بمناسبة الذكرى ال 101 لثورة اكتوبر


خليل اندراوس
2018 / 11 / 27 - 16:02     



المعرفة والممارسة
كتب لينين يقول: "لا يوجد تقريبا في اوروبا الغربية اناس عاشوا ثورات كبيرة بدرجة ما وتجربة الثورات العظيمة منسية هناك بصورة مطلقة تقريبا، في حين ان انتقال المرء من الرغبة في ان يكون ثوريا ومن الاحاديث (والقرارات) عن الثورة الى العمل الثوري الفعلي هو انتقال صعب جدا وبطيء ومضن" . وكم صحيح هذا الكلام وهذا الطرح بالنسبة للعديد من الاحزاب اليسارية والشيوعية والطبقة العاملة في عالمنا المعاصر، حيث هناك تناس وعدم معرفة بالنسبة لتجربة الثورات العظيمة



الثورة البلشفية او ثورة اكتوبر الاشتراكية كانت المرحلة الثانية من الثورة الروسية عام 1917 قادها البلاشفة تحت قيادة فلاديمير لينين وكامل الحزب البلشفي والجماهير العمالية بناء على افكار كارل ماركس وتطوير فلاديمير لينين لاقامة دولة اشتراكية واسقاط الحكومة البرجوازية المؤقتة في ذلك الوقت وتُعد ثورة اكتوبر اول ثورة شيوعية في القرن العشرين الميلادي، وقد اسفرت الثورة عن قيام الاتحاد السوفييتي الذي اصبح لاحقا احد القوى العظمى في العالم الى جانب الولايات المتحدة. كانت سياسات الحكومة البرجوازية المؤقتة قبل ثورة اكتوبر قد دفعت البلاد أي روسيا الى حافة الكارثة، حدثت اضطرابات في الصناعة والنقل وازدادت الصعوبات في الحصول على احكام وانخفض اجمالي الانتاج الصناعي في عام 1917 بنسبة تزيد على 36 في المئة عما كان عليه في عام 1916. في الخريف، ما يصل الى 50 في المئة من جميع الشركات تم اغلاقها في جبال الاورال ودونباس والمراكز الصناعية الاخرى مما ادى الى ارتفاع معدلات البطالة وفي الوقت نفسه ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل حاد وتراجعت الاجور الحقيقية للعمال نحو 50 في المئة عما كانت عليه في عام 1913 وكانت ديون روسيا في اكتوبر عام 1917، قد ارتفعت الى 50 مليار روبل وروسيا كانت البلد الوحيد الذي يواجه خطر الافلاس.
كتب جون ريد في كتابه "عشرة ايام هزت العالم" يقول: "لا بد عند بحث شعبية البلاشفة المتعاظمة من ادراك ان اختلال الحياة الاقتصادية الروسية والجيش الروسي قد حدث لا في 7 نوفمبر (25 اكتوبر) 1917 بل قبل ذلك بكثير من الاشهر، بوصفه نتيجة حتمية منطقية لسير تطور بدأ منذ عام 1915، فقد كان الرجعيون الفسَقة المتحكمون بالبلاط القيصري يسيرون بالامور قصدا نحو هزيمة روسيا، بغية تمهيد التربة لصلح منفرد مع المانيا، وانا لنعلم الآن ان نقص السلاح في الجبهة الذي ادى الى الانسحاب الكارثي الكبير في صيف 1915 ونقص المؤن في الجيش وفي المدن الكبرى والخراب في الصناعة وفي النقليات سنة 1916 – نعلم الآن ان هذا كله انما كان جزءا من حملة تخريبية هائلة اوقفتها ثورة آذار (ثورة شباط بالتقويم القديم) في اللحظة الحاسمة" "في الاشهر من النظام الجديد (أي بعد ثورة آذار عام 1917) طرأ تحسن مؤكد سواء أعلى الوضع الداخلي في البلد ام على قدرة جيشه القتالية برغم الاضطراب الذي لا مفر منه لدى حدوث ثورة عظمى اعطت فجأة الحرية لشعب من مئة وستين مليونا كان من اكثر الشعوب في العالم موضعا للاضطهاد" ويستمر جون ريد في كتابه ويقول: "ولكن "شهر العسل" لم يدم طويلا فقد كانت الطبقات المالكة تريد ثورة محض سياسية تنزع السلطة من القيصر وتضعها بين ايديها، كانت تريد اقامة جمهورية دستورية في روسيا على غرار ما هو موجود في فرنسا والولايات المتحدة، او ملكية دستورية مثل انجلترا، اما الجماهير الشعبية فقد كانت راغبة في دمقراطية حقة عمالية وفلاحية". "لقد كانوا (أي العمال) يرون انه من الممكن حتى في ظل اكثر الحكومات حرية ان يبقوا في حالة المجاعة التي يعانون منها اذا ما سيطرت على الحكم طبقات اخرى غير طبقتهم.." "ذلك هو السبب في ان الثورة السياسية في روسيا (أي ثورة اكتوبر) قد تحولت في اوج الحرب الخارجية الى ثورة اجتماعية تكللت بانتصار البلشفية". ويستمر جون ريد في كتابه "عشرة ايام هزت العالم" ويقول: "ما تزال دارجة بعد عام كامل من وجود السلطة السوفييتية تسمية ثورة البلاشفة بـ "المغامرة"، اجل لقد كانت تلك مغامرة وانها بالاضافة الى هذا لاحدى اروع المغامرات التي سبق للانسانية ان اقدمت عليها، مغامرة اقتحمت التاريخ اعصارا على رأس الجماهير الكادحة وراهنت بكل شيء في سبيل تحقيق رغباتها الواسعة والبسيطة"، "ومهما يكن رأي بعض الناس بالبلشفية فلا جدال في ان الثورة الروسية هي من اعظم الاحداث في تارخ البشرية".
لقد مرت 101 سنة على انتصار ثورة اكتوبر في روسيا حيث هبت الطبقة العاملة جنبا الى جنب مع الفلاحين الكادحين بقيادة الحزب البلشفي الذي تزعمه لينين، فأطاحت بالنظام الاستغلالي للرأسماليين والاقطاعيين ورسّخت دكتاتورية البروليتاريا وفولذتها في اتون المعارك الثورية، وظهرت اول دولة اشتراكية في العالم هي بلاد السوفييت التي غدت المعقل المنيع للتقدم الاجتماعي والدمقراطية والسلام، لقد كانت ثورة اكتوبر نتيجة حتمية للتطور الاجتماعي والصراع الطبقي في ظروف الرأسمالية الاحتكارية وكانت رمزا لانتصار الماركسية اللينينية، ان انتصار ثورة اكتوبر هو الحدث الرئيسي في القرن العشرين والذي غير سير تطور العديد من شعوب العالم، وكلما ابتعد عصرنا زمنيا عن احداث ثورة اكتوبر 1917 ادرك جميع الشرفاء وحاملو الفكر الثوري التقدمي باخلاص ادراكا اعمق مأثرة اولئك الذين اقتحموا العالم القديم ببسالة منقطعة النظير غدت اوضح اهمية ثورة اكتوبر، ثورة البروليتاريا كما تجلت بقوة اشد عظمة شخصية، فلاديمير ايليتس لينين – المفكر العبقري والثوري الصامد ومؤسس البلشفية. كان لينين واضع استراتيجية ثورة اكتوبر ومنظمها وملهمها الفكري. ان النظرية اللينينية بشأن الثورة الاشتراكية قد سلحت الحزب والطبقة العاملة في روسيا فكريا في النضال من اجل السلطة السياسية وبالاستناد الى تعاليم ماركس وانجلز عالج لينين اهم قضايا بناء المجتمع الجديد الاشتراكي والشيوعية وغدا اسم لينين رمزا للعالم الجديد، وفشل تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي هو فشل الممارسة وليس النظرية، فبدل ان تكون السلطة للشعب والسوفييت اصبحت السلطة لجهاز حزبي بيروقراطي يعاني من الفشل والفساد خاصة الفشل الفكري وفشل التواصل والعمل مع الطبقة العاملة، والفشل الاقتصادي ادى في النهاية الى سقوط الاتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي، ولقد قال لينين جملة مهمة تناساها بل حتى لم يكن يعرفها كذلك بعض القيادات هنا وهناك وهي استحالة انتصار الاشتراكية على الرأسمالية الا اذا اصبحت انتاجية المجتمع الاشتراكي ضعفي انتاجية المجتمع الرأسمالي.
ولكن عندما نعلل تجربة ثورة اكتوبر نستطيع ان نؤكد ونتبنى مفاهيم الدور التاريخي العالمي للبروليتاريا – الطبقة العاملة باعتبارها الطبقة القادرة على القيام بقيادة التحرر الثوري لكل الكادحين والمضطهدين والقادرة على بناء مجتمع المستقبل مملكة الحرية على الارض وهذا هو الامر الرئيسي في الماركسية. فكما نوه لينين المكمِّل العظيم للفلسفة الماركسية بأنه "لا توجد بالنسبة للعمال الواعين مهمة اكثر خطورة من ادراك حركة طبقتهم وجوهرها واهدافها ومهماتها وظروفها واشكالها العملية" (لينين المؤلفات الكاملة المجلد 25. صفحة 244)، وليست معرفة تاريخ الحركة العمالية ضرورية للثوريين البروليتاريين المخلصين للفكر ممارسة وفكريا، فقط من اجل فهم الماضي وتفسير الحاضر فقط، بل كذلك من اجل التنبؤ بالمستقبل ومن اجل النشاط العملي الموجه نحو تحقيقه، وان الدراسة الشاملة لمجمل تجربة الحركة الثورية العالمية في الماضي والحاضر والتجربة الملموسة للتحولات الثورية في كل البلدان وخاصة الآن في الصين، وعلى ضوء الفهم الماركسي – اللينيني الدياليكتيكي العام والخاص المنفرد وكذلك الاممي والقومية، خاصة في المرحلة الامبريالية، اعلى مراحل الرأسمالية تمكن من التغلغل بمزيد من العمق في جوهر السنن العامة للعملية الثورية في هذا البلد او ذاك وعالميا، والكشف بصورة أكمل عن تنوع اشكال تجليها في مختلف البلدان وفقا لظروف المكان والزمان. ان التجربة العالمية لنشاط الجماهير الثوري – التحويلي مأخوذة بكل جوانبها المتعددة مع مراعاة الانتصارات والهزائم، وعلى رأس هذه الهزائم انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، النجاحات والاخفاقات هي اهم مصدر لتطوير واغناء النظرية الماركسية اللينينية. وقد اعتبر لينين هذه النظرية بمثابة "تعميم للتجربة تضيئه عقيدة فلسفية عميقة ومعرفة غنية بالتاريخ" (لينين المؤلفات الكاملة المجلد 44 ص 90)، وكتب لينين يقول بعد ان لاحظ نقاط الضعف الخطرة لدى الاحزاب الشيوعية الاجنبية الفتية والتي عانى منها الحزب الشيوعي السوفييتي لاحقا، هو اهتمامها غير الكافي بالتجربة الثورية سواء في بلادها او في البلدان الاخرى كتب يقول: "لا يوجد تقريبا في اوروبا الغربية اناس عاشوا ثورات كبيرة بدرجة ما وتجربة الثورات العظيمة منسية هناك بصورة مطلقة تقريبا، في حين ان انتقال المرء من الرغبة في ان يكون ثوريا ومن الاحاديث (والقرارات) عن الثورة الى العمل الثوري الفعلي هو انتقال صعب جدا وبطيء ومضن" (لينين المؤلفات الكاملة المجلد 44 صفحة 90).
وكم صحيح هذا الكلام وهذا الطرح بالنسبة للعديد من الاحزاب اليسارية والشيوعية والطبقة العاملة في عالمنا المعاصر، حيث هناك تناس وعدم معرفة بالنسبة لتجربة الثورات العظيمة، ومنها ثورة اكتوبر الاشتراكية، وهذا التناسي في بعض الاحيان تناس وعدم معرفة بصورة مطلقة. لقد علم لينين الشيوعيين رؤية الصلة الوثيقة المباشرة والمعاكسة بين النظرية الثورية والممارسة الثورية، وكان يسعى على اثر ماركس وانجلز الى التناول الحريص لتجربة الماضي الثورية التي كلفت غاليا ومنها كومونة باريس وثورة عام 1848 والمثبتة في الطروحات النظرية للماركسية، والى جانب ذلك نوه لينين بضرورة الدراسة الدائمة للحياة الفعلية وتحليل الظواهر الجديدة في تطور المجتمع وادخال ما يلزم من التدقيقات والتعديلات في التصورات القديمة واغناء الصيغ النظرية السابقة باستنتاجات وأحكام جديدة، وهذا ما نحن بحاجة اليه كطبقة وكأحزاب ومؤسسات وافراد في عصرنا الحاضر.