وحدة طبقية سائدة، أي أن البرجوازية الكمبرادورية وملاك الأراضي الكبار لا يشكلون بالنسبة لهذه "القيادة الجديدة"، كتلة طبقية سائدة تهيمن داخلها فئة كمبرادورية احتكارية، هي القابضة على جهاز السلطة السياسية (الملكية)، وتستخدم هذه السلطة السياسية سواء في صراعاتها / تناقضاتها غير العدائية ضد حلفائها، والمتقاطعة مصالحها مع مصالحهم في الكتلة الطبقية السائدة، لضمان وتأبيد الهيمنة فيها عليهم، وبالتالي ضمان السيطرة على الطبقات الاجتماعية الأخرى، أو سواء في تناقضاتها وصراعاتها ضد الطبقات الاجتماعية التي هي خارج تلك الكتلة الطبقية السائدة، او ما نسميها من زاوية نظر البروليتاريا، بالطبقات التي توحدها التناقضات وسط الشعب (التناقضات غير العدائية وسط الشعب).

2 ــ "الطبقات الوطنية والشعبية":
قامت إذن "القيادة الجديدة"، بعد تحديدها ل "الأعداء الطبقيين"، بتحديد "الطبقات الوطنية والشعبية" والتي، حسبها: "تتشكل من البرجوازية الوطنية والبرجوازية الصغيرة والطبقة العاملة والجماهير شبه البروليتارية والفلاحين".
بخصوص "البرجوازية الوطنية"، فهي، بالنسبة ل"القيادة الجديدة": "تتشكل من الفئات البرجوازية المستغلة التي لا ترتبط مصالحها بشكل مباشر بمصالح الامبريالية، والتي ترى تطور مصالحها الاقتصادية محجوزا وطموحاتها السياسية معرقلة، بسبب السيطرة الإمبريالية والسيادة الاقتصادية والسياسية لحلفائها المحليين."، وهي : "تتشكل أساسا من البرجوازية المتوسطة، إنها طبقة ذات طبيعة مزدوجة : فمن جهة أولى أن مصالحها الاقتصادية والسياسية تتناقض إلى حد ما مع مصالح الإمبريالية، وهي تطمح إلى بناء دولة وطنية مستقلة ... ومن جهة ثانية فإنها ترتبط جزئيا بالإمبريالية وبحلفائها المحليين، كما أنها هي كذلك طبقة مستغلة.... إن هذه الطبيعة المزدوجة للبرجوازية الوطنية غالبا ما تعبر عن نفسها في التناقضات بين جناحين، أحدهما محافظ، والآخر تقدمي، أو في انتقال البرجوازية الوطنية من سياسة تلتقي مع مصالح الجماهير الشعبية إلى التعامل مع أعداء الشعب."
أما "البرجوازية الصغيرة" فهي: "تضم ثلاثة شرائح: الشريحة العليا هي شريحة ميسورة، تلتقي في بعض مصالحها مع البرجوازية الوطنية، الشريحة المتوسطة والشريحة الدنيا اللتان، غالبا ما تعيشان وضعية البؤس والقهر، وتظلان معرضتان للتبلتر والتشرد، وتلتقيان في العديد من مصالحهما مع الطبقة العاملة."
"إن الأغلبية الكبرى للبرجوازية الصغيرة ثورية لكنها غير منسجمة، ومتذبذبة وقصيرة النفس، لهذا فإن من مصلحة الطبقة العاملة أن تعمل على كسبهما للتحالف الشعبي، مع الحرص على أن تكون الطبقة العاملة هي الطبقة القائدة لهذا التحالف."
وبالنسبة ل "الطبقة العاملة"، فهي: "تتشكل في بلادنا من فئتين أساسيتين: عمال الصناعة والعمال الزراعيين... إن العمال الزراعيين سيلعبون بدون شك دورا حاسما في بناء التحالف العمالي الفلاحي ببلادنا وفي الثورة الشعبية، كما أن العمال المغاربة المهاجرين سيلعبون دورا بالغ الأهمية في الربط بين الثورة المغربية والبروليتاريا، وقواها الثورية في البلدان الرأسمالية الأوربية..."
"إن الطبقة العاملة في بلادنا كما في جميع المجتمعات التي يسود فيها نمط الإنتاج الرأسمالي تشكل الطبقة الثورية حتى النهاية، الطبقة الوحيدة التي لها مؤهلات قيادة كفاح الجماهير الشعبية من أجل الاشتراكية والقضاء على الاستغلال والاضطهاد."
ثم "الجماهير شبه البروليتارية"، "إن ما يميز هؤلاء... هو الضعف الكبير لمداخيلهم وبؤسهم الشديد وكذا القهر والاستغلال المكثف الذي يعانون منه. "
"نظرا لهذه الخصائص، ونظرا للحجم العددي الكبير للجماهير شبه البروليتارية، فإن هذه الجماهير مؤهلة لتلعب دورا حاسما في الثورة الشعبية، سواء في مرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، أو في مرحلتها الاشتراكية.... يحتم على الطبقة العاملة أن تعمل على قيادة الجماهير شبه البروليتارية لتتمكن هذه الأخيرة من توظيف طاقاتها الثورية الهائلة لصالح الثورة."
إن البروليتاريا المتشردة: "يمكن لها أن تلعب دورا مهما في الثورة، إذا تمكنت الطبقة العاملة والقوى الثورية في إدماجها في مسلسل الثورة..."
إن الفلاحين: "لا تشكل طبقة اجتماعية أو فئة طبقية، إنما مجموعة من الفئات تنتمي كل واحدة منها لطبقة مختلفة"
* إن الفلاحين الأغنياء ... الجزء الرئيسي من مداخيلهم لا يأتي من عملهم، ولكن من استغلال الغير، إنهم يشكلون إذن فئة مستغلة يمكن تصنيفها ضمن البرجوازية المتوسطة، وإن ما يميزهم عن ملاكي الأراضي الكبار، هو امتلاكهم لمساحات من الأرض تقل بكثير عن مساحة ممتلكات هؤلاء، وكذا مشاركتهم الفعلية في العمل الفلاحي.
* أما الفلاحون المتوسطون والذين يشكلون جزءا من البرجوازية الصغيرة... يمكن تحديد ثلاث شرائح داخل الفلاحين المتوسطين: الشريحة العليا أو الفلاحين المتوسطين الميسورين، الشريحة الوسطى، والشريحة الدنيا أو الفلاحين المتوسطين الفقراء.
*إن الفلاحين الفقراء أو شبه البروليتاريا الفلاحية... يمكن التمييز داخل الفلاحين الفقراء بين الفلاحين الفقراء المالكين لقطعة أرض صغيرة، وبين الفلاحين المعدمين الذين لا يملكون أدنى مساحة من الأرض. إن الفلاحين الفقراء يشكلون، نظرا لما يعيشونه من استغلال وقهر، ونظرا لوزنهم العددي (حوالي نصف سكان البلاد هم من الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين) القوة الرئيسية في الثورة.”
لقد حاولنا هنا، وعن قصد، عرض هذا النوع من تصنيف الطبقات وتقسيمها لدى "القيادة الجديدة"، والواضح أن أصحابها لم ينطلقوا من الواقع الملموس للطبقات بالمغرب، من خلال سيرورة تشكل هذه الطبقات وتطورها، بل كل ما هنالك أن "القيادة الجديدة" أعادت كتابة فقرات من "تحليل الطبقات في المجتمع الصيني وكذلك التقسيم الذي وضعه ماو تسي تونغ للطبقات في الريف"، من دون أن تسلك هذه "القيادة" طريق التحقيقات، ومن دون أن تقوم بتحليل مادي تاريخي لتشكل وتطور التشكيلة الطبقية بالمغرب، وتحليل واقعها الملموس، فما قدمته هنا هذه "القيادة الجديدة"، لا يعدو أن يكون إلا نسخا لجمل ومفاهيم لا تتطلب سوى مجهود "إعادة كتابتها"، وهو بالمناسبة جد متأخر حتى عما قدمته المنظمة سابقا من تحاليل بهذا الصدد، والتي تتطلب التعميق والتطوير، والنقد حتى، طبعا سيكون هذا التعميق والتطوير متعارضا وغير متساوق مع منظور "الحد الأدنى من التقييم والحد الأدنى من البناء"، بل الأكيد أنه لن يكون إلا ضمن منظور جذري عماده "التقييم الشامل وإعادة البناء". لذلك اعتبرت تلك "القيادة الجديدة" أن ما تقوم به هو "مرحلة تأسيسية وتوجها جديدا للمنظمة"، وهي بهذا تكون قد أطلقت مسلسل التخلص من كل الإرث الثوري، سياسيا ــ إيديولوجيا ــ تنظيميا واستراتيجيا، لقرابة عشر سنوات من النضال والكفاح الثوري.

3 ــ "القيادة الجديدة" و"طبيعة الثورة":
تقول قيادة "إعادة البناء" أن ما تقديمه أعلاه (تحديد "الأعداء الطبقيين والطبقات الوطنية والشعبية") هو "تحليل طبقي جد مركز للمجتمع المغربي"، وأنها كما تقول "لم نتعرض لا للتطورات التاريخية لهذه الطبقات، ولا لتعبيراتها السياسية، وهذا ما يجب أن يقوم به تحليل طبقي أشمل"، وكأننا، مرة أخرى، أمام "حد أدنى من التحليل"، تقول فيه "القيادة" أنها تعرض فقط "القوى الطبقية المتصارعة في البلاد"، و تخلص إلى "وجود معسكرين لهما مصالح متناقضة ومتناحرة"، وأن هذا "التناقض التناحري بين المعسكرين" هو "التناقض الأساسي" الذي حددته هذه القيادة" في "التناقض القائم بين المعسكر الرجعي، المشكل من الإمبريالية والبرجوازية الكمبرادورية وملاكي الأراضي الكبار، والجماهير الشعبية التي تضم الطبقة العاملة والجماهير الفلاحية والجماهير شبه البروليتارية والبرجوازية الصغيرة.". أما ما تبقى هنا بين طرفي هذا التناقض، الذي أطلقت عليه هذه القيادة ب "التناقض الأساسي"، هي طبقة "البرجوازية الوطنية"، التي قيل سابقا أنها تتشكل أساسا من "الطبقة المتوسطة"، ف "موقعها" حسب هذه القيادة "هو معقد ويتغير حسب الشروط الملموسة للصراع الطبقي"، وكي تختزل لنا هذه القيادة "موقع هذه الطبقة المعقد والمتغير"، تقول لنا " أن الجناح التقدمي في البرجوازية الوطنية، يمكن أن يلتحق رغم تذبذباته بمصاف الجماهير الشعبية، بينما الجناح المحافظ يمكن أن يلتزم الحياد أو يتم اجتذابه من طرف المعسكر الرجعي."

ملاحظات:
نقدم هنا ملاحظات لأجل التوضيح أكثر، لا غير، وحتى تتجنب هذه المقالة التركيبية الخوض في بلورة نقد منطلقات "القيادة الجديدة" في تحديد طبيعة الثورة بالبلاد، وحتى تبقى كذلك في الحدود التي رسمتها لنفسها منذ البداية.

أ ــــ حول التناقض الأساسي:
تقول "القيادة الجديدة" أن التناقض بين من وضعتهم كمعسكرين، هو تناقض أساسي، وهو الأمر الذي يجعلنا نعتقد أنهم، وعلى الخصوص "الثنائي الجديد / القديم"، "لم يكونا على علم" بتحديد التناقضات، من حيث طبيعتها وأطرافها، والتي قامت المنظمة سابقا في أواخر 1976 بالسجن المركزي ببلورتها. وكي لا نعيد كل ما قيل بهذا الصدد، نذكر فقط أن المنظمة طرحت أن التناقض بين مجموع الطبقات الوطنية من جهة، وبين البنية الإمبريالو ــ كمبرادورية من جهة ثانية، هو تناقض رئيسي، وهو ليس بعد التناقض في جوهر الأشياء، لأنه يستبطن تناقضا أعمق يحركه ويحدده، وهو التناقض بين العمال ــ الفلاحين المرتبطين جدليا من جهة، والبنية الإمبريالو ــــ كمبرادورية من جهة ثانية. هذا التناقض الأخير، هو التناقض الأساسي، محرك ومحدد التناقض الأول، الرئيسي.
الملاحظ إذن، بناء على هذا التحديد الذي وضعته المنظمة سابقا، أن "القيادة الجديدة" طرحت طرفي التناقض الرئيسي على أن بينهما تناقض أساسي، فغاب بهذا، الطرفان الحقيقيان للتناقض الأساسي (الفعلي)، وغاب معهما التناقض في جوهر الأشياء (التناقض الأساسي)، فتم التركيز كليا على التناقض الرئيسي في غفلة كلية عن التناقض الأساسي الفعلي، وفي هذا لن نجد أفضل مما صاغته المنظمة سابقا حول التمييز بين التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي حيث أن: "التمييز بين التناقضين يمكن من التحصين من الانتهازية اليسارية، التي لا ترى إلا التناقض الأساسي، غافلة التناقض الرئيسي، وكذا من الانتهازية اليمينية التي تغفل التناقض الأساسي ولا ترى إلا التناقض الرئيسي".
وكخلاصة هنا، ف"القيادة الجديدة" لا ترى إلا التناقض الرئيسي، غافلة كليا التناقض الأساسي وطرفيه الأساسيين، وهي بطرحها هذا تندرج ضمن خط الانتهازية اليمينية.

ب ــ حول "البرجوازية الوطنية" وموقعها في الصراع / التناقضات
قبل أن نضع هنا ما قالته "القيادة الجديدة" حول هذه الطبقة، نشير إلى أنه حين وضعت هذه القيادة طرفي التناقض الرئيسي (ما أخذته على أنه تناقض أساسي)، لم تدرج ضمنه طبقة "البرجوازية الوطنية"، وبقيت هذه الطبقة خارج هذا التناقض الذي حضر فيه الكل إلا هي، لكونها حسب هذه "القيادة"، هي طبقة متذبذبة و"موقعها يتغير حسب الشروط الملموسة للصراع الطبقي"، في نفس الوقت، وحين قامت بتقسيم الطبقات إلى قسمين / كتلتين: “الأعداء الطبقيين" و"الطبقات الوطنية والشعبية"، قامت بإدراج هذه الطبقة ضمن كتلة هذه الأخيرة، مع أن لا موقع لها فيما حددته سابقا من تناقض بين المعسكرين.
فماذا تقول إذن هذه "القيادة" حول طبيعة هذه "الطبقة البرجوازية" وأين تموقعها في الصراع / التناقضات؟
"تتشكل من الفئات البرجوازية المستغلة التي لا ترتبط مصالحها بشكل مباشر بمصالح الإمبريالية، والتي ترى تطور مصالحها الاقتصادية محجوزا وطموحاتها السياسية معرقلة، بسبب السيطرة الإمبريالية والسيادة الاقتصادية والسياسية لحلفائها المحليين.
إن البرجوازية الوطنية تتشكل أساسا من البرجوازية المتوسطة. إنها طبقة ذات طبيعة مزدوجة: فمن جهة أولى أن مصالحها الاقتصادية والسياسية تتناقض إلى حد ما مع مصالح الإمبريالية، وهي تطمح إلى بناء دولة وطنية مستقلة وحماية السوق الداخلية وتوسيعها، وإلى الاستحواذ على المواقع الاقتصادية للإمبريالية وحلفائها المحليين، وهذا ما يقربها من الجماهير الشعبية. ومن جهة ثانية فإنها ترتبط جزئيا بالإمبريالية وبحلفائها المحليين. كما أنها هي كذلك طبقة مستغلة، كل هذا يقربها من القوى الطبقية الرجعية. إن هذه الطبيعة المزدوجة للبرجوازية الوطنية غالبا ما تعبر عن نفسها في التناقضات بين جناحين، أحدهما محافظ، والآخر تقدمي، أو في انتقال البرجوازية الوطنية من سياسة تلتقي مع مصالح الجماهير الشعبية إلى التعامل مع أعداء الشعب."
مشكلة هذا الطرح، بالإضافة إلى أنه عام ومجرد، فهو ملتوي ولا يحدد بالضبط كيف هي علاقة ارتباط هذه الطبقة ب "الإمبريالية وحلفائها المحليين".
فهل يتعلق الأمر بجزء أو بفئة من هذه الطبقة، لها ارتباط بالإمبريالية وحلفائها المحليين، وهي الفئة التي يعبر عنها ب"الجناح المحافظ"، مقابل فئة أخرى وسط هذه الطبقة "تتناقض مصالحها مع مصالح الإمبريالية" و"تطمح إلى بناء دولة وطنية مستقلة" وهي التي يعبر عنها ب"الجناح التقدمي"؟ أي أننا أمام فئتين من داخل هذه الطبقة، الواحدة منها مرتبطة بالإمبريالية وحلفائها، والأخرى مستقلة عنهما، وبالتالي، ألم يكن من الطبيعي، والمنطقي هنا، إدراج الفئة الأولى ضمن "الأعداء الطبقيين"، والفئة الثانية ضمن "الطبقات الوطنية والشعبية" حين طرح طرفي التناقض الرئيسي (وليس ما أسمته هذه القيادة بالتناقض الأساسي). هذا كي لا تبقى أي طبقة او فئة اجتماعية خارج هذا التناقض.
أم أن الأمر يتعلق برأسمال هذه الطبقة ونشاطها الاقتصادي الذي يوجد في "وحدة تناقضية"، بين الارتباط بالرأسمال الإمبريالي وحلفائه، وبين الاستقلال عنه؟ أي أن لهذه الطبقة، ككل، نشاط اقتصادي (رأسمال) مرتبط بالرأسمال الإمبريالي وحلفائه المحليين"، ونشاط (رأسمال) آخر مستقل عن الأول وفي نفس الوقت مرتبط به في وحدة رأسمال هذه الطبقة، وفي هذه الحالة، أليس حضور الرأسمال الإمبريالي داخل رأسمال هذه الطبقة، حتى وإن كانت نسبة حضوره قليلة، أليس حضوره هنا يجعل من هذه الطبقة عنصرا داخليا للبنية الإمبريالو ــ كمبرادورية ومن موقع الضعيف داخلها، وتندرج بالتالي موضوعيا ضمن "الأعداء الطبقيين"، أوليس، أصلا، أن تعاملها مع الإمبريالية وحلفائها المحليين، "الأعداء الطبقيين"، يضعها بشكل طبيعي خارج "أصدقاء الشعب"؟
ليست هذه المقالة التركيبية مجبرة هنا على الإجابة، لأنها تعمل فقط على المزيد من توضيح طرح "القيادة الجديدة"، ونؤكد على أن لا سبيل لذلك من غير طريق التحقيقات، والتحليل الملموس للواقع الملموس.

ج ــ في جوهر "البرجوازية الوطنية" الذي تقدمه لنا "القيادة الجديدة"
تقول هذه "القيادة" أن "البرجوازية الوطنية تتشكل من الفئات البرجوازية المستغلة" (الاستغلال البرجوازي لا يعني سوى امتصاص دم العمال واستعبادهم)، فهل هذا لا يعني أن هذه الطبقة توجد في تناقض عدائي مع من تستغلهم وتستنزف قواهم؟ ألا يجعلها هذا الاستغلال في موقع الأعداء الطبقيين؟ حتى وإن كانت نسبة المستغلين (بفتح الغين) ضئيلة جدا مقارنة بمن يتم استغلالهم من طرف "الرأسمال الإمبريالي وحلفائه المحليين". فالاستغلال واحد، ونهب فائض القيمة ليس فيه فرق على أساس عدد المستغلين (بفتح الغين).
إن إغفال التناقض الأساسي، التناقض في جوهر الأشياء، والتركيز كليا على التناقض الرئيسي، دفع "القيادة الجديدة" إلى إغفال تناقض هذه الطبقة البرجوازية مع الطبقة العاملة والفلاحين، لكونها فقط ليست طرفا داخليا للكتلة الطبقية السائدة، بل ودفعها إلى موقعتها بناء على تصنيف سياسي وايديولوجي (جناح تقدمي وجناح محافظ)، وليس على أساس موقعها في علاقات الإنتاج، أوليس في هذه الأخيرة تتحدد العلاقات بين الطبقات والفئات الاجتماعية وصراعاتها؟
إن إغفال التناقض الأساسي، التناقض في جوهر الأشياء، جعل هذه الطبقة تظهر وكأنها خارج أطراف التناقض الرئيسي، وهو ما يعبر عنه قول "القيادة الجديدة" ب: "التناقض القائم بين المعسكر الرجعي، المشكل من الإمبريالية والبرجوازية الكمبرادورية وملاكي الأراضي الكبار، والجماهير الشعبية التي تضم الطبقة العاملة والجماهير الفلاحية وجماهير شبه البروليتارية والبرجوازية الصغيرة." وأن قرار وجود هذه الطبقة (بالنسبة ل"القيادة الجديدة"، يتعلق الأمر بجناحين أحدهما تقدمي والآخر محافظ) كطرف طبقي مع هذا المعسكر أو مع الآخر، هو رهين بإرادتها كطبقة في دخول، وهي آتية إليه من خارجه، إلى هذا التناقض الرئيسي. هكذا، ف"الجناح التقدمي في البرجوازية الوطنية، يمكن أن يلتحق رغم تذبذباته بمصاف الجماهير الشعبية..." (تقول "القيادة الجديدة")، ففي هذه الحالة، يظهر أن هذا "الجناح التقدمي" (وهو توصيف سياسي وإيديولوجي) سيلتحق في عملية اختيارية وحرة خارج قوانين الصراع الطبقي، علما أن هذا "الجناح" هو فئة اجتماعية ضمن "البرجوازية الوطنية" التي تقول هذه "القيادة" أنها "تتشكل من الفئات البرجوازية المستغلة"، فكيف للبرجوازية المستغلة (بكسر الغين) أن تلتحق بالعمال المستغلين (بفتح الغين) ضد المستغلين (بكسر الغين) (لم نسمع من قبل ب "انتحار طبقي" لطبقة أو فئة اجتماعية بكاملها).
وفي الحالة الثانية، حالة "الجناح المحافظ" (توصيف إيديولوجي آخر)، تقول "القيادة الجديدة"، "يمكن أن يلتزم الحياد (وكأنه بيده، وكأن هناك منطقة حياد أو منطقة عازلة، ولو ظرفية، في الصراع الطبقي) أو يتم اجتذابه من طرف المعسكر الرجعي". ففي هذه الحالة الأخيرة، فهذا الجناح هو مضطر (يتم اجتذابه) ومفروض عليه أن يتموقع جهة "المعسكر الرجعي"2.
فمن بقي إذن من هذه "الأجنحة" التي هي، في منظور "القيادة الجديدة"، خارج التناقض الرئيسي بين المعسكرين، والتي انفلتت من قوانين الانجذاب إلى هذا الطرف أو ذاك، واختارت بمحض إرادتها وخارج شروط الصراعات الطبقية، الالتحاق بالجماهير الشعبية، إنه "الجناح التقدمي" من "البرجوازية الوطنية"، الذي يحلم ببناء "دولة وطنية مستقلة"، أي وهم دولة "البرجوازية الوطنية"3.

الهوامش:

1 ــ فبالنسبة للإمبريالية، فقد حددتها "القيادة الجديدة" في الإمبريالية الفرنسية (المستعمر القديم) والأمريكية (زعيمة المعسكر الإمبريالي) كإمبرياليتين أساسيتين من حيث المصالح الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية في المغرب. أما بالنسبة لما أسمته "القيادة الجديدة" ب "التواجد الاستعماري بشكله القديم" فقد "أصبح يقتصر على سبتة ومليلية والجزر المغربية الشمالية المحتلة من طرف الاستعمار الاسباني". وخلصت هذه "القيادة" إلى "أن النضال الوطني لشعبنا سيظل موجها بالأساس ضد الإمبرياليتين الفرنسية والأمريكية وضد الاستعمار الإسباني."
وبالنسبة للبرجوازية الكمبرادورية، فهي تتشكل بالنسبة "للقيادة الجديدة"، "من الفئات البرجوازية الرأسمالية التي تندمج مصالحها الاقتصادية بصفة وطيدة وبمختلف الأشكال بالمصالح الإمبريالية، والتي لا يمكنها خدمة مصالحها الخاصة إلا بخدمة مصالح الإمبريالية في نفس الوقت."، ومع ذلك يمكن طرح سؤال: من هي هذه البرجوازية الكمبرادورية بالمغرب؟ ما تم وضعه هنا من طرف "القيادة الجديدة" هو تعريف عام لهذه الطبقة، وليس تحديدا فعليا وملموسا لها.
"أما ملاكي الأراضي الكبار فهم الذين يملكون مساحات واسعة من الأرض لا يشتغلون فيها ويعيشون من استغلالهم للفلاحين (الفقراء بالخصوص) وللعمال الزراعيين. يقع التمييز داخل طبقة ملاكي الأراضي الكبار بين ملاكي الأراضي الكبار الرأسماليين، المعمرين الجدد، وملاكي الأراضي الكبار شبه الإقطاعيين الذين ما يزالون يستغلون أراضيهم كليا أو جزئيا في إطار العلاقات شبه الإقطاعية."
هذا وقد اعتبرت "القيادة الجديدة" أن "المعمرين الجدد ... يشكلون الفئة الأكثر ارتباطا واندماجا بالإمبريالية وهي بالتالي فئة كمبرادورية.". ما يعوز هذه "القيادة الجديدة / القديمة" هنا، وعلى الخصوص بعد مضي أزيد من عشر سنوات على تأسيس المنظمة، على الأقل ألا تعيد نسج نفس الجمل والمفاهيم، وتضع بهذا الصدد أقل مما قدمته المنظمة في تحديدها ل "الأعداء الطبقيين". وعلى الأقل، بعد كل تلك المدة، وبعد كل تلك الهجومات على خط المنظمة، أن يتم التحديد والتحليل الملموس لهذه الطبقات الرجعية، وأن يتم تحديد مناطق تمركزها الاقتصادي وارتباطاتها بالإمبريالية .... فهذه التبعية للرأسمال الإمبريالي هي مادية، واندماجها فيه هو واقع مادي ملموس، وجب تحليله وعدم تركه عائما في سماء المفاهيم والمصطلحات.
2 ــ أولا: إن ما جعلنا نقف عند هذه الملاحظة، هو استعمال "القيادة الجديدة" لكلمة "يمكن أن يلتحق.." بالنسبة "للجناح التقدمي"، وكلمة "أن يتم اجتذابه..” بالنسبة "للجناح المحافظ". ونعتقد أن الفرق واضح جدا بينهما، حيث لو شاء أصحابها لاستعملوا نفس الكلمة للطرفين معا، أو لاستعملوا الكلمة الأولى لجهة الطرف الثاني والعكس كذلك.
ثانيا: قارن هذا الكلام بما صاغته المنظمة سابقا حول التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي وحول تمقطب الطبقات الوطنية حول التحالف العمالي ــ الفلاحي تحت قيادة البروليتاريا وحزبها، وأن هذا التمقطب، أي جذب الطبقات الوطنية لصفوف الجماهير الشعبية، هو رهين ببناء قيادة البروليتاريا وتحالف العمال والفلاحين في نضالات هذه الجماهير.
3 ــ ما هي خلفية منظور "القيادة الجديدة" التي جعلتها تغفل التناقض الأساسي، وطمس التناقض بين "البرجوازية الوطنية"، التي قالت "القيادة"، "أنها تتشكل من البرجوازية المستغلة وترتبط جزئيا بالإمبريالية وعملائها المحليين"، وبين العمال والفلاحين. أليس ذاك الارتباط لا يعني سوى حضور الرأسمال الإمبريالو ــ كمبرادوري في رأسمالها، والذي قلنا إنه في تناقض أساسي مع الطبقة العاملة والفلاحين.
إن عدم إدراج هذه البرجوازية في طرفي التناقض الرئيسي، هو نتيجة لتغييب التناقض الأساسي وفصله عن التناقض الرئيسي، وكأن لا رابط بين التناقضين، وكأن لكل واحد منهما مرحلة تاريخية خاصة به (المرحلوية)، مرحلة "الجناح التقدمي للبرجوازية الوطنية"، ثم مرحلة البروليتاريا.
ليست هذه المقالة التركيبية هنا لتقديم أجوبة بقدر ما هي تعمل على توضيح النظرة التي اعتمدتها "القيادة الجديدة" في إطلاق "مسلسل إعادة البناء"، وعلى الخصوص أن عدم التحديد السديد للتناقضات يؤدي حتما إلى طريق خاطئ وإلى الفشل. ونسجل هنا، للمزيد من التوضيح، ملاحظتين بهذا الصدد:
ــــ إن هذا المنظور الذي يغفل التناقض الأساسي، ويركز على التناقض الرئيسي، ولا يربط بينهما، هو يعمل على تأجيل (إدراج) هذا التناقض في خوض الصراع الطبقي ضد "الأعداء الطبقيين"، ليفسح المجال بعد ذلك لنموه وتطوره. إن هذا الأمر لا يعني سوى النضال من أجل تحرير "البرجوازية الوطنية" أولا، تحريرها من قبضة الرأسمال الكمبرادوري (هو رأسمال كمبرادوري لأنه تبعي ومندمج بالرأسمال الإمبريالي)، ثم ثانيا، فسح المجال لنمو وتطور البروليتاريا كي تخوض نضالها من أجل التحرر من "الرأسمال الوطني".
ـــ في أقصى الحالات، حتى وإن كان رأسمال هذه الطبقة البرجوازية "وطنيا"، "خالصا"، فهو أولا في تناقض عدائي مع الطبقة العاملة والفلاحين، وثانيا فقد نشأ وتطور في ظل هيمنة الرأسمال الكمبرادوري التبعي المندمج بالرأسمال الإمبريالي. فسيرورة تشكل "البرجوازية الوطنية" قد جرت في ظل سيطرة البرجوازية الكمبرادورية، لذلك يكون "مشروع البرجوازية الوطنية" في بناء "الدولة الوطنية المستقلة" (دولة البرجوازية) هو غير قابل للتحقيق في زمن الهيمنة الإمبريالية، ويكون من يطرح هذا المشروع ويدافع عنه، يزرع الوهم والفشل وسط الجماهير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
يتبع بالحلقة العاشرة، وهي تتضمن المحاور التالية:

ح ــ "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" في منظور "القيادة الجديدة".
د ــ التحالفات في منظور "القيادة الجديدة".
ه ــ "القيادة الجديدة": "مسلسل العنف الثوري الجماهيري".

موقع 30 غشت
http://www.30aout.info