ماذا تبقى من تيار القاعديين(البرنامج المرحلي) بجامعة مراكش؟


المناضل-ة
2006 / 4 / 1 - 12:33     

مرة أخرى كانت جامعتا مراكش واكادير، منتصف شهر ديسمبر الفائت، مسرحا لاعتداءات الجماعة المعروفة باسم " البرنامج المرحلي" على مناضلي تيار "الطلبة الثوريين". نجمت عن تلك الاعتداءات إصابات خطيرة، وإشاعة الرعب بين الطلاب وتنفيرهم من النضال والمناضلين. وان كانت الصحف التي تطرقت للأمر، قد عرضته على نحو لا يبتغي غير تشويه صورة اليسار الجذري، فما في الأمر من داع إلى الاستغراب. لكن ما يطرح أسئلة مقلقة هو موقف الجماعات الطلابية الأخرى المنتسبة للقاعديين، وبالأخص "البرنامج المرحلي" بباقي المواقع الجامعية، وقدماء مناضليه ممن لا زالوا يحملون رايته، حيث التزموا الصمت الدال على الرضا. وان كان الخلاف السياسي لا يبرر بأي وجه أيا من أشكال العنف، فان هذا الصمت دليل على هول مصيبة قسم من اليسار الطلابي.

--------------------------------------------------------------------------------



إننا إزاء وضع يلقي على كاهل كل مناضل، بصرف النظر عن خطه السياسي، إصلاحيا كان أم ثوريا، واجب الدفاع عن حرية التعبير ورفض الإرهاب. وهو واجب يفرض من جهة التعبير الصريح عن موقف نبذ استعمال العنف بديلا عن النقاش السياسي، و من جهة ثانية التشهير بكل من يمارس هذا العنف، والنضال من اجل حرية النشاط السياسي بالجامعة.

نعرض فيما يلي لما نراه جذورا لحال التيارات القاعدية بالجامعة، قبل تناول الوضع الراهن لاحدى مكوناتها بجامعة مراكش، هذا بقصد الحوار الرفاقي مع المناضلين فعلا ضمن التيار القاعدي بمختلف تلاوينه، حول سبل تطوير عمل ماركسيي المغرب بالجامعة وخارجها.

أصل تفكك التيار القاعدي

بلغت أزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب من الحدة ما لم يترك مجالا للمجادلة حولها. بل ان قول الحقيقة كاملة يقتضي الاعتراف ان اتحاد الطلبة انقرض عمليا بما هو جسم تنظيمي وطني فاعل ومتفاعل مع محيطه العضوي: جماهير الطلاب. فبعد عقود من قيادة هذه المنظمة لكفاح الطلاب في جو من حرية التباري السياسي لمختلف مكوناتها، حلت معضلة تنظيمية وسياسية واستفحلت بعد ما شهده المؤتمر السابع عشر سنة 1981. فلما تعذرت هيمنة أرادها الاتحاد الاشتراكي قسرية، اختار هذا الحزب، ومعه باقي مكونات اليسار الإصلاحي، مغادرة أجهزة المنظمة الطلابية وتركها معطلة تنظيميا في مواجهة قمع النظام وتصعيد هجومه على مكاسب الطلبة.

وعلى هذا النحو صفا الجو للنظام ليقوم بإنزال مخططات تضرب في الصميم الحق في التعليم الجامعي، وجرى تنفيذها الكامل بسهولة لم تخطر أبدا على بال من يستحضر أمجاد الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في عز تاريخه. وهكذا ما زال طلاب المغرب منذ ربع قرن دون تنظيم يوحد ويوجه نضالهم من اجل تجسيد لائق لحقهم في الدراسة الجامعية، ولم يزد صعود الجماعات الدينية بالجامعة، وحربها على اليساريين، غير تعقيد الوضع.

ولم تفلح باقي التيارات السياسية اليسارية الفاعلة في اتحاد الطلبة في إيصال المنظمة إلى بر الأمان، وهو أمر لا يقبل التفسير بشدة القمع الذي انهال خلال سنوات الثمانينات والتسعينات وحسب.

ان العنصر الرئيس المفسر لعجز مكونات اليسار الجذري في إنقاذ المنظمة الطلابية بعد هجر التيارات الإصلاحية لها كامن في ما حل بهذا اليسار بالذات من تفكك وفقد للبوصلة السياسية.

فاليسار الجذري الذي نشأ في النصف الثاني لسنوات 1960 منغرسا في المقام الأول في الشبيبة المتعلمة (23 مارس وإلى الأمام ولنخدم الشعب)، لم يتمكن من التقدم في إنجاز مهمة بناء حزب الثورة العمالي، وعاش صراعات سياسية لم تخرجه من أزمته بقدر ما أجهضت إمكانات تطوره. وكان من عوامل ذلك الإجهاض التقاليد الستالينية في مضمار قواعد عمل التنظيم ( فهم استبدادي للمركزية الديمقراطية). وقد عاشت كوادر تلك التنظيمات، واغلب مناضليها، لاسيما إلى الأمام، فترات عصيبة بالسجن بسبب تلك التقاليد الستالينية: الرأي السياسي الأوحد، إعدام حقوق الأقلية، الإقصاء والنبذ فور أي تباين في الآراء.

وثمة شهادات عديدة عن استفحال الداء إبان تلك الحقبة. ففي جواب عن سؤال جريدة المستقل (عدد 20 يناير2000- ص 4 و 5) حول ممارسات غير لائقة بين المناضلين وقعت في السجون، أجاب السرفاتي انه "وقعت بالفعل ممارسات غير أخلاقية، من منظور ثوري ولا حتى إنساني"، وتحدث عن بروز اتجاه ستاليني في منظمة إلى الإمام. وكيف جرى فتح نقاش كان من أغراضه تبغيض بعض الممارسات الستالينية لكن بقاء الاتجاه الستناليني افرز تناقضات تناحرية أدت إلى انفجار المنظمة.

و أشار السرفاتي في كتاب له إلى الداء بالحديث عن "روح التعالي والعصبوية التي طبعت بعض المناضلين"، معترفا بقسطه من المسؤولية (ذاكرة الآخر ص 133 . منشورات طارق 2002).

وبالصفحة 188 من الكتاب ذاته اعتذر السرفاتي لرفاق المرحلة عن كونه لم يحارب التعصب في صفوفهم، ووصفه بــ"سم العصبوية الذي أدى بذريعة الصفاء الثوري إلى تدميرنا"، وفي مقطع آخر وصف تلك الممارسات بالانحراف الذي يدمر كل مبدأ أخلاقي.

كما أعطى المناضل الأمامي سابقا إدريس الركاب صورة عن تلك الممارسات و أثارها المدمرة في الفصل الاخيرة من سيرته الروائية "تحت ظلال للا شافية"- منشورات طارق-2002. و كذلك في رسائله من السجن المنشورة بعنوان الطغيان المعتاد la tyrannie ordinaire – منشورات طارق 2005.

في إحدى رسائله يقول :" صحيح أني اشعر اني إلى جانب المستغلين وإلى جانب الثورة و أريد ان أكون كذلك، لكني يائس من قصر نظر المناضلين ودوغمائيتهم ولا تسامحهم" ص 21 ملخصا الأمر في الدغمائية والبيروقراطية واللاتسامح.

كما اعترف انه ارتكب تعسفا سياسيا وأعمالا جائرة بحق عدد من مناضلي المنظمة التي انتمى اليها معتقدا ان ذلك تطبيق لامع للخط البروليتاري الثوري. وقد غادر تلك المنظمة لما تبين له ان التيار المهيمن فيها لن يسمح بزوال تلك الممارسات الجائرة ( الطغيان المعتاد ص 104).

تأثر طلبة الحركة الماركسية اللينينية (القاعديون) بما عاشت هذه من مخاض و أمراض. أمراض انضافت إليها تلك المميزة للساحة الطلابية، واستطالت أزمة تلك الحركة، وراوحت تخبطها بما هي جماعة لا تنمو داخل حركة النضال العمالي والشعبي القائمة فعلا.

ابتغى التيار القاعدي بالساحة الجامعة ان يكون امتداد لحزب عمالي شيوعي غير موجود عمليا، وفتح ذلك الغياب باب انحطاط و استقلال أقسام من ذلك التيار وفق منطق طلابي محض. اذ يستحيل ان تواصل جماعة طلابية انتسابها إلى الماركسية مع افتقاد أي انصهار بطليعة عمالية دون ان تتفكك.

ومع الانعطاف اليميني للقسم الأعظم من الحركة الماركسية اللينينية، المتوج بعد انهيار الاتحاد السوفييتي المبقرط والدول الدائرة في فلكه، تفاقم تيه التيار القاعدي، وتشكلت جماعات قاعدية عديدة بلا أساس فكري سياسي، ملتفة حول خطباء حلقات النقاش بالساحة الجامعية. وتواصلت عزلة، وتشتت، القسم الثوري من الحركة الطلابية مع استمرار غياب حزب العمال الثوري، واستدامة الهيمنة السياسية لأحزاب المعارضة البرجوازية في حركة النضال من اجل الديمقراطية وفي النضال النقابي العمالي على حد سواء.

وعم البؤس الفكري وتعمق مسببا قصورا تاما عن مواكبة مستجدات الوضع، وكان الملاذ في الاحتفاظ بلغة محنطة انصرم سياقها. واشتد التمسك بأمجاد الماضي، الفعلية والوهمية، واحتد التنافس على الإرث، ولاحقا الاقتتال عليه.

ومع الانحطاط الفكري- السياسي تعاظمت كل أشكال الاستبداد بالرأي، والإقصاء و استشرت في جسم الطلبة القاعديين وتفاقمت ممارسات لا تمت بصلة للتقاليد الديمقراطية لدى الماركسيين ( نقول هذا لانهم يزعمون الانتماء إلى الماركسية)، ممارسات بلغت مستوى تسويغ قمع الرأي الآخر بقوة العنف وسفك الدماء.

بهذا أصبحت بعض المجموعات المنتسبة إلى القاعديين، لا سيما إحدى تنويعات "البرنامج المرحلي"، عقبة بوجه انتعاش النضال الطلابي، وبرز ذلك في حركات الاحتجاج التي شهدتها بعض الجامعات في السنة الماضية ردا على تطبيق ما سمي إصلاحا بيداغوجيا. كما يتجلى دورها المخرب في حملاتها لاجتثاث تيار الطلبة الثوريين من الجامعة ( انظر تعريفا بالطلبة الثوريين رفقة هذا المقال) باستعمال العصابات المسلحة والاعتداء على السلامة البدنية للمناضلين.

سنعرض فيما يلي لأشكال وجود زمرة "البرنامج المرحلي" بجامعة القاضي عياض بمراكش، بناء على معاينة مباشرة، ونقدمها نموذجا للوضع فائق التفسخ الذي اصبح عليه قسم من الحالة القاعدية بالساحة الجامعية.

مناهضة البيروقراطية في الشعارات وتكريس الاستبداد في الممارسة

سيطر تيار "البرنامج المرحلي" بجامعة القاضي عياض منذ زهاء عشر سنوات، ولا يزال. ولا تعود هذه الهيمنة إلى نجاح في إخراج الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بمراكش من حالة اللاتنظيم، ولا إلى تأمين قيادة ظافرة لنضالات الطلاب، بل إلى تميز التيار المذكور باستعمال كافة أشكال الخشونة و العنف، من التهديد الكلامي وإشهار كل صنوف الأدوات الحادة إلى إراقة الدماء لفرض توجهه على الطلبة التواقين إلى التحرك لصيانة بعض المكاسب او الفوز بتحسين أحوال الدراسة والمعيشة.

يرتكز "البرنامج المرحلي" في سلوكه الفظ على ادعاء كونه وريثا للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، محيطا ماضيه بهالة من التمجيد الأجوف الذي لا يستخلص بتاتا دروس الكفاحات السابقة بقدر ما يعوض بؤس الحاضر بتكوين الجمل المتشدقة حول غابر الأزمان.

يتعامل "البرنامج المرحلي" بصفته نوعا من " الممثل الشرعي والوحيد" لهوية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وينصب من جراء ذلك ذاته وصيا على الطلبة، راسما حدود الحرام والحلال بطريقة دينية.

يترتب عن ذلك استبداد لم يسبق له نظير وسط طلبة اليسار، ولا في تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بوجه عام. ويتجلى الأمر في الشكل الأساس الذي تتخذه الأنشطة الطلابية راهنا داخل الجامعة: حلقات النقاش والنضالات المطلبية .

تمثل حلقات النقاش إحدى الأشكال البسيطة المتاحة للطلاب ببعض الجامعات لنقاش أوضاعهم، وما تستدعيه من مبادرات نضالية. كما تكون منبرا لنقاش سياسة الدولة في التعليم و حال البلد بوجه عام، والتعريف بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب ونضالاته. وبدل ان تكون هذه الحلقات بجامعة مراكش وسيلة لتنوير الطلاب بالحقائق والوقائع الحية حول ما يجد من هجمات الدولة على الطلاب، مع وضعها في سياق السياسة البرجوازية العامة، أضحت حلبة لتكرار نفس الكلام المحنط الذي لا يخلو منه بيان من بيانات القاعديين.

ومن أداة للتثقيف السياسي أصبحت الحلقات أداة لإفقاد الفكر اليساري الاعتبار وتنفير الطلبة منه.

وبدل ان تساهم حلقات النقاش في حفز الطلاب، لا سيما الجدد، على التعبير الحر عن آرائهم واقتراحاتهم، بإبطال قاعدة "اسمع واسكت" التي تلقن للشباب في مؤسسات المجتمع البرجوازي (الأسرة ، المدرسة...) ، أصبحت بيد عناصر"البرنامج المرحلي" وسيلة لفرض سلطتهم على الطلاب والطالبات. فهم يتعمدون استعمال ألفاظ ومفاهيم غير مفهومة لدى المستمعين لإيهامهم بامتلاك الطلبة القاعديين "الحقيقة الماركسية"، و إفهامهم ان افضل ما يقوم به الطالب هو ان ينهل من معين "البرنامج المرحلي" قائلا آمين. لا بل لا يتورع القاعديون من قمع الطلبة بأساليب الاستهزاء والشتم.

لا يستفيد من حلقات النقاش المنظمة على ذلك النحو غير القاعدي المبتدأ الذي يتعلم بالسمع ذلك الخطاب الجاهز المعلب الذي قد يجعل منه ذات يوم مسيرا مستبدا للحلقات.

وعوض ان تكون حلقات النقاش فضاء يساهم في التربية على الديمقراطية، بإفادة كل المشاركين من إمكان إيصال الآراء وتفاعلها، واتخاذ القرار بكل شفافية طبقا لإرادة الأكثرية، أضحت بيد القاعديين وسيلة لإفهام الطلبة ان اتخاذ القرار شأن خاص بالنخبة القاعدية، ذات الباع الطويل في "النضال وفق أعراف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب".

وتبرز نزعة "البرنامج المرحلي" البيروقراطية، اكثر ما تبرز، في التلاعب بتسيير النقاش في الحلقات. ان كانت وظيفة مسير حلقة النقاش هي تدبير الوقت وتنظيم المداخلات بما يتيح التعبير عن كافة الآراء وإتاحة الإقناع والاقتناع، فقد جعلها طلاب"البرنامج المرحلي" وسيلة للتحكم بالحلقة وتوجيهها كرها الوجهة التي يبتغون. انهم يوزعون وقت المداخلات على عناصر جماعتهم، و في حالة إصرار أطراف آخرى يعطونها حيزا للكلام بين مداخلاتهم حتى يتمكنوا من الرد عليها بالسب و الشتم والاتهام بجريرة التحريفية او الظلامية .... دون تكليف أنفسهم حتى عناء شرح هذه المصطلحات.

ويعمدون، علاوة على ذلك، إلى عرقلة مداخلات الأطراف الأخرى بمبرر ضيق الوقت، أو بالأسئلة المتوالية لمنع المتدخل غير المرغوب فيه من إيصال ما يريد بشكل سليم، حتى يترك لهم المجال للتأويل المتحامل. ويحرمون الأصوات المخالفة من حق الرد، وعند إصرارها يبدأ التهديد لإجبارها على السكوت.

وفي حال تقدم النقاش بشكل سليم، رغم ممارساتهم الصبيانية، يعمدون في لحظات عجزهم عن مواصلة النقاش إلى محاولة نسفه عبر استفزاز الآخر، أو الانسحاب و فتح نقاشات جانبية لصرف أنظار الطلاب عن الحقيقة. و قد تصل الأمور إلى افتعال الاشتباك لوقف النقاش.

علاوة على التنكيل بالمدافعين عن أراء مغايرة في حلقات النقاش، يقوم قاعديو "البرنامج المرحلي" بالإجهاز التام على النزر اليسير من حرية التعبير المتبقية بالجامعة: نزع ملصقات الحائط الخاصة بالفصائل الطلابية الأخرى، و منع عرض أروقة الكتب وباقي المطبوعات، ومنع توزيع المناشير.

وإذا تمسك ضحايا القمع القاعدي بحق العمل السياسي بالجامعة، تتحرك العصابات المسلحة لممارسة التهديد والوعيد بشكل يومي. وعوض قوة الحجة، تستعمل قوة الخناجر وغيرها من الأدوات القاطعة لمطاردة الرأي الآخر في الساحة الجامعية.

أبان طلاب "البرنامج المرحلي" عن استعداد للقيام بأفعال إجرامية ضد أي كان و في اي وقت و مكان كان، بحيث يكونون دائما مسلحين أو يتخذون مخابئ للأسلحة داخل الحرم الجامعي. و حتى الطلاب غير المناضلين لا يسلمون من شرهم، حيث لا يتورع قاعديو "البرنامج المرحلي" عن إشهار الأسلحة البيضاء، وإعلان العزم على استعمالها لإرهاب العموم. يجري هذا أمام أنظار وآذان أجهزة البوليس السرية والعلنية، المدسوسة بكثرة بالجامعة ومحيطها، دون أن تحرك ساكنا.

أن الطابع اللاتنظيمي لهذا التيار يقوى احتمال ان تكون أجهزة الشرطة السياسية مخترقة بعمق لبعض جماعاته، دافعة بتأجيج أشكال التناحر لاضعاف التيار القاعدي ذاته ونسف إمكانات تنامي الأجنة النضالية التي تظهر بالجامعة من حين لآخر.

من المستفيد من عنف "البرنامج المرحلي"؟ هذا التيار ذاته لا يتطور رغم احتكاره بالقوة لامكانات التدخل في الساحة، فتسلطه على التحركات النضالية لا يتيح له تراكم القوى، علاوة على أن منطق حسم الخلاف الفكري مع التيارات الأخرى بالأدوات القاطعة ينتقل إلى صفوف "البرنامج المرحلي" ذاته ليمزقه أوصاله إربا إربا.

إن المستفيد الأوحد من عنف " البرنامج المرحلي" هو جهاز القمع. فاختراق البوليس للجماعات القاعدية الممارسة للعنف واستعمالها حل امثل وأسهل، لأنه ينزع عن قمع الحركة الطلابية طابع القمع، ليظهره كاقتتال بين أطراف طلابية، تماما مثلما كان البوليس، في بداية سنوات 90، يفعل إزاء عصابات السلفيين وهي تفتك، وحتى تقتل، الطلبة اليساريين.

طالما استمر عنف "البرنامج المرحلي" لن تكون وزارة الداخلية بحاجة إلى تفعيل مذكرة تضييق خناق الحريات في الجامعة ( مذكرة 20 يناير 1997)، فالنتيجة المتوخاة مدركة بوسيلة أخرى.

ومن اغرب حماقات "البرنامج المرحلي" تبرير إلغاء حرية العمل السياسي بالجامعة باعتباره "عنفا ثوريا". ألم يكن قاعديو الحقبة المجيدة من تاريخ الاتحاد الوطني للطلبة ثوريين لما قارعوا حجج القوى السياسية المنافسة بالحجج وليس بالسكاكين؟

إن عنف " البرنامج المرحلي" عنف رجعي لأنه يقمع حرية التعبير، وحرية الرأي، وحق التنظيم و حق الاختلاف.

النضال المطلبي: مصادرة حق الطلاب في تقرير مصير كفاحاتهم

كان القاعديون القدامى يتصدون لمساعي تيارات أخرى- لا سيما الاتحاد الاشتراكي- رامية إلى استبعاد القاعدة الطلابية من اتخاذ القرار، والاستحواذ على أجهزة المنظمة بطرق لا تحترم إرادة الأكثرية، وجعلهم ذلك في مقدمة النضال ضد النزعة البيروقراطية. لم يرث "البرنامج المرحلي" من ذلك غير الاسم، ففي الواقع أصبحت خاصيته الأساسية متمثلة بالذات في مصادرة حق القاعدة الطلابية في المشاركة وبوجه خاص في اتخاذ القرار. فاستنادا على ما سبقت الإشارة اليه من اعتقاد احتكار الشرعية التاريخية، ينصب "البرنامج المرحلي" نفسه وصيا على الجماهير الطلابية، له دون غيره دراية بمصلحة الطلاب وبالتالي الحق في حسم كافة أمورهم.

وكان هذا سببا رئيسا للعديد من المصائب التي حلت بكفاحات الطلاب. فكلما بدت علامات الاستياء الطلابي، هب القاعديون لـ"تأطيره" بفرض منظور غير واقعي: فرض مطالب لا تقيم أي حساب لموازين القوى محليا، ولا لتفاوت وزن الحركة الطلابية المناضلة حسب الجامعات، ودون مراعاة الإمكانات الفعلية لتعزيز القدرة الكفاحية للطلاب. وعلى نحو فوقي أهوج يدفعون التحرك الطلابي إلى الارتطام بالحائط، بعد رفضهم المطلق الإنصات إلى آراء الطلبة، بل اتهام من لا يشاطرهم رعونتهم بالخروج عن "الأعراف او " التحريفية" إلى آخر قاموسهم التكفيري.

ويزايدون مزايدة طفولية في الموقف الجذري ليبرزوا كمدافعين أشاوس عن مصالح الطلاب. و يستعملون حلقات النقاش، التي بينا آنفا آلية اشتغالها اللاديمقراطية، مع التهرب من أي دعوة إلى جمع عام للطلبة. مما يؤدي إلى منع الغالبية العظمى من الطلبة من طرح مواقفها و مطالبها. ويستعملون العنف لتطبيق ما قرروه بشكل فوقي مستبد، مثل فرض قرار مقاطعة الدراسة بمنع الطلاب من ولوج المدرجات والأقسام بالتهديد والترهيب.

النتيجة: فك التعبئة وإفقاد النضال الاعتبار بنظر القاعدة الطلابية.

ولا تتدخل عناصر "البرنامج المرحلي" في الكفاحات الطلابية بمنطق حفز النشاط والتنظيم الذاتيين للطلاب بل بمنطق الاستقطاب لجماعتهم، و وقت ما تحقق ذلك يعلنون نهاية النضال. و يبحثون عن مبررات كاتهام أطراف أخرى او ادعاء ان الشروط غير متوافرة، وهم الذين صموا الآذان عن كافة الآراء الأخرى.

كما يرفض القاعديون كل مبادرة إلى النضال، وكل نشاط طلابي، غير خاضع لتحكمهم. ويتجندون لنسفهما مستبيحين كل أشكال التعسف والإكراه وحتى الترهيب. فعلى سبيل المثال شهدت بعد الجامعات في السنوات الاخيرة بروز ظاهرة نضالات طلابية ذات صبغة إقليمية. يتكتل الطلاب حسب الانتماء الجغرافي، بحكم خصوصية بعض المشاكل ( النقل، الإقامة الجامعية...) وينظمون احتجاجات مطالبة ببعض التحسين في أوضاعهم. ونجح بعضها حتى في الالتحام بالتلاميذ وبالمعطلين ( انظر مثلا " الطلاب والمعطلون يحيون تقاليد النضال جريدة المناضل-ة عدد2). وبالنظر إلى الفتور العام للنضال الطلابي، قد تشكل تلك التحركات رافعة لاطلاق طاقة النضال الكامنة في الجماهير الطلابية متدهورة الأوضاع. وجلي ان ان الشكل الإقليمي لن يكون غير طور أول من النهوض الطلابي العام، ما دامت مشاكل الطلبة الكبرى ذات بعد وطني يستلزم ميزان قوى وطنيا. وعوض تأييد هذه النضالات وحفزها والعمل لتعميمها وتوحيدها، يناصبها "البرنامج المرحلي" العداء، ويعمل لعرقلتها لسبب بسيط : عدم تحكمه بها. وهنا يلجأ إلى المألوف من تهم خرق "الأعراف" و"التحريفية".

وفي مناخ الركود الثقافي العام، تقوم بعض المبادرات من جمعيات ناشطة داخل الجامعة، او من مجموعات طلابية، غالبا ما تكتسي صبغة غير " ملتزمة" بالمعنى السطحي للكلمة. وبكل غباء يتصدى لها القاعديون بدعوى أنها تنشر "الميوعة" داخل الحرم الجامعي، مجسدين موقفا أخلاقيا رجعيا أشبه بسلوك التيارات الأصولية بوجه تعبيرات الشباب وميولهم الفنية والترفيهية.

طلبة "البرنامج المرحلي" ماركسيون لينينون؟

أي عقيدة يا ترى قد تكون أساسا لممارسة تقوم على مصادرة حق الجماهير الطلابية في التعبير والتنظيم وتقرير مصير نضالاتها، وحق مختلف وجهات النظر في العمل بحرية؟ ليس بأي حال الماركسية. الماركسية قائمة على الاقتناع ان تحرر المستعبدين من صنع المستعبدين أنفسهم، وبالتالي فانشغالها الأول والأخير هو حفز النشاط الذاتي والتنظيم الذاتي للمستعبدين. وهذا النشاط والتنظيم مستحيلان دون حريات.

إن انتساب عناصر "البرنامج المرحلي" إلى الماركسية اللينينية موروث عن ماضي القاعديين، وهو مختزل اليوم، بعد سيرورة تفسخ مديدة، في نظرة دينية إلى الماركسية: هذا الفكر النقدي بامتياز أصبح نصوصا مقدسة، مفصولة عن التجربة التاريخية. لا تتعدى ماركسية البرنامج المرحلي صيغا عامة محنطة، لا تنفع في تفسير الواقع ومستجداته لا بالمغرب ولا بالعالم. اما اللينينية فليست سوى تقديم صورة خرافية عن لينين، الإنسان الخارق المعصوم من الخطأ. و استعمال تعابيره البوليميكية، المنتزعة من سياقها، لإلقاء اللعنة على باقي الماركسيين الثوريين (روزا لكسمبورغ- تروتسكي..).

لكن تعامل القاعديين الديني مع الماركسية لا يعني دراية بها ولا جهدا للتعريف بها. فمن لا يعرف عادة القاعديين في إخفاء الأدب الماركسي وغيره من أدوات التثقيف السياسي، ليكون أداة يكسب بها "الزعماء" سلطة إزاء القاعدة الطلابية المتعاطفة. وحتى ان عرضوا ادبا ماركسيا بتروه وفق منظورهم السطحي. ومثال ذلك لما نظموا أياما ثقافية بجامعة ابن زهر باكادير، حيث قدموا للطلاب طبعة جديدة من كراس ألف باء الشيوعية (بوخارين وبريوبراجنسكي) بعد اغنائه على طريقتهم: بتروا قسمه المتعلق بالأممية.

ويؤدي الجهل بالفكر الماركسي وبتاريخ الحركة العمالية إلى اتهام الجميع بالتحريفية، واستعمال هذا المفهوم استعمالا عشوائيا، ينقله من معناه الأصلي في تاريخ الماركسية (إفراغ الماركسية من مضمونها الثوري) إلى اعتبار كل رأي هرطقة ُتـلقى عليها اللعنة او كفرا يجيز العقاب.

هذه هي حقيقة "البرنامج المرحلي" المرة ، ينبغي الا يتغاضى عنها كل حريص على إنقاذ ما تبقى من قوى مناضلة خلف هذه الراية التي اتسخت بممارسات صبيانية. ان لم تكن اجهزة المخابرات فعلت فعلها.

كان اولى ان يكون نقاشنا حول كيفيات النهوض بالنضال الطلابي، والشعبي عامة، على ضوء خصائص الوضع السياسي اليوم، ودروس تجربة الماركسيين بالمغرب. لكن هذا ما فرضه القاعديون، ولا يمكن التقدم في أي نقاش مادام العنف سيد الموقف.

أي مستقبل لقاعديي "البرنامج المرحلي"؟

ثمة من الشباب الجامعي من يقصد قاعديي "البرنامج المرحلي" بفعل جاذبية الشعارات الجذرية ورغبة صادقة في النضال الفعلي ضد بؤس ظروف التعليم الجامعي كما ضد أوضاع الاستغلال والاضطهاد القائمة ببلدنا بوجه عام. وينخرطون بحسن نية في حماقات "البرنامج المرحلي" وعلى رأسها وهم محاربة أفكار التيارات الأخرى بقمعها. يواجه تيار البرنامج المرحلي، بما هو جماعة سياسية تنسب نفسها إلى الماركسية واللينينة، تحدي تقديم الإجابات التي يستلزمها الوضع السياسي بالمغرب، ومنه على وجه التحديد معضلة أزمة العامل الذاتي أي أزمة الوعي والتنظيم لدى المستغلين.

وليس باستعمال العنف ضد قوى اليسار الأخرى، ومحاولة محوها من الساحة الجامعية، التي ليست بأي حال الحلبة الرئيسة للصراع الطبقي، يحل "البرنامج المرحلي" تلك المعضلة. لقد انصرم ربع قرن، نعم ربع قرن، والتيارات القاعدية تكرر نفس العبث: هدر طاقات الشباب التواق إلى الثورة في معارك دون كيشوتية بين أسوار الجامعة وصراعات بين جماعات بلا أساس فكري و سياسي حقيقي.

ليس أمام مختلف تنويعات القاعديين غير اختيار إحدى طريقين:

مراجعة منطقها العصبوي، والاستناد فعلا إلى فكر ثوري نقدي منفتح يسائل كل شيء دون تقديس، ومد جسور النقاش والتعاون نحو كل المناضلين ضد الاستبداد والرأسمالية، ايا كانت أصولهم وتراثهم الفكري.
مواصلة ضلال مواجهة باقي اليساريين بالعنف، ونسف كفاحات الطلبة وبالتالي إشاعة اللا تسيس بينهم، وإفقاد الاعتبار لكل عمل تقدمي بالجامعة وإتاحة تنامي التيارات الرجعية.
الاختيار الأول سيضع القاعديين في موقع الإسهام في بناء أدوات النضال التي يحتاجها نضال المستغلين والمضطهدين على كافة الجبهات، وفي القلب منها حزب الثورة الاشتراكية. وهو الاختيار الذي لا نشك بتاتا ان منهم من سيهتدي إليه.

أما الاختيار الثاني فيعني مزيدا من الانحطاط ، والتفسخ في مستنقع دموي، يجعل القاعديين في آخر المطاف مجرد ذكرى سيئة في تاريخ الحركة الطلابية. هذا لان الماركسية الثورية ستتقدم في الجامعة وخارجها، فعنف النظام المستبد ذاته لم يمنع يوما ماركسيي بدايات التيار القاعدي(الجبهويين) من الفوز بالأغلبية بين الطلاب المناضلين، كما لم يشهد تاريخ البشرية أفكارا ُقضي عليها بالقمع.