أيتام الأفاقَين تروتسكي وخروشتشوف


فؤاد النمري
2018 / 10 / 27 - 21:29     

واجب الشيوعيين اليومي هو التأكيد على أصالة الإشتراكية في مشروع لينين بقيادة ستالين ويقابل ذلك الواجب الموازي لأيتام الأفّاقين تروتسكي وخروشتشوف الذي يتركز في الطعن باشتراكية النظام السوفياتي بقيادة ستالين البيروقراطي الدكتاتوري الدموي وبعضهم يصفه برأسمالية الدولة .
كثيرون يسيئون الظن باعتبار هؤلاء الأيتام مدافعين حقيقة عن الإشتراكية وعن مستقبل طبقة العمال بينما هم في الحقيقة من شذاذ الأفاق مثل معلميهم تروتسكي وخروتشوف، ضد الإشتراكية وضد العمال .

بعد رحيل لينين في يناير 24 عقدت اللجنة المركزية للحزب وأثناء الإجتماع استذكر أحدهم ما سمي بوصية لينين إلى مؤتمر الحزب الثاني عشر وفيها أوصى لينين باستبدال ستالين لأنه لا يجوز للأمين العام للحزب أن يكون فظاً كما هو ستالين، والتي كان المؤتمر قد اتخذ قراره بالإحتفاظ بالرسالة في سرية تامة، إذاك قدم ستالين استقالته كأمين عام بالوكالة للحزب وبعد مشاورات مكثفة عادت اللجنة المركزية تنتخب ستالين بالإجماع بمن فيهم تروتسكي أميناً عاماً للحزب . غير أن هذا التروتسكي الذي انتخب ستالين أميناً عاما للحزب في العام 24 عاد في العام 27 ينظم مظاهرة كبرى في ذكرى الثورة ترفع رايتها الكبرى تقول .. " تسقط قيادة الحزب الشيوعي البيروقراطية" . هل شرب ستالين عصير البيروقراطية فتحول خلال عامين فقط إلى بيروقراطي !!؟
في المحكمة الصورية التي نظمها التروتسكيون وأعداء الاتحاد السوفياتي في المكسيك في العام 37 برئاسة الفيلسوف الأميركي جون ديوي (John Dewy) شهد تروتسكي على أن السياسات التي طبقها ستالين في المشروع الخماسي الأول والثاني هي أصلاً من تخطيطه كان ستالين قد سرقها من محفظة أرشيفه . لكن رئيس المحكمة ديوي لم يسأله عن أسبابه في معاداة ستالين وبدل الاصطفاف معه وتأييده إلا إذا كان الخلاف ينحصر في من هو يقود تلك السياسات !!
في التحقيق في مقتل تروتسكي مسكت الشرطة مذكرة في محفظتة رفعها تروتسكي إلى مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي وريسه إدغار هوفر الأب الروحي لجون مكارثي تحوي المذكرة على أسماء الشيوعيين في جنوب الولايات المتحدة وفي المكسيك ؛ وشهد صديقه على أن تروتسكي لم يرسل المذكرة كجاسوس على الشيوعيين بل من أجل أن يوصي مكتب التحقيقات بالموافقة على منح تروتسكي فيزا دخول الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن تروتسكي أراد أن يثبت لمكتب التحقيقات الفدرالي أنه لم يعد شيوعياً، وهذا هو الحقيقة التي لأول مرة يعترف بها تروتسكي . تروتسكي كان قد أدرك أن الماركسية هي حقاً نظرية التطور الإجتماعي فقرر استخدام الماركسية سلّماً في رقيّه الشخصي . هكذا عرفه ستالين عندما قال أن تروتسكي دخل حزب البلاشفة من أجل الحلول محل لينين . وحقاً وصفه لينين في العام 1912 عندما شكل تروتسكي مجموعة التصفويين (Liquidators) يقول .. "هذا الإسخريوطي شكل جماعة التصفويين ليس من أجل تصفية الخلافات بين البلاشفة والمناشفة بل ليصفي حزب البلاشفة " .

أما خروشتشوف فقد زاد على تروتسكي في الخيانة فبينما جهد تروتسكي في إسقاط لينين حيّاً نجح خروشتشوف في إسقاط ستالين ميتاً وقد شارك في تسميمه .
الجيش الأحمر تطور إبّان الحرب العظمى ليصبح أقوى جيش في العالم لديه في القيادة عشرات المارشالات ومئات الجنرالات . لم يكن أحد قادراً على قيادة ذلك الجيش العرمرم والتحكم بكل شؤونه غير ستالين الذي لم يكن أعظم مارشالات الاتحاد السوفياتي مثل جوكوف مثلاً يسمع من ستالين غير الكلام الجاف والخشن حيث كان ستالين وهو القائد الأمين للبروليتاريا في ثورتها الإشتراكية العالمية يرى في العسكرتاريا عائقاً قوياً للتنمية الإشتراكية أو حتى أية تنمية إجتماعية .
تبعاً لأحوال المجتمع السوفياتي في العام 53 فشل أعضاء المكتب السياسي الذين سمموا ستالين، بيريا ومالنكوف وخروشتشوف، في الحلول محله نظراً لصغارهم فكان الجيش هو الأولى بالحلول محل ستالين . وافق الجيش أن يحل مالنكوف محل ستالين من أجل ستر إزاحة الحزب عن السلطة لكن بشرط إلغاء 12 عضواً جديداً كان ستالين قبل أربعة شهور فقط قد أصر على انتخابهم أعضاء في المكتب السياسي كيما يكونوا دعامة أمينة للخطة الخمسية الغامسة التي كانت ستحول اقتصاد الحرب السائد في الاتحاد السوفياتي منذ العام 39 إلى اقتصاد مدني اشتراكي ويحسم انتصار الثورة الإشتراكية على اتلصعيد العالمي وتأتي بالرفاه الرغيد للشعوب السوفياتية . وفعلاً اجتمع الكهول الثمانية الذين كان ستالين قد طالب مؤتمر الحزب في أكتوبر 52 بإزاحتهم من القيادة، اجتمعوا صدوعا لأوامر الجيش بعد ساعات قليلة من وفاة ستالين واتخذوا قراراً مخالفاً لأبسط القواعد الحزبية يقضي بإلغاء انتخاب مؤتمر الحزب العام 12 عضواً جديداً في المكتب السياسي . لكن عندما رفض مالنكوف إلغاء الخطة الخمسية 51 – 55 التي قضت بتحويل اقتصاد الحرب المنافي للإشتراكية إلى اقتصاد مدني اشتراكي حيث كان ذلك يمثل إنقلاباً جذرياً على الإشتراكية وجد الجيش ضالته بخروشتشوف الذي طوّع عددا من أعضاء اللجنة المركزية في أجواء السطوة العسكرية وصدر بيان باسم اللجنة المركزية يلغي الخطة الخماسية لأنها توهن وسائل الدفاع عن الوطن، وهو ما يعني الاستمرار في الإقتصاد الحربي وتخصيص كل عوائد الإقتصاد الوطني لإنتاج الأسلحة . أساء الظن العالم والأمريكان في المقدمة على أن التسلح الكثيف إنما هو لتحقيق الانتصار على الغرب الرأسمالي بينما هو في الحقيقة لتحقيق الإنتصار على الإشتراكية وإلغائها، إذ كانت خطة ستالين الإنتصار على الغرب الرأسمالي بالمنافسة السلمية، وكان قد رد ستالين على تشكيل حلف شمال الأطلسي في العام 49 بالقول .. " لن نحاربكم لكننا سنتغلب عليكم في المنافسة السلمية . وهكذا فقد الإتحاد السوفياتي مركزيته في الثورة الإشتراكية ولم يعد قادرا بعد إلغاء الخطة الخماسية واستئناف اقتصاد الحرب على مساعدة البلدان الاشتراكية في تصنيع اقتصاداتها فقط بل أخذ يحبط مسارها في الثورة الإشتراكية، ويتخلى عن حماية ثورة التحرر الوطني في العالم كما أعلن خروشتشوف في المؤتمر الحادي والعشرين للحزب في العام 59 وقد نادى بوضع خط فاصل بين الثورة الإشتراكية وثورة التحرر الوطني لأن الأخيرة تجلب مسؤوليات خطرة للدولة السوفياتية وخاصة أن ثمة قادة مغاميرين فيها – وكان يقصد عبد الناصر دون أن يسميه وشجب في هذا السياق إنذار بولغانين ضد العدوان الثلاثي على مصر في نوفمبر 56 وإنذار شبيلوف في يوليو 58 ضد أميركا وبريطانيا لحماية الثورة العراقية – ولذلك ظل الاتحاد السوفياتي يتفرج على عبد الناصر ينهزم في حرب 67 ، بتعبير ناصر نفسه .
لم يكن خروشتشوف يتوقع في العام 53 أن يفرض عليه العسكر شروطاً أخرى بعد إلغائه الخطة الخمسية مقابل حلوله محل ستالين لكنه فوجئ بأنهم يفرضون عليه خطاباً يهاجم ستالين في المؤتمر العشرين للحزب في العام 56 . هناك ما يشير إلى أن خروشتشوف رفض هذا الأمر وذلك ليس لأنه كان مبهوراً بشخصية ستالين الباهرة حقاً فقط بل لآن المكتب السياسي لن يوافق أبدا على الحط من قيمة ستالين . لكنه عندما أيقن أن شرط العسكر شرط فاصل رضي أن يلقي الخطاب كخطاب شخصي لا علاقة للحزب به بعد انتهاء أعمال المؤتمر . أكد المحيطون بخروشتشوف أن خروشتشوف لا يجيد تدبيج مثل ذاك الخطاب، لكن ثمة من يعتقد أن لخروشتشوف أثراً في الخطاب وهو مهاجمة ستالين من أفضل فضائله وهي إنكار الذات لدرجة أن تشيرتشل وصفه "بالقاسي مع الذات" فكان أن ركز خروشتشوف هجومه على ممارسة ستالين لطقوس عبادة الذات . ويرجح أن خروشتشوف كان أول من يعتقد ببطلان مثل ذاك الإتهام . ولذلك كان كمن يستنكر خطابه السري وهو يفتتح أعمال المؤتمر الإستثنائي الحادي والعشرين في العام 59 ويقول .. " استطاع حزبنا بقيادة ستالين لفترة طويلة أن يهزم أعداء الثورة من تروتسكيين وبورجوازيين وغيرهم وأن يبني لنا دولة اشتراكية عظمى نعتز بها " .

لم يكتفِ العسكر بكل ذاك التغريب لخروشتشوف عن الثورة الإشتراكية وخاصة بعد أن قاموا بانقلاب عسكري ضد الحزب وطرد سبعة أعضاء من المكتب السياسي كانوا الأغلبية الذين سحبوا الثقة من خروشتشوف فطالبوه بإلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا وهي الدمغة الأولى والأخيرة للثورة الإشتراكية وهو ما كان في المؤتمر الثاتي والعشرين للحزب في العام 61 وزارد خروشتشوف في ذلك وأعلن أن النظام السوفياتي بدأ يعتمد المرابحة في المبادلات التجارية كما الإستقلال المالي لمؤسسات الإنتاج .
خروشتشوف المشهور بالغباء ظن نفسه أنه بات بقوة ستالين بعد اشغال مركزه لعشر سنوات ولم يفطن إلى أن ستالين اكتسب قوته القاهرة من خلال الدفاع المستميت والصعب عن قضية عمال العالم لخمسين عاماً قضى معظمها رفيقاً للينين بينما هو قضى عشر سنوات يبيع قضية العمال مقابل الاحتفاظ بمركز ستالين مما زاده صغاراً على صغار وعندما بدا أنه سيمارس سياسة خروشتشوف القوي إمتثالاً بستالين سرعان ما أسقطه العسكر صغيراً وتافهاً في أكتوبر 64 .

القراءة الموضوعية لهذين الأفاقَين، تروتسكي وخروشتشوف، لا تؤهل أيتامهما في نقد الإشتراكية السوفياتية أو التنديد بقائد الثورة الإشتراكية حتى وصلت عند اغتياله عنان السماء تدق أبواب مراكز الرأسمالية العالمية بقوة، وباني الإتحاد السوفياتي أول دولة للعمال في التاريخ .
يعلم جميع أيتام الأفاقين تروتسكي وخروشتشوف علم اليقين أن كارل ماركس وفردريك إنجلز لم يكتبا كلمة واحدة عن عبور الإشتراكية باستثناء أن عبور الإشتراكية لا يتم إلا في ظل دولة دكتاتورية البروليتاريا يقودها الحزب الشيوعي . وقد بررا رفضهما بأن الإشتراكيين في البلد المعني هم الذين يقررون كيفية العبور حتى الوصول للشيوعية . كانت الإشتراكية السوفياتية هي من تقرير لينين وتنفيذ ستالين بناء على الظروف الخاصة بروسيا القيصرية .
بناء على هذا الأمر الذي لا يحتمل التشكيك لا يحق لأدعياء الشيوعية وخاصة أيتام تروتسكي وخروشتشوف خارج روسيا نقد الإشتراكية السوفياتية . عندما يدافع هؤلاء الأيتام عن رؤية تروتسكي أو رؤية خروشتشوف المختلفة عن الإشتراكية السوفياتية فليس ما يدفعهم إلى مثل هذا الدفاع الكاذب غير العداء للإشتراكية حيثما تكون وكيفما تكون . الأفاقان لم يهاجما الإشتراكية السوفياتية واقتصر هجومهما على شخص ستالين .
الإفاق تروتسكي اعترف في محاكمته الصورية أمام جون ديوي في العام 37 أن ما يطبقه ستالين في الاتحاد السوفياتي ليس إلا مشاريعه التي سرق ستالين مخطوطاتها من محفظة أرشيفه . وأما الأفاق خروشتشوف فقد اعترف في خطابه يفتتح المؤتمر الحادي والعشرون في العام 59 أن ستالين كان قد بنى دولة اشتراكية عظمى يفاخر بها السوفياتيون .
نحن هنا في النهاية لا نطالب أيتام الأفاقين تروتسكي وخروشتشوف بغير الإعتراف بأحقية الإشتراكية السوفياتية كما اعترف عرّافاهما من قبل ونترك شخص ستالين العظيم لمحاكمة التاريخ وهو المحكمة العادلة دائماً وأبداً .