الشيوعيون المفلسون والمرتدون لا يقرؤون التاريخ - 2


فؤاد النمري
2018 / 6 / 16 - 19:14     

ليس أشد استهجانا على شيوعي بلشفي مثلي من شيوعي يدعي الشيوعية ومع ذلك يفلس !! كيف يفلس وسند الشيوعيىة هو الماراكسية التي لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها حيث تمت عمارتها على أساس راسخ هو ديالكتيك الطبيعة النافذ في كل أشيائها ومنها المجتمعات البشرية، وديالكتيك الطبيعة هو الحقيقة المطلقة رغم كل إدعاء معارض . بالرغم من ذلك ولهولي إنتهى عموم الشيوعيين إلى الإفلاس !! يا لهولي ما خطب هؤلاء القوم !؟ يمكن للمرء أن يعزو ذلك لأسباب كثيرة من مثل الأصول الطبقية أو الفقر في العلم والثقافة أو لأطماع بورجوازية صغيرة ؛ يمكن أن تكون كل هذه الأسباب صحيحة لكن فقط عبر عدم قراءة الثاريخ أو قراءة خاطئة له .

في مؤتمر الحزب الشيوعي البولشفي التاسع عشر في أكتوبر 1952 أهاب ستالين بالمؤتمرين ألا يعيدوا انتخاب نفس القيادة لأنها لم تعد قادرة على العمل الشيوعي بمن في ذلك ستالين نفسه . لم يستجب المؤتمر لطلب ستالين وأعاد انتخاب نفس الأعضاء . ذلك ما دفع بأعضاء المكتب السياسي لافرنتي بيريا وجيورجي مالنكوف ونيكيتا خروشتشوف لاغتيال ستالين بالسم أثناء عشائهم معه في 28 فبراير 1953 وقد تأكد لهم أن ستالين كان في طريقه لإنهائهم كقادة بالإضافة إلى أن بيريا وزير أمن الدولة كان غارقا في مؤامرة الأطباء اليهود ضد صحة وسلامة القادة السوفييت وقارب التحقيق فيها للوصول إلى إكتشافه . ما فات هؤلاء المجرمين هو الفرق الهائل بين شخوصهم وشخص ستالين الذي لم يماثله أي قائد عبر التاريخ بالقوة بمختلف وجوهها كما تبدت في الحرب على النازية . ليس أحداً من هؤلاء يمكنه أن يشغل الفراغ الذي خلفه ستالين . كان الجيش "الأحمر" مركز القوة الثاني بعد ستالين . في سبتمبر 53 أطاح الجيش بمالنكوف كأمين عام للحزب ونصب مكانه خروشتشوف الذي قبل أن يكون لعبة بيد العسكر وهو الأحمق والغبي بين أعضاء المكتب السياسي للحزب . فكان أول أمر تلقاه من العسكر هو إلغاء الخطة الخمسية التي كانت ستنقل المجتمع السوفياتي إلى أرقى مجتمع في العالم وأكثرها رفاهية في سبتمبر 53 بزعم أنها توهن وسائل الدفاع عن الوطن وهو ما يعني تحويل كل مقدرات البلاد إلى العسكرة . كان ذلك فعلاً خيانياً فاضحا حيث قرارات المؤتمر العام للحزب وأهمها الخطة الخمسية غير قابلة للإلغاء من أي جهة كانت ولا حتى للتعديل . وفي المؤتمر العام التالي للحزب في فيراير 1956 طلب خروشتشوف جلسة إضافية بعد انتهاء المؤتمر وفوجئ الحضور بخروشتشوف لا يهاجم ستالين وحسب بل ويستنكر أيضاً بناء الإتحاد السوفياتي كدولة بناها دكتاتور دموي !!

ليس عبثاً أن طالب ستالين بتغيير القيادة لأنها لم تعد قادرة على العمل الشيوعي ؛ فأن توافق القيادة في سبتمبر 53 على إلغاء الخطة الخمسية التي كانت ستنقل الاتحاد السوفياتي إلى عتبة الشيوعية، ثم تسكت على استنكار خروشتشوف لبناء الاتحاد السوفياتي فهو بمثابة خيانة كبرى للإشتراكية وللماركسية اللينينية، وإلا بدل أن يغمى عليهم ويشدوا الشعر بالقبضتين أثناء الاستماع لخطاب خروشتشوف، كما وصفت صحيفة الغارديان البريطانية، أن يصرخوا بوجه خروشتشوف بأنه كاذب وأفاق . أما وأن يخشوا مسدسات العسكر في حماية خروشتشوف فكان عليهم على الأقل أن يعلنوا بعد المؤتمر أن تقرير خروشتشوف كان يعبر عن وجهة نظر شخصية لا علاقة للحزب بها . سكوتهم الخياني جعل العالم يصدق كل ما جاء به التقرير نظراً لصدوره عن قيادة الحزب وهو لم يكن كذلك وليس من أعمال المؤتمر ويبدو أن التقرير كان من إملاء العسكر أعداء ستالين التاريخيين خاصة وقد عرف خروشتشوف بأنه لا يحسن الكتابة .

منذ تقرير خروشتشوف الخياني تغير تاريخ الاتحاد السوفياتي . كثيرون من الشيوعيين صدقوا ترهات خروشتشوف وأكاذيبه التي فضحها حديثا الأستاذ الجامعي الأمريكي المتخصص في دراسة الأرشيف السوفياتي غروفر فر (Grover Furr) وساعدهم في ذلك الإعلام الإمبريالي حتى أخذ بشيع أن ستالين قتل 50 مليوناً من السوفياتيين والقليلون منهم وافقوا على أن ستالين كان دكتاتورا بشخصه . ما يلزم التأكيد عليه هنا هو أن هؤلاء وأولئك إنما هم من الشيوعيين المفلسين أو المرتدين وقد طفقوا يبحثون عن اشتراكية أخرى غير الإشتراكية السوفياتية . ذلك هو السياسة النفاق !! لو كان هناك أية إشتراكية أخرى غير تلك التي حدد خطوطها الرئيسية لينين وطبقها حرفيا بامتياز ستالين لكنا ترددنا بوصف عموم الشيوعيين الذين أساءوا قراءة تاريخ الاتحاد السوفياتي بالمفلسين والمرتدين المنافقين .

ليس ثمة أدنى شك أن الإنقلاب على النظام الإشتراكي في العام 53 كان بفعل الصراع الطبقي وتنامي القوى العسكرية طليعة البورجوازية الوضيعة من أجل رد العدوان النازي الهائل وتحمل البروليتاريا السوفياتية النصيب الأكبر من الخسائر مما مكن البورجوازية الوضيعة من الإنقلاب على النظام الاشتراكي . هذا ما تقوله ألفباء الماركسية للشيوعيين، وتجاهل هذه الحقيقة من شأنه أن يودي حتى بعتاة الماركسية إلى الضياع . أي تحليل للوضع السياسي والإقتصادي في العالم بكل أطرافه لا يبدأ بهذه الحقيقة التاريخية منذ العام 1953 سيكون رجماً في الغيب أو كلاماً في الجنّ .
الحقيقة الثانية المترتبة على الحقيقة التاريخية الأولى وهي في غاية الأهمية هي أن البورجوازية الوضيعة السوفياتية وغير السوفياتية لا تنتج إلا الخدمات التي تخدم الإنتاج الحقيقي . واعتماداً على هذه الحقيقة الثابتة فالبورجوازية الوضيعة غير مؤهلة لتقود المجتمع وتحتل مركز السيادة فيه مثل الرأسماليين والعمال، الطبقتين المتخصصتين بإنتاج أسباب الحياة المادية .
وهنا يتوجب على الماركسيين والشيوعيين وعلى سائر الباحثين في النظام الدولي الماثل التوقف عند النتيجة التي تنتهي إليها هاتان الحقيقتان وهي أن البورجوازية الوضيعة لم تقد ولن تقود إنقلاباً نهائياً وناجحاً ضد المشروع اللينيني في الثورة الإشتراكية العالمية وليس أدل على ذلك من أن روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي تعيش اليوم على تصدير النفط والغاز وتصطف في صف دول العالم الثالث بعد أن كانت في صف الولايات المتحدة في الستينيات .

وهكذا يمكن الإدعاء أن المشروع اللينيني الإشتراكي ما زال في الأرض وهو مثلما قوّض النظام الرأسمالي في سبعينيات القرن العشرين سيقوض سيادة الطبقة البورجوازية الوضيعة العالمية في عشرينيات القرن الحادي والعشرين