حول أساليب الانتاج قبل الرأسمالية - والحتمية التاريخية للأزمة العامة للرأسمالية (2)


خليل اندراوس
2018 / 9 / 8 - 23:26     


نهاية الرقّ
مع تطور الاقتصاد القائم على الرق تفاقمت حدة النضال الطبقي اكثر فأكثر بين الظالمين والمظلومين وكان هذا النضال ينفجر في انتفاضات العبيد على اسيادهم، والى العبيد الثائرين كان ينضم الفلاحون الاحرار والحرفيون الذين يستثمرهم كبار مالكي العبيد ودولة الرق، وفي عداد انتفاضات العبيد العديدة كانت الانتفاضة التي قامت بقيادة سبارتاكوس (سنوات 74 – 71 قبل الميلاد) واسعة بصورة خاصة، وأشهر ثورة في التاريخ الاسلامي كانت ثورة الزنج في العصر العباسي في القرن التاسع. واكثر فأكثر تشابكت الضربات من الداخل مع الضربات من الخارج وهذا ما افضى الى هلاك نظام الرق نهائيا



إن اسلوب الانتاج القائم على الرق قد اسهم عند نشوئه في انماء القوى المنتجة الا ان تطوره فيما بعد استتبع كما رأينا تدمير القوى المنتجة، ولهذا تحولت علاقات الانتاج القائمة على عمل الارقاء الى كابح يكبح تطور القوى المنتجة في المجتمع، وإذا عمل الارقاء الذين لا مصلحة لهم اطلاقا في ثمار الانتاج، يستنزف امكانياته وبات من الضروري تاريخيا الاستعاضة عن علاقات الانتاج القائمة على الرق بعلاقات اخرى تغير وضع القوة المنتجة الرئيسية في المجتمع الا وهي الارقاء. ومع تدهور الاستثمارات الكبيرة القائمة على عمل الارقاء غدت الاستثمارة الصغيرة اكثر نفعا، ولهذا تزايد عدد الارقاء المعتقين المحررين وفي الوقت نفسه قسمت اللاتيفونديا (الاملاك الكبيرة) قطعا صغيرة يستغلها المزارعون (الكولون).
والمزارع الكولون ليس عبدا بل شغيلا زراعيا يحصل على قطعة من الارض لاستغلالها مدى حياته ويدفع لقاء ذلك قدرا معينا من النقود او من المنتجات، والمزارع الكولون ليس بمستأجر حر للارض بل هو مربوط بأرضه لا يستطيع التخلي عنها ولكن من الممكن بيعه مع قطعة الارض، لقد كان المزارعون الكولون اسلاف اقنان القرون الوسطى. فنظام العبودية او الرق هو امتلاك الانسان للانسان وكون الرقيق مملوكا لسيده وكانوا يباعون في اسواق النخاسة او يشترون في تجارة الرقيق بعد اختطافهم من مواطنهم او يهدي بهم مالكوهم. ومن الجدير ذكره بان ممارسة العبودية ترجع لأزمان ما قبل التاريخ في مصر، عندما تطورت الزراعة بشكل متنام في مصر فكانت الحاجة ماسة لأيدي عاملة فلجأت المجتمعات البدائية للعبيد لتأدية اعمال تخصصية بها، وكان العبيد يؤسرون من خلال الاغارات على مواطنيهم او تسديدا لدين. وكانت العبودية في الحضارات القديمة متفشية ومسيطرة لدواع اقتصادية واجتماعية ولهذا كانت حضارات الصين والهند وبلاد الرافدين تستعمل العبيد في الخدمة المنزلية او العسكرية والانشائية والبنائية الشاقة. وكان قدماء المصريين يستعملون العبيد في تشييد القصور الملكية والصروح الكبرى وكان الفراعنة يصدرون بني اسرائيل رقيقا للعرب والروم والفرس، وكانت حضارات المايا والانكا والازتك تستخدم العبيد على نطاق واسع في الاعمال الشاقة والحروب وفي بلاد الاغريق كان الرق ممارسا على نطاق واسع لدرجة ان مدينة اثينا رغم دمقراطيتها كان معظم سكانها من العبيد، وهذا يتضح من كتابات هوميروس للالياذة والاوديسا. وكذلك العبودية كانت سائدة في روما ايام الامبراطورية الرومانية فقد قامت على اكتاف العبيد الحضارات الكبرى في العالم القديم.
• الرق في اوروبا – في القرن الخامس عشر مارس الاوروبيون تجارة العبيد بالافارقة وكانوا يرسلونهم قسرا للعالم الجديد ليفلحوا الضياع الامريكية، وفي عام 1444 كان البرتغاليون يمارسون النخاسة ويرسلون للبرتغال سنويا ما بين 700 – 800 عبد من مراكز تجميع العبيد على الساحل الغربي لافريقيا، وكانوا يخطفون من بين ذويهم في اواسط افريقيا وفي القرن 16 مارست اسبانيا تجارة العبيد التي كانت تدفع بهم قسرا من افريقيا لمستعمراتها في المناطق الاستوائية بأمريكا اللاتينية ليعملوا بالزراعة بالسخرة. وفي منتصف القرن السادس عشر دخلت انجلترا حلبة تجارة العبيد في منافسة وادعت حق امداد المستعمرات الاسبانية بالعبيد وتلاها في هذا المضمار البرتغال وفرنسا وهولندا والدنمارك ودخلت معهم المستعمرات الامريكية في هذه التجارة اللاانسانية فوصلت امريكا الشمالية او جحافل العبيد الافارقة عام 1619 م، جلبتهم السفن الهولندية واوكل اليهم الخدمة الشاقة بالمستعمرات الانجليزية بالعالم الجديد. ومع التوسع الزراعي هناك في منتصف القرن السابع عشر زادت اعدادهم ولا سيما في الجنوب الامريكي وبعد الثورة الامريكية اصبح للعبيد بعض الحقوق المدنية المحدودة. وفي عام 1792 كانت الدانمارك اول دولة اوروبية تلغي تجارة الرق وتبعتها بريطانيا وامريكا بعد عدة سنوات، وفي مؤتمر فيينا عام 1814 عقدت كل الدول الاوروبية معاهدة منع تجارة العبيد وعقدت بريطانيا بعدها معاهدة ثنائية مع الولايات المتحدة الامريكية عام 18948 لقمع هذه التجارة بعدها كانت القوات البحرية الفرنسية والانجليزية تطارد سفن مهربي العبيد وحررت فرنسا عبيدها وحذت حذوها هولندا وتبعتها جمهوريات جنوب امريكا ما عدا البرازيل حيث ظلت العبودية بها حتى عام 1888. وفي مطلع القرن التاسع عشر كان معظم العبيد يتمركزون في ولايات الجنوب بالولايات المتحدة الامريكية، لكن بعد اعلان الاستقلال الامريكي اعتبرت العبودية شرا لا تتفق مع روح مبادئ الاستقلال حيث نص الدستور الامريكي على الغاء العبودية عام 1865م، وفي عام 1906 عقدت الامم مؤتمر العبودية الدولي حيث قرر منع تجارة العبيد والغاء العبودية بشتى اشكالها. من هنا نستطيع ان نلخص بان نظام الرق اسهم في انماء القوى المنتجة وهذا ادى الى تحول علاقات الانتاج القائمة على عمل الارقاء الى كابح يكبح تطور القوى المنتجة في المجتمع وهكذا مع تطور القوى المنتجة داخل قلب نظام الرق اخذ ينشأ اسلوب جديد للانتاج هو الاسلوب الاقطاعي.
ومع تطور الاقتصاد القائم على الرق تفاقمت حدة النضال الطبقي اكثر فأكثر بين الظالمين والمظلومين وكان هذا النضال ينفجر في انتفاضات العبيد على اسيادهم، والى العبيد الثائرين كان ينضم الفلاحون الاحرار والحرفيون الذين يستثمرهم كبار مالكي العبيد ودولة الرق، وفي عداد انتفاضات العبيد العديدة كانت الانتفاضة التي قامت بقيادة سبارتاكوس (سنوات 74 – 71 قبل الميلاد) واسعة بصورة خاصة، وأشهر ثورة في التاريخ الاسلامي كانت ثورة الزنج في العصر العباسي في القرن التاسع. واكثر فأكثر تشابكت الضربات من الداخل مع الضربات من الخارج وهذا ما افضى الى هلاك نظام الرق نهائيا، وجد النظام الاقطاعي في جميع البلدان تقريبا ولكن بخصائص مختلفة امتدت الاقطاعية حقبة طويلة ففي الصين مثلا دام النظام الاقطاعي اكثر من الفي سنة وفي بلدان اوروبا الغربية بقي عدة قرون ابتداء من سقوط الامبراطورية الرومانية (القرن الخامس) حتى القرن السابع عشر في انجلترا والقرن الثامن عشر في فرنسا وفي روسيا استمرت الاقطاعية من القرن التاسع حتى الغاء نظام القنانة النظام الاقطاعي – هو نوع من انواع الانظمة الاقتصادية والسياسية التي ظهرت في العصور الوسطى. ويعرف النظام الاقطاعي بانه نظام يعتمد على ملكية الافراد من الطبقة الاقطاعية للاراضي التي تشكل الوسائل الانتاجية ومن ثم حرصهم على استغلال الفلاحين للعمل فيها، حيث كانت الاراضي في تلك الحقبة الزمنية هي الوسيلة الاساسية للانتاج وشملت الاملاك الاقطاعية كلا من اراضي القرى والمدن، واستغل الاقطاعيون بالاعتماد على هذه الملكية الخاصة – الارض والفلاحين الذين يعانون من الفقر، كما حدد هذا النظام نوعية طبقات الافراد في المجتمع، مما ادى الى ظهور مصطلح المجتمع الاقطاعي او اسلوب الانتاج الاقطاعي. اهتم الباحثون بدراسة النظام الاقطاعي الذي اصبح نظاما سياسيا واجتماعيا واقتصاديا انتشر في فترة القرون الوسطى، واختلف عن الانظمة التي ظهرت قبله في العصور القديمة وظهر هذا النظام تحديدا في قارة اوروبا الغربية، ولكنه يعود الى اصول قديمة ذات جذور رومانية وجرمانية فظهرت بداياته في الفترة الزمنية بين القرنين الثامن والتاسع للميلاد ومن ثم امتد من القرن العاشر الى القرن السادس عشر للميلاد حتى تراجع وانتهى نتيجة للتقدم الصناعي والتجاري. وقد تكونت الاقطاعية في اوروبا الغربية بنتيجة تفاعل عمليتين:
- انهيار دولة الرق الرومانية من جهة، وتفسخ النظام العشائري القبائل الفاتحة من جهة اخرى. فان عناصر الاقطاعية كما سبق وقيل اعلاه كانت قد ظهرت بصورة نظام الكولونا (التأجير التعمير) في ظل الرق. ولكن الامبراطورية الرومانية الاستعبادية القائمة على الرق سقطت نهائيا في اواخر القرن الخامس تحت ضربات من الداخل ومن الخارج، فان الجرمان والغاليين وغيرهم من الشعوب قد شنوا حروبا متواصلة ضد روما الاستعبادية وانتهت الحروب بانتصار هذه الشعوب التي كانت تقطن مناطق مختلفة من اوروبا. وعندما استولى الجرمان والغاليون على روما انتزعوا من الرومان ثلثي الاراضي مع المزارعين الكولون الموجودين فيها، ووزعوا هذه الاراضي على العشائر كما وزعوها كذلك على استثمارات خاصة وعاد قسم كبير من الارض الى القادة الحربيين، ان قطع الاراضي الموزعة على هذه الاسس كانت تسمى فودز – اقطاعات وكان مالكوها يسمون فودوكس – اقطاعيين.
ومقابل الحصول على الارض كان الاقطاعيون ملزمين باداء الخدمة العسكرية وكما من قبل ظل الفلاحون الصغار يحرثون الاراضي ولكنهم صاروا تابعين للاسياد الجدد تبعية شخصية. كانت ملكية الاقطاعي الخاصة للارض وملكيته المحدودة للفلاح القن اساس علاقات الانتاج في المجتمع الاقطاعي فان الفلاح القن لم يكن عبدا رقيقا بل كانت له استثماراته الخاصة، والى جانب ملكية الاقطاعيين كانت تقوم ملكية الفلاحين وملكية الحرفيين لادوات الانتاج ولاستثمارتهم الخاصة. وكانت الاستثمارة الفلاحية الصغيرة وانتاج الحرفيين الصغار المستقلين يرتكزان على العمل الفردي، وكان الانتاج كله يرتدي على الغالب صفة الانتاج الطبيعي أي ان المنتجات كانت معدة بصورة رئيسية من اجل الاستهلاك المباشر لا من اجل التبادل، وكانت الملكية العقارية الاقطاعية الكبيرة اساس استثمار الفلاحين من جانب كبار ملاكي الاراضي الاقطاعيين، وكان قسم من ارض الاقطاعي يشكل الملك الاقطاعي، اما القسم الآخر فكان الاقطاعي يعطيه للفلاحين بشروط تستعبدهم استعبادا، كانت هذه الحصة من الارض شرطا لتأمين اليد العاملة للسيد الاقطاعي وكان على الفلاح لقاء التمتع الوراثي بحصة الارض ان يعمل من اجل الملاك الاقطاعي فإما ان يزرع له ارضه بأدواته الخاصة هو الفلاح (السخرة) وإما ان يسلمه قسما من منتجه (الفريضة العينية او الاتاوة) وإما ان يقوم بهذه وتلك. وهذا النظام لادارة الاقتصاد لم يفض الى شكل سافر للاستثمار وحسب بل افضى كذلك بصورة حتمية الى تبعية الفلاح تبعية شخصية ازاء الملاك العقاري الاقطاعي، وصحيح انه لم يكن في وسع الاقطاعي ان يقتل الفلاح ولكنه كان في وسعه ان يبيعه.