سلام عادل ..الشيخ راضي ينفي تعذيب أمين عام الحزب الشيوعي ويؤكد لقاءه لمدة عشر دقائق ح 8


عبد الحسين شعبان
2018 / 7 / 2 - 21:44     

سلام عادل .. الدال والمدلول وما يمكث وما يزول
الشيخ راضي ينفي تعذيب أمين عام الحزب الشيوعي ويؤكد لقاءه لمدة عشر دقائق
الحلقة 8
عبد الحسين شعبان
وبغض النظر عن الروايات المتناقضة والمتضاربة فإن المؤكد بالنسبة لي هو ما قاله حازم جواد في مقابلة له مع غسان شربل في العام 2004 المنشورة في جريدة الحياة والتي صدرت كجزء من كتاب بعنوان : العراق من حرب الى حرب - صدام مرّ من هنا، (دار رياض الريس ، بيروت ، 2009) إنه التقى سلام عادل ودار بينهما "حديث"، وقد أسميته "تحقيقاً" وليس حواراً، وقد عبّر عنه حازم جواد نفسه حين خاطب سلام عادل مذكّراً إياه إنما يجري بينهما إنما هو علاقة " سجين بسجّان" وقد نفت ثمينة ناجي يوسف (أرملة سلام عادل) بشدّة ما ورد من افتراءات وإساءات حازم جواد لسلام عادل في ردها المنشور في جريدة الحياة بتاريخ 28 شباط/ فبراير/2004 وقد نفى زكي خيري في مذكراته "صدى السنين في ذاكرة شيوعي عراقي مخضرم "، مركز الحرف العربي، السويد، ط2، 1996، وج 2 طبعة خاصة في السويد ، إعداد سعاد خيري الحديث عن "حوار" أو " لقاء" أو استعداد لذلك من جانب سلام عادل.
وكما ذكر محسن الشيخ راضي للباحث ، وهو المسؤول الأول عن الهيئة التحقيقية، "المكتب الخاص" إن ما سمّي "لقاء" بين حازم جواد وسلام عادل هو بمثابة تحقيق وهو بين طرفين غير متكافئين أحدهما معتقل والآخر بيده السلطة، وهذا يعني أن التحقيق الأساسي مع سلام عادل أجراه حازم جواد، بل أنه كان هنالك أكثر من جلسة ومنها أن "لقاء ثانياً" وربما "اللقاء" الأخير مع سلام عادل هو ما يذكره محسن الشيخ راضي الذي شاهد سلام عادل وهو بانتظار مقابلة حازم جواد، ولكنه كما نقل لي كان قد شارف على الموت أو في ساعاته الأخيرة قبل أن يلفظ أنفاسه.
وحسب رأي طالب شبيب: ما قيمة الحوار الذي دار إذا كان الأمر قد انتهى بموت هؤلاء " خطأ وجهلاً" وقد تقدّم الطبيب صادق حميد علوش ليقرر كطبيب شرعي: أنهم ماتوا بالسكتة القلبية لأنهم ظلّوا حتى الصباح معلّقين وأرجلهم مرتفعة عن الأرض قليلاً. وقد أُبلغنا في صباح أحد الأيام بأن قادة الحزب الشيوعي قد ماتوا!! فغطينا نحن مع الأسف ذلك بقرارات رسمية (هكذا بكل بساطة ماتوا!!) (انظر: كتاب علي كريم - عراق 8 شباط 1963 من حوار المفاهيم إلى حوار الدم، مراجعات في ذاكرة طالب شبيب، مصدر سابق، ص 199).
تشويه مقصود
وبالعودة للقاء الأول الذي يذكره حازم جواد فقد حاول أن يقلل من قيمة سلام عادل وقال أنه لم يشعر إزاءه بالاحترام، ثم برّر ذلك ربما لأنه كان مكسور الجناح وسجيناً، لكن طالب شبيب قال للباحث: إن سلام عادل كان متماسكاً وبدا صلباً رغم ما تعرّض له من تعذيب ورغم الأجواء التي أحيط بها، وتعامل بكبرياء القائد وليس بمنطق من خارت عزيمته.
ومع كل ما تعرّض له سلام عادل فقد كان ذهنه يقظاً ووطنيته فائضة حين طالب حازم جواد وهو في هذا الوضع كجزء من تحدّيه للانقلابيين الحفاظ على الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية والوقوف ضد القوى الاستعمارية، وتلك معايير للوطنية التي ردّ بها سلام عادل خلال التحقيق معه ومطالبته بكشف الأسرار الحزبية.
ولم تسفر جلسة "التحقيق" تلك عن شيء، لكن حازم جواد ينسب إلى سلام عادل أن قدّم 3 نصائح للانقلابيين وسلطتهم الفاشية وهي: عليكم عدم تأميم النفط وعدم المضي لعقد الوحدة مع مصر وعدم السير في طريق الإصلاح الزراعي، وحين ينقل حازم جواد تلك النصائح فإنما ينقلها مقطوعة عن أية مقدمات أو دلالات ولا ندري كيف وردت وتحت أي صيغة؟ لكننا نستطيع أن نخمّن أن الهدف منها هو الإساءة إلى سلام عادل حين يشكّك به بقوله: "أهو عميل بريطاني؟"..
جدير بالذكر إن ما حصل لإيران حين أممت النفط في عهد الدكتور محمد مصدق ظلّ هاجساً لدى بعض الشيوعيين، حيث ساهمت المخابرات المركزية الأمريكية CIA بتنظيم انقلاب للإطاحة بمصدق وإعادة شاه إيران محمد رضا بهلوي إلى السلطة وكان ذلك في العام 1953. ربما حاول حازم جواد الانتقاص من موقف الحزب الشيوعي من التأميم انطلاقاً من هذه المعلومة، لاسيّما مما أشيع عن موقف زكي خيري الذي كان من أشد معارضي تأميم النفط كما يقول ابراهيم علّاوي وكان قد جاء في تصريح له إن الحزب يدعو إلى فرض رقابة صارمة على شركات النفط" وهو موقف أثير حوله لغط كثير وغمز مستمر (انظر: جريدة الديلي تلغراف البريطانية، 20 نيسان/ابريل/1959) في حين كانت تصريحات سلام عادل في 30 آذار/مارس/1959 وقبله تحركات ابراهيم كبه وزير الاقتصاد قد أثارت مخاوف احتكارات النفط العالمية، وقد جاءت متساوقة مع موقف عبد الكريم قاسم (انظر: نجم محمود، المقايضة ، مصدر سابق، ص 182 وما بعدها).
وكان زكي خيري قد نفى أي توجه للحزب لتأميم النفط العراقي بشكل كلّي أو جزئي، ويعتقد زكي خيري وهذا اجتهاده أن مهمة تأميم النفط تخرج من مهمات الثورة الوطنية وتدخل في مهمات الثورة الاشتراكية ويعلق ابراهيم علّاوي على هذه الجزئية بقوله " وهذا تخريج طريف في بلادته" ويذكر بتأميمات حصلت في المكسيك وإيران ومصر لمصالح أجنبية (انظر: نجم محمود (ابراهيم علاوي- المقايضة، مصدر سابق، ص 185).
ومثل هذا التقدير المتناقض برز أيضاً داخل الحزب الشيوعي عشيّة تأميم النفط، العام 1972 ، علماً بأن الحزب كان أول من رفع شعار تأميم النفط، وكانت التظاهرات الحاشدة في العام 1956 وخلال العدوان الثلاثي على مصر ترفع شعارات: نفط العرب للعرب فماذا تريدون؟ وبأي شيء تطالبون؟ وكانت الجماهير تجيب: نفط العرب للعرب...
لا أظن أن سلام عادل حاول التبسّط مع حازم جواد، والدخول معه في نقاشات من هذا القبيل، وهما في موقعين غير متكافئين، بل هما في جلسة تحقيق قد سبقها أو يلحقها حفلة تعذيب، فلم يكن الأمر إذاً حواراً. وإذا افترضنا أن ثمة جدلاً كان قد جرى بخصوص النفط فالاعتقاد الأقرب إلى الواقع أن سلام عادل حاول أن يفحم محققه ويحرجه بما يتعلق بالموقف الوطني الذي يقتضي اتباعه، والذي يقوم على معاداة الامبريالية واتخاذ إجراءات حازمة بحق شركات النفط الاحتكارية، ولاسيّما وفقاً للقانون رقم 80 لعام 1961 أي أنه حاول الدفاع عن سياسة الحزب وموقفه، وهو ما يُستشف مما ذكره حازم جواد في حواره مع غسان شربل الذي أشرنا إليه سابقاً. والأمر ينسحب على الموقف من بعض القضايا الحساسة الأخرى مثل الوحدة مع مصر وهما خطّان أحمران واجها حركة التحرّر الوطني العربية .
وكان سمير عبدالكريم وهو اسم مستعار " لجهاز آيديولوجي لمكافحة الشيوعية" داخل المخابرات العامة عمل فيه "شيوعيون منهارون وجواسيس عتاة"، قد اصدر كتاباً بعنوان " أضواء على الحركة الشيوعية" عن دار وهمية (صدر عن دار المرصاد في قبرص ، 5 أجزاء، العام 1979 وما بعده) إن فهد أمين عام الحزب الشيوعي الذي أعدم في 14 شباط (فبراير) العام 1949 تعهّد أن يترك العراق ولا يعود إليه مقابل الإفراج عنه، وتلك "فريّة" أخرى تحاول الجهات الأمنية وبعض الجهات السياسية حين تفقد الحجة في مواجهة خصمها تلجأ إلى إلصاق مثل تلك التهم الرخيصة للإساءة إليه وتشويه سمعته بزعم مساومتها واستعدادها للتنازل ، خصوصاً حين تعجز عن فتّ عزيمتها وإجبارها على التنازل.
أين الحقيقة؟
سألتُ محسن الشيخ راضي عضو القيادة القطرية وعضو مجلس قيادة الثورة الذي ورد اسمه على رأس القائمة التي ردّدناها لسنوات غير قليلة حكاية تعذيبه لسلام عادل، وذلك استناداً إلى تقرير حزبي صدر في الخارج بعد انقلاب 8 شباط/ فبراير 1963، خصوصاً وهو المسؤول الأول عن الهيئة التحقيقية المركزية ويعاونه فيها هاني الفكيكي، فأجابني: أنه كان معتقلاً قبل 8 شباط وخرج من السجن ولم يذهب حتى لزيارة أهله في النجف، وقرّر بعد أن هدأت الأوضاع السفر إلى النجف وصادف أن سافر يوم 19 شباط (فبراير)، وفي المساء عرف باعتقال سلام عادل ولم يعد إلّا بعد أربعة أيام إلى بغداد.
وحين قلت له : لكنك التقيت بسلام عادل في قصر النهاية، فأجاب: نعم فقلت له: ماذا جرى بينكما وكيف كان اللقاء؟ قال إنه لم يستمر أكثر من 10 دقائق، وكان هو في حالة يرثى لها ولم يميّز ما حوله، فسألته: هل التقيت به في سرداب القصر أم في غرفة التحقيق؟ فأجابني إنه التقاه بالممر حيث كان ينتظر قرب غرفة مدير المعتقل (المقصود مدحت ابراهيم جمعة) للقاء حازم جواد ويتحلّق حوله عدد من الحرّاس (ويبدو أن هذا اللقاء لم يكن اللقاء الأول الذي ذكره حازم جواد ، بل هو لقاء آخر، حيث يبيّن تاريخه أنه اللقاء الأخير).
وقال الشيخ راضي وهو يستعيد تلك اللحظات بألم شديد: حاولت أن أعرّفه بنفسي وكرّرت اسمي عليه فهو ابن مدينتي، ولكنه تمتم ببعض كلمات لم أفهمها وهي أقرب إلى الهذيان وكان قد عذّب تعذيباً شديداً، وقد سألته وماذا فعلت بعدها؟ فقال: غادرت قصر النهاية في وقتها وفي المساء سمعت خبر تصفيته حيث تم الإجهاز عليه بعد أن فقد كل قدرة على الحياة، مثلما فقد الذين عذبوه، أية قدرة على الحصول منه على معلومات .
وكرّر الشيخ راضي أمامي لعدّة مرّات وفي أكثر من مناسبة إن أي شيء تنعت به جماعة 8 شباط (فبراير) فهو قليل، وأتذكّر أنه هاتفني في أحد المرّات بعد أن قرأ مقالة لي في جريدة النهار اللبنانية وجئت بها على ذكر جرائم 8 شباط (فبراير) وكان هو في بيروت، فقال إن ما تقوله عن 8 شباط والجرائم التي ارتكبت إنما هو ما نستحقّه وهو ما كان يكّرره منذ سنوات طويلة عبد الستار الدوري، وقد وجدت في ذلك، سواء من خلاله أو من خلال آخرين بمن فيهم بعض من قام بارتكابات لاحقة بعد 17 تموز (يوليو) نزوعا بالاعتراف والإقرار بما حصل في مرحلة عصيبة، وكنت دائماً ما أطالبهم بكتابة مذكراتهم، والأمر يسري على الجميع.
العدالة الانتقالية وفقه التواصل
كنت أتمنى ولا زلت أن تصل بلادنا مثلما وصلت بلدان أخرى إلى جلسات للاعتراف والاعتذار والمصارحة والتسامح في إطار ما أطلق عليه " العدالة الانتقالية" كما حصل في أوروبا الشرقية والعديد من دول أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا والتجربة المغربية، وبعض تجارب آسيوية وأفريقية وأن يتوقف حمام الدم إلى الأبد، وأن تضع بلداننا وشعوبنا حدّاً للعنف وأن يكون الصراع سلمياً وفي إطار سيادة القانون حول البرامج والمناهج والتوجهات، بحيث يتم الاحتكام إلى الناس لاختيار الأفضل في إطار نظام للمساءلة والشفافية وكشف الحقيقة وجبر الضرر وتعويض الضحايا وإصلاح المنظومة القانونية والقضائية والأمنية لكي لا يتكرر ما حصل. ففي الكثير من الأحيان يتم التناوب بين الضحية والجلاد ويأخذ أحدهما مكان الآخر وهو الأمر الذي لا بدّ أن ينتهي ضمن منظومة الحرية والمساواة والشراكة والمشاركة والعدالة، ولاسيّما الاجتماعية.
من أجهز على سلام عادل
وسألت محسن الشيخ راضي من كان يقوم بالتعذيب لأنك المتهم الأول بذلك، فقال لا أريد أن أبرئ أحداً فكلّنا "مرتكبون ومسؤولون" وقد أكّد عبد الستار الدوري إن حزب البعث هو المسؤول وحتى من لم يشترك فإنه لا يمكن إعفاءه من المسؤولية عمّا حصل، وقال الشيخ راضي، إن المسؤولين المباشرين عن قصر النهاية والأكثر حماسة لتعذيب الشيوعيين هم: مدحت ابراهيم جمعة وعمّار علوش جمعة ومحمد المهداوي وهاشم قدّوري وبهاء شبيب، وكان يتردّد بعض جماعة القاهرة أحياناً، مثل عبد الكريم الشيخلي وأحمد طه العزّوز وغيرهما، وسألته من أجهز عليه؟ فقال يبدو أن وضعه كان منتهياً ولم يكن فيه ما يستطيع مواجهة الأهوال والتعذيب القاسي، فتوفّى إثر إحدى الضربات القاسية.
ثم سألته هل أن علي صالح السعدي هو من أجهز عليه وأطلق "رصاصة الرحمة" كما روى آرا خاجادور، فنفى بثقة وقال لم يطرق سمعي ذلك ولو حصل مثل هذا الأمر فهو ليس سرّاً، بل سيكون خبراً سريع الانتشار حتى لو تم التكتّم عليه، وأضاف الشيخ راضي إن نزعة الانتقام والثأر والحقد والكراهية كانت سائدة داخل صفوفنا، وهي التي غلبت على تصرفاتنا، ولاسيّما القيادات العليا، وخصوصاً العسكريين منهم التي كانت تميل لاستئصال الشيوعيين وعدم التساهل معهم مطلقاً، وحين حصلت حركة حسن السريع في معسكر الرشيد (3 تموز /يوليو 1963)، استشاط العسكرييون غضباً ونظموا حملة للتصفيات الجديدة سواء الإعدامات المعروفة أو قطار الموت الشهير، بل إنهم استذكروا ما حصل من قمع للبعثيين والقوميين خلال المدّ الشيوعي العام 1959، وخصوصاً الارتكابات والانتهاكات والجرائم في الموصل وكركوك.
وذكر نوري عبد الرزاق (السكرتير العام لمنظمة التضامن الأفرو- آسيوي) للباحث إن علي صالح السعدي زاره في العام 1969 حين عاد إلى بغداد وتعزّزت علاقته معه وقد أبدى ندمه الشديد على ما حصل وكانت اللقاءات تتكرّر معه ومع آخرين وفي إحدى المرّات حاول جلال الطالباني أن يستفزّه، وكان السعدي حينها منشرحاً فقال له: لو جاء الشيوعيون إلى الحكم وأعدموني في ساحة التحرير سأكون " سعيداً"، وقد وثقت هذه المعلومات التي سمعتها من نوري عبد الرزاق في السبعينات مجدداً وقبل إرسال هذه المقالة للطبع وذلك بهدف التدقيق وبحثاً عن الحقيقة.
وكان عبد الستار الدوري قد نفى بشكل قاطع أن يكون علي صالح السعدي قد أجهز على سلام عادل وإنه كتب إلى آرا خاجادور بهذا الخصوص بعدما نشر مقالته " من هو عادل سلام"؟ وحاول تذكيره بأن اللقاء والتعارف بينه وبين علي صالح السعدي تم في بيته حين كان ملحقاً ثقافياً في تشيكوسلوفاكيا وبحضور الجواهري ونوري عبد الرزاق ومهدي الحافظ وموسى أسد، وكان يفترض حضور كاتب السطور لولا عدم وجود تلفون لديه حينها.
ردود فعل
وكانت الوليمة قد التأمت بعد حادث حصل في براغ سبق لمحسن دزئي السفير العراقي حينها أن رواه في كتابه "أحداث عاصرتها" ( جزءان، دار آراس ، إربيل ، 2002). وقد استذكر أطرافاً منه مهدي السعيد في كتابه " الجذور" (بيروت، دار الفارابي، 2017) ومفاده أن حفلاً أقيم في براغ بمناسبة الذكرى الثانية لبيان 11 آذار/مارس 1972 وكان كاتب السطور حينها رئيساً لجمعية الطلبة العراقيين وكان لدى الجمعية فرقة فنية وقام الطالب حينها د. علاء صبيح (وهو حيّ يرزق في براغ) بتأدية بعض المقامات العراقية ، مما أطرب علي صالح السعدي، فقام من طاولته ليصافحه ولكن صبيح أبى ذلك وسحب يده، وحين سأله لماذا ؟ قال له لأن يديك ملطختان بالدماء، وحصل نوع من الاحتدام في القاعة وكانت طاولة السفير تضم عبد الستار الدوري وعلي صالح السعدي والملحق العسكري ومهدي الحافظ وموسى أسد الكريم وكان يفترض أن يكون فيها كاتب السطور وطارق عقراوي (سفيرنا في فيينا لاحقاً) باعتباره رئيساً لجمعية الطلبة الأكراد .
وحاولنا معالجة الموقف (عقراوي وكاتب السطور) واحتواء ما حصل والتقيت بعد يوم أو يومين بعلي صالح السعدي، وتلك قصة أخرى سأحاول روايتها واستعادة حواراتي معه وكنت قد تعرفت عليه في بغداد في المقهى البرازيلية في شارع الرشيد ، وعلى أثرها نظم أبو لادا (عبد الستار الدوري) وليمة تم التعارف فيها كما يقول بين خاجادور والسعدي.
الذاكرة والشيخوخة
قلت للدوري ربما تكون الذاكرة قد تحرّكت، لاسيّما هو استحقاق العمر، وقد يكون المشهد قائماً بأن ما رواه السعدي بأن "رصاصة الرحمة" كانت وحدها توقف آلام الرجل، وقد يكون الزمن غيّر المشاهد والصور، وهي أمور طالما تحدث بتقادم الزمن. وقد حاولت في الأسئلة الموجهة من طرفي إلى آرا خاجادور (72 سؤالاً) والمنشورة في جريدة الزمان بتاريخ 9/12/2017 ، وكنت قد وجهتها إليه قبل نحو سنتين (20/2/2016) أن آتي إلى الإشارة إلى محسن الشيخ الراضي وروايته في السؤال رقم 35 والذي ورد فيه:" راجت إشاعات كثيرة حول استشهاد الرفيق سلام عادل، ولعلّها أكثر انتشاراً قيام محسن الشيخ راضي بالإشراف على تعذيبه عند اعتقاله، هل لديك معلومات وما هي أقرب الروايات إلى الواقع وكيف يمكن فحص دقتها؟ وكنت قد سألت الشيخ راضي عند زيارته لي في فندق فلسطين "الميرديان" (بغداد)، فقدّم رواية أخرى سأحاول نشرها؟ ماذا تقول؟" لكنني لم أفضّل الخوض في تفاصيل أخذت أتلمّس صعوبتها مع الأمراض والشيخوخة وازدحام الأحداث في ذاكرة موجعة بحاضر صعب كان يعيشه آرا خاجادور.
ويعترف حازم جواد وإنْ كان اعترافه قد احتوى الكثير من المتناقضات والمفارقات مع غسان شربل بمجزرة تمت في غفلة حيث أعدم 30 عسكرياً، ويقول: إنني أؤكد بعد 40 سنة أنها مجزرة خسيسة ودنيئة دبّرها صالح مهدي عماش وبتأييد من عبد السلام والبكر وطاهر يحيى، ويذكر أنه أعلن عن تبرئة الحزب منها وكذلك فعل طالب شبيب وعلي صالح السعدي وسعدون حمادي حسب محسن الشيخ راضي. لكنه لم يقل لنا أين هي مسؤوليتهم كحكام سواء على الصعيد القانوني أم السياسي أم الأخلاقي؟
وكمختتم لهذا المبحث كان ابراهيم الحريري معتقلاً في قصر النهاية أيضاً واعتقل في اليوم ذاته الذي اعتقل فيه سلام عادل، وقد بقي معه في السرداب ليومين وروى لكاتب السطور كيف كان يجبر سلام عادل على أن يظلّ واقفاً بدون نوم وهو يعاني من آلام شديدة في الفقرات وعرق النسا ومشاكل في العمود الفقري، لاسيّما بعد جولات التعذيب التي تعرّض لها وكان قد خاطب من معه في السرداب: إنها محنة وعلينا الصمود.
وتقول زكية شاكر وكانت حينها عضواً في لجنة بغداد للحزب ومعتقلة مع سلام عادل في قصر النهاية، أنها شاهدته في سرداب القصر وعلى الرغم من التعذيب كان يستجمع ما بقي له من طاقة ليطلق حشرجة.
ويروي الحريري كيف تدهورت صحة سلام عادل حيث بدأ يفقد السيطرة على نفسه في مساء اليوم الثاني وكان قد بدا واضحاً أنه لن يستمر على قيد الحياة منذ اليوم الثالث حيث فارق الحياة في اليوم الرابع ويقول لقد وقع علينا الخبر مثل وقع الصاعقة واسودّت الدنيا بأعيننا، خصوصاً حين سمعنا وشاهدنا سلام عادل بشموخه وكبريائه وهو محطّم وفاقد السيطرة على نفسه ويهذي. (حديث خاص مع الكاتب في دمشق، حزيران/يونيو/1984).