العولمة الرأسمالية ومناهضة التبعية والتهميش


لطفي حاتم
2018 / 9 / 28 - 14:30     


ادى انهيار نموذج التطور الاشتراكي وسيادة وحدانية اسلوب الانتاج الرأسمالي الى كثرة من التغيرات الدولية / الوطنية بدأ من هيمنة علاقات الانتاج الرأسمالية عالميا وصولا الى تفكك روافد حركة التحرر الوطني العالمية بعد انهيار حلفاء دوليين مساندين لكفاحها الوطني الديمقراطي .
لقد القت هذه التغيرات بظلالها الحادة على الكفاح الوطني الديمقراطي وما نتج عن ذلك من انفراط لحمة التضامن الأممي الفاعل والمساند لحركة التحرر لوطنية في حقبة المعسكرين .
ان الاشارة الى تفكك النظم السياسية لدول ـ الاشتراكية الفعلية ـ وانتقال تطورها الاقتصادي الى الاسلوب الرأسمالي احدث تغيرا ت هامة على النزاعات الدولية / الوطنية وما أكده ذلك من ضرورة البحث المتواصل لتحديد طبيعة المناهج الفكرية والأساليب الكفاحية المناهضة وطبيعة الطور الجديد من الرأسمالية المعولمة . بهذا المنحى تثار اسئلة كثيرة منها ــ ما هي طبيعة الكفاح الوطني ـ الديمقراطي في ظروف العولمة الرأسمالية ؟ . وما هي الاساليب الكفاحية الكفيلة بإبعاد الدولة الوطنية عن التبعية والتهميش ؟ وما هي الاساليب النضالية القادرة على مواجهة حلفاء الرأسمالية المعولمة في الداخل الوطني ؟ وقبل هذا وذك ما هي سمات المرحلة التي يسعى الكفاح الوطني الديمقراطي الوصول اليها هل هي بناء الدولة الوطنية الديمقراطية والإصلاحات الاجتماعية ام المرحة ألانتقالية لسلطة الثورة الاشتراكية . وأخيرا ما هي أدوات الكفاح الوطني المناهض للتطور الرأسمالي المعولم ؟ .
انطلاقا من كثرة الاسئلة الفكرية والسياسية المشار اليها نسعى الى التقرب من بعضها في ثلاث محاور أساسية مترابطة يتصدرها ــ
المحور الاول ـ طبيعة المرحلة الرأسمالية وقواها الاجتماعية الفاعلة .
المحور الثاني ــ تحديد الطبقات الاجتماعية القادرة على مناهضة الخراب الرأسمالي .
المحاور الثالث ــ ماهية الاساليب الكفاحية المناهضة لسياسة التبعية والإلحاق .
استناد الى المحاور الثلاث المثارة نحاول برؤية نقدية تحديد مفاصلها الرئيسية لغرض الوصول الى اجابات قد تساهم في تطور مسارنا الوطني الديمقراطي الراهن.
المحور الاول ـ طبيعة المرحلة الرأسمالية وقواها الاجتماعية الفاعلة
لغرض تحديد القوى الاجتماعية الفاعلة في المرحلة الراهنة من التوسع الرأسمالي لابد لنا من تحديد مستويات النظام الدولي المتشكل بعد انهيار خيار التطور الاشتراكي والذي يتكون كما أرى من ثلاث مستويات يتقدمها ــ
المستوى الاول ــ والمتمثل بالدول الرأسمالية المتطورة وتشكيلاتها الاجتماعية التي تستند في نزاعاتها الطبقية على قاعدة الشرعية الدستورية والحوار المتبادل.
المستوى الثاني ــ دول مرحلة الرأسمالية الاحتكارية وما يشترطه ذلك من ترابط جهاز الدولة الرأسمالي مع الاحتكارات الاقتصادية الوطنية وبهذا التحديد يمكن الاشارة الى كثرة من دول مرحلة الرأسمالية الاحتكارية مضافا اليها الدول الاشتراكية السابقة وتطورها الراهن .
المستوى الثالث ــ يتمثل في الدول الوطنية التي يتميز بناء الدولة فيها بطبيعة نظمها السياسية وسمات تطورها الاقتصادي المتحكم في توجهات منظومتها السياسية .
ان اللوحة العالمية لتطور وترابط طوابق اسلوب الانتاج الرأسمالي العالمي تشترط تحديد أشكال ومضامين التعارضات الوطنية / الدولية المتحكمة في مراحل تطور البنية ـ الاقتصادية والاجتماعية لمستويات التطور الرأسمالي , مشيرا بهذا الاتجاه الى ان وحدانية التطور الرأسمالي العالمية تتحكم في مسارات تطورها كثرة من التناقضات الاجتماعية ــ الاقتصادية والسياسية الناتجة عن التطور اللامتكافئ لاسلوب التطور الرأسمالي وما يفرزه من نزاعات دولية وحروب إقليمية وعقوبات اقتصادية .
استنادا الى سمات التطور اللامتكافئ الملازمة لتطور اسلوب الانتاج الرأسمالي نحاول التعرض الى أشكال التعارضات المتحكمة في مستويات تطور التشكيلة الرأسمالية العالمية .
1ـ التعارضات الرئيسية والثانوية المتحكمة في بنية التطور الرأسمالي
ـ يتميز بناء التشكيلة الرأسمالية العالمية بكثرة من التعارضات الاساسية منها والثانوية التي تتحكم في مستويات تطورها التاريخي , بمعنى آخر تعارضات بين هيمنة الرأسمال الكسموبوليتي المتحكم في دول الرأسمالية المتطورة وبين تطور اقتصادات الدول الوطنية الساعية الى بناء اقتصادها الوطني بعيدا عن التبعية والتهميش.
ــ التعارضات الرئيسية المتحكمة في مستويات تطور التشكيلة الرأسمالية العالمية يمكن تحديدها بين الدول الرأسمالية المتطورة ذات النزعة الكسموبوليتية من جهة وبين الدول الراسمالية متوسطة التطور والدول الرأسمالية الوطنية منها من جهة ثانية .
ــ تعمل المراكز الرأسمالية الكسوموبوليتية ولغرض الهيمنة الدولية على المسارات التالية ــ
( أ ) تعميم قوانين التبعية والتهميش على الدول الوطنية بعد تفكيك تشكيلاتها الاجتماعية ومحاصرة نظمها السياسية .
( ب ) تحجيم دور الدول الوطنية من خلال مساندة واحتضان طبقات ثانوية في التشكيلات الاجتماعية الوطنية.
( ج ) جعل الطبقات الثانوية ــ البرجوازية الطفيلية والكمبورادورية ــ وكلاء محلين للاحتكارات الدولية .
ـــ أن سياسة الدول الكبرى تفضي الى نشوء نزاعات حادة بين مصالح الدول الوطنية وبين الروح الكوسموبولتية التي تسعى اغلبية الدول الرأسمالية المتطورة الى اعلاء شأنها في الحياة الاقتصادية والسياسية الدوليين.
ـــ وبهذا المسار تدفع الروح الكسموبوليتية للدول الكبرى القوى الطبقية المناهضة للتبعية والتهميش الى بناء تحالفات وطنية قادرة على تحجيم دور الطبقات الطفيلية في الداخل الوطني ومناهضة الميول الكسموبوليتية للدول الرأسمالية الكبرى.
2ـ الدول متوسطة التطور الرأسمالي ومناهضة النزعة الكسموبولتية
ــ تتمتع الدول الرأسمالية ذات الاقتصادات المتوسطة بسعة دولها وتباين مستويات تطورها الاقتصادي والسياسي .
ــ تحكم الشرعية الانتخابية في نظامها السياسي وارتكاز منظومتها السياسية على وحدة وتناقض تشكيلتها الاجتماعية وبهذا الاتجاه تتميز هذه الدول بسيادة المنافسة السلمية في تشكيلتها الاجتماعية.
ــ تسعى النظم السياسية في الدول الرأسمالية متوسطة التطور الى بناء علاقات دولية ترتكز على المساواة وتوازن مصالحها الوطنية / الدولية .
ــ تشكل دول متوسطة التطور حليفا دوليا للدول الوطنية في معاداة نزعتي الهيمنة والتهميش التي تنتجها الميول الاممية لرأسمال الدول المتطورة .
المفصل الثاني ــ تحديد الطبقات الاجتماعية القادرة على مناهضة الخراب الرأسمالي .
إن مسار الدول الرأسمالية النامية في التشكيلة الرأسمالية العالمية لا يمكن عزله عن الدول الرأسمالية الكبرى وميولها الكسموبولتية بل تبقى ـــ الدول الوطنية ـــ مجالا حيويا للتوسع الرأسمالي الأمر الذي يشترط بناء تحالفات اجتماعية وطنية مناهضة لميول الطبقات الرأسمالية السائدة والهادفة الى تفكيك الدول الوطنية وتقاسمها بعد الهيمنة الاقتصادية السياسية عليها .
ان التوسع الرأسمالي في مرحلته المعولمة يستمد تطوره من نهج السيادة الدولية وإلحاق البلدان النامية بالدول الرأسمالية المتطورة عبر المحددات التالية ــ
1 ـ التبعية والإلحاق
ــ تهدف الدول الرأسمالية الكبرى الى ربط الاقتصادات الوطنية بالاحتكارات الدولية وما ينتج عنها من الحاق تطورها ـ الدول الوطنية ـ باتجاهات تطور الاحتكارات الدولة بعد إلغاء صفتها الوطنية .
ــ ترتكز سياسة التبعية والإلحاق على تفتيت التشكيلات الاجتماعية للبلدان الملحقة وسيادة الطبقات الهامشية ــ البرجوازية الطفيلية والشرائح الكمبورادورية ــ في بناءها الاقتصادي وما يعنيه ذلك من تحويل الدول الوطنية الى شركات اقتصادية ملحقة بالاحتكارات الاجنبية .
ــ تقود سياسة تفتيت التشكيلات الاجتماعية في البلدان الوطنية الى تعزيز مواقع الطبقات الوكيلة للرأسمالية المعولمة ـ الشرائح الكميورادورية والبرجوازية البيروقراطية ـ وتنمية سلطتها الاستبدادية
ــ يؤدي تفكيك التشكيلات الاجتماعية في الدول الوطنية الى سيادة وعي طائفي منعزل مناهض للنزعات الوطنية .
2 ــ التناقض بين اممية رأس المال والمشروع الوطني .
ــ تتجلى ميول التهميش والتبعية في النزاع بين اممية راس المال الذي تحمله رأسمالية الدول الكبرى الهادف الى الحاق الاقتصادات الوطنية بتكتلاتها الدولية وبين الاتجاهات الوطنية الرامية الى تقوية الكفاح الوطني عبر أهداف منها بناء اقتصادات وطنية تعمل على الحد من نزعات التبعية والتهميش. ومنها التركيز على الروح الوطنية وإعلاء شأنها في الكفاح المناهض للاحتكارات الدولية .
المفصل الثالث ــ الاساليب الكفاحية المناهضة للتبعية والإلحاق .
ان وحدانية التطور الرأسمالي وانهيار الرديف الدولي المساند لكفاح القوى الوطنية والديمقراطية وكذلك الصعوبات السياسية والاقتصادية التي تعيشها التشكيلات الاجتماعية الوطنية تضفي مصاعب جدية على النضال المعادي لروح الهيمنة والتهميش لهذا ولغرض مواجهة الميول التخريبية للرأسمالية المعولمة لابد من العمل الوطني على تحقيق الدالات التالية ــ
الدالة الاولى ــ بناء الدولة الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية على اساس الوحدة الديمقراطية المتسمة بالتوازنات الطبقية والتضامن الوطني بين اطرافها بهدف مواجهة روح الهيمنة والتهميش .
الدالة الثانية ـ تأكيد سلمية التعارضات الوطنية بين الطبقات القائدة في الدولة الوطنية ـ الديمقراطية والحد من تحولها الى تناقضات تناحريه .
الدالة الثالثة ـ بناء الدولة الوطنية ـ الديمقراطية ونظامها السياسي على شرعية دستورية ترتكز على اساس تطوير الاقتصاد الوطني وصيانة مصالح طبقات تشكيلتها لاجتماعية فضلا عن مواجهة عمليات الإقصاء والتهميش التي تمارسها الدول الكسموبوليتية .
الدالة الرابعة ـ المراجعة الفكرية والسياسية للتغيرات الحاصلة في التشكيلة الاجتماعية الوطنية لغرض رسم سياسة وطنية هادفة الى ترصين وحدة البلاد السياسية وإبعاد الخط السياسي عن الجمود الفكري والارتجال السياسي .
الدالة الخامسة ــ الكفاح الأممي المشترك مع الدول الوطنية الاخرى ضد سياسة التبعية والتفكيك التي تعتمدها الدول الكسموبولوتية في العلاقات الدولية .
اخيرا لابد من التأكيد على ان الدالات الفكرية والسياسية التي اعتمدتها المداخلة تستمد واقعيتا من الظروف التاريخية المعاصرة وهي دالات عامة تتسم بالاجتهاد الفكري والسياسي قابلة للنقاش العلمي المناهض للجمود العقائدي .