حول مفهوم الطبقة الوسطى (15-18)


غازي الصوراني
2018 / 7 / 9 - 12:32     


الملاحظة الأولى: لا بد من تحديد المقصود بالطبقة الوسطى وماهيتها منعاً للالتباس والإرباك، تحديداً وإيضاحا للمفهوم ومغزاه أو دلالاته الاجتماعية والسياسية، لأننا نعتقد في ضوء قراءتنا لكتاب »وداعاً للطبقة الوسطى« ان موضوع الكتاب يتناول الطبقة البورجوازية الصغيرة بصورة مباشرة، التي تختلف بكل مكوناتها عن »الطبقة الوسطى« أو ما يعرف عندنا »بالرأسمالية الوطنية« التي لم يبق لها دورٌ رئيسًٌ أو مركزيٌ في مسار التطور الاقتصادي والاجتماعي في البلدان العربية أو في العالم الثالث، ارتباطاً بطبيعة التطور الرأسمالي المعولم الراهن، وشروطه وضغوطاته على بلدان العالم الثالث واحتكاره لأسواقها المحلية المفتوحة بلا أية قيود أو ضوابط، لذلك، فإننا نرى أن استخدام مصطلح »البورجوازية الصغيرة« بشرائحها الثلاث: العليا، والمتوسطة، والدنيا. هو الأكثر دقة واقتراباً وتفسيراً للواقع الاجتماعي في بلادنا، ولا سيما أنه يتفق مع التحليل الماركسي للمجتمع البورجوازي، وهو تحليل يستند –كما هو معروف- إلى المقولة التالية: »في المجتمعات البورجوازية ثمة طبقتان رئيستان متناحرتان: البورجوازية، والبروليتاريا، وتشمل البورجوازية على ثلاثةَ أقسام هي: البورجوازية الكبيرة، والبورجوازية المتوسطة والبورجوازية الصغيرة، وهذه الأخيرة تتوزع على ثلاث شرائحَ: العليا، والمتوسطة، والدنيا، وهي الطبقة الأقدم في التاريخ، والأكثر تعقيداً في أوضاعها الداخلية وتركيبتها، وقد تناولها بالتعريف والتشخيص ماركس وانجلز ولينين وغيرهم من المفكرين الماركسيين، نذكر منهم في بلادنا، المفكر الماركسي الراحل د. فؤاد مرسي، الذي أكد على أن »الحرفيين وصغار المنتجين وأصحاب الحوانيت وصغار الفلاحين والموظفين، يشكلون جميعاً ما يسمى بالبورجوازية الصغيرة، أكثر الطبقات عدداً وأوسعها نفوذاً وأبعدها أثراً في مجتمعنا«(1). والمفارقة هنا ان هذا التعريف لا يختلف من حيث المضمون مع ما قدمه د. رمزي زكي الذي ينبهنا في كتابه إلى أنه »يستخدم مصطلح الطبقة الوسطى تجاوزاً، لأنه مصطلح هلامي وفضفاض يفتقدُ الدقة العلمية، ولأن هذا المصطلح يضم في الواقع كتلة واسعة من الفئات الاجتماعية التي تتباين في حجم دخلها، وهي طبقة غير منسجمة، يسودها مختلف ألوان الفكر الاجتماعي والسياسي، لأنها تضم مختلف الشرائح الاجتماعية التي تعيش بشكل أساس على المُرتَّبات المكتسبة من الحكومة والقطاع العام والخدمات والمهن الحرة، ويطلق على أصحابها: ذوي الياقات البيضاء يتوزعون على ثلاث شرائح: عليا ومتوسطة ودنيا«(2).
إن تسجيلنا لهذه الملاحظة، شكل من الاجتهاد يستهدف العودة بمفهوم كل من »الطبقة الوسطى« و»البورجوازية الصغيرة« ووضع المفهوم في إطاره الصحيح، منعاً للإرباك في تحليلنا للأوضاع الاجتماعية ومكوناتها وأزمتها في بلادنا.
الملاحظة الثانية: وتتناول الفرق الجوهري بين الطبقة البورجوازية المتوسطة، والطبقة البورجوازية الصغيرة، حيث تتميز الأولى، بضعف بنيتها وحجمها ودورها، وبتماسك موقفها الأيديولوجي الأقرب إلى أيديولوجية البورجوازية الكبيرة، بحكم توافق المصالح وتداخلها بينهما. أما البورجوازية الصغيرة فهي الطبقة الأكثر عدداً واتساعاً وشمولاً في كل مجتمعاتنا العربية، والبلدان النامية عموماً، وقد لعبت هذه الطبقة دوراً مركزياً في الإطاحة بالبنية المجتمعية العربية التقليدية القديمة أو الأرستقراطية، في العديد من الدول العربية، وفرضت بديلها الوطني والقومي المعادي للاستعمار والصهيونية من جهة، إلى جانب بديلها الاجتماعي الداخلي ضد الإقطاع والرأسمالية الكبيرة، وأحدثت تحولاً نوعياً في حياة الفلاحين والعمال والفئات الفقيرة، لا يمكن تخطيه أو القفز عنه، وبخاصة في المراحل الأولى من تولي هذه الطبقة للحكم أو السلطة. ..... يتبع

1- د. فؤاد مرسي –البورجوازية الصغيرة.. الوضع الطبقي.. والموقف الفكري- الطليعة-القاهرة-يوليو 1969 –ص10.
2- د. رمزي زكي –وداعاً للطبقة الوسطى-دار المستقبل العربي-القاهرة-1997 –ص84/85.