الستالينية: -ماركسية الزومبيات-!


طلال الربيعي
2018 / 9 / 25 - 09:27     

السيميائية هي علم دراسة العلامات وخصوصا علامات السلوك البشري, وكذلك الحيواني كما تظهر دراسات حديثة. وقد تم تعريفها من قبل أحد مؤسسيها، اللغوي السويسري فرديناند دي سوسيو، كدراسة "حياة العلامات داخل المجتمع", علما ان سوسيو يشكل احد مصادر علم التحليل النقسي اللاكاني.
مدخل اولي الى لاكان
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=372255

وعلى الرغم من أن هذا المصطلح استخدم بهذا المعنى في القرن السابع عشر من قبل الفيلسوف الإنجليزي جون لوك, الا ان السيميائية كطريقة متعددة التخصصات لفحص الظواهر في مختلف المجالات ظهرت فقط في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين مع خلال العمل المستقل ل سوسيو والفيلسوف الأمريكي تشارلز ساندرز بيرس.

في الأصل، يعني مصطلح "السيميائية" النظرية الطبية للأعراض؛ ومع ذلك، استخدم أحد الفلاسفة التجريبيين, جون لوك، هذا المصطلح في القرن السابع عشر كعلم علامات ودلالات. ويرجع فضل استخدام المصطلح بمعناه الحالي الى لغويين او فلاسفة مثل رودولف كارناب على وجه الخصوص
Rudolf Carnap
https://www.britannica.com/biography/Rudolf-Carnap

كان عمل بيرس الأساسي مرتكزًا على البراغماتية والمنطق. وعرّف العلامة بأنها "شيء يمثل شخص ما او شيئا ما آخرا"، وكانت أحدى مساهماته الرئيسية في علم السيميائية هو تصنيف الإشارات إلى ثلاثة أنواع رئيسية: (أ) أيقونة تشبه مرجعها (مثل علامة طريق تشير الى سقوط الصخور)؛ ( ب) علامة ترتبط بمرجعها (الدخان هو علامة على النار)؛ و (ج) رمز مرتبط بمرجعه فقط بالاتفاق (كما هو الحال مع الكلمات أو إشارات المرور). فكما أظهر بيرس, أن العلامة لا يمكن أن يكون لها معنى محدد، لأن المعنى يجب أن يكون متجددا بشكل مستمر.

وباكتساب القضيب سيمائيته يصبح ما يسمى ب "الفالاس". تقول الرواية ان ابنة فرويد, آنا فرويد، قبل أن تصبح محللة عظيمة، في فيينا، في منزلها مع والدها, حيث كان الاثنان يناقشان التحليل النفسي, توجهت إلى فرويد وتسائلت: "هناك شيء واحد لطالما كنت اتكلم عنه ولكني لست متأكدة منه. ما هو الفالاس؟" فاجابها فرويد "حسناً, هذا شيء يمكنني أن أحاول شرحه لك، لكن ربما يكون من الأفضل أن تأتي إلى مكتبي". إذن يذهب الإثنان إلى مكتب فرويد. يغلق فرويد الباب ويذهب إلى مكتبه ويستدير ليفك سرواله ويسحبه إلى أسفل ويقول "هنا، هذا هو الفالاس"! ردت آنا "أوه، افهم، إنه مثل القضيب، أصغر فقط! "

هناك، بطبيعة الحال، العديد من المستويات لهذه القصة او المزحة. ويضع كل مستوى حدودًا بين المطلعين الداخليين والخارجيين، بين أولئك الذين من المفترض أن يعرفوا شيئًا أكثر عن التحليل النفسي او عن الماركسية في صيغتها الماركسية المبتذلة, الستالينية في حالتنا هذه, باعتبارها نظرية علمية تُنتج فقط من قبل العلماء ولاجل العلماء او من يفترض بهم انهم بذلوا جهدا استثنائيا في الوصول الى منزلة العلماء. والعلماء هم العلماء الطبيعيين بطبيعة الحال, فهؤلاء بفضل مساواتهم الميكانيكية بين المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية يحيلون االبشر الاحياء الى اموات و تصبح ماركسيتهم هي ماركسية الاموات, او بالاحرى ماركسية الاحياء الاموات, ماركسية الزومبي, كما في افلام الخيال العلمي. وبالطبع ان ماركسية مبتذلة كهذه لا تحتاج علم السيمائية فالاموات لا يتواصلون (سميائيا), والزومبي لا هم له سوى اشباع رغبته في التدمير, فما يحكمه هوغريزة الموت, والزومبي هو انسان الراسمالية, فتكون الفوارق بين زومبي وآخر كمية في الاعم الغالب ولربما لا تتعدى طبعات الاصابع. وأولئك الذين لا يتوفرون على هذه المعرفة العلمية المفترضة والتي تُرفع بقدرة قادر الى موضع الحكمة, يتم وضعهم خارج التاريخ لكونهم لا بشر, حيث تصبح الحكمة, كما يزعم, صنوا للعلم, وهذه زعم غير مثبت ولا يمكن اثباته. الحكمة تتطلب ايضا الاكتمال, لكن نظريتا عالم المنطق الرياضي كورت غودل في اللاتكامل وانطولوجيا هايزنبرغ في نظرية الكم تنفيان اية امكانية للاكتمال او اليقينية. كما ان الاكتمال (المطلق) في ماركسية كهذه يضعها لا بد في معسكر الديانات (الابراهيمية)!

بالنسبة لفرويد، فإن نكتة مٌغرضة كهذه تتطلب أن يكون هناك "شخص ثاني" في النكتة ويسلك ككائن مخدوع وغبي بما فيه الكفاية كحصيلة لعدم تمكنه من المعرفة. يمكن استحضار هذا الشخص الثاني صراحة في سياق النكتة أو استحضاره باعتباره الفراغ الضروري ولكنه خفي, انه غياب المعرفة. عموما النكتة المتحيزة او العدوانية تستذكر ثلاثة أشخاص: فبالإضافة إلى الشخص الذي يسرد النكتة، يجب أن يكون هناك شخص ثاني كهدف للعدوانية أو العدوانية الجنسية، والثالث يكون هدف النكتة لاثارة المتعة فيه وهدف المزحة هو اعلاء شأن الخطاب الذي اصبح بمثابة قانون طبيعي.

فاختلاف الجنسين لدى فرويد هو نتيجة قانون طبيعي بمفردات تشريحية فسيولوجية. فلقد عمل فرويد ست سنوات مع عالم الفسيولوجيا الشهير Ernst Brücke في مختبره حيث قارن ادمغة البشر. الاختلاف بين الذكر والانثى هو قدر حتمي, انه حتمية "هاملت الشكسبيرية": كن او لا تكن! ولكن ما هو بيولوجي لدى فرويد يصبح انطولوجيا ايضا! فالقضيب يحدد من هو ذكر ومن هو انثى. ونستطيع بالطبع ان نتهم فرويد بالتبسيط والابتذال, ولكن فرويد كان هو ايضا ابن عصره, كما انه اعتقد اعتقادا راسخا ان الباس علم التحليل النفسي لباسا بيولوجيا سيرفع علمه, ان لم يكن الى مصاف العلوم الصلدة, الى مصاف العلوم الوسطية, الواقعة بين العلوم الصلدة والعلوم الناعمة, مثل علم البيولوجي, هذا علما ان فرويد استخدم مقاربات فيزيائية ثرموديناميكية, جيمس ماكسويل على سبيل المثال, ولكن الاغلبية فهموا هذه المقاربات على حقيقتها بكونها استعارات كلامية ولا تعني تأسيس علم فيزياء النفس.

اما لاكان, على عكس فرويد وخطابه البيولوجي, فيتميز بلغوية خطابه البنيوية. يأخذ لاكان الزعم الفرويدي المعروف بأن "التشريح هو قدر" في اتجاه مختلف. فبدلاً من اعتباره قدرا, يتم التعامل مع "التشريح" على أنه ممارسة تم تشكيلها تاريخياً لتقطيع الجسم. إن عملية وضع العلامات وتقطيع الجسد لها عواقب بخصوص كيفية تمثيل الجسم وخبرته، تمامًا كما يعمل التحويل الهستيري على كيفية تصور الجسم لموضوعه. على سبيل المثال، لا تتطابق الندبات التي تظهر على الراحتين والقدمين للمسيحيين الهستيريين مع النقاط الفعلية للجسم في صلب المسيح, ولكنه ثمثيل رمزي لتلك النقاط. ان تعبير لاكان الاصطلاحي يمنحنا انفتاحًا لوضع مفاهيمي سيميائي للقضيب كفالاس, ليس بالضرورة مكافئًا لعضو بيولوجي كالقضيب.

إحدى النقاط الرئيسية التي قدمها النقد الماركسي للاقتصاد السياسي تتعلق بما أسماه ماركس بـ "صنمية البضائع": التبادل لا يحدث بين السلع ولكن بين البشر. فقط من خلال دراسة علاقات الاتصال البشرية، يمكن أن نفهم "لغة" السلع. لذلك، فإن التوجه الماركسي هو توجه سيميائي محدد. هذا هو التوجه الذي يجب تطويره اليوم عند التركيز على مشكلة العلاقة بين "السيميائية والماركسية".

إذا قبلنا الافتراض القائل بأن ماركس يمارس علم السيميائية باعتباره "كاهن كريبتوسميوتيكي, اي لكونه يكشف الاسرار الكامنة في صنمية السلعة واغتراب البشر في المجتمع الرأسمالي, وفيلسوف, حيث تُفهم العلاقة بين السيميائية والماركسية بمعنى أن دراسة العلامات السيمائية ليست ثانوية فيما يتعلق بالمادية التاريخية, فهذا يعني ان الماركسية هي "نظام مفتوح", وليست نظاما مغلقا او متكاملا من حيث أن العناصر التي تشكلها مرتبطة ببعضها الآخر بطريقة بحيث ان تحوير عنصر واحد قد يؤدي إلى تحوير, او تغيير في, العناصر الاخرى. إنه نظام مفتوح لأنه نظام علمي سيميائي وليس علما بمعنى العلم الطبيعي وحتميته, وغرامشي عبر عن هذا باسلوب آخر من خلال دراسته لاهمية الوعي الفائقة في صنع الثورة او التحضير لها. وهكذا نظام يخضع لقوانين العلوم وبالتالي يمكن عرضة للتحقق و للاعتراض.

فاذا كان الفالاس السيميائي وليس القضيب البيولوجي هو الدالة الرئيسية التي تقيّم من خلالها الدلالات الاخرى في النظام الابوي فانه يمكن قول نفس الشئ عن الذهب عند مقاربتنا بين النظام الأبوي والرأسمالية, اي في كيفية حاجة ماركس إلى تجاوز "الخصائص الطبيعية للذهب، كقوة تحمله وتجميعه وقابليته للقسمة الخ".
Arthur, C. J. (2005) "The concept of money", Radical Philosophy, 134, pp. 31-40
فالنقود تعمل كنظام دلالاتي توتوتولجي لان القراءات الهيجلية الأخيرة لماركس تجعل موضوعة القيمة متماسكة من خلال وضع السلع في علاقة مشتركة يمكن تقييمها من خلال وجهة نظر واحدة مقحمة عليها باستخدام موضوعة النقود التي لا تشكل جزأ من البضاعة وانما متواجدة خارجها.

هناك تشابه، وربما حتى تماثل، بين "الذهب" و "الفالاس". والأساس المنطقي لذلك هو الحجة القائلة "كما تم فصل الذهب عن جسم البضائع لكي يصبح المعادل الوحيد الذي يقرر قيمتها، تم فصل القضيب عن جسم الأشياء المثيرة او الايروتيكية ليصبح الفالاس كمعادل سيميائي للقضيب كعضو تشريحي، كمعيار القيمة. ان تركيز الماركسيين المبتذلين, وخصوصا البعض من الستالينيين, على موضوعة الذهب في تحديد وجود الرآسمالية من عدمه هو وجه المرأة الأخر للرأسمالية البطرياركية التي تحيل القضيب الى فالاس كمعيار ذهبي (حرفيا وليس مجازيا) لكل القيم والاشياء فكما يقول لاكان
"بالنسبة للفالاس هو دالة .. هو الدالّة المخصّصة لتعيين تأثيرات المعنى ككل"

الماركسية المبتذلة, والستالينية كاحد مظاهرها, تنفي حاجتها الى السيميائية لانها تعتقد ان الانسان كائن تشريحي فسيولوجي فقط, لانها (لا)ماركسية مغلقة, ولكونها تلغي الحدود بين الوعي والجماد باحالتها المادية التاريخية الى مادية ديالكتيكية. انها تحيل الانسان الى زومبي كما في افلام الخيال العلمي, وهي بذلك تدوّر مقولة فوكوياما بنهاية التاريخ , فليس للزومبيات من تاريخ. ان الستالينية هي "ماركسية الزومبيات"!