ما أضيق الرحلة ، ما أوسع الفكرة سلامة كيله وداعآ


نضال عرار
2018 / 10 / 3 - 11:31     

مرة أخرى يغيب الموت هامة فكرية وثقافية عملاقه ، مرة أخرى نكتب عن رحيلهم وكأنما قدرنا إلقاء المراثي على القبور ، ولربما أننا نعيش في زمن نهاية الهامات العالية نهاية رجل شجاع آخر قضى عمرة حالمآ بالحرية ومقارعآ لنظام الإستبداد حتى النهاية .
ولأن الرجل مثقف عضوي بالمعنى الغرامشي فقد كان متمرد حالم ، يوسع من مدارك الرواية النقدية لكل الأحلام الرومانسية الثورية وضد البربرية الجديدة ، ناقد ، حالم ، متمرد ، مفكر من طراز خاص غاص في وحل الفكر والفوضى .
لم تردع السنوات القليلة التي عاشها الرجل (63عاما) عن إنتاجه لأكثر من ثلاثون كتابا باحثا في التراث وإشكاليات الأمة ومستقبلها بين المادية الجدلية والمثاليات المبتذلة ، ولأنه صاحب الأيديولجيا الراقية التي تنوء بالمعرفة كتب في النقد لمفاهيم الإشتراكية السائدة أو لأفكار الماركسية الرائجة التي ذهبت للتصالح ومد الجسور مع الإمبريالية العالمية على أثر سطوع البروسترويكا التي أطلقها غورباتشوف .
سلامة كيله إبن بلدة بير زيت المثقف المنتمي لأحلام الحرية ومقارعة الإستبداد بحسه النقدي العالي إنما قد دعانا إلى نقد الروايات السائدة والتوقف عندها ونقدها لا بل إلى تدميرها وإلإنقلاب عليها بمنطق عقلاني موضوعي يبرز روح العمل الجمعي المنظم بآفاق الحرية والتحرر .
ما أن قفز الكثيرون من قارب الماركسية عقب إنهيار المنظومة الإشتراكية حتى إنبرى الرجل وبوعي نقدي إلى الدعوة لقراءة مختلفة عن الستالينية السائدة ، عن تقسيم النظرية الماركسية الى عمل منهجي غير واعي يقود الى اللا ماركسية هذا التقسيم الذي أدى الى تسطيح الفكر النظري والقراءة الجدلية لصيرورة العلاقات الاجتماعية والإقتصادية معا والابتعاد عن أنطولوجيا التاريخ أو الوجود الإجتماعي كما أسماه لوكاش !
وبرؤية ثاقبة كتب المفكر سلامة كيلة عن كيفية تحول القواعد الشعبية لصالح إستقرار الإستبداد وإنكفائها عن قوى المعارضة والتحرر
اتفقنا أم إختلفنا مع الرجل غير أنه بقي منحاز إلى بداية الرواية الفلسطينية الى جذورها وكمثقف لعب دورا في نشر رؤيته ونقد كل ما يتعارض معها بروح المثقف المدرك الناقد الواثق المحاور تماما كما سبقه ادوارد سعيد وإن كان من منظور مختلف .
تشكل وحدة الأمة لدى العرب واحدة من أهم الأطروحات النظرية لدى الرجل ، خلافا للفكر الماركسي العربي السائد ومن المنظور عينه ، منتقدا إكتفاء الماركسيين العرب بلعب دور يتساوق والدولة القطرية فهي لدية تقف ضد المنظور المادي للتاريخ كوّن القطرية لا تشكل أمة منفردة بل تتنافى مع مفهوم الأمة ونتاج لهيمنة الرأسمالية على المنطقة العربية ، وتساوق البورجوازيات مع نمط أنتاج يستجيب للهيمنة الامبريالية، من هنا يقدم الرجل رؤيته كي تلعب القوى والأحزاب اليسارية دورا محوريا في الوحدة العربية وهو ما ينسحب على الموقف من القضية الفلسطينية مستعرضا ومنتقدا الرؤية الستالينية ( السوفيتية ) لكلا المسألتين العربية والفلسطينية .
لم يكن من الغريب على الرجل أن ينحاز لمطالب الشعوب العربية أبان الربيع العربي في الحرية والعدالة الاجتماعية ضد أنظمة الاستبداد .
رحل الرجل بعد صراع مع المرض والفاقة ، مخلفا ثروة فكرية ستزخر بها المكتبات العربية إلى حين .