شيوعيون ومع ذلك يعرضون عن التعرف على الإتحاد السوفياتي !! (3)


فؤاد النمري
2018 / 8 / 25 - 20:15     

شيوعيون ومع ذلك يعرضون عن التعرف على الإتحاد السوفياتي !! (3)

هذا المقال من أوله إلى آخره يُعنى فقط بالتعرّف على وقائع وحقائق مسار تطور الإشتراكية السوفياتية وانهيارها ومع ذلك ثمة بعض السفهاء من الشيوعيين سابقاً يفصحون عن رفضهم التعرف على حقائق تطور الإشتراكية السوفياتية وهو ما يؤكد أنهم إنما باتوا أعداء للإشتراكية بعمومها .
إنتهت الحرب بانتصار الاتحاد السوفياتي الذي وحده تحمل عبئ الحرب على النازية والقضاء عليها وعلى عصابة هتلر في 8 مايو أيار 45، وهو ما اقتضى أن يعمل حوالي 25 مليونا من الرجال السوفياتيين في الحرب، في الجيش وإدارة الحرب، وملايين النساء في الصناعات العسكرية وخدمة الحرب . إنتهت الحرب وعاد ملايين العسكر إلى الوطن وكل عجلات الإنتاج تدور فيه باقتصاد عسكري بنسبة مائة بالمائة تقريباً .
المبدأ الثابت من مبادئ الإشتراكية هو أن العسكرة إنما هي جهود مناقضة للتطور الإشتراكي وهذا مبدأ تمسك به ستالين بثبات لا يتزعزع وجلب له متاعب كبرى إذ كان ستالين قد رفض بثبات التنمية العسكرية في أواسط الثلاثينيات بعد نجاح التنمية الاشتراكية عبر المشروعين الخماسيين الأول والثاني الأمر الذي دفع بقيادة الجيش برئاسة مارشال الاتحاد السوفياتي بطل الحرب الأهلية توخاتشوفسكي بالتخطيط لانقلاب عسكري ضد الدولة وضد الحزب في العام 1937 . يؤكد مولوتوف في مذكراته، وكان رئيس مجلس الوزراء آنذاك، أنه تم القبض على المتآمرين قبل القيام بالإنقلاب بأربعة دقائق فقط وقاد ذلك إلى إعدام كل الضباط ذوي الرتب العالية في القيادة .
انتهت الحرب وعاد ملايين الجنود إلى الوطن ليجدوا أن انتصارهم على العدو لم يكتمل وقد ألحق العدو الهمجي دماراً واسعا في العمران وفي المجتمع فكان الأمر اليومي إذاك هو إعادة الإعمار . ذلك ما قضى أن يتحول الإتحاد السوفياتي إلى خلية نحل لا تهدأ ليلاً ونهارا حتى عُمّرت البلاد لأفضل مما كانت عليه قبل الحرب وتم حل مختلف المسائل الإجتماعية الناجمة عن فقدان حوالي 25 مليون مواطناً سوفياتيا لهم عائلاتهم . ذلك ما أنجزه الاتحاد السوفياتي في زمن قياسي 1946 – 1951 . إعادة الإعمار مثلها مثل الحرب الوطنية تلتزم الإبتعاد نهائياً عن سياسة الصراع الطبقي بل واستبدالها بسياسة التآخي الطبقي . سياسة الصراع الطبقي كان قد تخلى عنها الحزب منذ مؤتمر الحزب العام الثامن عشر في العام 39 استعداداً للحرب . أي أن الحزب لم يمارس الصراع الطبقي لثلاثة عشر عاماً 1939 – 1951 وهو ما ينعكس بالضرورة في تدني المستوى الثوري لدى الشيوعيين الذين ظلوا على قيد الحياة بعد الحرب .

بانتهاء برنامج إعادة الإعمار عام 51 واجه ستالين أصعب القضايا التي واجهها في حياته الحافلة بالصعاب والتعقيدات . في العام 51 كان ما زال الاقتصاد السوفياتي إقتصاد حرب وهو ضد الإقتصاد الإشتراكي فلازمة اقتصاد الحرب هي التآخي الطبقي بينما لازمة الاقتصاد الإشتراكي هي الصراع الطبقي، كما أن ستالين شخصيا كان قد خاض معركة مكلفة ضد العسكرة في الثلاثينيات . لقد أدار ستالين منفردا الحرب لحماية الاشتراكية من العدوان النازي بكل ضخامته دون أن يرى أدنى خطورة على النظام الإشتراكي وحتى حين كانت موسكو ولينينغراد محاصرتين من قبل جيوش النازية . أما فيما بعد الحرب والإنتصار العظيم وإعادة الإعمار الناجح تحسس ستالين، منفرداً أيضاً للأسف، خطورة الإقتصاد القائم عل الحرب، خطورته المصيرية على النظام الإشتراكي، وهو ما اقتضاه الدفاع عن الإشتراكية . الحقيقة الإشتراكية بنظر ستالين بصورة خاصة هي أن اقتصاد الحرب هو ضد الإقتصاد الإشتراكي . تلك الخطورة الفائقة استدعت ستالين ولأول مرة أن ينظم ندوة لدراسة "القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي" ضمت العديدين من قادة الحزب وأكبر علماء الإقتصاد في الاتحاد السوفياتي بمن في ذلك غير الحزبيين منهم، وقد شارك ستالين باهتمام شديد في كل المناقشات في الندوة مما جعله يوجز المناقشات في كتاب له يحمل نفس عنوان الندوة في العام 1952 ويطلب توزيع الكتاب على جميع منظمات الحزب واستعداده لتلقي جميع الإنتقادات على طروحاته في الكتاب . كانت طروحات الكتاب توطئة لإنعطافة خطيرة في النظام السوفياتي تتمثل في التحول من اقتصاد الحرب إلى الإقتصاد الإشتراكي . وتحقق ستالين من مناقشات الندوة أن أحداً غيره لا يدرك خطورة تلك الإنعطافة وليس على استعداد فكري على الأقل لإنجازها رغم أن أهميتها الثورية تزيد عن أهمية انتفاضة أكتوبر .
ما يفاجئ المتخصصين في دراسة تاريخ الاتحاد السوفياتي وشخصية ستالين تحديداً هو أن ستالين وقف ضد أغلبية الحضور في الندوة وكانت بقيادة مولوتوف تطالب باستئناف الصراع الطبقي على أشد وتائره والبدء بإلغاء طبقة الفلاحين الكولخوزيين وقد اعتادوا سرقة حصة الدولة من الغلال . لأول مرة في حياته يقف ستالين مدافعاً بقوة عن التآخي الطبقي الذي كما هو معروف عكس ما تقول به الماركسية . لقد أكد ستالين بقوة للمنتدين أن استئناف الصراع الطبقي من شأنه أن يخاطر بمصير الثورة الإشتراكية .

ما معنى ذلك الإنقلاب السيتاليني !؟ لما كان ليس لأحد أن يفترض انقلاب ستالين على الماركسية اللينينية وهو الماركسي اللينيني الرفيع وظل يفاخر طيلة حياته بأنه التلميذ الأمين للينين، لذلك فإن التفسير الصحيح لموقف ستالين الغريب ذاك هو أن استئناف الصراع الطبقي الصريح كان سيشكل خطراً حقيقيا على النظام الإشتراكي وهو ما تمثله الطبقة البورجوازية الوضيعة التي تضاعف حجمها ووزنها بفعل الحرب وأخذت تكون ذات اليد العليا في المجتمع . ولكن ستالين كان قد أكد في نهاية الندو على أن استئناف الصراع الطبقي سيستأنف بعد بضع سنوات .
وما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو أن ستالين لم يكن بإمكانه أن يخلع شارات الرتب والبطولة عن صدور العسكر العائدين إلى الوطن لكنه قام بتوزيع الجيوش العائدة في مناطق متباعدة عبر الإتحاد السوفياتي المترامي الأطراف، وحظر التواصل فيما بينها إلا عبر المركز في وزارة الدفاع في موسكو . وما يشير هنا إلى سياسة ستالين ضد العسكر أعداء الإشتراكية هو تعيين مارشال الحرب الشهير جوكوف في وظيفة إدارية بعيدا في الأورال . ذلك ما يؤكد أن ستالين كان قد بدأ مبكرا حال انتهاء الحرب في تفتيت العمود الرئيسي لاقتصاد الحرب وهو الجيش .

كان ستالين يدرك تماماً أن تلك الإنعطافة الثورية المصيرية ستكون من مسؤوليته الشخصية ولن يساعده أحد من أعضاء القيادة الغارقين في الأعمال الروتينية وفقدوا بالعادة كل روح ثورية وعليه فقد طالب بقوة المندوبين في مؤتمر الحزب التاسع عشر في أكتوبر 52 عدم إنتخاب أي عضو من أعضاء المكتب السياسي المنتهية ولايته غير أن المندوبين لسوء حظ الثورة الشيوعية العالمية وحظ البشرية جمعاء لم يستجيبوا لطلب ستالين وأعادوا إنتخاب نفس الأعضاء جميعهم لخيبة أمل ستالين الذي عاد يطالب المندوبين بانتخاب 12 عضوا جديدا في المكتب السياسي وهو القيادة العليا في الحزب والدولة ويشترط أن يكون الأعضاء الجدد من الشباب المتحمسين للعمل الشيوعي وهو ما كان .

مختلف المحللين الإستراتيجيين والصحفيين من مختلف الأشربة في العالم كانوا يعتبرون أن توطيد النظام الإشتراكي في الاتحاد السوفياتي والنجاحات الباهرة المتلاحقة للنظام الإشتر اكي السوفياتي إنما هو بفضل ستالين شخصيا الأمر الذي تؤكده الحقائق . فخروشتشوف وهو أول من زاد على التروتسكيين في هجومه على ستالين في خطابه السري والشخصي بعد انتهاء أعمال المؤتمر العشرين 56، عاد في المؤتمر الحادي والعشرين 59 يخطب قائلاً .."لقد نجح حزبنا بقيادة ستالين لفترة طويلة في التغلب على سائر الأعداء كالتروتسكيين وغيرهم وبنى لنا دولة اشتراكية عظمى نفاخر بها " . والحقيقة الثانية هي أنه بعد غياب ستالين بدأ العد التنازلي لانهيار الاتحاد السوفياتي والثورة الشيوعية العالمية . لكن الشيوعيين المفلسين أيتام خروشتشوف يعرضون دائماً عن التعرف على حقائق الاشتراكية السوفياتية .
تمثلت عبقرية ستالين وهو من نذر نفسه لخدمة البروليتاريا حتى وصولها إلى السلطة المطلقة منذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره ، تمثلت تلك العبقرية أكثر ما تمثلت في الخطة الخماسية الخامسة 1951 – 55 التي قضت بتحويل الاقتصاد السوفياتي من الصناعات الثقيلة إلى الصناعات الخفيفة وكان هذا هو الخطة الوحيدة التي تقضي بتحويل اقتصاد الحرب السائد في الإتحاد السوفياتي منذ العام 1938 وحتى العام 1951 إلى الإقتصاد الإشتراكي وتعيد قيادة المجتمع إلى البروليتاريا كما كانت عبر الإقتصاد الإشتراكي بدل البورجوازية الوضيعة عبر اقتصاد الحرب وتبرير مثل هذا الإنتقال النوعي برفاه لا مثيل له في العالم تتمتع به سائر فئات المجتمع لدى إنجاز الخطة في العام 1955 .

(يتبع)