الحلقة الثالثة: منظمة -إلى الأمام-: حول الخط الإستراتيجي، الإيديولوجي، السياسي والتنظيمي - محاولة تركيبية


موقع 30 عشت
2018 / 10 / 20 - 17:27     

يقدم موقع 30 غشت الحلقة الثالثة من مقالة " منظمة "إلى الأمام": حول الخط الإستراتيجي، الإيديولوجي، السياسي والتنظيمي ـــ محاولة تركيبية"، بقلم عسو أمزيان. وهي تضم المحاور التالية:
 
5 ــ ما قبل التصدع التنظيمي والانزلاق السياسي
الجزء الثاني: طور التصدع التنظيمي، الانزلاق السياسي اليميني وفصل المهام الاستراتيجية عن الخطط التكتيكية (من أواسط 1974 إلى ربيع 1976).
1 ــ بعض الملامح الأساسية للفترة
2 ــ ضربات نونبر 1974 / يناير 1975 وانطلاق مسلسل التصدع التنظيمي
3 ــ من ازدواجية المفاهيم السياسية إلى الانزلاق السياسي اليميني: مفاهيمه وطبيعته
توضيح أولي
3 ــ 1 ــ من مفهوم "النظام الكمبرادوري" إلى مفهوم "كمشة الحكم" أو "العصابة"
3 ــ 2 ــ من مفهوم "الجبهة الثورية الشعبية لإرساء سلطة القواعد الحمراء الدائمة" في مرحلة الث. الو. الد. الش.، إلى مفهوم "الجبهة العريضة لعزل الطغمة الثلاثية"
3 ــ 3 ــ من مفهوم" الشعب الصحراوي" إلى مفهوم "جماهير الصحراء"
3 ــ 4 ــــ من خط تنظيمي مركزي ديمقراطي، إلى نهج بيروقراطي
خلاصة مركزة للجزأين الأول والثاني
خطاطة
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ الحلقة الثالثة ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ

5 ــ ما قبل التصدع التنظيمي والانزلاق السياسي:

لقد تمت هذه السيرورة، المتميزة بنقد خط "الانطلاقة الثورية" وتدقيق وتثبيت خط "القواعد الحمراء"، ومحاكمة الخط التنظيمي ونقده تحت شعار "من أجل بناء منظمة طليعية، صلبة وراسخة جماهيريا" تتشكل من المحترفين الثوريين وتعمل على تحقيق وحدة الحملم وبناء حزب البروليتاريا المغربي، في ظل وضع سياسي متوتر ودقيق جدا، حيث عرف النظام الكمبرادوري الملكي، وللمرة الثانية، بعد سنة على المحاولة الأولى، محاولة انقلابية عسكرية ثانية (16 غشت 1972) أبرزت حدة التناقضات بين الأمبرياليتين الأمريكية والفرنسية، وعلى الخصوص تصاعد النضالات الجماهيرية التي قابلها النظام بسن الطريق الفاشستي لإحكام قبضته على الجماهير الشعبية.
هكذا، فبعد صعود الح. الم. الل. الم. لقيادة المنظمة الطلابية (أ.و.ط.م.) في المؤتمر الخامس عشر (غشت 1972) الذي تزامن مع المحاولة الانقلابية العسكرية الثانية، سارع النظام بعدها إلى الهجوم على الحركة الطلابية واعتقال مناضليها وقادتها، ليتم حل المنظمة الطلابية بعد ذلك في 24 يناير 1973، كما لم تسلم النقابة الوطنية للتلاميذ (تأسست رسميا في 22 أبريل 1972) من هجوم النظام واعتقال جزء من قيادتها وأطرها في مارس 1973. وعرف الوضع السياسي لهذه الفترة، على الخصوص، المحاولة المسلحة التي قاد عملياتها ما يسمى ب "تيار الرباط"، الجناح الوطني الثوري وسط إ.و.ق.ش.، أو ما يعرف ب حركة "3 مارس"، والتي انتهت بتصفيتها عن طريق إعدام واعتقال العديد من مناضليها.
ورغم ما ميز هذه الفترة من هجوم فاشستي للنظام، فقد شكلت مستوى عاليا من تقدم وتطور المنظمة، لا من حيث خطها الاستراتيجي، السياسي والتنظيمي، ولا من حيث توسع قاعدتها النضالية، وبشهادة من سيصبح لاحقا أحد قادة الخط اليميني وسطها بعد هذه الفترة، حيث ضمت المنظمة العديد من المناضلين من الوسط الشبيبي، الطلابي والتلاميذي، ومن وسط العمال والفلاحين والأحياء الشعبية، ومن رجال التعليم والمهندسين...، واستطاعت المنظمة اختراق مجموعة من المواقع العمالية الأساسية، كمعامل الفحم بجرادة، والفوسفاط بخريبكة، وعمال النسيج والسكك الحديدية والمكتب "الوطني" للكهرباء… كذلك العمل وسط الفلاحين (في منطقة الغرب ونواحي بني ملال مثلا)… كما استطاعت المنظمة في هذه الفترة بلورة وصياغة أول نظام داخلي لها، وذلك في أكتوبر 1974، بعد أن انطلق بخصوصه النقاش الداخلي منذ بدايات تلك السنة، والذي جاء ليؤكد على كل القضايا المركزية في خط المنظمة العام، حيث أكد بهذا الصدد، إيديولوجيا، على الخط الماركسي ــ اللينيني وإسهامات الرفيق ماو1 (أو الماركسية ــ اللينينية خط ماو)، واستراتيجيا على خط الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، من أجل نظام الجمهورية الديمقراطية الشعبية، بسلطة المجالس العمالية والشعبية، وعلى قضية الحزب الثوري البروليتاري المغربي، والتحالف العمالي ــ الفلاحي والجبهة الوطنية المتحدة، وعلى طريق حرب التحرير الشعبية الطويلة الامد.
عرفت هذه الفترة كذلك فصول متناقضة بخصوص علاقة التنسيق السياسي بين منظمة "إلى الأمام" ومنظمة "23 مارس"، حيث بعد فترة التنسيق الأولى، التي توجت بلجنة للتوحيد في أكتوبر 1972، دخلت المنظمتان ابتداء من مارس 1973، وعلى أرضية مجموع الأحداث السياسية المتوترة والمتسارعة التي عرفتها الفترة2، في صراع إيديولوجي وسياسي جماهيري استمر إلى حدود مارس 1974، حيث بلورت منظمة "إلى الامام" خلالها، مجموعة من الوثائق ردا على أطروحات الخط اليميني المهيمن على قيادة "23 مارس"3، بعد ذلك، انطلق الطرفان من جديد، خصوصا بعد انبثاق لجنة وطنية جديدة أغلب عناصرها مما اعتبرته المنظمة ب "الخط الإيجابي" وسط منظمة "23 مارس"، في عملية التنسيق السياسي والنضالي الذي توج بداية ببيان "22 يونيو" 1974، و ب"الخطة التكتيكية المشتركة" (أكتوبر 1974).
إلا أن الهجوم الفاشستي للنظام، خصوصا وأن قضية الصحراء الغربية أصبحت في هذه الفترة تتصدر شيئا فشيئا قضايا الصراع السياسي، وعلى الخصوص بعد مرور سنة على تأسيس "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب"، وكذا قرار النظام الفاشي بإسبانيا في أبريل 1974 الإسراع ب "استفتاء الحكم الذاتي" تحت مظلته، وإعلان النظام الكمبرادوري في8 يوليوز 1974 بتخصيص سنة 1975 لما أسماه ب "تحرير الأراضي المغربية"، وإعلانه بعد ذلك (أواخر 1974، خطاب أكادير) عن نيته في اجتثاث الحملم وكل الحركة الثورية. هذا الهجوم المصاحب بجذبة غير مسبوقة للأحزاب الإصلاحية، التي التفت حول النظام بشعار "استرجاع الأراضي المستعمرة في الصحراء"4، أسقط وبسرعة كل أطر وقيادة "23 مارس" في أيدي الاجهزة القمعية، واضعا بذلك حدا لعملية التنسيق بين المنظمتين من جهة، ومعلنا دخول منظمة "إلى الأمام" فترة عصيبة من وجودها السياسي والتنظيمي من جهة ثانية، خصوصا وأن العديد من أطرها وقادتها سيتعرضون هم كذلك للاعتقال.

الجزء الثاني: طور التصدع التنظيمي، الانزلاق السياسي اليميني وفصل المهام الاستراتيجية عن الخطط التكتيكية (من أواسط 1974 إلى ربيع 1976).

1 ــ بعض الملامح الأساسية للفترة:

في هذه الفترة كان النظام يعمل على تصفية قضية الصحراء الغربية بمعية نظام موريتانيا، حيث عمل النظامان، بعد قمتهما سنة قبل ذلك (نونبر 1974) فيما سمي بقمة "الرباط" التي هيئت الأرضية لذلك، على اقتسام أراضي الصحراء الغربية، ضمن اتفاقية مدريد الثلاثية، بتاريخ 14 نونبر 1975 (في هذا التاريخ بالضبط كان الفاشي فرانكو يعيش آخر أيامه وهو في حالة غيبوبة، وهي الاتفاقية التي صادق عليها البرلمان الاسباني في 18 نونبر5)، ليضع النظام الكمبرادوري يده على منطقة الساقية الحمراء الغنية بفوسفاط بوكراع، ووضع نظام موريتانيا اليد على وادي الذهب، ثم بعدها يتم اقتحام مدينة العيون، المدينة الرئيسية للساقية الحمراء، من طرف جيوش النظام الكمبرادوري (4000 جندي، وذلك بتاريخ 11 دجنبر 1975) لتنطلق أولى أشواط الحرب في "أمكالة" في 27 يناير 1976 وتستمر إلى حدود 15 فبراير من نفس السنة، لتعلن الجبهة الشعبية" (البوليساريو) عن تأسيس "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" في يوم 27 فبراير، وتشكيل أول حكومة لها في 6 مارس من نفس السنة، ليصدر بعدها "إعلان إسبانيا" بالانسحاب كليا من الصحراء بتاريخ 26 مارس 1976.
وجب التذكير هنا بالالتفاف الشوفيني للأحزاب الإصلاحية حول النظام، الذي انطلق منذ بدايات 1974، في ما سمي ب "استرجاع الأراضي المغربية بالصحراء"، واستطاع النظام، مرة أخرى، جر تلك الأحزاب إلى لعبته السياسية السخيفة، حيث ألقى بطعم المسلسل الانتخابي اتجاهها، وإعلانه إجرائها في أكتوبر 1975، في إطار ما سمي ب "تفتح" النظام اتجاه الاحزاب الإصلاحية، خصوصا بعد تطويع "جناح الرباط" والتحاقه بحظيرة "السلم / النضال الديمقراطي" وتأسيس بوعبيد لاتحاده "الاشتراكي للقوات الشعبية" في يناير 1975، وعودة إصدار جريدة "المحرر". على وقع هذه الأحداث السياسية التي هيأ بها النظام ما أطلق عليه ب "الإجماع الوطني" وبسط أرضية ما سيسمى لاحقا في خريف 1976 ب"المسلسل الديمقراطي" (انطلق هذا المسلسل رسميا مع انتخابات 12 نونبر 1976 التي شكلت فعلا حجر الزاوية في هذه المسلسل)، لم تتوقف النضالات الجماهيرية، رغم تخلي الأحزاب الإصلاحية عنها، حيث استمرت النضالات العمالية رغم مناورات النظام، بمعية الباطرونا، وتخاذل قيادة نقابة "إ.م.ش."، واستمرار جماهير الفلاحين في مقاومة القمع اليومي للنظام وأعيانه بالقرى والأرياف، حيث لم تتوقف عمليات تجريدهم من أراضيهم، وكذلك، ورغم الحظر والقمع المسلط على النقابتين الطلابية والتلاميذية، استمرت الجماهير الشبيبية في النضال والمقاومة، من أجل استرجاع "الشرعية القانونية"، ومن أجل الحريات الديمقراطية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، الذين كانوا حينها يخوضون إضرابا عن الطعام بسجن النظام بالدارالبيضاء.

2 ــ ضربات نونبر 1974 / يناير 1975 وانطلاق مسلسل التصدع التنظيمي

عرفت منظمة "إلى الأمام" منذ تأسيسها وإلى حدود منتصف سنة 1974، ضربات مختلفة لشل حركتها، عن طريق حملات الاعتقالات التي مست مجموعة من مناضليها وأطرها، وفي كل مرة كانت المنظمة تجتاز تلك الضربات6 بصمود واستمرارية، سواء في بناء تنظيمها المركزي، أو تنظيماتها الجماهيرية وشبه الجماهيرية، أو في بناء وتدقيق خطها الاستراتيجي، السياسي والتنظيمي الذي توجته بالأطروحة الثورية ل"القواعد الحمراء المتحركة وقواعد السلطة الحمراء الدائمة"، كمرحلتين متداخلتين ومتكاملتين من تطور حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد، كخيار استراتيجي ثابت للمنظمة منذ التأسيس. إلا أن سيرورة هجوم النظام، وعلى الخصوص حملته الشرسة في بداية نونبر 1974، التي من خلالها تم الاجتثاث التنظيمي لمنظمة "23 مارس" واعتقال كل قيادتها وجل أطرها ومناضليها، شكل، في مجرى التنسيق السياسي بين المنظمتين، "مقدمة" لضربة قوية، أتت، في تلك الفترة، على أعمدة الخط الثوري من الأطر المحترفة لمنظمة "إلى الأمام" وقيادييها، اعتقال القيادي عبداللطيف زروال في 5 نونبر 1974 واستشهاده تحت التعذيب في 14 نونبر، واعتقال أبراهام السرفاتي في 9 نونبر من نفس السنة7. كما تمكن هذا الهجوم، بعد ذلك، من احتلال المقر التقني المركزي للمنظمة من طرف الجهاز البوليسي للنظام، واكتشاف العديد من مقراتها، بما فيها وضع اليد على وثائقها وأرشيفها8.
لم تنقطع سلسلة هذه الضربات، بل تعمقت لتشمل العديد من الأطر الثورية المحترفة للمنظمة، إلى حين أن تم السقوط شبه الكلي في أيدي النظام في مارس 1976(تعرض المنظمة المركزية للاجتثاث مع نجاة العديد من مناضلي التنظيمات شبه الجماهيرية التابعة للمنظمة)، حيث لم يتبقى من قيادة المنظمة ما بين ضربات نونبر 74 / يناير 75 وبين السقوط الكلي للتنظيم المركزي في مارس 1976، إلا ثلاثة أعضاء قياديين وهم: المشتري بلعباس، عبدالفتاح الفاكهاني (عضوي الكتابة الوطنية) والصافي حمادي (عضو اللجنة الوطنية).
في هذه الفترة، وقبلها بقليل، وتحديدا خلال عودة عمل التنسيق السياسي بين منظمة "إلى الأمام" ومنظمة "23 مارس" في أواسط 1974 بعد انفجاره في مارس 1973، تمت استعادة بعض المفاهيم السياسية من جهة منظمة "إلى الأمام" والتي كانت ثانوية في خطها السياسي9، لبلورة خط "سياسي مشترك"، هدفت من خلاله منظمة "إلى الامام" عزل الخط اليميني وسط منظمة "23 مارس" وبناء الوحدة الإيديولوجية والسياسية بأفق الوحدة التنظيمية مع ما أطلق عليه ب "الخط الإيجابي". وعلى الخصوص، تمت استعادة هذه المفاهيم "من جديد"، بعد أن تعززت خلال حملات الدعاية السياسية ضد النظام، وخلال سيرورة عملية التنسيق السياسي في النصف الثاني من سنة 1974، لتبرز ملامحها أكثر فأكثر في فترة التصدع التنظيمي لما بعد ضربات نونبر 74 / يناير 75، وتحت قيادة من تبقى من الكتابة الوطنية للمنظمة، وتشكل بعد ذلك، ما بعد ربيع 1976، الهيكل الإيديولوجي لانبثاق خط سياسي يميني وسط منظمة "إلى الأمام"، حيث تبنينت بعض عناصرها الرئيسية في هذه الفترة من التصدع التنظيمي، وحيث شكلت سابقا، في فترة العمل السياسي المشترك قبل ضربات نونبر 74، منظورا إليها من زاوية الخط السياسي والاستراتيجي العام للمنظمة، انتهازية سياسية، لتصبح تحت قيادة من تبقى من أعضاء الكتابة الوطنية للمنظمة، انزلاقا سياسيا يمينيا في خط المنظمة السياسي ومقدمة لفصل مهامها الاستراتيجية عن خططها التكتيكية.

3 ــ من ازدواجية المفاهيم السياسية إلى الانزلاق السياسي اليميني: مفاهيمه وطبيعته

توضيح أولي:
إن استعمال مفهوم "الانزلاق السياسي اليميني" هنا، هو ليس حكما من طرف هذه المقالة التركيبية في حق الخط السياسي العام لمنظمة "إلى الأمام" لهذه الفترة، بل هو مفهوم تم استعماله في الفترة اللاحقة عليها، والتي فيها عرفت منظمة "إلى الأمام" سيرورة من الانفجار التنظيمي والسياسي، حيث فيها تمت العودة، ضمن صراعاتها الداخلية، إلى النظر في تطورات خطها السياسي العام، وفي هذا الصدد، فقد اعترف أحد قياديي المنظمة، الذي ساهم وانتقل بين مختلف أطروحاتها السياسية، في نقده الذاتي10، أبراهام السرفاتي، أن الخط السياسي للمنظمة لهذه الفترة عرف "انزلاقا يمينيا" قام به التنظيم سنة 1974، والمقصود به هنا، هو إصدار وثيقة "الخطة التكتيكية المشتركة" لأكتوبر 1974، التي فيها تم استعمال "مفاهيم سياسية" جد محددة، سواء تعلق الأمر بمفهوم "النظام" (طبيعته ومضمونه)، أو بمفهوم وطبيعة "الجبهة العريضة لعزل النظام"، وقبلها، بخصوص الموقف من قضية الصحراء الغربية، حين إصدار "بيان 22 يونيو 1974" المشترك بين منظمة "إلى الأمام" ومنظمة "23 مارس".
إن "المفاهيم السياسية"، التي تم الارتكاز إليها في هذه الفترة، هي "دخيلة" على الخط السياسي العام لمنظمة "إلى الأمام"، وتعتبر عناصرا لخط سياسي لم يبرز بعد، في هذه الفترة ووسط المنظمة، هيكله الأساسي ولا توجهاته العامة، لكنها شكلت، في هذه الفترة بالضبط، من جهة، انزياحا عن بعض المفاهيم السياسية المركزية التي بلورتها المنظمة11، ومن جهة ثانية، تلامس، في شكلها ومضمونها، مجموعة من المفاهيم السياسية المستهلكة من طرف الاتجاه اليميني وسط الحملم، وكذا من طرف القوى السياسية الإصلاحية لهذه الفترة.
وللتأكيد مجددا، فإن هذه المقالة التركيبية التي حددت سابقا، في مقدمتها، إطار عملها وهدفها (أنظر تقديم المقالة في الجزء الاول)، لن تخوض في تبيان العلاقات التي تربط هذه المفاهيم السياسية "الدخيلة" على الخط السياسي العام لمنظمة "إلى الأمام"، بأطروحات سياسية يمينية إصلاحية، سواء تلك التي كانت مطروحة في تلك الفترة وسط منظمة "23 مارس"، أو بشكل عام، تلك التي كانت تشكل مفاهيم سياسية مركزية لخط سياسي إصلاحي عرف بخط " النضال الديمقراطي"، والذي يضع الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وبشكل عام كل الفئات الاجتماعية المستغلة و المضطهدة في ذيل الأحزاب الإصلاحية، الممثلة سياسيا للبرجوازية الصغيرة والمتوسطة، أو ربط هذه المفاهيم بما آلت إليه هي ذاتها بعد ذلك، ضمن خط سياسي كشف عن يمينيته وسط منظمة "إلى الأمام" في فترة لاحقة، بل ستعمل المقالة هنا فقط على كشف هذه المفاهيم السياسية وتقديمها بما حملته من مضمون في فترة بروزها تلك12.

3 ــ 1 ــ من مفهوم "النظام الكمبرادوري" إلى مفهوم "كمشة الحكم" أو "العصابة"

حين تأسيسها، استعملت منظمة "إلى الأمام" مفهوم "الأوليغارشيا الكمبرادورية"، حيث اعتبرتها، آنذاك، "شرذمة من الأفراد"13، أو "طغمة من الناهبين"14 تمارس سلطة سياسية مطلقة، وتسيطر على مختلف القطاعات الاقتصادية، من صناعة وتجارة وفلاحة بارتباط وثيق مع الرأسمال الأجنبي، كما حددت مهمتها في "عزل الأوليغارشية الكمبرادورية" وبناء السلطة الديكتاتورية الديمقراطية الثورية للعمال والفلاحين الفقراء.
لكن، وفي سياق نقد وتعميق المنظمة لخطها السياسي والاستراتيجي والتنظيمي في معمعان الصراع الطبقي، وبشكل عام ما بين سنتي 1972 و بدايات سنة 1974، استطاعت المنظمة تحديد طبيعة النظام، كنظام كمبرادوري مندمج بالرأسمال الامبريالي، وكذا بناؤها للخط الثوري من أجل " الإطاحة بسلطة الديكتاتورية الملكية والطبقة الكمبرادورية والإمبريالية و إرساء ديكتاتورية شعبية" تجسدها السلطة الثورية لمجالس العمال والفلاحين، عن طريق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية كمرحلة أولى، بقيادة الجبهة الثورية الشعبية، تشكل فيها اللجان الثورية (لجان العمال وـ الفلاحين والشباب والجنود) بقيادة حزب البروليتاريا الماركسي ــ اللينيني، وسيلتها الرئيسية في ممارسة السلطة الثورية، على طريق الثورة الاشتراكية، كمرحلة ثانية، مباشرة وغير منفصلة عن الأولى.
في هذه الفترة بالضبط ، وعلى جهة التنسيق السياسي بين منظمة "إلى الأمام" ومنظمة "23 مارس"، بعد أن عادت الروح الثورية الوحدوية بينهما15، حيث كانت قد عرفت قبل ذلك طورا من الصراع الجماهيري (في مارس 1973 16)، تم التركيز في "الخط السياسي المشترك" الذي عبرت عنه وثيقة "الخطة التكتيكية المشتركة" (أكتوبر 1974)، على مفهوم "عزل النظام القائم"، أو استعمال مفهوم "النظام الحالي"17، وبعدها، بعد ضربات نونبر 1974 / يناير 1975، وتحت قيادة من تبقى من الكتابة الوطنية للمنظمة، في وثيقة 12 فبراير 1975 بعنوان: "من أجل عزل الحكم الرجعي العميل، تعزيز الوحدة النضالية، تحقيق البرنامج الديمقراطي"18، وهو المفهوم الذي اتخذ، ظاهريا، في هذه الفترة، عناوينا متنوعة، لكنه ظل يحمل مضمون "الطغمة الثلاثية : الحسن ــ عبدالله ــ الدليمي"، والنضال لأجل "عزلها".
لقد تعزز هذا المفهوم خلال عملية التنسيق بين المنظمة وفصيلي الحركة الم.الل.الم، وأصبح هو المفهوم السائد في فترة التصدع التنظيمي، أي في فترة ما بعد ضربات نونبر 74 / يناير 75، إلا أنه، في صيغته المعبر عنها ب : "الطغمة الثلاثية الحسن ــ عبدالله ــ الدليمي"، يعود إلى بدايات 1974 ووسط منظمة "إلى الأمام" نفسها، حيث جاء التعبير عن "النظام"، في افتتاحية جريدة "إلى الأمام" عدد 19 يناير 1974 وتحت عنوان: " الموقف الوطني الحقيقي من الصحراء ومهام الحركة الجماهيرية وقواها الثورية والديمقراطية"، بصيغة "كمشة الحسن ــ عبدالله ــ الدليمي"، و "حكم عصابة الحسن ــ عبدالله ــ الدليمي"، وهو المفهوم الذي لم تسلم منه إحدى الوثائق الأساسية للمنظمة لهذه الفترة، وهي وثيقة ”من أجل خط ماركسي ــ لينيني لحزب البروليتاريا المغربي" (8مارس 1974) الموجهة للنقاش مع "الخط الثالث" وسط الحملم، حيث فيها تمت "المزاوجة" بين مفهوم "نظام الديكتاتورية الملكية والطبقة الكمبرادورية" والعمل على "الإطاحة بسلطتها وإرساء السلطة الشعبية الثورية”، وبين مفهوم "نظام / طغمة / حكم الحسن ــ عبدالله ــ الدليمي" والنضال لأجل "عزله". هذا وقد تم ربط مفهوم "الطغمة الثلاثية" بمفهوم وطبيعة "الجبهة"، التي تمت فيها هي الاخرى "المزاوجة" بين مفهوم "الجبهة الثورية الشعبية" (أنظر طبيعة هذه الجبهة وأهدافها في الجزء الأول لهذه المقالة) وبين مفهوم "الجبهة العريضة"، بهدف "عزل تلك الطغمة"، حيث تقول المنظمة بهذا الصدد وفي نفس الوثيقة: " بل يجب أن نعمل على مد جسور التحالف الوطني الواسع، للاستفادة حتى من تناقضات العدو، وعزل العدو الأكثر شراسة في كل مرحلة (وهو في المرحلة الراهنة طغمة الحسن-عبد الله-الدليمي والإمبريالية) تمهيدا للإطاحة به."
فهذه الصيغة الأخيرة، صيغة "الطغمة الثلاثية"، هي ذاتها التي تمت استعادتها، وبشكل حصري هذه المرة، في المنشور الموقع باسم منظمة "إلى الأمام" بتاريخ 29 يوليوز 1974 حول الأوضاع المزرية بمدينة طنجة19، وهي الصيغة التي سادت ولوحدها في خط المنظمة لفترة التصدع التنظيمي لما بين حملة الاعتقالات في نونبر 1974/يناير 1975 واعتقال ما تبقى من قيادة المنظمة في مارس 1976.

3 ــ 2 ــ من مفهوم "الجبهة الثورية الشعبية لإرساء سلطة القواعد الحمراء الدائمة" في مرحلة الث. الو. الد. الش.، إلى مفهوم "الجبهة العريضة لعزل الطغمة الثلاثية"

سبق وأن طرحت هذه المقالة التركيبية، في جزءها الأول، موضوعة "الجبهة الثورية الشعبية" في خط المنظمة الاستراتيجي، وهي بكل تركيز جبهة طبقية لكافة الطبقات الوطنية، قاعدتها هي اللجان الثورية (للعمال والفلاحين والجنود والشباب وجماهير البرجوازية الصغيرة) وبقيادة البروليتاريا عن طريق الحزب الماركسي ــ اللينيني، وتعتبر الجبهة الصياغة السياسية والتنظيمية للثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية (الجبهة الو.الد.الش.20) بهدف تحطيم النظام التبعي (البنية الامبريالو ــ كمبرادورية) وإقامة سلطة المجالس الثورية. طبيعة هذه "الجبهة" في خط المنظمة، هي استراتيجية مرتبطة بمفهوم "الجبهة الغربية للثورة العربية" المندرجة ضمن استراتيجية أوسع بقيادة البروليتاريا، بهدف القضاء على الوجود الامبريالي والصهيوني بالمنطقة العربية، وتعزيز الخط البروليتاري الثوري السديد أمميا.
كانت هذه الموضوعة حول "الجبهة الثورية الشعبية" مركزية في الخط الاستراتيجي العام للمنظمة لهذه الفترة، ومسيرة بنائها هي واحدة ومسيرة بناء الحزب الماركسي ــ اللينيني الثوري، الذي يعتبر شرطا أساسيا لقيام هذه الجبهة، عن طريق قيادته لها، إلى جانب شرط بناء التحالف العمالي ــ الفلاحي (الفلاحين الفقراء والمعدمين، الحليف الموثوق به بالنسبة للبروليتاريا.)، إلا أنه في بدايات 1974، خلال عملية التنسيق السياسي بين فصائل الحملم وضمن منظور بناء منظمة ثورية ماركسية ــ لينينية واحدة، تكون نواة الحزب البروليتاري الماركسي ــ اللينيني، تمت الإشارة في وثيقة "من أجل خط ماركسي ــ لينيني"، إلى "أن قدرة الحركة الماركسية ــ اللينينية على جر القوى الديمقراطية إليها، ودفعها إلى النضال ضد الحكم المتعفن، وتوسيع عزلته، سيعطي مضمونا واسعا لنضال الجماهير"، وأن هذه المهمة "ترتبط جدليا بمهمة انتقاد ميولاتها الانتهازية اليمينية في التعامل مع الحكم، وتشطيب هيمنة أيديولوجيتها البرجوازية على الجماهير الكادحة، وانتقاد ميولاتها اليسارية المتطرفة (البصريين)..”21 . لتنتقل “فكرة” "جر القوى الديمقراطية ودفعها إلى النضال ضد الحكم..."، المدرجة ثانويا /(تكتيكيا) بجانب موضوعة "الجبهة الثورية الشعبية" كجبهة طبقية مركزية في الخط السياسي، التنظيمي والاستراتيجي للمنظمة، إلى طرح بناء "أوسع جبهة معارضة للحكم… على أساس التهييء لقيام الشروط الحقيقية لجبهة ثورية متحدة"22.
في الحقيقة، فوثيقة "من أجل خط ماركسي ـ لينيني لحزب البروليتاريا المغربي" لم تطرح بشكل واضح ودقيق عملية التمفصل بين مضمون (مفهوم) "أوسع جبهة معارضة..."، أو "الجبهة العريضة..."، والموضوعة الاستراتيجية الثورية للمنظمة حول "الجبهة الثورية الشعبية"، التي طرحتها قبل ذلك بعض الوثائق الاستراتيجية للمنظمة في فترة نقد وتعميق الخط الاستراتيجي والسياسي.
فنجد مثلا، في تعبيرها عن مضمون عملية جر "الفصائل الجذرية داخل الأحزاب.."، تقول المنظمة: "إننا لا نسد باب الجبهة في وجه جميع هذه الفصائل والعناصر الجذرية داخل هذه الأحزاب وخارجها"، والقصد هنا هو باب "الجبهة الثورية الشعبية"، حيث تعلل المنظمة ذلك، ب "أن من مصلحة البروليتاريا وحلفائها الثوريين أن تضم هذه الجبهة أوسع الطبقات والفئات، والعناصر الوطنية المعادية للإمبريالية ولطغمة الحسن-عبد الله-الدليمي، بل تقوم إحدى مهماتها الأساسية في هذا الاتجاه، إلى دفع هذه الأجنحة والعناصر الجذرية إلى التعبير عن نفسها بشكل مستقل، ودفعها للانخراط في الجبهة الثورية المتحدة.".
في هذا الاتجاه، حددت المنظمة هذه الفصائل السياسية التي يجب العمل على نقدها ودفعها إلى الانخراط في "الجبهة الثورية الشعبية"، في:

1 ــ " اتحاد بوعبيد: وهي فئة سياسية تعبر عن اتجاه البرجوازية الصغيرة الإصلاحي، وتشكل في ذات الوقت الواجهة السياسية لجناح البصري، وهي مؤهلة لتأييد الجبهة الثورية والانخراط فيها، ويتطلب الأمر نضالا إيديولوجيا وسياسيا عنيدا ضد ميلها الإصلاحي."

2 ــ "جناح البصري: هو الفئة التي تعبر عن الميل الديمقراطي الثوري داخل البرجوازية الصغيرة، واتجاهها البلانكي في الاستيلاء على السلطة، وهي أكثر القوى السياسية استعدادا من الناحية الموضوعية، للانضمام كطرف فعال في الجبهة الثورية، لكن لا ينبغي أن نعتبر أن جناح البصري، زائد الحركة الماركسية اللينينية يشكل الجبهة الثورية المتحدة، إن هذا إنما يقفز عن طبقات وطنية وعناصر مستقلة لا يمثلها هذا الجناح، ولا الحركة الماركسية اللينينية، ستشكل أطرافا فعالة في الجبهة. "

هذا وقد ربطت المنظمة هنا انخراط هذا الجناح الأخير "كطرف فعال في الجبهة" بتوفر شروط تطوره في "اتجاه ديمقراطي وطني جذري" و "على أنقاض اندحار خطه البلانكي البرجوازي الصغير".
وللإشارة هنا، لم يفت المنظمة بهذا الصدد، "احتمال ...تطور اتجاه آخر في ظل نمو الشروط الموضوعية للصراع الطبقي داخل الجيش، هو اتجاه الضباط الوطنيين"، حيث أن بروزه، تقول المنظمة، "رهين بمدى قدرة الطليعة البروليتارية على التقاط النزعة الوطنية التي تنمو داخل الجيش، في إطار عمل سياسي منظم، ودفعها إلى جانب الثورة الشعبية".

على خلاف ما قدمته هنا المنظمة، بخصوص عملية جر "الفصائل الجذرية" و "انخراطها" في مشروع "الجبهة الثورية الشعبية"، ضمن تطوير "الاتجاه الديمقراطي الوطني الجذري" بشكل عام، تمت كذلك الإشارة، في ذات الوثيقة، ولأول مرة في خطها السياسي والاستراتيجي العام23، أن تنمية هذا "الاتجاه الديمقراطي الثوري"، ليس "من أجل بناء جبهة في المدى القريب"، والقصد هنا هو "الجبهة الثورية الشعبية"، بل، تقول المنظمة، "من أجل بناء أوسع جبهة معارضة للحكم... وعلى أساس التهييء لقيام الشروط الحقيقية لجبهة ثورية متحدة مكافحة، من أجل انتصار الثو. الو. الد. الش."، كما أنها، تضيف المنظمة، "إننا لا نلغي الدور الإيجابي ذاته للقوى الديمقراطية الإصلاحية، لكن ليس من أجل جبهة متحدة، بل في اتجاه تنمية جميع مظاهر المعارضة لنظام الحسن ــ عبدالله ــ الدليمي، ذلك أن من مهمة الثوريين الماركسيين اللينينيين، التقاط واستيعاب كافة أشكال وإمكانيات المعارضة والاحتجاج والتناقضات، لمصلحة عزل النظام القائم لأقصى حد، وصياغة الخطط والشعارات السياسية والأشكال التنظيمية لأجل ذلك."
فرغم أن طرح "بناء أوسع جبهة معارضة للحكم..." شكل، في هذه اللحظة، حلقة (تكتيكية) جديدة في الخط العام للمنظمة، إلا أنه، من جهة، كان ثانويا إن تم وضعه أمام مجموع المهام المركزية التي سطرتها المنظمة في ذات الوثيقة وقبلها في وثائقها الأساسية، ومن جهة ثانية، فهذه الحلقة الجديدة لم تشكل حينها أي قطع مع المهام الاستراتيجية للمنظمة، أو خروج عن إطارها، بل وضعت، وإن لم يتم التوضيح والتدقيق في تمفصلاتهما، لخدمة الاستراتيجية التي حددتها المنظمة في تلك المرحلة (مرحلة الث. الو. الد. الش.).
إن هذا الأمر تؤكده فكرة المنظمة حول هذه الحلقة التي أطلقت عليها وفي نفس الوثيقة، مفهوم "الأشكال الأولية للجبهة"، والتي وضعت لها المنظمة " كهدف مباشر، خدمة الحلقة المركزية من مهام الماركسيين اللينينيين: بناء الحزب البروليتاري الماركسي اللينيني، ثم هدف الجبهة المتحدة وعزل النظام القائم كأهداف غير مباشرة.".
لم يكن، لحظتها، في بدايات 1974، لهذه "الأشكال الأولية للجبهة"، ولا لمجموع المفاهيم السياسية، التي برزت حينها بشكل ثانوي في الخط السياسي والاستراتيجي العام لمنظمة "إلى الأمام"، تأثيرا كافيا يمكن نعته بالتحول في هذا الخط ، أمام الحضور القوي والمكثف للمفاهيم المركزية، ولأطروحة "القواعد الحمراء" الثورية، كما أن المنظمة، من خلال طرح هذه "الأشكال الأولية للجبهة"، لم تكن تدعو لأي نوع من أي "تحالف سياسي" مع الأحزاب السياسية الإصلاحية، حيث لم تتوقف، حينها، عن نقدها وفضحها من جهة، ومن جهة ثانية، فقد تم طرح عمل هذه "الفصائل الجذرية" ضمن منظور عمل "اللجان الثورية" على "تنظيم أوسع الجماهير وفي مجموع الطبقات، وتعبئتها في النضال الوطني الديمقراطي كتنظيم قاعدي للجبهة الثورية الشعبية".
إلا أن هذا "الطرح" الثانوي / (التكتيكي) في خط المنظمة لبدايات 1974، سيصبح محورا رئيسيا في "الخطة التكتيكية المشتركة" لأكتوبر 1974، ضمن عملية التنسيق السياسي للمنظمة مع منظمة "23 مارس"، والتي في إطارها سيتم القفز على عملية "جر القوى الديمقراطية للنضال ضد الحكم.."، إلى الدعوة للتحالف مع هذه الأحزاب السياسية الإصلاحية، لتشكيل ما سمي ب "الجبهة العريضة" بهدف "عزل النظام"24، لتأتي بعدها ضربات نونبر 74/ يناير 75، أي فترة التصدع التنظيمي، وتحت قيادة ما تبقى من الكتابة الوطنية للمنظمة، فتحتل هذه الأطروحة التكتيكية المشتركة، المحور الرئيسي والوحيد لخط المنظمة السياسي، ومن دون أي ربط بالاستراتيجية التي وضعتها المنظمة قبل هذه الفترة، هذه المسألة، تؤكدها وثيقة (بيان) 12 فبراير 1975 الداعية للتحالف مع القوى الاصلاحية الملتفة لحظتها حول النظام، والمركزة سياسيا على (شعار) مفهوم "عزل الطغمة الثلاثية : الحسن ــ عبدالله ــ الدليمي"، مع ما صاحب دعوة التحالف هذه، من وضع برنامج، وباسم المنظمة، قالت القيادة المتبقية أنه "يشكل قاعدة النضال الديمقراطي في المرحلة الراهنة"، حيث اعتبرت أن هذه الاخيرة هي "مرحلة ديمقراطية" من دون أي تحديد لطبيعة هذه "الديمقراطية" ولا لمضمونها، ومن دون تقديم أي تحليل، قد تستند عليه هذه القيادة لتبرير الطبيعة "الديمقراطية" لهذه المرحلة، وكذا ما صاحبها من تجميد سلاح النقد والفضح اتجاه هذه الأحزاب الإصلاحية، التي أصبحت في منظور القيادة المتبقية، قوى "وطنية وديمقراطية" رغم حملة هذه الأخيرة ضد المنظمة بخصوص موقفها من قضية الصحراء الغربية، ورغم تخلي هذه القوى الاصلاحية عن نضالات ومطالب الجماهير، بسبب التحاقها بالنظام، و ب"وحدته الوطنية" و بعد ذلك "مسلسله الديمقراطي".
هكذا إذن، تحول طرح "بناء أوسع جبهة معارضة للحكم" كحلقة "تكتيكية" جديدة وثانوية في الخط العام للمنظمة في بدايات 1974، إلى مهمة مركزية ووحيدة في هذا الخط لفترة التصدع التنظيمي (ما بعد ضربات 74 / 75 إلى حدود مارس 76)، وأصبح معه هذا الطرح الثانوي، في هذه الفترة، مفصولا كليا عن المهام الاستراتيجية للمنظمة، وعلى الخصوص مهام بناء "الجبهة الثورية الشعبية" وكل المهام المرتبطة بها، وهو بهذا لا يخدم بأي حال مهام الث.الو.الد.الش.، لكون "الجبهة الثورية الشعبية" كما حددتها المنظمة، هي الصيغة التنظيمية والسياسية لهذه الثورة، بل إن الطرح "التكتيكي" إياه، كان قد شكل لحظتها طرحا مركزيا لما سمي ب "خط النضال الديمقراطي" الذي دشنته القوى الإصلاحية.

3 ــ 3 ــ من مفهوم" الشعب الصحراوي" إلى مفهوم "جماهير الصحراء"

لقد كان أول إعلان جماهيري لمنظمة "إلى الأمام" بصدد الموقف من قضية الصحراء الغربية، هو الموقف الذي أصدره المؤتمر الخامس عشر للمنظمة الطلابية أ. و. ط .م. في صيف 1972، والذي تبنى في إحدى توصياته "حق تقرير المصير للشعب العربي في الصحراء". إلا أن موقفها بهذا الصدد، قد تم اتخاذه منذ انطلاقتها (انظر الوثيقة التأسيسية : "سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري" 30 غشت 1970)، لتعمل منظمة "إلى الأمام"، خلال طور تعميق خطها السياسي والاستراتيجي، على تعميق وتدقيق موقفها من الصحراء الغربية ضمن تصور استراتيجي يدمج كفاح التحرر الوطني في الصحراء الغربية بالثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، في استراتيجية واحدة وجبهة واحدة (الثورة في الغرب العربي)، ضمن سياق الثورة العربية بقيادة البروليتاريا، وعلى قاعدة الأممية البروليتارية، وتوطيد الخط البروليتاري السديد على المستوى العالمي. هكذا نجد موقف المنظمة المعبر عنه في وثيقة "مسودة حول الاستراتيجية الثورية" في 30 يونيو 1972 ("...الجبهة الواسعة لشعوب منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط: الشعب الصحراوي، الشعب الموريتاني...")، وبعدها في وثيقة "تناقضات العدو والأفق الثوري بالمغرب" في 10 شتنبر 1972.
في بدايات سنة 1974، أصبحت قضية الصحراء الغربية تتصدر تدريجيا قضايا الصراع السياسي، وهو ما دفع بالمنظمة، في ظل التحاق كل القوى الإصلاحية بالموقف الشوفيني للنظام، إلى إصدار موقفها مجددا في وثيقة "الموقف الوطني الحقيقي من الصحراء، ومهام الحركة الجماهيرية وقواها الثورية والديمقراطية" (يناير 1974)، والتي فيها تم طرح وبشكل حصري مفهوم "جماهير الصحراء". ففي هذه الفترة بالضبط، عرف موقف المنظمة، على مستوى المفهوم التاريخي والسياسي ل "الشعب الصحراوي / جماهير الصحراء"، تأرجحا بين الإثنين، لكنه لم يكن ليؤثر على مفاهيمها المكونة لخطها الاستراتيجي، الذي عبر عنه مفهوم "الجبهة الموحدة للتحرير" لمنطقة الغرب العربي، والذي أكدت عليه بعد ذلك الوثيقة الموجهة للنقاش مع الفصيل الثالث وسط الحملم (فصيل "لنخدم الشعب")، وهي وثيقة "من أجل خط ماركسي ــ لينيني لحزب البروليتاريا المغربي" في 8 مارس 1974، التي اعتمدت مفهوم "الشعب العربي في الصحراء الغربية". لكن، ومع عودة روح العمل الوحدوي بين منظمة "إلى الأمام" ومنظمة "23 مارس"، بعد الندوة الوطنية لهذه الأخيرة في أبريل 1974 التي انبثقت عنها لجنة وطنية أغلبيتها مما اعتبرته منظمة "إلى الأمام" ب "الخط الإيجابي"، وهي الندوة التي تبنت موقف "حق تقرير المصير لجماهير الصحراء"، أصدرت قيادة المنظمتين "بيان 22 يونيو 1974" الذي فيه تخلت / تنازلت منظمة "إلى الأمام" عن مفهوم "الشعب الصحراوي" الذي تضمنه النص الاولي للبيان، لصالح صيغة "جماهير صحراوية" بهدف انخراط منظمة "23 مارس" في توقيع البيان إياه25.
لقد تم خلال هذه الفترة التي سبقت حملة النظام لنونبر 74 / يناير 75، التركيز فيها سياسيا على مفهوم "الطغمة الحاكمة بعناصرها الثلاث: الحسن ــ عبدالله ــ الدليمي" بهدف "عزلها" عن طريق "الجبهة العريضة" (جبهة حزبية سياسية)، والذي عبرت عنه وثيقة "الخطة التكتيكية المشتركة" لأكتوبر 1974، كما تم فيها كذلك التخلي تدريجيا عن مفهوم "الشعب الصحراوي" لصالح مفهوم "جماهير الصحراء"، عبر عنه المنشور الصادر باسم منظمة "إلى الأمام" بتاريخ 29 يوليوز 1974 تحت عنوان "حكم الحسن ــ عبدالله ــ الدليمي، حكم العطش والجوع والسيمي والطرد"، الذي جاء بعد البيان المشترك ل "22 يونيو 1974". ليتم بعد حملة النظام تلك، التي فيها أصبحت المنظمة تحت قيادة عضوين من كتابتها الوطنية (المشتري بلعباس وعبدالفتاح الفاكهاني)، ليس العمل على تصحيح وتدقيق موقف المنظمة المبدئي من قضية الصحراء26 بناءا على أطروحاتها ومهامها الاستراتيجية، خصوصا وأن هذه القضية أصبحت محورا مركزيا في سياسات النظام، ولا العمل على تصويب وتدقيق المفاهيم السياسية المركزية في خط المنظمة حول "النظام" و"الجبهة"، بل تم العمل على تثبيت هذه الصيغ المفاهيمية "الجديدة" في خط المنظمة والتي تؤكدها وثيقة 12 فبراير 1975 "من أجل عزل الحكم الرجعي، تعزيز الوحدة النضالية، تحقيق البرنامج الديمقراطي"، وبيان المنظمة حول المسيرة الخضراء (19 أكتوبر 1975).

3 ــ 4 ــــ من خط تنظيمي مركزي ديمقراطي، إلى نهج بيروقراطي

على المستوى التنظيمي، وخلافا لما أسست له المنظمة قبل ذلك، وعلى الخصوص في فترة 72 / 74، التي عملت فيها على تقييم تجربتها التنظيمية، وتقديم النقد اللازم لتطوريها ضمن عملية نقدها وتعميقها لخطها السياسي والاستراتيجي، لم تعمل القيادة المتبقية للمنظمة في فترة التصدع التنظيمي إلا على تقديم "تقييم تقنوي"27 (مشكلة المفاتيح، المواعيد..) لهجوم النظام وحملة الاعتقالات والتمشيط الذي تعرضت له المنظمة، خال من أي بعد سياسي وإيديولوجي يدفع بالمنظمة إلى تجاوز تلك الضربة28، ويفتح أمامها الطريق نحو إنجاز مهامها الثورية. هكذا أضحت عملية البناء السياسي والإيديولوجي للكوادر التنظيمية (سياسة بناء الأطر الثورية)، ضمن سياق حملة الاعتقالات التي مست الأطر الثورية المحترفة للمنظمة، مجرد عمل داخلي تكويني "مثقفي" تمحور حول وثائق المنظمة، وأصبحت القيادة ودورها في تقييم، نقد وبناء الخط السياسي وعلى أساس مبدأ القيادة الجماعية مع ضرب كافة أشكال التسلط الفردي والمبادرات الفردية اللامسؤولة، حكرا على من تبقى من أعضاء الكتابة الوطنية التي ضيعت مهمة تجديد دماء المنظمة وكوادرها، وكذا تطوير خطها السياسي والتنظيمي.
بهذا فتحت هذه القيادة الطريق أمام نهج بيروقراطي، أصبح قائما في فترة التصدع التنظيمي هذه، حيث ظل العديد من المناضلين مجرد منفذين لخطة القيادة، التي، من جهة، زاوجت بين مغازلة القوى السياسية الاصلاحية لأجل التحالف معها وفق ما أسمته ب "البرنامج الديمقراطي"، وبين نقدها لها، الذي جاء بعد صمتها عنها لمدة سنة تقريبا، ومن جهة ثانية، خطتها الدعائية التي زجت بالمنظمة في معركة خاسرة ضد النظام الكمبرادوري والقوى السياسية الملتفة حوله، وعلى الخصوص تحويل قضية الصحراء إلى نقطة مركزية ووحيدة في صراعها السياسي وسقوطها في طرح مجرد لشعار "تقرير المصير"، خارج أي إطار لأي مشروع ثوري، وبالتحديد خارج إطار "الثورة في الغربي العربي" الذي طرحته له المنظمة.

خلاصة مركزة للجزئين الأول والثاني:

لقد ساد في الطور الأول لتأسيس المنظمة مفهوم "الانطلاقة الثورية" بهدف "تفكيك الجهاز الحاكم" ("شرذمة من الأفراد")، حيث غابت عن هذه الأطروحة السياسية التأسيسية استراتيجية بناء السلطة الطبقية البديلة ضمن سيرورة "تفكيك النظام".
في طور النقد والتعميق، وضعت المنظمة استراتيجية بناء "السلطة الثورية الشعبية" (سلطة "اللجان الثورية": العمال، الفلاحين، الجنود، الشباب وجماهير البرجوازية الصغيرة) البديلة للنظام ضمن سيرورة "الإطاحة بالبنية الإمبريالو ـ كمبرادورية"، وذلك بواسطة "الجبهة الثورية الشعبية" (جبهة الجماهير) تحت قيادة البروليتاريا والفلاحين عن طريق الحزب الثوري الماركسي ــ اللينيني.
في طور التصدع التنظيمي، تمت العودة إلى حد ما إلى نفس المنطق الذي حكم خط المنظمة في طور التأسيس، وهو "عزل النظام القائم" (تفكيك النظام، شرذمة من الأفراد، الطغمة الثلاثية.. كمشة الحكم.. العصابة الحاكمة.. النواة الشرسة..) في غياب استراتيجية بناء السلطة الطبقية البديلة. وكأنه تم تعويض مفهوم "الانطلاقة الثورية" التي اعتمدت عفوية الجماهير محورا أساسيا لها من أجل "تفكيك النظام"، بمفهوم "الجبهة العريضة" التي اعتمدت القوى السياسية المعارضة (تغييب الجماهير) محورا لها من أجل "عزل النظام".

خطاطة

"الانطلاقة الثورية":
ـ عفوية الجماهير (الانتفاضة الفاشلة)
ـ الهدف: تفكيك النظام (شرذمة من الأفراد تهيمن اقتصاديا وسياسيا)
ـ مع تسجيل غياب استراتيجية بناء السلطة الطبقية البديلة ضمن سيرورة تفكيك النظام

"الجبهة الثورية الشعبية":
ـ جبهة الجماهير بقيادة الحزب الثوري (خط الجماهير، الجماهير هي صانعة التاريخ)
ـ الهدف: الاطاحة بالنظام كبنية إمبريالو ــ كمبرادورية (شكلها السياسي هو الملكية)
ـ مع تسجيل حضور استراتيجية بناء السلطة الطبقية البديلة: السلطة الديمقراطية الثورية للعمال والفلاحين (بناء حكم اللجان الثورية) ضمن سيرورة الاطاحة بالنظام.

"الجبهة العريضة":
ـ جبهة حزبية سياسية (القوى المعارضة) مع تغييب الجماهير (استغلال عفويتها في الانسياق وراء "الجبهة العريضة")
ـ الهدف: عزل النظام القائم (الطغمة الثلاثية، كمشة الحكم، النواة الشرسة...)
ـ مع تسجيل غياب استراتيجية بناء السلطة الطبقية البديلة ضمن سيرورة عملية العزل السياسي ل "الطغمة الثلاثية".

لقد شكلت مجمل هذه المفاهيم السياسية (مفهوم "الطغمة الثلاثية" للتعبير عن النظام، ومفهوم "الجبهة العريضة" كتحالف حزبي سياسي) في الفترة اللاحقة، وهي فترة انطلاق مسلسل الانفجار السياسي والتنظيمي، ركائزا في سيرورة تشكل وتطور خط سياسي يميني وسط المنظمة، والتي أظهرت، في فترتها تلك، أنها لم تكن تعني في أهدافها، سوى فتح "هامش ديمقراطي" عن طريق "العزل السياسي" ل"الطغمة الثلاثية" في ظل استمرار السيطرة الطبقية للبرجوازية الكمبروادورية والملاكين العقاريين الكبار، أو في حدودها القصوى، سوى خوض "طريق الديمقراطية البرجوازية" تحت قيادة سياسية برجوازية، وهو ما سمي ب "مرحلة الثورة الديمقراطية البرجوازية" لبناء «رأسمالية وطنية» (أفق ديمقراطي برجوازي يفتح بعد ذلك الطريق أمام نمو وتطور البروليتاريا ويوفر لها شروط بناء حزبها.). ففي كلتا هاتين الحالتين، تم التخلي عن كل المهام المركزية للمنظمة في المرحلة التي حددتها في مشروع "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية".

الهوامش:

1 ــ وجب التذكير هنا، أن حسم الخط الإيديولوجي للمنظمة وطرحه في نظامها الداخلي، ما هو إلا تأكيد منها على الحضور القوي لفكر وإسهامات الرفيق ماو تسي تونغ في خط المنظمة. هكذا نجد مثلا في وثيقة " عشرة أشهر من كفاح التنظيم ــ نقد ونقد ذاتي أن "الأفكار الكبرى للثورة الثقافية البروليتارية العظمى في الصين قد مكنت من إحياء وإغناء النظرية الماركسية-اللينينية التي كانت التحريفية العالمية وعلى رأسها، الاتحاد السوفياتي: بلد أكتوبر وبلد لينين قد أسدلت عليها ستارا كثيفا من التحريف والتشويه. لقد أعادت الثورة الثقافية رفع الراية المجيدة للأممية البروليتارية و لدكتاتورية البروليتاريا و رفع راية الخط الجماهيري و نحن الماركسيون-اللينينيون المغاربة لم يكن انفصالنا قطيعة مع التحريفية المحلية فقط بل و مع كل خط التحريفية العالمية، و في نفس الوقت استيعاب المساهمة العظيمة للثورة الثقافية و لخطها الجماهيري، الذي يستند على قدرة الجماهير الخلاقة في صنع الثورة و قيادتها، و استنادا على هذه المساهمة استطاع المناضلون الثوريون في مختلف جهات العالم إدراك خيانات التحريفية، و إزالة التشويهات و الغموض التي كانت تحجب بها المبادئ العظيمة للماركسية اللينينية"
وقبل هذا، فاستخدام المنظمة لمفهوم "البرجوازية الكمبرادورية" والذي يحدد طبيعة البرجوازية في البلدان التابعة (المستعمرة والشبه المستعمرة)، هو من إحدى الإسهامات النظرية للرفيق ماو تسي تونغ التي أغنت الماركسية ــ اللينينية. وتبني المنظمة ل"خط الجماهير" و"علم الدفاع الاستراتيجي"، و"الجبهة الثورية المتحدة (أو "الجبهة الوطنية الديمقراطية الشعبية") كلها تؤكد على الحضور الفعلي والقوي لخط ماو في خط المنظمة.
كذلك تبني المنظمة ل"الحرب الشعبية الطويلة الأمد" منذ التأسيس، وتحديد دور الفلاحين في الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، التي أكدت عليها مجموعة من الوثائق الاستراتيجية للمنظمة، كوثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية ــ اللينينية"، حيث نقرأ: "إن هذه الشروط تظهر بشكل قاطع صحة طريق الحرب الشعبية، الطريق الوحيد للثورة في بلادنا، طريق بناء الطليعة البروليتارية، وبناء جبهة العمال والفلاحين الفقراء المعتمدة على نضال الفلاحين في الاستيلاء على الأرض وتصفية المعمرين الجدد، وتأسيس الكتائب الأولى من الجيش الأحمر في شكل القواعد الحمراء المتحركة لتجنب سرعة تدخل قوات العدو، وتوسيع وتعميق نضال الجماهير الشعبية في المدن، وصولا إلى بناء المناطق المحررة الأولى لجمهورية مجالس العمال والفلاحين، وتوسيع جبهة الكفاح في المنطقة إلى معركة التحرر الوطني في الصحراء الغربية وكفاح الشعب الموريطاني."
وفي وثيقة "من أجل خط ماركسي ــ لينيني لحزب البروليتاريا المغربي":
"لقد أشرنا بوضوح إلى أن الطريق الثوري ببلادنا هو العنف الثوري الجماهيري في شكل حرب التحرير الشعبية، إن هذا الاختيار السديد يفرضه التحليل السديد لواقعنا الوطني والظروف الدولية المحيطة به، وقد أشرنا إلى هذا التحليل بصورة موجزة في وثيقة "حول الاستراتيجية الثورية" وطورناه في عدد من التحاليل الأخرى وعلى صفحات "إلى الأمام"" .
هذا الطريق الثوري الذي طرحته هنا المنظمة، بخصوص حرب التحرير الشعبية، يشهد على الحضور القوي والمكثف لإسهامات الرفيق ماو في خط المنظمة.
كما نجد في نفس الوثيقة، تعبيرا صريحا عن تبني إسهامات الرفيق ماو:
"هذه الأطر تندمج بأصلب المثقفين الثوريين، وتتسلح ليس فقط "بتكوين إيديولوجي عام" و "خط سياسي عام"، بل أن تستوعب الجوهر الخلاق للماركسية اللينينية، ولإسهامات الرفيق ماو تسي تونغ، وتستوعب الخط السياسي المحدد للثورة المغربية، إن هذا الاستيعاب الجدلي والحي لنظرية ماركس وإنجلز ولينين وماو تسي تونغ، مسألة حاسمة في تكوين هذه الأطر، على أساس إجادة استعمالها في تحليل الواقع الملموس."
2 ــ ميز هذه الفترة انطلاق مسلسل استرداد أراضي المعمرين (2 مارس 1973)، حيث تم تمرير جزء كبير من الأراضي للأعيان، القاعدة الاجتماعية الأكثر إخلاصا للنظام بالقرى والأرياف، علما أن %64 من مجموع السكان في هذه الفترة كانت تعيش في القرى والأرياف، وهي تتشكل من الفلاحين بمختلف أصنافهم، كما تم تمرير جزء من هذه الأراضي لملك الدولة (العمومي) ليتم تمريرها بعد ذلك لكوادر النظام وضباطه وخدامه، هذا في الوقت ذاته الذي كانت أحزاب المعارضة الإصلاحية تطالب فيه بالإصلاح الزراعي.
3 ــ انظر كتاب "قضايا الخلاف داخل الحملم ــ وجهة نظر منظمة "إلى الامام" “، منشورات موقع 30 غشت / يناير 2016.
4 ــ منذ ماي 1974 عملت الأحزاب الإصلاحية على طمأنة النظام بتعبيرها عن استعدادها لمساندته ودعمه من أجل ما أسمته ب "استرجاع الأراضي”. هكذا بعث مثلا "علي يعتة" في 24 ماي 1974، رسالة إلى رأس النظام الكمبرادوري يؤكد فيها دعمه للقصر من أجل "استرجاع الصحراء" (في 27 غشت 1974 يحصل "شيوعيو" علي يعتة على الترخيص باسم حزب "التقدم والاشتراكية")، وتم تعيين "علي يعتة" مبعوثا خاصا للدولة في دول أوربا الشرقية من أجل تعزيز وجهة نظر الدولة. كما دعا "علال الفاسي" الاستقلالي من الكويت أنظمة الدول العربية لمساندة النظام، فانطلقت كل الأحزاب الإصلاحية بعد إعلان الحسن ل 8 يوليوز 1974 في حملة دعائية غطت شرق وغرب البلاد، بها تهيئت الطريق نحو تشييد "الوحدة المقدسة" بينهما، وعلى الخصوص بعد إعلان الحسن في 20 غشت 1974 على أن "الاستفتاء" لا يعني سوى "إعادة إدماج الصحراء بالمغرب"، وجاء رد جبهة "البوليساريو" بعدها مباشرة من خلال مؤتمرها الثاني في 25 ــ 30 غشت 1974 ب "الاستقلال الشامل للصحراء الغربية"، ليصبح الوضع على أبواب الحرب.
5 ــ كانت تعيش إسبانيا على وقع نهاية مرحلة نظام فرانكو الفاشي الذي توفي في 20 نونبر 1975.
6 ــ انظر مقالة على موقع 30 غشت بعنوان "النضال الثوري للمنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية" إلى الأمام " ومسلسل الاعتقالات"، محور:" منظمة "إلى الأمام" ومسلسل الاعتقالات من غشت 1970 إلى نونبر 1972""، بقلم الرفيق فؤاد الهيلالي.
7 ــ إن أمر هذه الضربة التي تعرضت لها المنظمة في نونبر 74، باعتقال الشهيد عبداللطيف زروال خلال حملة التمشيط التي تعرضت لها منظمة "23 مارس"، يدفع وبشكل طبيعي إلى طرح تساؤل حول مغزى استمرار قيادة المنظمة وبنفس "الطرق" في عملية التنسيق السياسي بينها وبين منظمة "23 مارس"، من دون أن تأخذ بعين الاعتبار التطورات الجديدة لتلك الفترة والمتسمة بهجوم غير مسبوق للنظام على الحملم، وعلى الخصوص الاجتثاث الكلي التي تعرضت له منظمة “23 مارس" في بداية نونبر 1974. فالطبيعي جدا هو العمل على وضع خطة في عملية تنظيم التنسيق تلك ومجرياته، كرد فعل طبيعي، وليس الحفاظ على روتينيته رغم مستجد الهجمة المسعورة للنظام.
8 ــ للمزيد من التدقيق ومعرفة حملات النظام الهمجية، انظر على موقع 30 غشت مقالتين بعنوان:"النضال الثوري لمنظمة "إلى الأمام" ومسلسل الاعتقالات"، "من نونبر 1972 إلى نونبر1974" و "من يناير 1975 إلى أبريل 1976"، بقلم الرفيق فؤاد الهيلالي.
9 ــ قد تكون "هفوات مفاهيمية" في بداية انطلاقة المنظمة حين تسجيل الأرضية السياسية للانفصال عن الحزب التحريفي ل "علي يعتة"، أو هي عناصر ثانوية استمرت ضمن سيرورة تلك القطيعة السياسية والتنظيمية، حيث تم استعمالها، في بدايات1974 في التحريض والدعاية الإيديولوجية والسياسية للمنظمة ضد النظام.
10 ــ "حول بعض التأملات النقد الذاتية الأولية لسنة 1979 "، أبراهام السرفاتي، 17 مارس 1980.
11 ــ أنظر كراسة الوثائق الأساسية للمنظمة لفترة 1970 ــ 1974، وعلى الخصوص وثائق كراسة "قضايا الخلاف داخل الحملم، وجهة نظر منظمة "إلى الأمام".
12 ــ بهذا الصدد، يمكن العودة إلى التحليل المقدم في دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام"، بقلم الرفيق فؤاد الهيلالي والمنشورة على موقع 30 غشت.
تجدر الإشارة هنا، إلى أن هذه المقالة التركيبية لا تتعامل مع فترات تحولات الخط السياسي والاستراتيجي للمنظمة، بما فيها المفاهيم التي بها عبرت المنظمة عنهما، بشكل قطعي يضع هذه الفترات منفصلة كليا عن بعضها البعض، بل، وهو الأكيد، أن تلك الفترات تتداخل فيما بينها، وما كان ثانويا أو هامشيا في فترة ما، قد يحتل الواجهة الرئيسية في الفترة اللاحقة عليها (جدلية التداخل والتحول)
13 ــ انظر وثيقة الأطروحة التأسيسية: "سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري" يونيو 1972.
14 ــ انظر وثيقة "الثورة في الغرب العربي في المرحلة التاريخية من تصفية الامبريالية" 4 ماي-1971.
15 ــ صدور البيان السياسي ل 22 يونيو، وهو مشترك بين قيادة كل من منظمة "إلى الأمام" ومنظمة "23 مارس"، وكراس "طريقان لتحرير الصحراء" في شتنبر1974.
16 ــ وهي السنة التي سيتم فيها بلورة مجموعة من الوثائق التي تعبر عن الخط الإيديولوجي والسياسي والاستراتيجي للمنظمة: " الوضع الراهن والمهام العاجلة للحملم"، "لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو" و "نحو تهيئ شروط قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية"، والتي من خلالها عبرت منظمة "إلى الأمام" عن وجهة نظرها ضمن الصراع الذي خاضته ضد خط التراجع الذي هيمن وسط منظمة "23 مارس".
17 ــ بهذا الخصوص، تقول وثيقة النقد الذاتي الذي قدمه أبراهام السرفاتي سنة 1980، هذا التعبير "النظام الحالي" في السياق المحدد للأطروحات، المنتسبة للفترة، لم يكن يعني أبدا أكثر من "الطغمة الحاكمة" بعناصرها الثلاثة (الحسن ــ عبدالله ــ الدليمي) المفترض انها تمثل عقبة كبرى أمام تقدم ديمقراطي..."
18 ــ صدرت هذه الوثيقة في الفترة التي لم يتبق فيها من قيادة المنظمة إلا عضوي الكتابة الوطنية: المشتري بلعباس و عبدالفتاح الفاكهاني، وعضو واحد باللجنة الوطنية: الصافي حمادي.
19 ــ المقصود هنا، منشور بعنوان: " حكم الحسن ــ عبدالله ــ الدليمي، حكم العطش والجوع والطرد والسيمي".
20 ــ أنظر هامش سابق في الجزء الأول، حول تعدد الأسماء التي حملها مفهوم "الجبهة الثورية الشعبية" في خط المنظمة. على أي حال، لا يجب خلط هذا الطرح الاستراتيجي للجبهة، مع مفهوم آخر سبق وأن طرحته المنظمة والذي كان من بين تعبيراته مثلا "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين"، ما عرف في أدبيات الحركة الطلابية ب "الجبهويين " وهي عبارة عن تنظيم شبه جماهيري تحت قيادة وتأطير اليسار الثوري الماركسي اللينيني.
21 ــ لقد وضع هذا “الطرح” في سياق "ضرورة نهج خط وطني ــ ديمقراطي، يستجيب لطابع الثورة في المرحلة الراهنة، ويدمج المصلحة الوطنية لأوسع الطبقات والفئات الوطنية بالأهداف البعيدة للبروليتاريا". فالمرحلة كما حددتها المنظمة هي مرحلة "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" وأن "الاتجاه الرئيسي هو الثورة".
22 ــ أنظر وثيقة "من أجل خط ماركسي ــ لينيني لحزب البروليتاريا المغربي"، 8 مارس 1974.
23 ــ الأمر يتعلق هنا بالخط العام، وهو لا يعني بأن هذه الأطروحات لم تتواجد وسط المنظمة، بل وجب التأكيد على أن المنظمة كانت تعيش على وقع صراعات مجموعة من الأطروحات السياسية والاستراتيجية وسطها، وأن الخط العام لم يكن سوى حصيلة تلك الصراعات الداخلية التي فيها تتم سيادة، وبشكل عام، هذه الأطروحة أو تلك، طبعا في تفاعل ــ تداخل وصراع مع الأطروحات الأخرى بهذا الصدد، ولمعرفة صراع مجمل الاطروحات التي عرفتها المنظمة، انظر دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام" ".
24 ــ طبيعة النظام هذه، لم تكن سوى "الطغمة الثلاثية: الحسن ــ عبدالله ــ الدليمي"، ولا تعني بأي حال البنية الإمبريالو ــ كمبرادورية.
25 ــ مسألة التنازل عن مفهوم "الشعب الصحراوي" الذي تضمنه النص الأولي للبيان، لصالح صيغة "جماهير الصحراء"، اعتبر سلوكا سياسيا انتهازبا من منظمة "إلى الأمام"، خصوصا وأن وثيقة 8 مارس 1974 "من أجل خط ماركسي ــ لينيني..."، قد حسمت مع هذا المفهوم المركزي في خط المنظمة الاستراتيجي، بعد أن تمت، قبل ذلك، المزاوجة بينه وبين مفهوم "جماهير الصحراء".
هكذا، بموجب طرح مفهوم "الشعب الصحراوي" في النقاش مع الفصيل الثالث "لنخدم الشعب"، والتنازل عنه بعد ذلك، في البيان المشترك مع "منظمة 23 مارس"، اعتبر سلوكا سياسيا انتهازيا من المنظمة، تم به التخلي عن أحد المفاهيم الرئيسية في الخط الاستراتيجي للمنظمة.
26 ــ هذا الأمر لن يتم إلا في أكتوبر 1976 الذي فيه صدرت وثيقة "هل يشكل سكان الصحراء الغربية شعبا؟".
27 ــ لم يصدر هذا التقييم "التقنوي" الذي غطى فقط سنتي 74 / 75 إلا في صيف 1975.
28 ــ انظر بهذا الصدد تجربة فترة 70 ــ 72 وفترة 72 ــ 74، وكيف عملت المنظمة على التجاوز الإيديولوجي، السياسي والتنظيمي لضربات النظام.
 
يتبع بالحلقة الرابعة، وهي تضم المحاور التالية:
الجزء الثالث: طور الانفجار السياسي والتنظيمي داخل منظمة "إلى الأمام" الخط العام للمنظمة وتشكل الإصلاحية والتصفوية والتحريفية (ربيع 1976 ــ 30 غشت 1980)
1 ــــ تقديم
2 ــ معركة 14 نونبر 1976: هزيمة النظام والبروز العملي للخط الانتهازي اليميني.
3 ــ في السجون: تنظيم الصفوف، تطهير التنظيم وإطلاق المعارك.
4 ــ الخط الانتهازي اليميني: تبلور الأطروحة السياسية ومحاولة الاستيلاء على التنظيم.
5 ــ بروز الخط العمالوي التصفوي وتعمق الانفجار السياسي والتنظيمي.
 
موقع 30 غشت
http://www.30aout.info