التكتيكات في مجلس الدوما


آلان وودز
2018 / 6 / 5 - 15:15     

البلشفية طريق الثورة

الفصل الرابع: النهوض

التكتيكات في مجلس الدوما

ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

كانت تكتيكات البلاشفة في مجلس الدوما تقوم أساسا على استخدامه منبرا يمكن من خلاله ممارسة الفضح والتنديد بجرائم الملاكين العقاريين والرأسماليين ونظامهم. لكنه كان من الضروري عليهم أيضا إتقان تعقيدات الإجراءات البرلمانية حتى يتمكنوا من التدخل بأكثر الطرق فعالية. بشكل عام، لم يكن البلاشفة يدعمون أي اقتراح يطرحه الليبراليون، معتبرين أن واجبهم الرئيسي هو فضح "أصدقاء الشعب" المزيفين هؤلاء، لكنهم كانوا يواجهون في بعض الأحيان قرارات تكتيكية معقدة حول ما إذا كان جائزا أم لا التصويت لصالح مشروع قانون يتضمن تدابير قد تفيد العمال. عادة ما كانوا، في مثل تلك الحالات، يصوتون فقط لصالح أجزاء المشروع التي تعني تحسينات حقيقية لصالح العمال. أما في الحالات الأخرى فقد كانوا يصوتون بالرفض. وفي الحالات التي تكون فيها تلك التدابير التقدمية المزعومة ذات قيمة مشكوك فيها، كانوا يمتنعون عن التصويت، وهذا مثال آخر على التكتيكات المرنة. إن عدم أخذ مثل تلك الأمور في الاعتبار، والتصويت دائما ومن حيث المبدأ ضد كل اقتراح ليبرالي، كان سيحول الحزب إلى مجرد عصبة.






واجهة الطبعة الأولى الروسية لكتاب: "البلاشفة في مجلس الدوما القيصري"

يمكن إثبات التأثير الكبير الذي كان البلاشفة يتمتعون به في أوساط الجماهير من خلال مقارنة عدد النواب الذين تم انتخابهم في المقاطعات الانتخابية العمالية مع عدد الذين انتخبوا خلال مجالس الدوما السابقة. في مجلس الدوما الثاني، انتخبت مقاطعات العمال 12 من المناشفة و 11 من البلاشفة. أما في مجلس الدوما الثالث فقد كان هناك عدد متساو لكل من الفصيلين؛ بينما في مجلس الدوما الرابع تم انتخاب ستة نواب فقط، لكنهم كانوا جميعهم من البلاشفة.


«في وقت انتخابات مجلس الدوما الثاني، الذي تزامن مع مؤتمر لندن لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، كان البلاشفة هم من يشكلون الأغلبية داخل الحزب بالتأكيد؛ وفي مجلس الدوما الرابع، لم يكن هناك شك في أن البلاشفة حظوا على الأقل بدعم ثلاثة أرباع العمال الثوريين» .

كانت هناك مئات العقبات الإجرائية المصممة لمنع الاشتراكيين الديمقراطيين من الاستفادة من الدوما لأغراض ثورية. كانت الصعوبة الرئيسية هي أنه لكي يتمكنوا من طلب مسائلة الحكومة عليهم الحصول على توقيع ما لا يقل عن 33 عضوا في الدوما، في حين كانت توقيعات الفريق البرلماني الاشتراكي الديموقراطي 14 فقط، وحتى لو أضفنا إليها توقيعات الترودوفيك العشرة، فإن ذلك لم يكن يمكنهم من العدد المطلوب. نجد هنا حالة ملموسة لاتفاق عرضي مقبول وضروري مع الأحزاب الأخرى. فمن أجل تقديم طلب المسائلة كان على الاشتراكيين الديمقراطيين "اقتراض" توقيعات من الكاديت أو التقدميين.

قال باداييف:


«كانت هناك محطات تربط مختلف الأحزاب البرلمانية، بحيث أن بعض الأفراد من الكاديت والتقدميين كانوا يضيفون في بعض الأحيان توقيعاتهم إلى مطالبتنا بمسائلة الحكومة. لكن هذا كان يحدث نادرا وفي كثير من الأحيان رفضوا بشكل قاطع مساعدتنا» .

وللتغلب على هذه القيود الشاقة اضطروا إلى اللجوء إلى المناورات والحيل من أجل الالتفاف على قواعد الإجراءات البرلمانية. كانوا يلقون خطابا طويلا ينددون فيه بمختلف مظاهر الظلم ثم ينتهون بعبارة "هل الوزير على علم بذلك وما هي الخطوات التي يقترح أن يتخذها؟"، هذه الجملة الختامية التي كانت تصاحب كل مساءلة لم يكن لها معنى كبير، لأن نواب العمال كانوا يدركون تمام الإدراك أن كل حالة من حالات الاضطهاد وعنف الشرطة كانت معروفة جيدا للوزراء القيصريين وكانت تتم بمباركتهم وبموجب أوامرهم، وكانوا يعرفون مسبقا أن الوزراء لن يفعلوا شيئا لمنع مثل تلك المخالفات. كما لم يكونوا يعلقون أي أهمية على الردود التي يقدمها الوزراء. كان المغزى والهدف الوحيد لهذه المساءلات هو فضح النظام الاستبدادي وبرلمانه المزيف أمام الطبقة العاملة بأكملها ودعوة الجماهير إلى استخلاص النتائج الضرورية. وبهذه الطريقة تمكنت المجموعة البرلمانية من أن تلعب دور منبر ثوري حقيقي للشعب، وتكسر جزئيا حواجز الرقابة وتحمل رسالة الحزب إلى الملايين الذين لم يكن من الممكن إيصال الأفكار الاشتراكية لهم بطرق أخرى.

لكن حتى وإن نجح النواب الاشتراكيون الديمقراطيون في طرح مساءلاتهم فإن السلطات كانت تلجأ إلى أساليب أخرى لتقييد أنشطتهم في الغرفة. قال باداييف: «كان الرئيس يتابع بعناية خطاباتنا، في محاولة منه لتوقع ومنع كل خروج عن الموضوع الرسمي للمساءلة؛ بينما كنا نتجاهل دعواته إلى النظام ونواصل قول ما نعتبره ضروريا. انتهت معظم هذه المواجهات بفقدان رودزيانكو أو نائبه لصبرهما وإيقاف نواب العمال عن الكلام في منتصف خطبهم» . وأخيرا حتى وإن تمكنوا من طرح المسائلة حتى النهاية، فإن السلطات كانت تعمل كل ما هو ضروري لكي لا تسفر عن أي شيء:


«على الرغم من أن إحدى طلبات المسائلة تم قبولها من طرف مجلس الدوما فإن مصيرها لم يكن أفضل من مصير المساءلات الأخرى التي قدمتها كتلتنا. فعند تلقي مساءلاتنا تبدأ الوزارات المعنية في تشغيل كامل الجهاز البيروقراطي، وتعمل على "إجراء التحقيقات" و"انتظار التقارير"، وما إلى ذلك. وعندما يضيع طلب المساءلة تحت غبار المكاتب، ويفقد موضوعه راهنيته، عندها فقط يأتي الوقت لكي يقوم الوزير بواجبه الرسمي ويقدم "تفسيراته"».[4]

هذه هي الأساليب البرلمانية البرجوازية الموقرة التي لم تتغير كثيرا إلى يومنا هذا، حتى في أكثر البرلمانات "ديمقراطية".

لكن على الرغم من كل الصعوبات، نجح البلاشفة في إتقان العمل في ساحة النضال غير المألوفة تلك، واستخدموها بفعالية للدفاع عن قضية العمال. كان مفتاح الاستخدام الثوري للبرلمان في كل لحظة هو ربط عمل الكتلة البرلمانية بالنضال خارج البرلمان. لقد حافظ النواب البلاشفة في مجلس الدوما على علاقات وثيقة مع العمال خارج الدوما، حيث كانوا يسافرون إلى المناطق العمالية في جميع أنحاء روسيا، ويتحدثون في اجتماعات المصانع ويقومون بتحرير المنشورات والنداءات، ويولون اهتماما كبيرا لمظالم العمال. وفي هذا السياق يتذكر باداييف كيف حافظ على مراسلات كثيفة مع العمال:


«كنت أتلقى كل يوم مراسلات كثيرة ليس فقط من سان بيترسبورغ، بل أيضا من مدن أخرى، وكان العديد من العمال يطلبون اللقاء بي. ولكي تستمر هذه المشاورات مع الجماهير، نشرت في برافدا جدولا بساعات "الاستقبال" الخاصة بي في المنزل. كان بعض هؤلاء الزوار العديدين يأتون نيابة عن مختلف المنظمات، في حين جاء آخرون من أجل مسائل شخصية.

كانت المحادثات والرسائل تتطرق إلى كل جوانب حياة العمال. لقد تم إطلاعي على الأعمال المنجزة والمضايقات التي كانت تتعرض لها النقابات العمالية، والإضرابات والإغلاقات والبطالة وحالات القمع البوليسي الجديدة. كان يُطلب مني التوسط نيابة عن المعتقلين، كما كنت أتلقى العديد من الرسائل من المنفيين، الذين كانوا يطلبون مني تنظيم المساعدات المالية والمادية الأخرى لهم. أما من بين أولئك الذين جاءوا في مسائل شخصية، فقد طلب مني بعضهم حتى إذا كان بإمكاني مساعدتهم في العثور على عمل. وفي كثير من الأحيان جاء زوار من أجل التحدث عن مجلس الدوما وعمله والتعبير عن رغباتهم وتقديم المشورة.

كان من الضروري الرد على جميع الرسائل على الفور والتعامل مع الطلبات. وكان علي، في عدد من الحالات، أن أبدأ في تقديم ملتمسات وإجراء مفاوضات مع مختلف المؤسسات الحكومية. كان كل هذا يستغرق وقتا طويلا، وكان يشغل يومي بالكامل حتى قبل افتتاح أشغال مجلس الدوما».[5]

كان من الواضح منذ البداية أن هذا الدوما ينعقد في جو مختلف تماما عن الأجواء السابقة، ففي اليوم الذي افتتح فيه أشغاله كانت موجة ضخمة من الإضرابات تجتاح روسيا. ويتذكر باداييف المشهد في بيترسبورغ قائلا:


«حوالي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، ظهر حشد من هؤلاء العمال والطلاب في شارع كيروشنايا، وهم ينشدون أغاني ثورية ويحملون راية حمراء بحجم منديل يد تقريبا، مكتوب عليها شعار: "فليسقط الحكم الفردي"، خرجوا من شارع ليتيني وذهبوا نحو شارع نيفسكي. وفي ملتقى شوارع ليتيني وباسينايا وسيميونوفسكايا قام رجال الشرطة بتفريق المتظاهرين، والتقطوا الراية من الرصيف حيث تجمع الحشد واعتقلوا حاملها».[6]

هوامش:


1: Badayev, Bolsheviks in the Tsarist Duma, 33-34.

2: Ibid., 61.

3: Ibid., 61.

4: Ibid., 90–91.

5: Ibid., 41–42.

6: Ibid., 52–53.