شيوعيون ومع ذلك يعرضون عن التعرف على الإتحاد السوفياتي !! (5)


فؤاد النمري
2018 / 8 / 31 - 23:48     

لا يمكن الإفتراض أن المكتب السياسي للحزب الشيوعي البولشفي كان قد ارتكب فعل الخيانة طواعية بقرار إلغاء الخطة الخمسية في سبتمبر ايلول 53 حيث أن أعضاءه يعلمون تماماً أنه لا يجوز بحال من الأحوال إلغاء أي قرار اتخذه المؤتمر العام للحزب، فما بالك بخطة للتنمية تغطي خمس سنوات واللجنة المركزية التي اتخذت القرار بإلغاء الخطة كانت قد انتخبت من قبل نفس المؤتمر الذي قرر الخطة لتنفيذ الخطة بكل مندرجاتها وأدق تفاصيلها وستكون بالطبع مسؤولة أمام الحزب عن أي قصور في التنفيذ مهما كان صغيراً . لو كان مالنكوف التلميذ الوفي لستالين كما ادعى في الجلسة الأخيرة للمؤتمر التاسع عشر في اكتوبر 52 لما قبل القيام بفعل الخيانة واكتفى بالاستقالة من مركز الأمين العام للحزب . لكنه وقد شارك في اغتيال ستالين من أجل الاحتفاظ بمركزه في الحزب فكيف له أن يترك الحزب لأن العسكر قرروا الاحتفاظ بالإقتصاد الحربي وعدم التحول إلى الاقتصاد المدني الإشتراكي . كان قد اغتال شخص ستالين فكيف به لا يغتال قرار ستالين بتحويل الاقتصاد الحربي إلى اقتصاد مدني إشتراكي !؟ ومثله فعل مولوتوف الذي ادعى أيضاً بتلمذته على يد ستالين لكن ستالين كان قد رفض صراحة الإعتراف بهذين التلميذين .

بالرغم من أن إلغاء التحول إلى الإقتصاد المدني الإشتراكي لصالح الإقتصد العسكري المعادي للإشتراكية كان انقلاباً مفضوحاً على الإشتراكية إلا أن شبح ستالين ظل حاضراً في كل المحافل والأنشطة السياسية وغير السياسية وهو ما رتب على العسكر أن يقطعوا قطعاً فاصلا بين التاريخ الستاليني وتاريخ ما بعد ستالين، وهو ما لا يتم إلا بتحطيم ايقونة ستالين التي يقدسها السوفياتيون . فكان أن كلفوا أحد أعداء ستالين ليكتب خطاب نقد جارح لستالين كفيل بتحطيم تلك الإيقونة الستالينية المقدسة وكلفوا رجلهم في الحزب خروشتشوف بإلقائه في المؤتمر العشرين للحزب . لكن عندما قرأ خروشتشوف ذلك الخطاب الفاجر أعلم العسكر أن المكتب السياسي لا يمكن أن يوافق على ذلك الخطاب كيما يقرأ في المؤتمر ولما أصر العسكر على ذلك أتفق على أن يقرأ الخطاب في جلسة إضافية خارج المؤتمر وبغير موافقة المكتب على الخطاب . وهذا ما كان، قرأ خروشتشوف الخطاب في جلسة إضافية بعد انتهاء المؤتمر العشرين للحزب وسمع الحضور تلك التفوهات الفاجرة لأول مرة من عضو في الحزب وليس من طرف المخابرات الغربية وجواسيس التروتسكية .
بعد ذلك الخطاب الفاجر شعر خروشتشوف أن الخيانة باتت تسربلة من قمة رأسه إلى أخمص قدميه فعاد يتماثل ببوخارين فيسعى إلى بناء اشتراكية عن طريق تنمية الفلاحين وليس تنمية البروليتاريا كما هي اشتراكية ماركس التي يعارضها العسكر . وهنا إقترح خروشتشوف على المكتب السياسي مشروعه في "إصلاح الأراضي البكر والبور" .
من المعلوم تماما أن ألفباء الاشتراكية هي تحويل الناس خارج طبقة البروليتاريا إلى بروليتاريا وفي هذا الاتجاه كان مشروع ستالين في الخطة الخمسية الخامسة .
مشروع خروشتشوف الزراعي كان يعني تنمية طبقة الفلاحين على حساب العمال أي أنه ضد الإشتراكية .
إجتمع المكتب السياسي في 23 يونيو حزيران 1957 لمناقشة مشروع خروشتشوف القاضي ب "إصلاح الأراضي البكر والبور" وتنمية طبقة الفلاحين وزيادة أعدادها بالإضافة إلى تمليكها مختلف الماكنات والآلات الزراعية العائدة للدولة . ولما كان رأي الأغلبية البلشفية في المكتب السياسي هو ضد الخطة حيث تقوم فعلاً على تنمية طبقة الفلاحين بينما النهج اللينيني يقوم على عكس هذه الخطة، على تنمية طبقة البروليتاريا ومحو طبقة الفلاحين بلغت الوقاحة بخروشتشوف لأن يرد بالقول .. "شبعنا من لينينكم ولم نشبع الخبز" وهكذا تخلى خروشتشوف عن اللينينية . إذّاك طرح في المكتب إقتراح سحب الثقة من خروشتشوف وقد أيدت الأغبية سحب الثقة بواقع 7 : 4. لو امتلك خروشتشوف ذرة من الشرف الشيوعي لتخلى في الحال عن موقعه كأمين عام للحزب وعن موقع رئاسة مجلس الوزراء ؛ ولأنه لا يمتلك مثل هذه الذرة، ولأنه يعلم تماما أنه تسنّم هاتين الوظيفتين بفعل العسكر وليس بفعل الحزب راح يشكو الامر الطارئ الخطير إلى العسكر بقيادة المارشال وزير الذفاع جوكوف الذي كان خروشتشوف قد انتشله من العزلة بسبب إحالته إلى التقاعد بعد أن أصدرت المحكمة حكماً بتجريمه بفعل السرقة حيث كان قد قام بنهب تحف ومعلقات من قصور ألمانيا حين كان الحاكم العسكري في برلين . انتشله خروشتشوف من العزلة وعينه وزيراً للدفاع في حكومته في العام 54 بل ومرشحاً أيضاً في المكتب السياسي وقد حضر جلسة سحب الثقة وتكلم معارضا القرار .
رتب جوكوف إنقلاباً سريعاً إذ جلب عددا من أعضاء اللجنة المركزية بالطائرات الحربية من أطراف الاتحاد السوفياتي بدعوى أن ثمة انقلاباً خيانياً ضد الحزب وأمينه العام خروشتشوف، وكان أن اجتمع الحاضرون من أعضاء اللجنة المركزية وقرروا طرد جميع الأعضاء الذين صوتوا لسحب الثقة من خروشتوف وهم .. مالنكوف، مولوتوف، فورشيلوف، بولغانين، كاغانوفتش، بيرفوخن وصابوروف .
أدعياء الشيوعية الذين يعرضون عن التعرف على هذه الواقعة المصيرية بالنسبة إلى الإتحاد السوفياتي كدولة اشتراكية هم مدينون بالطبع بالنفاق والكذب خاصة وأنهم يعلمون تمام العالم أن عضو المكتب السياسي لا يجوز نزع عضويته سوى بقرار من محكمة دستورية تجرمه بمحاكمة علنية وهو ما لم يكن بطرد أغلبية أعضاء المكتب السياسي السبعة . أعضاء اللجنة المركزية الذين اتخذ قرار الطرد باسمهم يعلمون تماما أنه ليس من حقهم أن يقرروا طرد عضو المكتب السياسي فكان قرار الطرد قرار العسكر وليس قرارهم . قرار سحب الثقة من خروشتشوف في 23 يونيو حزيران 57 مثل انتفاضة قيادة الحزب لأول مرة بعد رحيل ستالين لاستعادة القرار الوطني من الجيش إلى الحزب لكن لسوء حظ الشيوعيين بل والبشرية جمعاء أن فشلت الإنتفاضة في مواجهة أقوى جيش في العالم .
كما أن اجتماع اللجنة المركزية في 29 يونيو حزيران لم يكن قانونياً لأن المكتب السياسي لم يدعُ اللجنة المركزية للإجتماع كما يقضي النظام بل من دعا هو جوكوف الذي لم يكن عضواً في المكتب السياسي .
البيان الذي صدر باسم اللجنة المركزية يبرر طرد أعضاء المكتب السياسي يثير الضحك والسخرية ويبدو أن من كتبه هو الغبي خروشتشوف والحرامي جوكوف ويقول البيان أن الأعضاء المطرودين اجتمعوا سراً واتفقوا على معارضة مشروع استصلاح الأراضي البكر والبور !! هل كان مثل هذا الإتهام سيكون مقبولاً حتى على محكمة كراكوزية ؟؟
كل الذين يميلون إلى الترويح عن النفس بالضحك لن يتوقفوا عن الضحك على تنفيذ خروشتشوف لمشروعه زراعة القمح في مئات آلاف الهكتارات شمال كازاخستان قريباً من التندره وهم يقرؤون بكلماته هو في مذكراته وسيدهش المرء وهو يضحك كيف لمثل هذا الغبي أن يصل إلى عضوية المكتب السياسي في الحزب . لم يتوفر شرط واحد من شروط زراعة القمح في تلك المناطق حيث في شهري ديسمبر ويناير يسود الإنجماد فكان أن اضطر مئات آلاف الشباب الذين تطوعوا لتنفيذ المشروع أن يحرقوا جميع الغابات المحيطة ليقاوموا إنجماد الزرع . ولما طال مقام الشباب في الأراضي النائية اضطر خروشتشوف أن يوجه نداء للفتيات السوفياتيات ليذهبن إلى هناك تحسيناً لفرصة الزواج ، خليك عن الطرق والمكائن الزراعية صعبة الوصول إلى هناك وحتى الأكياس .هناك من قدر مجموع الخسائر التي لحقت بالإقتصاد السوفياتي جراء المشروع بحوالي 30 مليار دولار وهو ما يعني اليوم أكثر من ترليون دولار .
الشيوعيون الذين ما زالوا يخطبون خطاب خروشتشوف هم ليسوا أغبياء فقط مثل معلمهم بل هم أيضاً خونة لقضية البروليتاريا الشيوعية .

(يتبع)