مدخل إلى الفلسفة الماركسية (9-12)


غازي الصوراني
2018 / 10 / 2 - 16:39     


مدخل إلى الفلسفة الماركسية (9-12)
المادية التاريخية

موضوعات العمل ووسائل العمل هي معاً وسائل الإنتاج :
تلعب وسائل العمل دوراً هاماً في إنتاج الوفرة المادية، ومستوى تطورها يجدد طابع النظام الاقتصادي للمجتمع ودرجة سيطرة الإنسان على الطبيعة، كتب ماركس: "إنها ليست الأدوات التي صنعت، ولكن كيف صنعت وبأي أدوات أخرى هو ما يمكننا أن نميز بين الحقول الاقتصادية المختلفة...".
2) قوى الإنتاج في المجتمع[1]:
• جوهر قوى الإنتاج هي عبارة عن:
وسائل العمل والناس الذين يضعونها في التطبيق وينتجون الوفرة المادية بفضل خبرة الإنتاج المحددة ومهارات العمل تمثل قوى الإنتاج في المجتمع.
وإنتاج الوفرة المادية يتم عن طريق الناس، فالكائنات الإنسانية هي التي تؤثر في الطبيعة وتحول المواد إلى وسائل لإنتاج ضرورات الحياة، وواضح بالتالي أن الناس الذين يسهمون في الإنتاج يجب إدراجهم ضمن قوى الإنتاج، فضلاً عن ذلك فالناس هم قوة الإنتاج الأساسية في المجتمع، فهم مصدر الإبداع والجانب الحي من النشاط الإنتاجي. ويؤثر الناس في الطبيعة لا بأيديهم العارية بصورة غير مباشرة، ولكن عن طريق وسائل العمل، وتعتمد الدرجة التي تتغير بها الطبيعة وكمية الوفرة المادية التي يتم إنتاجها اعتماداً أساسياً على وسائل وأدوات العمل المستخدمة، إذن فوسائل العمل أيضاً تمثل جانباً من قوى الإنتاج في المجتمع.
وفي حين أن وسائل العمل عنصر أساسي بين قوى الإنتاج فيجب أن نؤكد أنها قوى إنتاج لا بذاتها، ولكن فقط عن طريق اتحادها العضوي مع الإنسان . واستخدام حتى أبسط وسائل العمل في العملية الخلاقة يفترض معرفة كيفية استخدام هذه الوسائل ومهارة وخبرة خاصة في استخدام وسائل العمل المحددة، وكلما زادت الخبرة في استخدام أي وسائل للعمل كلما أصبحت أفعال الناس أفضل وأكثر كفاءة، وتعاظمت قواهم الإنتاجية.
إذن فقوى الإنتاج في المجتمع تعتمد ليس فقط على الناس الذين يشاركون في إنتاج الوفرة المادية ووسائل العمل التي يستخدمونها ولكن أيضاً على الخبرة في استخدامها ومهارة العاملين.
والتنظيم التكنيكي أو التقني للعمل، أي وضع الناس أثناء عملية الإنتاج وتقسيم الوظائف بينهم عوامل تؤثر في قوى المجتمع الإنتاجية وكلما تقدم تنظيم العمل واستخدامه استخداماً عقلانياً والانتفاع بوسائل العمل وقوة العمل كلما تعاظمت قوى الإنتاج في المجتمع .
• القوى الإنتاجية في المجتمع والعلم[2]:
في المراحل المبكرة من تطور المجتمع حين كان العلم لا يزال في مهده وأدوات العمل على مستوى بسيط بدائي ومصمم من أجل العمل اليدوي كان الناس قانعين –فيما يتعلق بإنتاج الوفرة المادية- بالمعرفة التجريبية التي جمعتها الأجيال السابقة في صراعهم ضد الطبيعة وراكموها في وسائل العمل التي انتجوها وفي خبرات الإنتاج التي نقلوها من جيل لجيل، ومع التحول التدريجي مع العمل اليدوي إلى الإنتاج الآلي فليست المعرفة التي اكتسبها المنتجون مباشرة من عمليات العمل والتدريب فقط بل والاكتشافات العملية أيضاً بدأت تندمج في وسائل العمل التي تنتج وفي وسائل استخدامها. إن تصميم وتشغيل الآلات قام على أساس الاستخدام المنظم لقوانين الطبيعة التي اكتشفها العلم، وقد أتاح هذا وضع عناصر الطبيعة في خدمة الإنتاج وإبدالها بالعمل الإنساني.
وفي المراحل الأولية كان استخدام العلم في الإنتاج محدوداً بعض الشيء، والقوانين العلمية كانت توضع في الاعتبار فقط في خلق الوسائل الميكانيكية للعمل في حين كانت تكنيكات الإنتاج غائبة عن اهتمام العلم، وعلى أي حال فالثورة الصناعية التي بدأت مع بداية القرن التاسع عشر سرعان ما أثرت في تطور الصناعات الأخرى، وبدأ العلم يلعب دوراً متزايداً في الإنتاج، فإلى جانب تحسين تكنيكات الإنتاج فقد بدأ يفسح الطريق أمام نشوء صناعات جديدة، وعلى حين كانت الميكانيكا النظرية في الماضي هي التي ترتبط أساسياً بالإنتاج، الآن جاء دور علوم الفيزياء والكيمياء لتنفذ بفعالية إلى مجال الإنتاج، فالاكتشافات في الكهرباء مثلاً كالتأثير الكهرومغناطيسي وأشعة الكاثود والنظرية الكهرومغناطيسية في الضوء قد أدت إلى إعادة البناء التكنيكي للإنتاج، واعدت الاكتشافات الكبيرة في الكيمياء إلى قيام الصناعة الكيميائية والى التراكيب الصناعية للعديد من المواد اللازمة لعملية الإنتاج.
وفي مرحلة العولمة الراهنة تطور العلم بصورة غير مسبوقة خلال العقود الثلاثة الماضية وأصبح بالفعل قوة إنتاجية هائلة إلى جانب وسائل الإنتاج ورأس المال، تتجسد هذه القوة من خلال الاكتشافات العلمية المعاصرة في علوم الذرة والفيزياء والهندسة الوراثية والاستنساخ والفضاء ...إلخ.
3) علاقات الإنتاج:
تعبر القوى الإنتاجية للناس عن علاقتهم بالطبيعة، ومستوى تطورهم يتضح في الدرجة التي تستجيب بها الطبيعة لمصالح المجتمع، أي المدى الذي يحققه الإنسان في السيطرة على عناصرها، وعلى أي حال ففي عملية الإنتاج يدخل الناس في علاقات محددة لا بالطبيعة فقط ولكن كل بالآخر. إن هذه العلاقات والترابط الداخلي المحدد بينها هي الشرط الرئيسي لوظيفة الإنتاج وتطوره، وتحول الطبيعة لخدمة مصالح المجتمع لا يبدأ إلا من داخل هذه العلاقات بفضل الروابط الاجتماعية القائمة بين الناس، هذه الروابط والعلاقات هي الشكل الاجتماعي الذي في ظله يمارس الإنسان تأثيره على الطبيعة ويحولها ويطوعها أو يلائمها. وبالتالي فإن العلاقات التي تتشكل بين الناس في عملية إنتاج وتوزيع واستهلاك البضائع المادية هي علاقات الإنتاج. كما أن العلاقات التي تتشكل في عملية تبادل أنشطة معينة بين أعضاء المجتمع هي كذلك علاقات إنتاج، وهي على وجه الخصوص العلاقات بالنقود او بالسلع في مقابل النقود.
وحسب ما إذا كانت وسائل الإنتاج ملكية عامة أو خاصة تقوم العلاقات إما على أساس التعاون والمساعدة المتبادلة وإما على أساس السيطرة والخضوع. وإلى جانب هذين النمطين الأساسيين من علاقات الإنتاج، فثمة علاقات إنتاج انتقالية تظهر في مراحل معينة من التطور التاريخي تقوم على الملكية الخاصة والعامة معاً، وتمتزج فيها عناصر من التعاون والمساعدة المتبادلة بعناصر من السيطرة والخضوع.
وثمة أنماط ثلاثة من علاقات الإنتاج تمثل السيطرة والخضوع ، وتتفق مع أشكال من الملكية الخاصة ظهرت وسادت في فترات محددة من تطور المجتمع، تلك هي علاقات إنتاج ملكية العبيد ثم الإقطاعية فالرأسمالية، وحيث أن علاقات الإنتاج هي الشكل الاجتماعي الذي يؤدي فيه الإنتاج وظائفه ويتطور فهي لا توجد معزولة عن قوى الإنتاج ولا خارج أدوات العمل والبشر الذين يقومون على تشغيلها أو مستقلة عنهم، قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج هما جانبان مختلفان – وإن كان بينهما ترابط عضوي- من عملية الإنتاج، هما معاً يمثلا نمط الإنتاج.
ونمط الإنتاج ليس سوى نمط نشاط الناس الذي يحول مختلف المواد الطبيعية إلى وسائل للحياة، ويعيد بالتالي إنتاج الوجود الفيزيقي للناس، لكن تأثير نمط النشاط على حياة الناس لا يقتصر على ذلك، بل هو يحدد طريقتهم في الحياة ذاتها، وقد أشار ماركس وأنجلس إلى أنه "حين يعبر الناس عن حياتهم فإنهم يحددون من هم..."، ومن هم هذه تعتمد على ما ينتجه الناس وكيف ينتجونه.
ونمط إنتاج البضائع المادية هو أساس كل الحياة الاجتماعية من حيث أنه يحدد بناء الكيان الاجتماعي وعمليات الحياة الاجتماعية والسياسية والروحية، كذلك العلاقات الاجتماعية والعلاقات الدولية، فانقسام المجتمع إلى طبقات والعلاقات بين الطبقات وشكل العائلة والأخلاقيات السائدة في المجتمع والعلاقات القانونية والرؤى الدينية والجمالية – إنما تعتمد جميعاً على نمط الإنتاج، وحين يتغير هذا النمط يتبعه تغير كل العلاقات الاجتماعية وبناء كل الكيان الاجتماعي.
وتبدأ التغيرات في نمط الإنتاج بالتغيرات في قوى الإنتاج في المجتمع "فحين يكتسب الناس قوى إنتاج جديدة يغيرون من نمط الإنتاج، وحين يغيرون طريقة كسبهم ما يقيم حياتهم فإنهم يغرون كل علاقاتهم الاجتماعية...".
ديالكيتك تطور قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج[3]:
اعتماد علاقات الإنتاج على مستوى تطور قوى الإنتاج:
تمثل قوى الإنتاج مضمون الإنتاج، وتمثل علاقات الإنتاج شكله الاجتماعي، وحيث أن قوى الإنتاج هي مضمون الإنتاج فهي في حركة مستمرة دائمة، في حالة من التغير والتطور.
وحين تبلغ القوى الإنتاجية مستوى معيناً من التطور فإنها تحدث تغييراً في علاقات الإنتاج، وإحلال شكل معين من علاقات الإنتاج محل شكل آخر يعني الانتقال إلى مرحلة أرقى من التقدم التاريخي، إلى تكوين اجتماعي – اقتصادي جديد. على هذا النحو حل نظام ملكية العبيد محل المشاعية البدائية، والإقطاع محل ملكية العبيد، والرأسمالية محل العلاقات الإقطاعية، وتحل العلاقات الاشتراكية محل العلاقات الرأسمالية.
كتب ماركس: "إن الناس ليسوا أحراراً في اختيار قواهم الإنتاجية – التي هي اساس تاريخهم كله- لأن كل قوة إنتاجية هي قوة مكتسبة نتيجة نشاط سابق، القوى الإنتاجية هي بالتالي نتيجة طاقة إنسانية مطبقة تطبيقاً عملياً، لكن هذه الطاقة نفسها متضمنة في الشروط التي وجد الناس أنفسهم فيها، في القوى الإنتاجية المكتسبة بالفعل في الجيل السابق والتي يستخدمونها كمادة خام لإنتاج جديد، هكذا يحدث التماسك في التاريخ الإنساني ويتشكل تاريخ الإنسانية... وينتج عن هذا بالضرورة أن التاريخ الاجتماعي للناس هو تاريخ تطورهم الفردي، سواء كانوا واعين بهذا أو لم يكونوا، فعلاقتهم المادية أساس كل علاقاتهم، والعلاقات المادية هي فقط الأشكال الضرورية التي يتحقق فيها نشاطهم المادي والفردي...".
قانون توافق علاقات الإنتاج ومستوى تطور القوى الإنتاجية:
جوهر هذا القانون أن القوى الإنتاجية المحددة تتطلب على التحديد علاقات إنتاج خاصة تتوافق ومستوى تطورها، وأن التغير في القوى الإنتاجية يحدث في النهاية تغيراً مناسباً له في علاقات الإنتاج، ذلك أن توافق علاقات الإنتاج والقوى الإنتاجية شرط أساسي لوظيفة الإنتاج الاجتماعي وتطوره.
وقد لاحظنا فيما سبق أن كل علاقات الإنتاج الخاصة تتشكل على أساس مستوى محدد من تطور القوى المنتجة وتحت تأثيرها المباشر، وإذا كان الأمر هكذا فكيف يحدث ألا تتوافق علاقات الإنتاج أحياناً والقوى المنتجة؟
حيث أن القوى الإنتاجية التي تمثل مضمون الإنتاج في حالة من التغير الدائم، وعلاقات الإنتاج – من حيث هي الشكل الاجتماعي للإنتاج- تمثل نظاماً على درجة نسبية من الثبات للعلاقات بين الناس، يتم داخله تبادل المواد بين المجتمع والطبيعة وتبادل الأنشطة بين الناس (الذين يكونون المجتمع)، ففي مرحلة محددة من تطورها، ورغم أن علاقات الإنتاج كانت شكل وشرط تطور القوى الإنتاجية في المرحلة الأولى حين كانت متوافقة وهذه الأخيرة، فهي في المرحلة الثانية حين يظهر التباعد بين علاقات الإنتاج والقوى الإنتاجية ويحدث الصراع بينهما فإن علاقات الإنتاج تصبح عائقاً أو كابحاً لتطور القوى الإنتاجية. وخلال التطور التالي للإنتاج يزداد هذا التناقض حدة ويصبح صراعاً يحتم الضرورة التاريخية في إبدال الأشكال القديمة من علاقات الإنتاج ونشاط الناس بأشكال أخرى جديدة تتوافق ومستوى القوى الإنتاجية.
وأنماط علاقات الإنتاج التي يحل احدها تدريجياً محل الآخر "تشكل في مجملها تطور التاريخ كسلاسل متماسكة من أشكال التفاعل، ويتمثل تماسكها في أن مكان شكل قديم من التفاعل أصبح عائقاً يقوم شكل جديد يتفق والقوى الإنتاجية الأكثر تطوراً، ويتوافق من ثم والنمط المتقدم من النشاط الذاتي للأفراد، وهو شكل سيصبح عائقاً بدوره فيستبدل بشكل جديد...".
وديالكتيك التحول من توافق علاقات الإنتاج والقوى الإنتاجية إلى الاختلاف بينها في مسار التطور التاريخي، والذي يصحبه تحول علاقات الإنتاج في شكل يدفع القوى الإنتاجية إلى قيد على هذا التطور ، يمكن ملاحظته بيسر خلال استعراض تاريخ المجتمع الإنساني، ولنحاول أن ننظر باختصار في عملية إحلال شكل من علاقات الإنتاج محل شكل آخر في عملية التطور التاريخي.
أثر علاقات الإنتاج على تطور قوى الإنتاج:
إذا كانت علاقات الإنتاج تعتمد على قوى الإنتاج ، إلا أن علاقات الإنتاج – وهي تتغير بتأثير قوى الإنتاج - لا تبقى سلبية، بل هي تستجيب بفاعلية وتؤثر على قوى الإنتاج التي خلقت وجودها.
فقد خلقت علاقات الإنتاج الرأسمالية دافعاً أكثر قوة لتطور الإنتاج عند المستغلين( بكسر الغين) والمستغلين (بفتح الغين) جميعاً، فالهدف الرئيسي للإنتاج الرأسمالي هو أن يوفر للبرجوازية قدراً كبيراً متزايداً من فائض الإنتاج، ومن ثم فهناك رغبة غير محدودة في مراكمة الثروة والتوسع في الإنتاج، وتلك سمة لم تكن موجودة لا في المجتمع الإقطاعي ولا في مجتمع ملاك العبيد، فالهدف الرئيسي عند سادة الإقطاع وملاك العبيد هو استهلاك الناتج، وليس مصادفة ان كانت نسبة التوسع في الإنتاج في هذين المجتمعين نسبة لا تكاد تذكر.
ولا شك في أن للعامل مصلحة أكبر في رفع إنتاجية العمل أكثر ما كان للقن، فعمل العامل لمصلحته الخاصة لا ينفصل عن عمله لمصلحة الرأسمالي، وكل عمل يعمله وكل دقيقة عمل تحمل الفائدة له وللرأسمالية معاً، وحين يعمل العامل بنظام القطعة تصبح مصلحته أكبر في رفع الإنتاج، وربما لا تكون هذه المصلحة ذات نسبة مرتفعة، فالعامل يوقن أنه يعمل لصالح الرأسمالي ومن أجل ثرائه.
إن علاقات الإنتاج الإشتراكية هي فقط التي تخلق –للمرة الأولى- مصلحة شاملة من جانب العمال في تطوير الإنتاج، ففي ظل الاشتراكية يعي العمال أنهم يعملون لمصلحتهم الخاصة ومصلحة مجتمعهم، ويثير هذا الوعي لديهم الرغبة في رفع إنتاجية العمل وتحسين التكنولوجيا وتطوير الإنتاج شرط توفر العلاقات الديمقراطية بين العمال واجهزة الدولة الاشتراكية بعيدا عن العلاقات القائمة على الاستبداد البيروقراطي كما كانت تجربة الاتحاد السوفياتي التي ادت الى انهيار وفشل التجربة الاشتراكية .
القاعدة الاقتصادية والبناء الفوقي[4]:
تنطلق المادية التاريخية من أن علاقات الإنتاج السائدة هي التي تشكل البناء التحتي للتشكيل الاقتصادي والاجتماعي ، بينما تشكل الأيديولوجيا والدولة والمنظمات السياسية والدينية وغيرها بناءه الفوقي.
إن العلاقات في القاعدة (علاقات الإنتاج) هي علاقات مادية، موضوعية يدخل فيها الناس بغض النظر عن إرادتهم ووعيهم، أما العلاقات في البناء الفوقي فيدخل فيها الناس عن معرفة ووعي، فالعلاقات الاقتصادية في كل مجتمع معني تتجلى كمصالح، كما يقول انغلز. وفي سياق نشوء هذه المصالح، وفي غمرة النضال الطبقي، يتشكل وعي المصالح الطبقية المشتركة، وتعارضها مع مصالح الطبقات المعادية، هذا الوعي يدفع ويُحَرّض على إنشاء أحزاب وحركات ثورية ومنظمات تعبر عن مصالح الجماهير الشعبية الفقيرة ، وتحميها، وتدافع عنها.
إن الأيديولوجية السائدة ليست دائماً الأيديولوجية الوحيدة التي توجد في التشكيل، ففي سياق التطور التاريخي، ومع تأزم التناقضات الاجتماعية، تنبثق أيديولوجية جديدة تعكس مصالح الطبقات الثورية، وتعارض الأيديولوجية السائدة، وتكسب تدريجياً إلى جانبها جماهير أكبر فأكبر من الناس. وبتجسيدها في الجماهير تتحول الأيديولوجية إلى قوة مادية تعمل على هدم النظام القائم، وهنا تتجلى فعالية الأحزاب والنقابات والمؤسسات السياسية والثقافية الأخرى التي تعتبر جزءاً من البناء الفوقي، من أجل مواصلة النضال لتحقيق الهيمنة السياسية والثقافية في اوساط الجماهير الشعبية تمهيداً للثورة على أنظمة الاستبداد والاستغلال الطبقي وتحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية .
أخيراً .. لقد استهدفنا عبر كل ما قدمناه من نصوص مكونة لهذه الدراسة، ليس فقط للفهم والتأمل العقلاني والمعرفي في اوساط رفاقنا فحسب، بقدر ما هي أيضاً دعوة لمزيد من الحركة النضالية والمجتمعية على جميع المستويات، ومزيد من النشاط الفاعل والفعلي بما فيه التوسع التنظيمي في أوساط الجماهير الشعبية التي يتوجب علينا الالتحام في صفوفها بكل ما فينا من مصداقية الثوري وتواضعه، انطلاقاً من حرصنا الشديد على استيعاب وتجسيد هويتنا الفكرية المتجدده ، بعيداً عن كل أشكال ومظاهر الثبات أو الجمود أو العقائدية من ناحية، والوعي العميق بكل مكونات واقعنا الفلسطيني والعربي بما يمكننا من الإسهام بصورة واضحة في تطبيق شعاراتنا وسياساتنا على طريق النضال من أجل تغيير هذا المشهد السوداوي الذي نعيشه اليوم.
________________________________________
[1] ا.ب. شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – 1981 – 169.
[2] ا.ب. شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – 1981 – 170.
[3] ا.ب. شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – 1981 – ص174.
[4] الموسوعة الفلسفية العربية - معهد الإنماء العربي - المجلد الثاني– الطبعة الأولى – ص1178