الانقسام في مجموعة الدوما - البلشفية طريق الثورة


آلان وودز
2018 / 7 / 23 - 10:00     



الفصل الرابع: النهوض

الانقسام في مجموعة الدوما


ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

لقد كشف الوضع برمته عن التناقض الهائل الموجود داخل الفريق البرلماني في الدوما، حيث كان المناشفة يستغلون أغلبيتهم الشكلية، بمقعد واحد، للسيطرة على أنشطة الفريق وعرقلة تحركات النواب البلاشفة، وهو الموقف الذين كان هؤلاء الأخيرين على استعداد لقبوله باسم الوحدة. كان لينين ينتقد بشدة المندوبين البلاشفة في الدوما بسبب ترددهم في مسألة الانفصال عن المندوبين المناشفة السبعة. قال: «لقد بدأت الحملة ضد السبعة بشكل ممتاز، لكنها الآن صارت تنفذ بدون الحزم المطلوب»[1]. وبما أن اجتماع كراكوف فشل في التوصل إلى حل نهائي للمسألة، فقد صار الانقسام في الفريق البرلماني مسألة غير مؤكدة. في اجتماع اللجنة المركزية الذي عقد في يوليوز، كانت "الستة" موضع انتقاد، على الرغم من أن مالينوفسكي وحده من كان حاضرا في الاجتماع من بين أعضاء الدوما. لم يعد من الممكن هذه المرة أن يتم قبول أي عذر. ومع ذلك فإن الطريقة التي يجب أن يتم بها تناول هذه المسألة كانت مهمة. كان من الضروري للغاية أن يفهم العمال أسباب الانقسام، وأن تقع المسؤولية الكاملة على كاهل المناشفة. حاول باداييف شرح سلوك النواب البلاشفة بأفضل طريقة ممكنة، لكن من الواضح أن النواب البلاشفة لم يتخذوا القرار بالانشقاق عن المناشفة إلا على مضض وتحت الضغط:


«بالطبع كان واضحا لنا جميعا في تلك الفترة أن لحظة القطيعة التامة مع المناشفة كانت تقترب. لكن الرغبة في الحفاظ على وحدة صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي بهذه الطريقة أو تلك كانت ما تزال قوية بين الجماهير العريضة للعمال[2]. بطبيعة الحال لم يكن الجمهور الواسع يعرف ما الذي كان يحدث داخل الحزب، في لجاننا أو حلقاتنا السرية، وذلك بسبب النظام البوليسي الذي كان سائدا في روسيا آنذاك. لكن فريق الدوما كان يعمل تحت أنظار الجميع؛ كان كل عامل، ليس فقط في سان بيترسبورغ بل وحتى في أكثر المناطق النائية في روسيا، يعلم بوجود الفريق وأنشطته. وعندما كانت الجماهير العريضة تشير إلى وحدة الحزب، فقد كانت تقصد في الغالب فريقنا البرلماني».[3]

نظم البلاشفة حملة لجمع التوقيعات لتعبئة أكبر قدر ممكن من الدعم خلف نوابهم في مجلس الدوما. وكانت النتيجة نجاحا بارزا.






البلاشفة الست في مجلس الدوما: ي. باداييف، ج. إ. بتروفسكي، م. ك. مرانوف، ن. ر. شاغوف، ف. ن. سامويلوف، ور. ف. مالينوفسكي (غير موجود في الصورة)

بحلول الأول من نوفمبر، وفي غضون أسبوعين فقط، تلقت برافدا والمجموعة البلشفية أكثر من ثمانية قرارات دعم تحمل أكثر من 5000 توقيع. بينما لم يتمكن المناشفة، خلال الفترة نفسها، من حشد سوى 3500 توقيع. وحتى هذه النسبة لم يتم الحفاظ عليها، حيث أن المناشفة كانوا قد استنفذوا كل جهودهم خلال الأسابيع الأولى، فبدأت القرارات المؤيدة للمناشفة تشهد تراجعا متواصلا، بينما استمر عدد القرارات لصالح "الستة" في الزيادة. صار تفوق البلاشفة أكثر وضوحا خلال الشهر الموالي، حيث توقف تدفق القرارات المؤيدة للمناشفة من المحافظات، مقابل ارتفاع تلك القادمة للبلاشفة. وبحلول الأول من دجنبر، صار من الواضح أنه في إمكان البلاشفة أن يعتمدوا على مؤيدين بين العمال الروس يزيد بما لا يقل عن ضعفين ونصف عن المناشفة. اتضحت النتيجة نفسها من خلال كمية الأموال التي جمعها كل فريق من مساهمات العمال، إذ لم يتمكن المناشفة من جمع سوى حوالي 150 روبل لكل 1000 روبل حصل عليها البلاشفة.

على الرغم من حقيقة أن البلاشفة في ذلك الوقت كانوا قد وحدوا وراءهم الفئات الحاسمة من بين صفوف الطبقة العاملة، فإن المزاج التوفيقي استمر موجودا، كما يعترف باداييف نفسه:


«بعض الدوائر الاشتراكية الديمقراطية في الخارج أيضا لم تدرك طبيعة ومعنى الانشقاق الذي عرفه الفريق، وبقيت تتردد بين المعسكرين، وتنتقل من البلشفية إلى المنشفية والعكس بالعكس. من أكبر هاتين المجموعتين كانت فبريود (إلى الأمام)، التي اعتقدت أن الانشقاق كان نتيجة "غياب جهاز قيادي مركزي موحد، يتمتع بثقة أغلبية أعضاء الحزب". اعترف الفبريوديون أن مطالب "الستة" مشروعة، لكنهم ظنوا أن المسألة كلها كانت مجرد صدامات تنظيمية طفيفة داخل الفريق. وهكذا فقد عجزوا تماما عن فهم معنى الانقسام والاختلافات الجوهرية التي أدت إليه».

استغل المناشفة بطبيعة الحال الانشقاق الذي عرفته مجموعة الدوما لإثارة ضجة في الخارج، مستفيدين من جهل الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الأجنبية بالشؤون الروسية ورفضها الطبيعي للانشقاقات. وقد ساعدتهم في هذا حقيقة أن مرشحهم هو الذي كان يمثل المجموعة البرلمانية في مكتب الأممية الاشتراكية (الأممية الثانية). قرر المناشفة طرح المسألة أثناء الاجتماع المقبل للمكتب في الأول من دجنبر، وبعثوا كلا من تشخيدزه وسكوبيليف إلى لندن. وعلى أمل استغلال سلطة بليخانوف الكبيرة لخدمة موقف المناشفة، بعث له تشخيدزه تلغرافا إلى إيطاليا وطلب منه القدوم إلى لندن لتوضيح وجهة نظره بخصوص الانقسام خلال اجتماع المكتب.

إلا أن بليخانوف لم يكتف برفض المجيء إلى لندن، بل بعث رسالة إلى مكتب الأممية الاشتراكية يقول فيها إنه يدعم "الستة" واعتبر أن المناشفة هم المسؤولون عن الانشقاق. وفي الوقت نفسه وبما أنه اعتبر أن هذه المسألة قد حسمت الانشقاق داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فقد قرر الاستقالة من المكتب، الذي كان يمثل فيه الحزب بأكمله، كما يوضح ذلك المقتطف التالي من رسالته، الوارد في كتاب باداييف:


«لقد أدت الخلافات في الرأي، التي كانت موجودة داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي خلال السنوات القليلة الماضية، إلى تقسيم فريقنا في الدوما إلى مجموعتين متنافستين. لقد حدث هذا الانشقاق نتيجة لقرارات معينة مؤسفة اتخذها رفاقنا التصفويون، الذين صادف أن كانوا أغلبية (سبعة مقابل ستة). وبسبب الضربة القوية التي تعرضت لها وحدة حزبنا، فإنه لم يبق لي، أنا الذي أمثل أمامكم الحزب بأكمله، من خيار آخر سوى الاستقالة. وهذا ما أقوم به من خلال هذه الرسالة».[4]

قرب اندلاع ثورة جديدة لم يكن يعني، بأي حال من الأحوال، أنه يمكن للحزب أن يتخلى عن النضال من أجل المطالب الجزئية. بل إنه على العكس استثمر هذا النضال بإلحاح أكبر. كانت هناك ضرورة النضال من أجل كل مطلب جزئي، مهما كان صغيرا، لتحسين مستويات معيشة الطبقة العاملة وظروف عملها وحقوقها، من أجل جعل الحزب أكثر ارتباطا بالجماهير. لا يحمل واقع الحزب البلشفي أدنى تشابه مع الصورة الكاريكاتيرية التي قدمها مارتوف عن البلشفية باعتبارها «النزعة المتطرفة والسعي إلى تحقيق نتائج قصوى فورية، والرغبة في تحقيق التحسينات الاجتماعية، دون مراعاة الظروف الموضوعية»[5]. لو كان الأمر كذلك بالفعل لما تمكن البلاشفة أبدا من كسب أغلبية الطبقة العاملة إلى جانبهم، كما حدث في 1912- 1914، ومرة أخرى في شتنبر - نوفمبر 1917.

إن ما كتبه مارتوف كمنفي بعد ثورة أكتوبر قدم بالفعل الدليل النهائي على صحة وجهات نظر لينين وسياسته وأساليبه، ومن الواضح أن حقد مارتوف كان نتاجا للحسد الشديد وليس مجرد ضعف في الذاكرة. وكما سبق لنا أن أشرنا فإن الفرق بين الماركسية الثورية وبين ما يسمى بالإصلاحية ليس في كون الإصلاحيين يقبلون بالنضال من أجل الإصلاحات بينما ينكره الماركسيون. إن الماركسيين الثوريين يتميزون دائما عن الإصلاحيين بكونهم المقاتلين الأكثر ثباتا وإصرارا من أجل الإصلاحات، بينما ينتقل الإصلاحيون دائما، وخاصة في فترات الأزمة الرأسمالية، من الإصلاحات إلى تدمير الإصلاحات وتطبيق سياسة "التقشف" تحت ضغط الرأسمال الكبير، في حين يؤكد التاريخ أن جميع الإصلاحات الجدية كانت نتيجة ثانوية للنضال الثوري لتغيير المجتمع. ولسوء حظ التصفويين، في ظل ظروف روسيا، كان حتى النضال من أجل المطالب الأكثر جزئية، إذا تم خوضه بجدية، يؤدي بشكل حتمي إلى مطلب الإطاحة بالقيصرية.

هوامش:


1: LCW, To the Editorial Board of Za Pravdu, vol. 34, 118.

2: التشديد من عندي – آ. وودز-.

3: Badayev, Bolsheviks in the Tsarist Duma, 112

4 : Badayev, Bolsheviks in the Tsarist Duma, 131, 132, and 133.

5: Martov, Mirovoy Bol’shevism.