بعض ملاحظات حول اهمية التنظيم السياسي في بيان الحزب الشيوعي


مظفر عبدالله
2018 / 9 / 23 - 22:39     

يقول لينين في وصف البيان الشيوعي: في هذا الكتاب عرض بصورة عبقرية تصور جديد لتفسير العالم. ان التصور المادي للتاريخ الاجتماعي، والجدلية کاوسع واعمق علم للتطور جاء فيه. وتم عرض ملاحظات واطروحات للنضال الطبقي والدور الثوري والتاريخي والعالمي للطبقة العاملة کمؤسس للمجتمع الشيوعي الجديد ايضا.
عبر لينين بهذه الجمل القصيرة تصوره الواضح حول الاهمية الفکرية والسياسية والتنظيمية للبيان الشيوعي، موقع ودور الطبقة العاملة في المجتمع البشري. علما نحن نعتبر لينين کاعظم قائد نظري وعملي بعد مارکس وانجلز.
کما هو معروف فان لينين ورفاقه في الحزب البلشفي، وعلى ضوء البيان الشيوعي وتحليل اوضاع المجتمع في روسيا والعالم، استطاعوا تنظيم الطبقة العاملة والفلاحين والجنود والشرائح الفقيرة والمستغلة الاخرى في الحزب البلشفي والمجالس، والقيام بثورة اکتوبر الاشتراکية في عام 1917 اي قبل مئة عام. وخلال هذه الثورة تم اسقاط سلطة ودولة الطبقة البرجوازية وبناء الدولة السوفيتية المعاصرة، دولة العمال والفلاحين والجماهير المحرومة ومحاولة اشتراکية الاقتصاد والتي تعتبر من المهام الاساسية للثورة.
طبعا اضافة الى لينين فان کثير من القادة والفعاليين والكتاب ودعاة الاشتراکية والمارکسية على صعيد العالم، تحدثوا او طرحو ملاحظاتهم حول الاهمية الفكرية والسياسية والتنظيمية للبيان الشيوعي.
وانا بدوري قرآت البيان مراة عديدة واحاول هنا ان اکتب بعض الملاحظات، بمناسبة مرور 170 سنة على صدوره، وخاصة ارکز على مسالة التنظيم السياسي الحزبي للطبقة العاملة کما جاء في البيان حسب استنتاجاتي. وأرى من المناسب ان يكون شعار يا عمال العالم اتحدوا مدخلا لطرح وتوضيح ملاحظاتي. امل ان تكون هذه الملاحظات مفيدة للقراء.
حسب اکثرية مصادر أدبيات المارکسية فان اصدار بيان الحزب الشيوعي باللغة الالمانية صادف قبل 3 ايام من ثورة 24 شباط 1848 الفرنسية. وهذا يعني يوم 21 شباط لنفس العام. الجدير بالذکر فان اي شخص لحد الان اذا يريد ان يفهم المعنى والمحتوى الطبقي لية ثورة يجب ان يقرأ کتابا مارکس: النضال الطبقي في فرنسا و18 برومير لويس بونابرد.
ولكن في احدى المقدمات للبيان يؤشر انجلز بان تاريخ اصداره يصادف يوم 18 مارس يوم انتفاضة جماهير مدينة ميلانو الايطالية. ويبدو هنا بان يوم 21 شباط اصبح يوم اصداره بصورة رسمية.
ان هذا البيان کما يقول مارکس وانجلز في مقدمات کثيرة او في کتابات اخرى هو برنامج کل الشيوعيين من الناحية النظرية والممارسة العملية، والصادر من قبل اتحاد الشيوعيين حيث کانت منظمة اممية للعمال والشيوعيين.
ان منظمة اتحاد الشيوعيين کانت أمتداد لاتحاد الشغيلة في المانيا والتي تم تاسيسها في سنة 1845. وبعد مدة لاسباب کثيرة تم تغيير اسم اتحاد الشغيلة الى اتحاد الشيوعيين. وانعقد اول المؤتمر في لندن بتاريخ 21 / 2 / 1848 وطلبو من مارکس وانجلز کتابة برنامج المنظمة. وهما کتبوا هذا البرنامج على ضوء ابحاثهما النظرية السياسية والاقتصادية والفلسفية. وتقييم تطور الحرکة العمالية وبمدى مبادرة التيار الشيوعي داخل الحرکة کتبا البيان وتم اقراره في هذا المؤتمر.
وعندما اختارو اسم الشيوعي بدلا من الاشتراکي من اجل فصل حرکتهم عن کل تيارات الاشتراکية خارج الطبقة العاملة، مثل انصار روبرت اوين في بريطانيا وفوريين في فرنسا وهما لا علاقة لهما بالحرکة العمالية في ذالك الوقت. ولكن في نفس الوقت کان موجود تيار داخل الحرکة العمالية ويدعون الشيوعية وهم تيار الايكارية في فرنسا وتيار ويتلنك في المانيا.
ومن هذا المنطلق فان مارکس وانجلز فضلا وضع اسم الشيوعي على برنامجهم من اجل فصل حرکتهم مع کل الحرکات الاشتراکية الاخرى الوجودة في الساحة السياسة في تلك الوقت. وفي هذا المؤتمر تمكنوا من تغيير شعار: کل الرجال اخوان.. الى شعار: يا عمال العالم اتحدوا! وکان الشعار الاول شعار مجموعة الباکونية والبردونية داخل اتحاد الشيوعيين.
بعد ثلاث سنوات من اصدار الطبعة الاولى باللغة الالمانية اي في سنة 1850 صدرت الطبعة الانكليزية اذ تم ترجمته من قبل السيدة هيلين ماکفيرلين، وبعد عشرة سنوات من هاتين الطبعتين تم ترجمته ونشره بلغات اوروبية کثيرة وباللغة الروسية ايضا.
عندما کتبا البيان، حسب قول انجلز في احدى المقدمات، کان کثير من قادة الشيوعيين ملاحقين من قبل الشرطة ونشاط المنظمة کانت محضور ايضا. وبعد المؤتمر الاول ونشر البيان تم القاء القبض على مجموعة من قيادات الاتحاد والقادة العماليين في مدينة کولونيا الالمانية من قبل الشرطة السرية. واحالوهم للمحاكمة واصدر قرار عقوبة سجن بحق الكثير منهم. وبعد ذلك الحدث قررت المجموعة الباقية خارج السجن باعلان انهاء نشاط الاتحاد خوفا من ملاحقتهم واعتقالهم.
هذا اضافة الى وجود مجموعة اسباب اخرى أدت لأيقاف نشاط الاتحاد. لكن بعد ذالك الحدث کان مارکس ملاحقا من قبل شرطة بعض الدول الاوروبية. ولولا مساعدة رفاقه وخاصة انجلز لم يكن بامكان مارکس استمرار وانجاز هذا العمل الفكري والسياسي والتنظيمي العظيم للطبقة العاملة والانسانية کكل. الجدير بالذکر فان کل تاريخ نشاط اتحاد الشغيلة الالمانية واتحاد الشيوعيين بدا من سنة 1845 حتى سنة 1852. بعد 10 سنوات من انحلال اتحاد الشيوعين بدأ مارکس وانجلز ورفاقهما بتاسيس الاممية الاولى بتاريخ 28 / 8 / 1864. وخلال عشرة سنوات تحت راية الاممية الاولى تمكنوا من القيام بنشاط فكري وسياسي واجتماعي وتنظيمي مرکز. وبات التيار الشيوعي التيار السائد بين الحرکة العمالية بافقه السياسي والفكري وتقليده التنظيمي. وتراجعت التيارات الاخرى کالفوضويين والشعبويين والنقابيين، حيث بدا هذا المد من المؤتمر الاول لاتحاد الشيوعيين عندما صوت اکثرية الممثليين للتصورات الفكرية والسياسية والتنظيمية لشعار يا عمال العالم اتحدوا حيث جاء في البيان. وبهدا الشكل صار بيان الحزب الشيوعي البرنامج النظري والعملي السياسي لكل الشيوعيين والقادة العماليين الراديكاليين. وعندما رفعوا هذا الشعار لاول مرة قبل المؤتمر کان ليس شائعا بين اقل العمال في 3 دول اوروبية کفرنسا والمانيا وبريطانيا. لكن بعد عشر سنوات صار برنامج وشعار لكل الشيوعيين وعمال كثيرين ليس في البلدان الأوروبية فقط بل في امريكا وروسيا وحتى في بعض الدول الأسيوية، والتي تحت کانت ترزخ تحت سلطة الاقطاعية الدينية كالقيصرية المسيحية في روسيا او تحت سلطة الاقطاعية الاسلامية في الخلافة العثمانية.
الان بعد 170 سنة من نشر الطبعة الاولى للبيان الشيوعي وبغض النظر عن کل العدائية والعراقيل التي وضعت من قبل الدول وحكومات البرجوازية بديمقراطياته ودکتاتورياته ضد النظرية والعمل الثوري وموضوعة وشعار الذي جاء في البيان، ولكن نرى البيان الشيوعي طبع ونشر باکثرية لغات العالم وموجود في کل البلدان والمدن حتى في القرى واکثر من کل الكتب المقدسة لدى الطبقة البرجوازية کالأنجيل والتوراة والقرآن. مع العلم بان هذه الكتب الثلاث يتم طبعها ونشرها مجانا من قبل الحكومات والمؤسسات والحرکات الدينية المختلفة.
وخلال الـ 170 سنة المنصرمة تم تشكيل مئات والاف الاحزاب والمنظمات السياسية باسم الشيوعية وتحت راية النظرية والعمل الثوري للبيان الشيوعي في العالم. ولو أن کثير من هذه الاحزاب والمنظمات لا يمثلون المحتوى الفكري والسياسي والعلمي للبيان، ولكن مع ذلك تاييدهم للبيان هو تعبير على الدور والاهمية الفكرية والسياسية والاجتماعية لبيان الحزب الشيوعي.
من ناحية اخرى نرى بان عشرات الثورات العمالية والجماهيرية وقعت تحت راية وتاثير البيان في بلدان کثيرة خاصة اوروبية، کثورة کومونة باريس وثورة اکتوبر الاشتراکية العظمى في روسيا سنة 1917. في هذه الثورات استطاع العمال والجماهير المضطهدة اسقاط سلطة البرجوازية الحاکمة واستلام السلطة وبناء دولة وحكومات عمالية مجالسية، ومحاولة تطبيق الاقتصاد الاشتراکي من خلال الغاء اسلوب الاقتصاد الرآسمالي المبني على الملكية الخاصة، والتي هي مصدر وسبب لكل الاسغلال والمآسي. ان کومونة باريس سنة 1871 في فرنسا وثورة اکتوبر سنة 1917 في روسيا، کما اشرنا تعتبر تجربتين مهمتين للثورة العمالية الاجتماعية، بغض النظر عن کل الضعف والتراجع او حتى اسقاطها من قبل البرجوازية بصورة دموية عنيفة.
ان الضعف الرئيسي في ثورة کومونة باريس کان عدم تنظيم الطبقة العاملة بصورة کافية وخاصة عدم وجود حزب شيوعي عمالي ذو افق واستراتيجية واضحة، کبديل من کل النواحي للسلطة البرجوازية من بداية قيادة الثورة الى بقية المراحل الاخرى.
لكن ثورة اکتوبر والتي قادها لينين والحزب البلشفي والمجالس الجماهيرية اثبتت مدى اهمية التنظيم الحزبي الاجتماعي ومنظمات المجالس العمالية والجماهيرية، على ضوء النظرية السياسية والممارسة الثورية للبيان الشيوعي کشرط اساسي لانتصار الثورة. اي اسقاط سلطة البرجوازية والدولة الراسمالية واستلام العمال للسلطة وبناء الدولة الاشتراکية. يجب ان لا ننسى بان لينين کقائد ثوري وعملي له دور عظيم وتاريخي في هذه الثورة من خلال فهمه العميق لمحتوى البيان الشيوعي. کما يقول ليون تروتسكي لولا وجود لينين لما کانت تحدث ثورة اکتوبر الاشتراکية.
ان هذه التجربتين لحدوث الثورة الاشتراکية اثبتا صحة النظرية والممارسة الثورية وخاصة في مجال اهمية التنظيم الحزبي والجماهيري السياسي، والتي اختصرت في شعار يا عمال العالم اتحدوا، وموضوعة قوة الطبقة العاملة في تنظيمها والطبقة العاملة تتحرر بقوة تنظيمها. وتم کتابة الشعار في بداية البيان وفي الفقرة النهائية کما يقول. فلترتعش الطبقات الحاکمة امام الثورة العمالية فالعمال لا يخسرون في هذه الثورة سوى قيودهم ولكن يربحون عالم باسره فيا عمال العمالم اتحدوا.