مدخل إلى الفلسفة الماركسية (2)


غازي الصوراني
2018 / 9 / 22 - 11:26     

21/9/2018
مدخل إلى الفلسفة الماركسية (2)
المقدمات المادية والفكرية التي دفعت نحو ولادة عصر النهضة:
قلنا ان الفكر الذي ساد في المرحلة السابقة ( الإقطاعية ) لم يهتم ببحث المسائل المطروحة بما يدفع نحو الانتقال من حالة الجمود أو الثبات إلى حالة النهوض والحركة الصاعدة ، ولم تسفر تلك المرحلة (التي ما زلنا نعاني من رواسبها في وطننا العربي حتى اللحظة) عن نتائج إيجابية تذكر سواء في الفلسفة أو في العلم ، ذلك أن "المفكرين" لم يتطلعوا إلى البحث عن الحقيقة بل عن وسائل البرهان على صحة العقائد الدينية خدمة لمصالح الملوك والنبلاء الإقطاعيين ورجال الدين .
كان بداية ذلك التشكل عبر إطارين كان لابد من ولادتهما مع اقتراب نهاية تلك المرحلة وهما : إطار التعاونيات ، وإطار المانيفاكتوره التي كانت البدايات التمهيدية نحو ولادة المجتمع الرأسمالي حيث ظهرت المانيفاكتورات في المدن الإيطالية أولاً ثم انتقلت إلى باقي المدن الأوروبية .
في هذه المرحلة الانتقالية ، نلاحظ تطوراً ونمواً للمدن وظهور التجار والصناعيين وأصحاب البنوك ، والاكتشافات التكنيكية المغازل الآلية – دواليب المياه – الأفران العالية ودورها في صناعة التعدين واختراع الأسلحة النارية والبارود والطباعة في أواسط القرن الخامس عشر .
فيما بعد تم إحراز نجاحات أخرى عززت تطور أسلوب الإنتاج الرأسمالي الصاعد والمنتشر في أوروبا، وارتبطت هذه النجاحات بعناوين كثيرة ضمن محورين أساسيين :
الكشوفات الجغرافية مع نهاية القرن الخامس عشر وبداية السادس عشر ، خصوصاً اكتشاف أميركا والطريق البحري إلى الهند ورحلة " ماجلان " حول الأرض وبالتالي إرساء أسس التجارة العالمية اللاحقة.
ترافق كل ذلك مع تغيرات ثقافية وفكرية رحبة كسرت الجمود الفكري اللاهوتي السائد ، وأدت إلى " تهاوي استبداد الكنيسة في عقول الناس " وإخفاق وتراجع نفوذ الكنيسة الاقتصادي والسياسي ، وظهور مجموعات من المثقفين البرجوازيين قطعوا كل صلة لهم بالكنيسة واللاهوت الديني المذهبي ، وارتبطوا مباشرة بالعلم والفن ، وقد سمي هؤلاء بأصحاب النزعة الإنسانية "HUMANISM "، (وهو مصطلح نورده هنا لأهميته إذ أنه دل آنذاك على الثقافة الزمنية في مواجهة الثقافة اللاهوتية أو السكولائية الرجعية ) وقد أخذ هؤلاء المثقفون من أصحاب النزعة الإنسانية على عاتقهم معارضة ونقض المفاهيم والعلوم الدينية الكنسية عبر نشر علومهم الدنيوية التي كانت بالفعل أقرب إلى التعبير عن مزاج البرجوازية الصاعدة آنذاك.
 
عصر النهضة وتطور الفلسفة الأوروبية والتنوير حتى نهاية القرن الثامن عشر:
ولادة عصر النهضة والتنوير لم تكن عملية سهلة في المكان أو الزمان ولم تتم أو تظهر معالمها دفعة واحدة ، أو اتخذت شكل القطع منذ اللحظة الأولى. إذ أن هذا الانقطاع لم يأخذ أبعاده في الانفصام التاريخي إلاَ بعد أربع قرون من المعاناة وتحولات ثورية في الاقتصاد والتجارة والزراعة والمدن كانت بمثابة التجسيد لفكر النهضة والإصلاح الديني والتنوير من جهة والتلاحم مع هذه المنظومة الفكرية الجديدة من جهة أخرى ، تمهيداً للثورات السياسية البرجوازية التي أنجزت كثيراً في هولندا في مطلع القرن السابع عشر، وفي بريطانيا من 1641 _1688 ، ثم الثورة الفرنسية الكبرى 1789 _ 1815 ، والثورة الألمانية في منتصف القرن التاسع عشر .
لقد كان نجاح هذه الثورات بمثابة الإعلان الحقيقي لميلاد عصر النهضة والتنوير أو عصر الحداثة ففي هذا العصر انتقلت أوروبا الغربية من مجتمع الطبيعة المحكوم بنظرية الحق الإلهي إلى المجتمع المدني ، مجتمع الديمقراطية والثورة العلمية الكبرى التي أحدثت زلزالاً في الفكر الأوروبي الحديث كان من نتائجه الرئيسية " انتقال موضوع الفلسفة من العلاقة بين الله والعالم، إلى العلاقة بين الإنسان والعالم وبين العقل والمادة .
وفي هذا الجانب ، نشير الى أن الفكر الذي ساد في المرحلة السابقة (الإقطاعية) لم يهتم ببحث المسائل المطروحة بما يدفع نحو الانتقال من حالة الجمود أو الثبات إلى حالة النهوض والحركة الصاعدة ، ذلك أن "المفكرين" لم يتطلعوا إلى البحث عن الحقيقة بل عن وسائل البرهان على صحة العقائد الدينية خدمة لمصالح الملوك والنبلاء الإقطاعيين ورجال الدين.
كان لابد لهذه الفلسفة القائمة على مثل هذه الأسس أن تسير في درب الانحطاط في ظروف بدأ فيها يتعزز العلم مع بدايات تشكل أسلوب أو نمط الإنتاج الجديد في أحشاء المجتمع الإقطاعي ما بين القرنين الرابع والخامس عشر، وقد كانت بداية ذلك التشكل عبر إطارين : إطار التعاونيات ، وإطار المانيفاكتوره[1].
 ففي هذه المرحلة الانتقالية ، نلاحظ تطوراً ونمواً للمدن وظهور التجار والصناعيين وأصحاب البنوك، والاكتشافات التكنيكية المغازل الآلية – دواليب المياه – الأفران العالية والبارود والطباعة في أواسط القرن الخامس عشر .
فيما بعد تم إحراز نجاحات أخرى عززت تطور أسلوب الإنتاج الرأسمالي ضمن محورين أساسيين :
1.        الكشوفات الجغرافية مع نهاية القرن الخامس عشر وبداية السادس عشر.
2.  ترافق كل ذلك مع تغيرات ثقافية وفكرية رحبة كسرت الجمود الفكري اللاهوتي السائد ، وأدت إلى " تهاوي استبداد الكنيسة في عقول الناس ".
وظهور مجموعات من المثقفين البرجوازيين قطعوا كل صلة لهم بالكنيسة واللاهوت الديني المذهبي، وارتبطوا مباشرة بالعلم والفن ، وقد سمي هؤلاء بأصحاب النزعة الإنسانية "HUMANISM ".
المسار الفكري التاريخي لعصر النهضة:
البدايات الأولى مع ميكافيلي (1469-1527) وهو من أوائل المنظرين السياسيين البرجوازيين ، حاول في مؤلفاته البرهنة على أن البواعث المحركة لنشاط البشر هي الأنانية و المصلحة المادية، وهو صاحب مقولة:"أن الناس ينسون موت آبائهم أسرع من نسيانهم فقد ممتلكاتهم" ، إن السمة الفردية والمصلحة عنده هما أساس الطبيعة الإنسانية؛ ومن جانب آخر فقد رأى أن القوة هي أساس الحق.
نيقولا كوبرنيكس ( 1473 م. _ 1532 م. ): ساهم هذا المفكر في تحطيم الأيديولوجية اللاهوتية القائمة على القول بمركزية الأرض في الكون وذلك عبر اكتشافه لنظرية مركزية الشمسHelio Contricism التي قام على أساسها علم الفلك الحديث؛ وهذه النظرية من أهم منجزات "كوبرنيكس" على الإطلاق وهي تستند إلى مبدأين:_
أولاً: ليست الأرض ثابتة في مركز الكون بل تدور حول محورها الخاص؛ وقد استطاع من خلال ذلك تفسير تعاقب الليل والنهار.ثانياً: الأرض تدور حول الشمس مركز الكون.
جوردانو برونو ( 1548 م. _ 1600 م. ): فيلسوفاً وعالماً فلكياً، قام بتطوير وتصحيح نظرية كوبرنيكس، بدأ حياته راهباُ وبسبب أفكاره المادية انفصل عن الكنيسة وتفرغ لنظرياته العلمية، آمن بـ "لا نهائية" المكان أو لانهائية الطبيعة، ورفض مركزية الشمس في الكون مؤكداً على أن لا وجود لهذا المركز إلا كمركز نسبي فقط "فشمسنا ليست النجم الوحيد الذي له أقمار تدور حوله". لقد حطم برونو التصورات القديمة عن العالم المخلوق ليجعل الكون ممتداً إلى ما لا نهاية وهو القائل بأن: "الكلمة الأخيرة في كل مجال من مجالات المعرفة تكمن في العقل وحده" ؛ ألقي القبض عليه من قبل محاكم التفتيش التي سجنته ثمانية سنوات أحرقوه بعدها على أحد أعمدة التعذيب بعدما رفض إنكار فلسفته وتوجهاته العلمية.
ليوناردو دافنشي (1452-1519)، وضع العديد من التصاميم للأجسام الطائرة .
جاليليو (1564-1642) ، صمم تلسكوب بنفسه كان لاكتشافاته في علوم الفلك دوراً كبيراً.يعتبر جاليلو من أبرز مفكري ذلك العصر الذين صاغوا النظرة الديئية deism إلى الطبيعة التي إعتنقها عدد من فلاسفة ومفكري القرنين السابع عشر والثامن عشر؛ أسهمت هذه النظرة إلى جانب أصحاب النزعة الإنسانية والفلسفة البانتيئية ( وحدة الوجود ) في تعزيز وتطور الفلسفة العقلانية والمنهج المادي العلمي كمنطلقات أساسية لعصر النهضة.
ثانياً: المرحلة التاريخية الثانية أو تطور الفلسفة الأوروبية في عصر الثورات البرجوازية أواخر القرن السادس عشر ونهاية القرن الثامن عشر :- أدى تفسخ العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في النظام الإقطاعي الأوروبي إلى تغيير كبير في الدور الذي يلعبه الدين في المجتمع.
وفي ضوء هذا التطور الذي أصاب كل مناحي الحياة في عصر النهضة، رفع فلاسفة هذا العصر رغم الاختلافات بين مذاهبهم شعار "العلم" من أجل تدعيم سيطرة الإنسان على الطبيعة ورفض شعار العلم من أجل العلم.. لقد أصبحت التجربة هي الصيغة الأساسية للاختراعات والأبحاث العلمية التطبيقية في هذا العصر وأبرزها:
• صياغة القوانين الأساسية للميكانيك الكلاسيكي بما فيها قانون الجاذبية الذي وضعه نيوتن (1643 – 1727) .
• تطوير علوم الرياضيات والهندسة والفيزياء والأحياء_ ديكارت ولايبنتز.
• اكتشاف الدورة الدموية- هارفي - " تأكيد اكتشاف ابن النفيس".
• قوانين الميكانيك وتعريف مفهوم العنصر الكيميائي_ بويل.
• ميزان الحرارة الزئبقي والضغط الجوي_ تورشيللي ( أحد تلامذة جاليليو).
لم يكن سهلاً لهذه الاكتشافات العلمية وغيرها أن تكون بدون تطور الفلسفة عموماً والمذهب
التجريبي على وجه الخصوص ، في سياق الحراك والتناقض والصراع الاجتماعي الدائم
والمستمر بوتائر متفاوتة في تسارعها بين القديم والجديد ، إذ أنه بدون هذه الحركة والتناقض لم
يكن ممكناً بروز الدعوة من أجل التغيير والتقدم التي عبر عنها فلاسفة عصر النهضة في
أوروبا أمثال فرنسيس بيكون، ديكارت، هوبس، لايبنتز، سبينوزا.
فرنسيس بيكون ( 1561 م _ 1626 م ) :فيلسوف انجليزي "أول من حاول إقامة منهج علمي جديد يرتكز إلى الفهم المادي للطبيعة وظواهرها" ؛ وهو مؤسس المادية الجديدة والعلم التجريبي وواضع أسس الاستقراء العلمي؛ فالغرض من التعلم عنده زيادة سيطرة الإنسان على الطبيعة وهذا لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق التعليم الذي يكشف العلل الخفية للأشياء.
لقد شك بيكون في كل ما كان يظن "أنه يقين حق" غير أن الشك عنده لم يكن هدفاً بذاته بل وسيلة لمعرفة الحقيقة؛ وأول خطوة على هذا الطريق تنظيف العقل من الأوهام الأربعة "أوهام بيكون"
رينيه ديكارت ( 1596 م _ 1650 م ): وهو فيلسوف فرنسي وعالم رياضيات وفيزيائي وعالم فسيولوجيا، كان "ديكارت" في مبحث المعرفة مؤسس المذهب العقلاني ، هذا المذهب الذي يرتكز عنده على مبدأ الشك المنهجي أو الشك العقلي "الشك الذي يرمي إلى تحرير العقل من المسبقات وسائر السلطات المرجعية" ومن سلطة السلف ، الشك الذي يؤدي إلى الحقيقة عن طريق البداهة العقلية كالحدس_ التحليل_ التركيب.
لقد أقام "ديكارت" وفق أسس الشك المنهجي والبداهة العقلية؛ يقينه الأول من مبدأه البسيط الذي عرفناه من خلاله "أنا أفكر.. أنا موجود" ، هذا المبدأ الأول هو بداية كل فكر عقلاني وهو ما سنجده مضمراً وصريحاً في الفلسفة العقلانية من ديكارت إلى ماركس.
توماس هوبز ( 1588 م _ 1679 م ): أحد فلاسفة القرن السابع عشر ، تأثرت فلسفته المادية بالثورة البرجوازية الإنجليزية ضد الأرستقراطية الإقطاعية في تلك المرحلة؛ رفض هوبز في مذهبه في القانون والدولة نظريات الأصل الإلهي للمجتمع.
جوتفريد فيلهلم لايبنتز ( 1646م – 1716م) :وصل من خلال اللاهوت "Theology" إلى مبدأ الترابط المحكم (الشامل والمطلق) بين المادة والحركة"بعكس "ديكارت" الذي يقول: بجوهرين مستقلين مادي وغير مادي؛ إلتزم بمبدأ التجريبية في المعرفة التي تعتبر الأحاسيس شيئاً لا غنى عنه للمعرفة.
في مؤلفه "العدالة الإلهية".. حاول أن يبرهن فيه على أن عالمنا الذي خلقه الله هو بالرغم مما فيه من شرور، أحسن العوالم الممكنة،فما نراه من شرور هو شرط ضروري في رأيه للتناسق في العالم ككل ، في رأينا إن جوهر هذه الفلسفة هو الاستسلام للأمر الواقع ، وهو يقترب من فلسفة " ليس في الإمكان أبدع مما كان"، وهذه المقولة لا تختلف في جوهرها عن المقولة التراثية الإسلامية " لو اطلعتم في الغيب لاخترتم الواقع".
باروخ سبينوزا (1632م – 1677م ) : وهو يهودي هولندي.. تشكل فلسفته أحد الاتجاهات الرئيسية في مادية القرن السابع عشر؛ وقد أكد على أن الفلسفة يجب أن تعزز سيطرة الإنسان على الطبيعة.. دحض سبينوزا افتراءات رجال الدين اليهود عن "قدم التوراة" وأصلها الإلهي.. فهي ، أي "التوراة" كما يقول ليست وحياً إلهياً بل مجموعة من الكتب وضعها أناس مثلنا وهي تتلاءم مع المستوى الأخلاقي للعصر الذي وضعت فيه.. وأنها "سمة لكل الأديان" حول الحكم يعتبر "سبينوزا" أن الحكم الديمقراطي هو أرفع أشكال الحكم بشرط أن يكون تنظيم الدولة موجهاً لخدمة مصالح كل الناس.
جون لــوك ( 1632م. – 1704م. ) :  من كبار فلاسفة المادية الإنجليزية، وقد برهن على صحة المذهب الحسي المادي الذي يرجع جميع ظروف المعرفة إلى الإدراك الحسي للعالم الخارجي.
رفض وجود أية أفكار نظرية في الذهن.. فالتجربة بالنسبة له هي المصدر الوحيد لكافة الأفكار..! وحول فلسفته يقــول ماركس :"لقد أقام لوك فلسفة العقل الإنساني السليم.. أي أنه أشار بطريقة غير مباشرة إلى أنه لا وجود لفلسفة إلاَ فلسفة البصيرة المستندة إلى الحواس السليمة".
جون ستيوارت مل (1632-1704): قال بأن جميع أشكال المعرفة تعود إلى الإدراك الحسي المادي للعالم الخارجي .
التنويـــر الفرنسي والفلسفة الألمانية في القرن الثامن عشر:
أولاً : التنوير الفرنسي :شهدت فرنسا قبيل الثورة البورجوازية الفرنسية (1789) بأربعة عقود حركة فكرية واسعة وقوية عرفت "بحـركة التنوير" ، وضع رجالها نصب أعينهم مهمة نقد ركائز الأيديولوجية الإقطاعية، ونقد الأوهام والمعتقدات الدينية والنضال من أجل إشاعة روح التسامح الديني وحرية الفكر والبحث العلمي والفلسفي وإعلاء شأن العقل والعلم في مواجهة الغيبية.
شارل مونتسكيو (1689-1755) :  صاحب كتاب "روح القوانين".. يرى أن الضمانة الأساسية للحرية في المؤسسات الدستورية التي تحد من العسف وتكبحه ، يرى في التفاني وإخلاص كل فرد وتضحيته من أجل المصلحة العامة ، القوة المحركة في النظام الديمقراطي وأساس ازدهاره .
ومن أهم آرائه ، رأيه في الحكم المطلق الذي يعتبره شكلاً مناقضاً للطبيعة الإنسانية ومناقضاً للحقوق الشخصية وحصانتها وأمنها.
فرانسوا فولتير ( 1694م. – 1778م. ) :  عاش كل حياته مناضلاً ضد الكنيسة والتعصب الديني وضد الأنظمة الملكية وطغيانها؛رفض فولتير جميع تعاليم الديانات _الإيجابية_ في صفات الله لكونها تفتقر إلى البرهان.
جان جاك روسو ( 1712 – 1778 ) :من الذين نادوا بالمصالح البرجوازية ضد الإقطاع ، فقد ناضل روسو ليس فقط ضد السلطة الإقطاعية بل كان مستوعباً لتناقضات المجتمع الفرنسي أكثر من غيره؛ فقد وقف مع وجهة نظر البرجوازية الصغيرة "الراديكالية" والفلاحين والحرفيين.. وكان موقفه أكثر ديمقراطية من معاصريه.
ففي كتابه "العقد الاجتماعي" يحاول روسو البرهنة على أن الوسيلة الوحيدة لتصحيح التفاوت الاجتماعي هي في ضمان الحرية والمساواة المطلقة أمام القانون.
ديني ديدرو ( 1713 - 1784 ):من أبرز وجوه الماديين الفرنسيين على الإطلاق.. ينطلق في أفكاره من القول بأزلية الطبيعة وخلودها فليست الطبيعة مخلوقة لأحد ولا يوجد سواها أو خارجها شيء مطلق؛ وقف ضد التفسير المثالي اللاهوتي للتاريخ الإنساني ليؤكد مع زملائه الماديين الفرنسيين أن العقل الإنساني وتقدم العلم والثقافة هي القوة المحركة لتاريخ البشرية.
يرى أن الطريق إلى الخلاص من عيوب أشكال الحكم القائم لا يمر عبر الثورة بل من خلال إشاعة التنوير في المجتمع.
ثانياً : الفلسفة الألمانية:
عمانويل كانت ( 1724 - 1804 ):من مؤلفاته انطلق من نظريته عن "الأشياء في ذاتها" والظواهر؛ إلى القول: أن هناك عالم مستقل عن الوعي (الحواس ، الفكر) ، وهو عالم الأشياء التي يسميها "الأشياء في ذاتها" والعالم المستقل عن الوعي هو العالم الموضوعي. 
عارض مزاعم الإقطاع الألماني في "أن الشعب لم ينضج بعد للحرية؛ مبيناً أن التسليم بصحة هذا المبدأ يعني أن الحرية لن تأتي في يوم من الأيام".
إن "كانط" يفهم الحرية المدنية على أنها حق الفرد في عدم الامتثال إلا للقوانين التي وافق عليها مسبقاً واعترف بمساواة جميع المواطنين أمام القانون.
جورج ويلهلم فريدريك هيجل (1770 - 1831 ) : تكمن مأثرته التاريخية العظيمة في أنه كان أول من نظر إلى العالم الطبيعي والتاريخي والروحي بوصفه عملية؛ أي في حركة دائمة وفي تغير وتطور.لقد صاغت فلسفة "هيجل" بشكل منظم النظرة "الديالكيتكية" إلى العالم.
نقطة الانطلاق في فلسفة "هيجــل" : إن الوحدة الأولية التي تشكل الأساس الجوهري للعالم هي: "وحدة الوجود والفكر" ، يرى "هيجــل" أن الفكر "يغيــــر" وجوده إلى شكل مادة، طبيعة.. وهي وجود آخر لهذا الفكر القائم موضوعياً والذي يسميه هيجــل "بالفكرة المطلقة"؛ وهكذا إن العقل ليس ملكة خاصة بالإنسان بل هو الأساس الأوَّلي للعالم، ولذا فان العالم يتطور وينمو وفقاً لقوانين الفكر أو العقل.. وبهذا يكون الفكر أو العقل عند هيجــل هو الجوهر المطلق _المستقل عن الإنسان والإنسانية_ للطبيعة والإنسان والتاريخ العالمي؛ وأن هذا الفكر كماهية جوهرية موجودة لا خارج العالم بل في العالم ذاته بوصفه المستوى الداخلي لهذا العالم.
إن المساهمات الرئيسية للديالكتيك الهيغلي يمكن تلخيصها في:
1.ترابط الأشياء فلا يمكن قبول أي حدث بمعزل عن الأحداث الأخرى.
2.رفض المنهج الميتافيزيقي الذي ينظر إلى الأشياء بعزلها عن بعضها البعض، فعلى سبيل المثال ليس هناك شيء اسمه "الطبيعة الإنسانية" في حد ذاتها _أي موجودة في خارج الإنسان_ بل هناك طبيعة إنسانية في هذا الموقف أو ذاك.
3.يدعونا إلى النظر إلى الأشياء كافة لا كأشياء جامدة لا تتحرك ولكن أن ننظر إليها كأشياء سبق أن كانت أشياء أخرى وستكون في المستقبل شيئاً جديداً مختلفاً فليس هناك من شيء دائم؛ كل شيء في مرحلة انتقال وفي تطور دائم.. هذه هي عظمة المنهج الجدلي عند هيجل.
بعد هيجــل اختلف الكثيرون حول فلسفته وبرز تيارين رئيسيين انعكاساً لها أو دفاعاً عنها؛ تيار يميني دعي ممثلوه بالهيغليين الشيوخ الذين تمسكوا بالأيديولوجية الإقطاعية/ المسيحية ضد التيار اليساري أو الهيغليون الشباب.
حركة الهيغليين الشباب التي لعبت دوراً تقدمياً في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر وكان ماركس أحدهم.
لودفيج فيورباخ (1804 – 1872 ):كان هدف فيورباخ تحرير الإنسان من الوعي الديني؛ وفي مؤلفه "نقــد فلسفــة هيجـل" أعطى حلاً مادياً للمسألة السياسية في الفلسفة وهذا الحل يرتكز على اعتبار الطبيعة، أو الوجود، أو المادة واقعاً ينشأ عنه بالضرورة العقل المفكر.اقترب في أواخر حياته من الاشتراكية العلمية خصوصاً بعد أن قرأ رأس المال.
وفي رأيه إذا كان الدين يعد الإنسان بالنجاة بعد الموت فإن الفلسفة مدعوه لتحقق على الأرض ما يعد به الدين في عالم الغيب.. أي أن على الفلسفة أن تلغي الأوهام الدينية لتوفر وتعطي الإنسان القدرة على معرفة إمكانياته الحقيقية في بلوغ السعادة.
المقدمات الأيديولوجية لظهور الماركسية :
كان ديكارت وبابيف وديدرو وفولتير من أبرز أسلاف الفلسفة الماركسية، باعتبارهم من أهم رموز عصر النهضة الذين مهدوا أيديولوجياً للثورات البرجوازية في أوروبا في القرنين 17 و 18 ، كذلك فإن المفكرين الاجتماعيين مثل هوبز / لوك / مونتسكيو / وروسو ، كانوا جميعاً من هؤلاء الأسلاف العظام، فقد كانوا رموز عصر التنوير وأنصار العقلانية الذين وجهوا نقداً عنيفاً للأنظمة الإقطاعية ، وأعلنوا ضرورة إشاعة الحريات المدنية والمساواة بين الناس .. لقد زرعوا بذور التغيير وساهموا في إنضاجها.
مصادر الفلسفة الماركسية :
أولاً/ الفلسفة الألمانية :
هيجل : (1770 – 1831) أبرز رجالات الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ، وقد بلغت هذه الفلسفة ذروتها في مذهبه الذي تكمن مأثرته التاريخية في أنه كان أول من نظر إلى العالم ، الطبيعي والتاريخي والروحي بوصفه عملية ، أي في حركة دائمة ، في تغير وتطور ، إنها عملية ديالكتيكية ، وهو أول من أعطى صياغة دقيقة لقوانين الديالكتيك الأساسية ، لكنه رغم ذلك وقف على أرضية المثالية الفلسفية الخاطئة .
لودفيج فيورباخ ( 1804 – 1872 ) لعبت فلسفته المادية دوراً هاماً في وضع ماركس وانجلز للرؤية المادية ، لقد وجه فيورباخ نقداً عنيفاً للمثالية الهيجلية ، لكنه عموماً ظل مادياً ميتافيزيقياً ، بسبب أن ماديته لم تتفهم القيمة العلمية لديالكتيك هيجل، كذلك لم يدرك حق الإدراك ماهية الإنسان ، فاعتبره كائناً بيولوجياً فقط ، ولم يتبين الجانب المادي من العلاقات الاجتماعية .
ثانياً/ الاقتصاد السياسي الانجليزي :
من المصادر أيضاً النظريات الاقتصادية التي وضعها كل من آدم سميث (1723 – 1790 ) وديفيد ريكاردو (1772 – 1823 ) وخاصة نظرية القيمة – العمل التي كان لها أهمية بالغة في تكون المذهب الفلسفي الماركسي ، إن نظريتهما أوضحت ولأول مرة أهمية الأساس الاقتصادي لنشاط الناس ، كما بينا أن تطور المجتمع يرتكز إلى التفاعل الاقتصادي بين الناس، لكنهما (سميث وريكاردو ) كونهما من المدافعين عن الرأسمالية ، عملا على تبرير استغلال الرأسماليين للعمال ، وصورا هذا الاستغلال تفاعلاً بين شريكين متكافئين في إطار علاقات السوق ، أما الربح فاعتبراه مكافأة للرأسمالي على تنظيم الانتاج وإدارته ، المهم أن مذهبهما الاقتصادي كان منطلقاً للبحث اللاحق للعلاقات الاقتصادية وللكشف عن التناقض بين العمل والرأسمال من حيث هو التناقض الأساسي في المجتمع البرجوازي .
ثالثا/ الاشتراكية الطوباوية :
من المصادر أيضاً ، الأفكار الاشتراكية الطوباوية ، وأهم الرموز : سان سيمون (1760 – 1825 ) وفورييه ( 1772 – 1837 ) وروبرت اوين (1771 –1858) ، وقد لعبت هذه الأفكار دوراً هاماً في التمهيد لظهور الفلسفة الماركسية ، وخاصة المادية التاريخية ، لقد ارتكزت أفكار هؤلاء الرواد على مطالبتهم بضرورة انتشار الملكية العامة ( الجماعية ) والعمل الجماعي ، بما يسمح بالقضاء على بؤس الجماهير ، لكنهم لم يروا السبل المؤدية إلى التحول الاشتراكي وأنكروا دور الثورة والصراع الطبقي أو لم يفهموه ، واعتبروا أن الطريق إلى الاشتراكية يمر عبر التنوير وتعاون الطبقات ، وهو أمر مستحيل ، تلك هي مثاليتهم .
على ضوء الانجازات النظرية لأبرز رجالات الفلسفة والاقتصاد السياسي ، والاشتراكية الطوباوية، وضع ماركس وانجلز نظرية فلسفية جديدة كل الجدة تجمع لأول مرة في تاريخ العلم بين المادية الفلسفية والمنهج الديالكتيكي ، وتعطي تفسيراً علمياً لحياة المجتمع البشري ، وبفضلهما تحول العلم الفلسفي ليصبح أداة بيد الطلائع المثقفة والقوى الكادحة والبروليتاريا في نضالها لتغيير العالم.

[1]المانيفاكتورة هي الشكل الكلاسيكي للتعاون القائم على أساس تقسيم العمل، وقد كانت سائدة من سنة 1550 وحتى 1770، وهي تنشأ:
إما بتجميع حرف مختلفة يؤدي كل منها جزءا تفصيليا من العمل (مثال صنع العربات) حيث يفقد الحرفي المنفرد قدرته، شيئا فشيئا، على ممارسة حرفته برمتها، ويكتسب من جهة ثانية مهارة أفضل في عمله الجزئي. وهكذا تنقسم كامل العملية إلى مكوناتها الجزئية.
أو بأن يقوم العديد من الحرفيين بأداء أعمال متشابهة، أو القيام بنفس العمل على شكل جماعة موحدة في المعمل نفسه، ولكن عوضا عن إنجاز الأعمال الفردية واحدة بعد أخرى من قبل شغيل واحد، يتم تجزئتها بشكل تدريجي إلى أن يجري تنفيذها من قبل عمال متعددين في وقت واحد (صناعة الإبر..الخ) وبدلا من أن يكون المنتوج نتاج حرفي واحد، يصبح الآن نتاج عمل مجموعة من الحرفيين الذين لا يؤدي أحد منهم سوى جزء تفصيلي من العملية.
إن كل مجموعة من العمال، في المانيفاكتورة، تجهز المجموعة الأخرى بالمادة الأولية، وينجم عن هذا شرط أساسي، إذ يتوجب على كل مجموعة أن تنتج كمية معينة في وقت معين، فنحصل بذلك على استمرارية وانتظام وتناسق وشدة عمل من نوع مختلف تماما عما يخلقه التعاون في الحرفة المستقلة.وهكذا نحصل على القانون التكنيكي لعملية الإنتاج: أن يكون العمل هو العمل الضروري اجتماعيا.
ظهرت الآلات بشكل مبكر في مانيفاكتورة متفرقة –مطاحن الحبوب ومصانع الورق..الخ.. ولكن الآلة كانت شيئا ثانويا. إن الآلة الرئيسية في المانيفاكتورة هي العامل الجماعي المندمج الذي يمتلك درجة من الكمال أعلى من العامل الحرفي المنفرد القديم. إن كل نواقص الحرفي التي تزداد وتتطور بالضرورة عند تقسيم العمل، تصبح في المانيفاكتورة الكمال بعينه.
وتخلق المانيفاكتورة فروقات بين العمال الجزئيين وتقسمهم إلى عمال ماهرين وعمال غير ماهرين، بل إنها تؤسس نظاما للمراتب وسلما متدرجا للأجور.