ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية - 12


فؤاد النمري
2018 / 8 / 9 - 18:00     

ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية – 12

التحليل الماركسي الأصيل يؤكد دون أدنى اشتباه أن النظام الرأسمالي قد انهار في سبعينيات القرن الماضي ولم يعد له وجود في العالم، إذ لا يمكن أن يستمر النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة وهي الحصن الأخير للرأسمالية بينما 17.5% من مجمل إنتاجها فقط يتم على الطريقة الرأسمالية، بل هو في الحقيقة أقل من 10% باعتبار أن صناعة الأسلحة والفضاء ليست صناعة بضاعية رأـسمالية .
لكن ما علة هؤلاء القوم من الشيوعيين سابقاً وأنصاف الماركسيين في الإصرار غير القابل للمراجعة على أن النظام في أميركا – أميركا وحدها !! – ما زال رأسماليا بل ازداد توحشاً !؟
علة العلل هي أن هؤلاء القوم استمرأوا الخيانة، خيانة الثورة الإشتراكية عندما وافقوا في العام 1953 على إلغاء الخطة الخماسية لأنها توهن وسائل الدفاع عن الإتحاد السوفياتي كما أعلن البيان الرسمي حينذاك علما بأن الدول الرأسمالية الإمبريالية بما في ذلك الولايات المتحدة كانت بحاجة ماسة لقوى الحرب السوفياتية للدفاع عنها بوجه ألمانيا النازية واليابان الفاشية، ثم إن الخطة كانت برنامج التنمية الذي أقره مؤتمر الحزب العام والذي لا يجوز لأي سلطة أن تلغيه، لا اللجنة المركزية التي كانت قد أنتخبت في نهاية العام 1952 مكلفة بتنفيذ تلك الخطة كما وردت بالأرقام ولا غيرها من السلطات السوفياتية الأخرى . وخانوا الحزب أيضاً عندما وافقوا على طرد سبعة أعضاء من مجموع تسعة أعضاء في المكتب السياسي في يونيو حزيران 1957 مع أن عضو المكتب السياسي للحزب لا يجوز طردة إلا بقرار تجريم من قبل محكمة رسمية بمحاكمة علنية . لم يخجلوا حين رفعوا راية الخيانة عندما رحبوا بإلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا بقرار من مؤتمر الحزب الشيوعي الثاني والعشرين في العام 1961 وهو ما يعني أن لم يعد هناك اشتراكية في الاتحاد السوفياتي حسب ماركس ولينين كما شرحنا آنفاً .
إعتراف هؤلاء الخونة بأن النظام الرأسمالي قد انهار ولم يعد قائماً في العالم من شأنه أن يفضح خيانتهم لمبادئ ونهج ثورة أكتوبر الإشتراكية . الإعتراف بانهيار الرأسمالية العالمية وكانت القوة القاهرة التي تحكمت بمختلف المجتمعات في مختلف أصقاع الأرض يستدعي بالضرورة التساؤل أولاً عن تلك القوة التي كانت لها الغلبة في انهيار الرأسمالية العالمية، وثانياً عن نظام الإنتاج الذي حل بدل النظام الرأسمالي . تلك هي الورطة الهالكة التي يهلك فيها هؤلاء الخونة .
هم لم ولن يعترفوا بأن النظام الرأسمالي قد انهار كي يقرّوا بأنه كان هناك قوة قاهرة استطاعت أن تقوض النظام الرأسمالي ولم يكن هناك سوى الثورة البلشفية . على هؤلاء الخونة أن يثبتوا بأن النظام الرأسمالي ما زال قائماً في أميركا بشكل خاص كما يدعون .
إعترف هؤلاء الخونة أم لم يعترفوا فثمة حقيقة تاريخية لا سبيل لنكرانها وهي أن الولايات المتحدة أعلنت في العام 1971 خروجها من معاهدة "بريتون وود" التي تقضي بالغطاء الذهبي للنقد الأمر الذي يعني دون لبس أن الولايات المتحدة لم تعد تنتج من البضاعة ما يغطي حاجتها للنقد خاصة وأن جزءاً كبيراً من إنتاجها هو من الأسلحة لحربها في فيتنام والأسلحة ليست من البضاعة . خلال عامي 72 و 73 خسر الدولار في أسواق الصرف حوالي 30% من قيمته . ذاك ما كان يعني أن الولايات المتحدة لم تعد دولة رأسمالية حيث الرأسمالية ترفع من قيمة النقد بسبب إنتاج الفائض من البضاعة كما يقضي النظام الرأسمالي . إذاك كان أول إجتماع للدول الخمسة الغنية (G 5) على مستوى القمة في رامبوييه/باريس في 16 نوفمبر 75 لإنقاذ النظام الرأسمالي فلم يجدوا حلاً سوى كفالة أسعار صرف عملاتهم في الأسواق . هم كانوا وما زالوا يستطيعون الحفاظ على أسعار صرف عملاتهم عن طريق المضاربة لكن هذا الأمر لا يحفظ قيمة عملاتهم . انخفض الدولار أربعين ضعفا خلال أربعين عاماً 1972 – 2012 وما ذلك إلا لأن الولايات المتحدة لم تعد تنتج البضاعة الأمر الذي يؤكد أن نظام الإنتاج فيها لم يعد رأسماليا حيث الرأسمالية لا تعني أكثر من إنتاج البضاعة . ومن هنا نجد الولايات المتحدة اليوم مدينة بما يزيد عن 21 ترليون دولار أي أن كل فرد أميركي مدين بأكثر من 65 ألف دولار وحتى قبل أن يولد . كل هذه الأموال الطائلة هي قيمة بضائع استوردتها أميركا من الخارج للإستهلاك المحلي ومع ذلك تجد الشيوعيين الخونة ومعهم عصابات الشيعة يملؤون الفضاء زعيقاً ينادون بمقاومة الإمبريالية الأميركية !!

لكن من أين تستمد أميركا كل هذه القوى الكافية لتقرير مصائر العالم رغم أنها ترسف بديون لا تتحملها الجبال ودولارها مكشوف لا غطاء له !!؟
إكتشف العالم اليوم فقط الوحدة العضوية للعالم بعد انهيار العوالم الثلاث الموروثة من الحرب العالمية الثانية والعولمة الظاهرة اليوم بالرغم من أن ماركس كان قد اكتشف الوحدة العضوية للعالم في ظل النظام الرأسمالي منذ أكثر من 170 عاما . من أين هذه القوة لأميركا كي تستطيع فرض العقوبات الإقتصادية على كل دولة تعكر مزاج الإدارة الأميركية !؟
ما يثير العجب بل والاستغراب أيضاّ هو الإدعاء أن القوة الأميركية الماثلة اليوم ليست مستمدة من الشعب الأميركي الذي لا يتسبب للدولة غير الوهن والعوز، بل هي مستمدة من الشعب الصيني .
في العام 1972 وفي مواجهة الهبوط المتوالي لسعر صرف الدولار تخوف وزير الخزانة والأخصائي المالي جورج شولتس من أن النظام الرأسمالي يواجه خطرالانهيار مما دفع بالرئيس نكسون إلى إقالة شولتس والتوجه إلى الصين لإنقاذ الدولار ومعه النظام الرأسمالي، فكان الإتفاق مع دنغ هيسا بنغ، خروشتشوف الصين كما وصفه ماوتسي تونج، على صفقة القرن التي ضمنت القيمة التبادلية للدولار المنهار آنذاك . اتفق الإثنان المعاديان للشيوعية على أن تصنع الصين ما وسعها من الصناعة وتتكفل الولايات المتحدة باستيراد تفضيلي لكل ما تصدر الصين . ذلك الإتفاق المؤامرة، مؤامرة على قوانين التطور العامة لحياة العالم، أسس "للنظام" العالمي الهجين الماثل اليوم . مئات ملايين العمال في الصين يشتغلون في إنتاج البضاعة لمبادلتها بالدولار الأميركي ؛ وبذلك غدت البضاعة الصينية هي الغطاء الذهبي للدولار الذي غدا بدوره ملك العملات في العالم حيث البضاعة الصينية هي البضاعة الرائجة في أسواق العالم قاطبة .
أجر ساعة/عمل بالمعدل في الصين هو 1.25 دولار فقط بينما أجرها في أميركا هو 15 دولاراً، أي أن ساعة/عمل أميركية تساوي 12 ساعة/عمل صينية . لكن الإنتاج الحقيقي لساعة/عمل في صينية هو ثلاثة أمثال الإنتاج الحقيقي لساعة/عمل أميركية حيث 80% من ساعة/عمل أميركية هو من الخدمات التي لا قيمة حقيقية لها بينما ساعة/عمل صينية منها 40% فقط خدمات، أي أن العامل الأميركي كي ينتج ما ينتجه العامل الصيني يتقاضى 45 دولاراً . تستورد أميركا بضائعاً من الصين ما قيمتها تزيد على 500 مليار دولار وهي قيمة 400 مليار ساعة/عمل صينية قيمة كل ساعة منها في أميركا 45 دلاراً، وهو ما يعني أن البضائع الصينية التي تستوردها أميركا كل سنة بقيمة 500 مليار دولار – يبقى أكثر من نصفها ديناً – تغدو قيمتها في الأسواق الأميركية 18 ترليون دولار وهو ما يساوي خمسة أمثال ما تنتجه الولايات المتحدة من البضائع سنويا . أن تسرق أميركا من الصين ما يوازي 18 ترليون دولاراً سنوياً هو ما يجعل أميركا ذات سطوة وما يجعل الدولار مرجع كل العملات ومعامل التطور الحدي في المجتمع في شتى أقطار العالم .

النظام الدولي الماثل اليوم هو نظام هجين حيث لا الإنتاج البضاعي التصديري في الصين هو إنتاج وطني غايته بناء نظام إنتاج وطني مستقر لتقدم شعوب الصين ولا النقد الأميركي نقد وطني غطاؤه غطاء وطني . حقيقة هذا النظام الهجين هي فوضى الهروب من الاستحقاق الإشتراكي ؛ الهروب الذي بدأته في العالم عصابة خروستشوف روسيا واستكملته عصابة خروشتشوف الصين، وهؤلاء وأولئك هم من الشيوعيين الذين خانوا الشيوعية .
النظام الهجين ليس من مخلوقات الطبيعة، وفوضى الهروب من الاستحقاق الإشتراكي لا يجوز أن تتحول إلى قانون، ستعصف بهما قوى الحياة في المجتمعات الإنسانية قريباً وقريباً جداً، وستستأنف البشرية جمعاء إنتهاج نهج الإشتراكية وهو ما قد يكلفها مكابدة عثرات خطيرة وتضحيات جسام إلا إذا برز لقيادة تلك الثورة شيوعيون يعون حركة التاريخ، وما أقلهم اليوم، يسهلون تلك العثرات ويحدّون من تلك التضحيات .

(إنتهى)