القدح في الشيوعية و التزلّف للإمبريالية - تزييف سلافوج تزتزاك للحقائق و جلبه العار لنفسه - الفصل الرابع من الكتاب 29 - دفاعا عن الشيوعية الثوريّة و تطويرها


شادي الشماوي
2018 / 5 / 24 - 11:06     

القدح في الشيوعية و التزلّف للإمبريالية - تزييف سلافوج تزتزاك للحقائق و جلبه العار لنفسه

الفصل الرابع من الكتاب 29 - دفاعا عن الشيوعية الثوريّة و تطويرها

ضد مايكل هاردت ، أنطونيو نغرى، ألان باديو، سلافوج تزتزاك و برنار دى مالو


الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 29 / جانفى 2018
شادي الشماوي

دفاعا عن الشيوعية الثوريّة و تطويرها

ضد مايكل هاردت ، أنطونيو نغرى، ألان باديو، سلافوج تزتزاك و برنار دى مالو

-------------------------------

( ملاحظة : الكتاب متوفّر للتنزيل بنسخة بى دي أف من مكتبة الحوار المتمدّن)
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
المقدمّة :
في العالم الراهن و في أيّامنا هذه ، أكثر من أيّ زمن مضى ، ينبغي على الماركسيّين الحقيقيين و الماركسيّات الحقيقيّات أن لا يكونوا إشتراكيين و إشتراكيّات و إنّما شيوعيين و شيوعيّات فهدف الماركسيّة و غايتها الأسمى ليست إلاّ الشيوعيّة على النطاق العالمي . هدف الشيوعيين و الشيوعيات الحقيقيين و ليس المزيّفين ، متبنّي الشيوعية كعلم الساعين جهدهم لإستخدام هذا العلم لبلوغ الهدف الأسمى : تحقيق المجتمع الشيوعي العالمي الخالى من الطبقات و تحرير الإنسانيّة قاطبة من جميع أصناف الإستغلال و الإضطهاد القومي و الطبقي و الجندري على كوكب الأرض برمّته ؛ و ليس الإشتراكية مفهومة كغاية أسمى بالنسبة لأنواع من الإشتراكيين الديمقراطيين و محرّفى الشيوعيّة فيما هي لا تعدو أن تكون في الواقع رأسماليّة بمساحيق مزوّقة ببعض الإجراءات الإجتماعيّة .
الإشتراكيّة من وجهة النظر الماركسيّة مغايرة لذلك الفهم الإشتراكي الديمقراطي أو التحريفي ؛ إنّما ، وهي وليدة الثورة الإشتراكيّة ، هي مكوّنة من أضلع ثلاث متكاملة كالمثلّث أو الهرم و قاعدتها أنّها أوّلا و قبل كلّ شيء مرحلة إنتقاليّة بين الرأسماليّة و الشيوعيّة كما حدّدها ماركس و شدّد على إبراز ذلك التحديد لينين في " الدولة و الثورة " . و الإشتراكية ثانيا نمط إنتاج له ميزاته و يسعى إلى خدمة مصالح البروليتاريا و أوسع الجماهير الشعبيّة و تجاوز بقايا الرأسماليّة و إرساء أسس المجتمع الشيوعي في البنية الفوقيّة و البنية التحتيّة للمرور إلى تكريس من " كلّ حسب عمله " المميّز للمرحلة الإشتراكية إلى " كلّ حسب حاجياته " كشعار معبّر عن فحوى المجتمع الشيوعي و يسعى طبعا إلى مدّ يد المساعدة للثورة البروليتاريّة العالمية. و الإشتراكية فضلا عن ذلك دولة دكتاتوريّة البروليتاريا أي دولة تحت قيادة البروليتاريا و حزبها الشيوعي الثوري بالتحالف مع الطبقات و الفئات الشعبيّة وهي تمارس الديمقراطية البروليتاريّة أي الديمقراطية فى صفوف الشعب و الدكتاتوريّة ضد أعداء الشعب و الثورة الشيوعية .
ماركسيّا ، الإشتراكيّة إذن مجتمع طبقي إنتقالي بين الرأسماليّة و الشيوعيّة و الشيوعيون و الشيوعيّات الحقيقيّين ليس هدفهم الأسمى الإشتراكية كمجتمع طبقي و إنّما هو تجاوز حتّى هذه الإشتراكية وليدة الثورة الإشتراكية الضرورية و المرغوب فيها ، نحو الشيوعية على الصعيد العالمي . على طول المرحلة الإشراكية الإنتقاليّة ، تظلّ هناك طبقات و يظلّ هناك صراع طبقي يتّخذ شكل صراع بين الطريق الرأسمالي من جهة ( و له قاعدته الماديّة و الفكريّة في المجتمع الإشتراكي ليس هنا مجال الخوض فيها ، و من يرنو لدراسة المسألة فعليه / عليها بكتاب بوب أفاكيان" المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " ، لا سيما الفصل المتعلّق بنظريّة و ممارسة مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا ، وهو متوفّر بالعربيّة بمكتبة موقع الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي ) و الطريق الإشتراكي الساعى إلى تخطّى بقايا الرأسماليّة و ما يفرزه المجتمع الإنتقالي في قاعدته الماديّة و الفكرية و محاصرة " الحق البرجوازي " في التوزيع إلى أبعد حدّ ممكن في كلّ مرّة ، و إلى بناء نمط إنتاج بملكيّة و علاقات إنتاج و علاقات توزيع تعالج تدريجيّا لكن بلا هوادة أهمّ التناقضات المولّدة للطبقات و المجتمع الطبقي و نقصد تلك بين العمّال و الفلاّحين و بين الأرياف و المدن و بين العمل الفكري و العمل اليدوي و بين النساء و الرجال .
و بالتالى ، تحتمل الإشتراكية بما هي مرحلة إنتقاليّة مديدة كما تبيّن ذلك التجربة التاريخيّة للثورة البروليتاريّة العالميّة و المجتمعات الإشتراكية لا سيما في الإتّحاد السوفياتي بين 1917 و 1956 و في الصين بين 1949 و 1976 و كما لخّص ذلك ماو تسى تونغ ، إمكانيّتين : التقدّم نحو الشيوعيّة و نقيضها إعادة تركيز الرأسماليّة . لهذا و لما تقدّم أعلاه ولأنّ الإشتراكية دولة طبقيّة و مرحلة إنتقاليّة في حين أنّ الشيوعيّة الهدف الأسمى مجتمع تكون فيه الطبقات و الدول قد إضمحلّت و يطبّق فيه " كلّ حسب حاجياته " تماما و على نطاق عالمي ، ينبغي على الشيوعيين و الشيوعيات الحقيقيين أن لا يكونوا إشتراكيين و إشتراكيات و إنّما ينبغي عليهم أن يكونوا شيوعيين و شيوعيات .
منذ تأسيس علم الشيوعيّة ، في " بيان الحزب الشيوعي " ، نقد مؤسّسو هذا العلم نقدا لاذعا ضروبا مختلفة من " الإشتراكيّة الرجعيّة " ؛ من " الإشتراكيّة الإقطاعيّة " إلى " الإشتراكيّة المحافظة أو البرجوازيّة " مرورا ب " الإشتراكيّة البرجوازيّة الصغيرة ". و أعلنا بلا مراء و لا لفّ و دوران : " إنّ الثورة الشيوعيّة تقطع من الأساس كلّ رابطة مع علاقات الملكيّة التقليديّة ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطوّرها ، كلّ رابطة مع الأفكار و الآراء التقليديّة ." و لاحقا ، طوّر ماركس ما أضحى الماويّون منذ عقود عدّة يطلقون عليه " الكلّ الأربعة " كتجسيد واضح و جلي لما تعنيه الثورة الشيوعية :
" هذه الإشتراكية إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتورية الطبقية للبروليتاريا كنقطة ضروريّة للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقيّة ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعيّة التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ".
( كارل ماركس : " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 ).
و من اليسير على من لا ينظر من ثقب إبرة ، من اليسير على العين الفاحصة الناقدة و التي تتحلّى بالصرامة العلمية في البحث لتشعل شمعا للحقيقة و تفضح ما تظلّله شجرة الكذب أن ترصد أنّه على الصعيد العربي ، عقب خسارة الصين الماويّة كقلعة للثورة البروليتارية العالمية منذ أواسط سبعينات القرن الماضي و خضوعا لضغط الهجوم الإمبريالي - الرجعي على الشيوعية خاصة منذ أواخر ثمانينات القرن العشرين و تذبذب البرجوازية الصغيرة و تراجع تألّق و توهّج النضالات الثوريّة بقيادة شيوعية و تنامى القوى الفاشيّة ذات المرجعيّة الأصوليّة الدينيّة ، بات الكثير من الشيوعيين سابقا أو الشيوعيين قولا فحسب يحدّدون هويّتهم و غايتهم الأسمى على أنّها الإشتراكية و يحدّدون مرجعيتّهم على أنّها الإشتراكية العلمية أو البلشفيّة . و نظرا لكون مجال هذه المقدّمة لا يسمح بالتوغّل في نقاش تفاصيل و مراجع كلاسيكيّة و غير كلاسيكيّة ، نحيل القرّاء على جدالات شيّقة لناظم الماوي بهذا الصدد على صفحات الحوار المتمدّن و بمكتبته ، لا سيما منها تلك التي وردت في كتابه " نقد ماركسية سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعية اليوم، الخلاصة الجديدة للشيوعية " و تحديدا في النقطة السادسة من الفصل الأوّل و عنوانها " خطّان متعارضان في فهم الإشتراكيّة " .
و في نفس السياق ، ينبغي على الشيوعيّين الحقيقيّين و الشيوعيّات الحقيقيّات ألاّ يكونوا ديمقراطيين برجوازيين فيصيروا من خدم الرجعيّة ، إصلاحيين يساعفون في تأبيد الوضع السائد فالديمقراطية البرجوازية في أفضل تجلّياتها في البلدان الإمبريالية أفضت تاريخيّا إلى الفظائع التي إرتكبتها القوى الإمبريالية في بلدانها و عالميّا و لا نظنّ أنّنا في حاجة إلى أمثلة و قرائن لإثبات ذلك فهي متوفّرة للعيان يوميّا ، لا بل كلّ ساعة من كلّ يوم عبر العالم قاطبة . هكذا كانت و لا تزال الديمقراطية البرجوازية في البلدان الإمبريالية فما بالك بها في المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات حيث تتّخذ شكل ما يسمّيه البعض ديمقراطية الإستعمار الجديد . و يكفى الإلتفات يمنة و يسرة للتأكّد من تبعاتها على الجماهير الشعبيّة ، هذا طبعا إن لم نكن كالأعمى بعيون أمريكيّة أو عيون برجوازيّة كمبرادوريّة أو حتّى عيون برجوازيّة صغيرة. و عليه من أوكد واجباتنا الشيوعيّة أن نضع حدّا للهراء الخيالي عن " الديمقراطيّة الخالصة " و الشكلانيّة البرجوازيّة.
و لا ينبغي على الشيوعيّين و الشيوعيات الحقيقيين أن يكونوا ديمقراطيين و لا حتّى ديمقراطيين بروليتاريين فالديمقراطية طبقيّة دائما وهي شكل للدولة الطبقيّة التي يرمى المشروع الشيوعي إلى تجاوزها ببلوغ المجتمع الشيوعي الخالى من الطبقات حيث تضمحلّ الدولة كجهاز قمع طبقة أو طبقات لطبقة أو طبقات أخرى و قد أجلى لينين المسألة في مؤلّفه الذى تعرّض لتحريفات و تشويهات جمّة ، " الدولة و الثورة " . و مسألة الدولة مركزيّة في الصراع بين الماركسية الحقيقيّة و الماركسيّة الزائفة ( و غيرها من التيّارات الرجعيّة ) أو التحريفيّة . الديمقراطيّة شأنها شأن الإشتراكية شكل إنتقالي للحكم الطبقي حتّى و إن كانت شعبية أو بروليتاريّة و هي بالتأكيد ليست الغاية الأسمى للشيوعيين و الشيوعيّات و لا يجب أن تحلّ محلّ غايتهم الأسمى ، المجتمع الشيوعي على الصعيد العالمي .
و لزاما على الشيوعيين و الشيوعيات الحقيقيين أن يتركوا الضفّة الإصلاحيّة و ثلّة المثقّفين المنبهرين و المفتونين ب " الديمقراطيّة الخالصة " و الذين ما إنفكّوا يكيلون المدائح المرسلة لها مضلّلين الجماهير الشعبيّة ، و يعبروا إلى الضفّة الأخرى ، ضفّة الشيوعيّة الثوريّة كي يورق و يزهر الشجر و يرسخ علم الشيوعية كسلاح يقود تمكين الشعوب و على رأسها البروليتاريا و حزبها الشيوعي الثوري من صنع التاريخ و كسر الحجر، حجر الإستغلال و الإضطهاد الجاثم على صدر الغالبيّة الغالبة للإنسانيّة و خانق أنفاسها . لا ينبغي أن يغيب الهدف الأسمى الشيوعي عن أنظار الشيوعيات و الشيوعيين و لا لحظة واحدة ، ينبغي أن يكون حاضرا في برنامجهم الأقصى و إستراتيجيّتهم و سياساتهم و أشكال نضالهم و تنظيمهم كما يجب أن تخدم التكتيكات المتوخّات في نهاية المطاف هذا الهدف الأسمى ؛ لا يجب أن يبتلع التكتيك الإستراتيجيا نهائيّا . هدفنا الأسمى الشيوعي هو البوصلة التي إن أضعناها أضعنا الطريق المؤدّية إلى تحرير الإنسانيّة و تدحرجنا عن وعي أو لا وعي إلى الإنخراط في مشاريع إصلاحيّة من هذا الطراز أو ذاك.
و في مقال سابق لنا نشر كمقدّمة لكتابنا الثاني أو للعدد الثاني من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " المعنون ب" عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن ، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله !!! "( مكتبة الحوار المتمدّن ) ، شرحنا بإقتضاب إعتمادا على أمثلة ملموسة ثمّ لخّصنا كيف أنّ :
" المشاريع القومية و السلفية لم تحدث و لا تحدث قطيعة جذرية مع النظام الإمبريالي العالمي بل هي بدائله ( الأصوليون السلفيون ) أو هي قوى تتحّول تحت الضغط الإمبريالي و تصاعد النضال الشعبي من قوى وطنية إلى قوى برجوازية كمبرادورية تصبح جزءا لا يتجزأ من دولة الإستعمار الجديد فى أشباه المستعمرات . و مرّة أخرى تسطع حقيقة شدّد عليها ماو تسى تونغ منذ 1939 هي أن " الثورة البرجوازية القديمة قد دخلت حقيبة التاريخ . " فقد قال في " حول الديمقراطيّة الجديدة " :
" هنالك نوعين من الثورة العالمية : النوع الأوّل ينتسب إلى الثورة العالمية من النمط البرجوازي أو الرأسمالي . و لقد إنقضى عهده منذ زمن طويل ، إذ إنتهى حين إندلعت الحرب الإمبريالية العالمية الأولى عام 1914 ، و على وجه الدقّة منذ ثورة أكتوبر الروسية 1917 و حينذاك بدأ النوع الثاني ، ألا وهو الثورة العالمية الإشتراكية البروليتارية " .
و بناء على ما تقدّم ، في طيّاته يحمل هذا الكتاب الجديد بمناسبة الذكرى 160( 1848- 2018 ) لصدور " بيان الحزب الشيوعي " عنوانا معبّرا هو " دفاعا عن الشيوعيّة ..." و ليس دفاعا عن الإشتراكيّة سواء كرأسماليّة مقنّعة أم كمرحلة إنتقاليّة بين الرأسماليّة و الشيوعيّة ( أو كإشتراكيّة علميّة في تناقض مع الإشتراكية الطوباويّة ) . و فضلا عن ذلك ، إنطلاقا من العنوان ، لا يتعلّق الأمر بالشيوعيّة كقناع يتقنّع به محرّفو علم الشيوعيّة ، التحريفيّون بشتّى مشاربهم ، في الوقت الذى يفرغونها من مضامينها و أساليبها الثوريّة ليحشوها حشوا بالفعل بأرهاط من الإصلاحيّة و الديمقراطية البرجوازية الإمبريالية أو الإستعماريّة و الشوفينيّة القوميّة.
الماركسيّة أو الشيوعيّة كعلم ثوريّة كما يتبيّن ذلك منذ " بيان الحزب الشيوعي " ذاته فهي مرّة أخرى " تقطع من الأساس كلّ رابطة مع علاقات الملكيّة التقليديّة ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطوّرها ، كلّ رابطة مع الأفكار و الآراء التقليديّة ."
و من هنا يفهم لماذا لم نكتف في العنوان بالدفاع فحسب عن الشيوعيّة التي تعرّضت لإفتراءات و تشويهات جمّة على يد الإمبرياليين و الرجعيين و التحريفيين عبر العالم قاطبة ، بل أضفنا إليها نعت الثوريّة . قبل سنوات و عند إلقاء نظرة على بعض صفحات شبكة التواصل الاجتماعي ، إستوقفتنا جملة خطّها على صورة حسابه الفيسبوكي ناشط على الفايسبوك آنذاك لا ننسى فضله في المساهمة في التعريف بمقالاتنا و كتبنا ، ألا وهي جملة " الماركسيّة ثوريّة أو لا تكون " ما يفيد قنصه لحقيقة عميقة غاية العمق ففعلا هي كذلك ؛ الشيوعيّة ثوريّة أو لا تكون ، ثوريّة أو تتحوّل إلى مسخ من الإيديولوجيا المشوّهة التي تنضاف إلى ترسانة الرجعيّة العالميّة في تأبيد النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي و تأبيد إضطهاد و إستغلال الطبقات الشعبيّة المشكّلة لغالبيّة الإنسانيّة و سحقها .
و لأنّ التحريفيّة نقيض للشيوعية الثوريّة وهي كإنحراف يميني بمعنى ما ملازمة للشيوعيّة كعلم ، يترتّب على الشيوعيين و الشيوعيات الحقيقيين مقاتلتها بلا هوادة و إلاّ سقطوا في أحابيلها و أمسوا عن وعي أو عن غير وعي من أعداء الشيوعيّة الثوريّة و خدما للإمبريالية و الرجعيّة بشكل من الأشكال . و يساوى عدم تولّى النهوض بواجب الدفاع عن الشيوعيّة الثوريّة و نقد التحريفيّة الإلتحاق آجلا أم عاجلا و أردنا ذلك أم أبينا ، بأعداء القيام بالثورة الشيوعيّة و تحرير الإنسانيّة و الهدف الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي .
و لم يقف العنوان عند الدفاع عن الشيوعيّة الثوريّة فحسب بل تعدّاه إلى الدفاع عن تطويرها . و هنا نسلّط الضوء على نقيض آخر ملازم أيضا للشيوعيّة كعلم ألا وهو الدغمائيّة أو الجمود العقائدي بما هي إنحراف يساري قد يتحوّل و قد تحوّل في أحيان كثيرة إلى تحريفية أو دغمائيّة تحريفيّة . فهي تنظر إلى الشيوعيّة على أنّها قالب جامد بينما علم الشيوعية ككلّ علم يتطوّر بنقد ذاته و بتطوّر ممارسته و تطبيقه و بالتفاعل مع المستجدّات في شتّى الحقول و بالإكتشافات في مختلف مجالات الإنسانيّة الأخرى . و لطالما صارع الماركسيّون – اللينينيّون – الماويّون في العقود الأخيرة الدغمائيّين من مدعى الشيوعيّة الذين جعلوا من ستالين أيقونة لا تقبل النقد و من تجربة البلاشفة نموذجا لا يطاله إعمال الفكر النقدي و بجرّة قلم ألغوا التجربة الإشتراكية في الصين الماويّة إلخ و كان على رأس هؤلاء الخوجيون بمختلف ألوانهم . و يحنّط الدغمائيّون التحريفيّون الخوجيّون تجربة البروليتاريا العالميّة في الإتّحاد السوفياتي فلا يجرون التقييم الضروري بالتحليل و التلخيص العلميين لإبراز المكاسب و الدفاع عنها دفاعا مبدئيّا و صلبا و مصمّما و كشف الأخطاء و نقدها و فهم منابعها و إنعكاساتها و طرح تجاوزها لإنجاز ما هو أفضل مستقبلا . و بهكذا سلوك يقف هؤلاء الدغمائيّين ضد لينين و ستالين ذاتهما و المنهج الجدلي و تطبيق التقييم العلمي كما يقفون صراحة ضد ما نادى به ماركس عندما صرّح بأنّ الثورات الإشتراكيّة " تنتقد ذاتها على الدوام ، و تقاطع نفسها بصورة متواصلة أثناء سيرها ، و تعود ثانية إلى ما بدا أنّها أنجزته لتبدأ فيه من جديد ، و تسخر من نواقص محاولاتها الأولى و نقاط ضعفها و تفاهاتها بإستقصاء لا رحمة فيه ، و يبدو أنّها تطرح عدوّها أرضا لا لشيء إلاّ ليتمكّن من أن يستمدّ قوّة جديدة من الأرض و ينهض ثانية أمامها وهو أشدّ عتوّا ، و تنكص المرّة تلو المرّة أمام ما تتصف به أهدافها من ضخامة غير واضحة المعالم ، و ذلك إلى أن ينشأ وضع جديد يجعل أي رجوع إلى الوراء مستحيلا و تصرخ الحياة نفسها قائلة بصرامة : هنا الوردة ، فلترقص هنا ! "
( كارل ماركس ، " الثامن عشر من برومير لويس بونابرت " )
و غالبا ما يرفع الدغمائيّون ( و التحريفيّون ) الأخطاء المقترفة لنقص في فهم و تطبيق المنهج المادي الجدلي أو في التجربة أو لظروف تاريخيّة ، إلى مبادئ مناهضة لأهمّ المكاسب التاريخيّة و القطيعة مع الأخطاء و الإضافات والتطويرات الحاسمة للشيوعيّة الثوريّة التي ليس بوسعها كعلم و ككلّ علم إلاّ أن تتطوّر و إلاّ سيتهدّدها الموت و ستعاجلها المنيّة . و في الواقع الموضوعي للصراع الطبقي ، شاهدنا تحوّل الكثير من هؤلا الدغمائيّين إيديولوجيّا من الإنحراف اليساري إلى الإنحراف اليميني أي إلى التحريفيّة و سياسيّا إلى الإصلاحيّة متبنّين بدلا من الشيوعيّة الثوريّة و عمليّا مكرّسين أشخاصا و منظّمات و أحزاب الديمقراطيّة البرجوازيّة و منافحين بشكل أو آخر عن الإمبرياليّة و الرجعيّة و تأبيد الوضع السائد الساحق للطبقات الشعبيّة و مثل هؤلاء مبثوثون في الأقطار العربيّة و عبر العالم بأسره و يمثّلون الخطّ السائد صلب الحركة الشيوعيّة العالميّة .
و لسوء الحظّ ، نخر مرض الدغمائيّة المناهضة لتطوير علم الثورة البروليتارية العالميّة ، الماركسية – اللينينية – الماويّة ، صفوف حتّى الماويين عالميّا إذ إنبرى منذ سنوات الآن قسم منهم ليوقف تطوّر هذا العلم عند التجربة الماويّة في الصين و يناهض إضافات الشيوعيين الثوريين عبر العالم منذ أواسط السبعينات ، عقب وفاة ماو و حدوث الإنقلاب التحريفي و إستيلاء البرجوازيّة الجديدة على مقاليد الحكم هناك بصعود التحريفيّة إلى السلطة و مضيّها في إعادة تركيز الرأسماليّة هناك . و الأدهى أنّهم لم ينجزوا التقييم العلمي المطلوب ، من منظور شيوعي ثوري ، لتلك التجربة و طفقوا يعلون راية حتّى ما تبيّن بحكم تطوّر الأحداث و الواقع أو بالتحليل العلمي و المبدئي أنّها أخطاء و رفعوها هم أيضا إلى مصاف المبادئ فألحقوا ضررا ما بعده ضرر بالشيوعية الثوريّة ذاتها .
و قد أفرز إنقسام الماويّة على إثنين بروز أشخاص و منظّمات و أحزاب تكتّلت حول الخلاصة الجديدة للشيوعيّة التي صارت معروفة كذلك بالشيوعيّة الجديدة و بوب أفاكيان رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة مهندسها . و بإعتبار نشرنا سابقا لعديد الوثائق المتّصلة بهذه الشيوعية الجديدة و بالصراعات حولها ، نكتفى هنا بالدعوة بإلحاح للإنكباب على دراسة هذه الخلاصة الجديدة للشيوعيّة و الصراع حولها دراسة جدّية فنحن ندرك و نلمس فعلا حقيقة موضوعيّة هي أنّ الشيوعية في مفترق طرق و أنّ الرهان ليس أقلّ من مستقبل الشيوعيّة الثوريّة عالميّا .
و ما نخطّه هنا ليس البتّة مجرد كلام على كلام و قول يحاذى القول و إنّما هو قبل كلّ شيء سواه صدى لحقائق كشف النقاب عنها و أمسك بها كما يمسك بالجمر معلّمو البروليتاريا العالمية منذ عقود و من واجب الشيوعيين و الشيوعيّات إدراكها و إستيعابها و النضال إنطلاقا منها و على أساسها في سبيل تغيير العالم تغييرا شيوعيّا ثوريّا . و حسبنا هنا أن نذكّر بأنّ ماركس بعدُ في " الثامن عشر من برومير لويس بونابرت " قد أعلن أنّه على الثورات القادمة - القرن التاسع عشر قال ، و نحن الآن في القرن الواحد و العشرين ! - أن ترفع النظر و لا تخفضه ، أن ترفعه و تستلهم ليس من الماضي الذى يجب أن تقضي على كلّ " إحترام خرافي " له و إنّما من " المستقبل فحسب ". و في عصرنا هذا ، عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكية ، مفاد ذلك ليس تخلّى الشيوعيين و الشيوعيّات عن تراث الحركة الشيوعية العالمية الذى يمثّل المستقبل الذى مني بالهزيمة المؤقّتة في صراعه المرير و حربه المديدة مع الماضى كما ألمح إلى ذلك ماركس في إستشهاد من الإستشهادات أعلاه ، و هذا التراث البروليتاري الثوري ينبغي أن يدرس و أن تستخلص منه الدروس و العبر لإنجاز ما أفضل في قادم الثورات الشيوعية ؛ مفاده هو كما قال ماو تسى تونغ في ما مرّ بنا أنّ الثورات البرجوازيّة القديمة فات أوانها ( الديمقراطية الإشتراكية و الديمقراطيّة البرجوازيّة فات أوانهما فما بالك بالقوميّة و الأصوليّة ! ) و أنّ المستقبل تجسّده الثورة الديمقراطية الجديدة بقيادة البروليتاريا و حزبها الشيوعي الثوري في المستعمرات و المستعمرات الجدية و أشباه المستعمرات كتيّار من تيّاري الثورة البروليتاريّة العالمية و التيّار الآخر هو الثورات الإشتراكية في البلدان الرأسماليّة – الإمبرياليّة .
جاء على لسان ماركس منذ 1852 ، في مؤلَّفه الآنف الذكر ( الصفحة 155 من ، ماركس و إنجلس " مختارات في أربعة أجزاء "، الجزء الأوّل ، الطبعة العربيّة دار التقدّم ، موسكو ) :
" إنّ ثورة القرن التاسع عشر الإجتماعيّة لا يسعها أن تستمدّ أشعارها من الماضي بل من المستقبل فحسب . إنّها لا تستطيع أن تبدأ بتنفيذ مهمّتها قبل أن تقضي على كلّ إحترام خرافي للماضي . لقد كانت الثورات السابقة في حاجة إلى إستعادة ذكريات ما مضى من حوادث تاريخ العالم لكي تخدع نفسها بشأن محتواها هي بالذات ، أمّا ثورة القرن التاسع عشر فيترتّب عليها لكي تستوضح لنفسها محتواها الخاص أن تدع الموتى يدفنون موتاهم ".
و كرّس إنجلز و لينين و ستالين هذا التوجّه الماركسي الشيوعي الثوري الذى أعطى أكله تقدّما لا بل منعرجا عاصفا في تاريخ الإنسانيّة بمكاسبه العظيمة وهي جانبه الرئيسي و بنقائصه و هناته و أخطائه وهي جانبه الثانوي . و صدح ماوتسى تونغ مواصلا السير على خطاهم المبدئيّة بحقيقة ساطعة حمل وزرها على أكتافه و سعى طاقته و رفاقه و رفيقاته من جميع أصقاع العالم ، و ما فتأ يدعو و ما فتئوا يدعون ، إلى تكريسها عمليّا ألا وهي " الماركسية لا بدّ أن تتقدّم ، و لا بدّ أن تتطوّر مع تطوّر التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكفّ عن التقدّم . فإذا توقّفت عن التقدّم و ظلّت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطوّر فقدت حياتها " .
( ماو تسي تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية " 12 مارس/ أذار 1957 " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص21-22 )
و ينطوى العنوان الفرعي لكتابنا هذا على تحديد دقيق لمن يتمّ الجدال ضدّهم و هم مفكّرون جلّهم أكاديميّون يزعم بعضهم صراحة مناهضة الرأسماليّة و حتّى أحيانا تبنّى الشيوعية و منهم من ناضل في ماضي الأيّام في صفوف الماويين ( مثلا ، ألان باديو الفرنسيّ ) فيما هم يعرضون على القرّاء منظومات أفكار ضارة في جوهرها معادية للشيوعيّة الثوريّة كما يكشف ذلك النقاش العميق و الحيوي لأمّهات أطروحاتهم .
و في مناسبات متفرّقة ، قد تولّى مسؤوليّة خوض هذا الحانب من المعركة الإيديولوجيّة الضروريّة و فضح لبّ هذه الأطروحات المشوّهة للشيوعيّة الثوريّة ، الأطروحات " الشيوعيّة دون ثورة " و الموضوعات الخافضة للنظر و التي لا تمثّل أصلا بديلا للرأسماليّة و لا تستهدف " إلغاء نظام العمل المأجور " و المشوّهة لجوهر الماويّة و المتنكّرة لتطوير علم الشيوعيّة إلخ ، تولّى هذه المسؤوليّة الجسيمة أساسا ( بمعيّة نايى دنيا في الكتاب المفرد لنقد أفكار ألان باديو ) منظّران شيوعيّان معروفان في الأوساط الماوية العالميّة من أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية أو الشيوعيّة الجديدة و هما كلّ من ك. ج. أ. و ريموند لوتا . و الأوّل ، ك. ج. أ، حسب موقع مجلّة " تمايزات " ، مجلّة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة و رابطها على الأنترنت تعثرون عليه في ثنايا هذا الكتاب ، كاتب يساهم بمقالات عميقة و طويلة نسبيّا بمفرده أو بالتعاون مع غيره في أعداد المجلّة ( ساهم في العدد الأوّل و الثاني و الرابع بمقالات قيّمة ) و قد ترجمنا له و نشرنا مقال خطّه بمعيّة إشاك باران هو " آجيث – صورة لبقايا الماضي " ضمن كتابنا " من ردود أنصر الخلاصة الجديدة للشيوعية على مقال " ضد الأفاكيانيّة " لآجيث ".
أمّا ريموند لوتا فقد أنف لنا ترجمة أعمال له و نشرها و جاء فى التعريف المقتضب به في مقدّمة كتاب " عن بوب أفاكيان و أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية تحدّث قادة من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة " :
" أمّا ريموند لوتا فلا شكّ فى أنّ المطّلعين على ما أصدرنا من كتب قد عرفوه لا سيما و قد إنطوى الكتاب 23 على حواره الصحفي المعنون " لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون " ... الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرير : تاريخها و مستقبلنا ". و ريموند لوتا عالم إقتصاد ألّف المقالات فى هذا المجال منذ سبعينات القرن العشرين و مثال ذلك مقال " حول الرؤية المنشفيّة للأزمة : الرأسمالية تعمل فى النهاية " المتوفّر على الرابط التالي :
http://bannedthought.net/USA/RCP/TheCommunist/TheCommunist-RCP-04-Summer-Fall1978.pdf
و ساهم بمقالات فى مجلّة الحركة الأممية الثوريّة " عالم نربحه " منها مثلا :
- " عن ديناميكيّة الإمبريالية و عرقلة التطوّر الإجتماعي "
http://bannedthought.net/International/RIM/AWTW/1985-2/index.htm
- " التمرّد فى الصين : أزمة التحريفية ...أو لماذا كان ماو تسى تونغ على صواب "
http://bannedthought.net/International/RIM/AWTW/1989-14/AWTW-14-ChinaCrisis-
وهو صاحب كتاب " إنهيار أمريكا " ألّفه بمعيّة فرانك شانون و كتاب " و خامسهم ماو " و له مقالات لا تحصى و لا تعدّ عن الإشتراكية والتخطيط و العولمة إلخ و من أهمّ نصوص محاضراته التى نشرنا نصّ محاضرة " الإشتراكية أفضل من الرأسمالية و الشيوعية ستكون أفضل حتى ! " ( " الماوية : نظريّة و ممارسة " عدد 2 - عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن ، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله !!! ) . و لأكثر من عقد من الزمن الآن ، صار مشرفا أيضا على مشروع " وضع الأمور فى نصابها " أي الدفاع عن الشيوعية فى وجه الهجمات الرجعيّة والإمبريالية و توضيح الحقائق و المكاسب التاريخية – وهي الرئيسيّة – فى تراث البروليتاريا العالمي و تجاربها الإشتراكية السابقة و نقد بعض الأخطاء متّبعا فى ذلك كما يقول هو نفسه قيادة بوب أفاكيان و مطبّقا ما توصّلت إليه الخلاصة الجديدة للشيوعية . و موقع إنترنت " هذه هي الشيوعية " يشهد بذلك :
www.thisiscommunism.org " .
و متّبعين في عرض النصوص المستقاة من مجلّة " عالم نربحه " مجلّة الحركة الأممية الثوريّة كمنظّمة عالميّة وحّدت إلى 2006 أهمّ الأحزاب و المنظّمات الماويّة في العالم ، أو من مجلّة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة " تمايزات " أو من جريدة هذا الحزب عينه " العامل الثوري " التي صارت منذ 2005 تحمل إسم " الثورة " ، ترتيبا تاريخيّا . و مهّدنا لجدالات هذا المصنّف الجديد الدسمة بفصل أوّل يعاد فيه التذكير بقصّة " بيان الحزب الشيوعي" و نقاطه المحوريّة التي لا تزال تشكّل منارات لمن يتطلّع لإدراك أوجه من جوهر المشروع الشيوعي الثوريّ . و قد شملت النقاشات التي تستدعى لا محالة القراءة و التفحّص بتؤدة و تمعّن و التأملّ مليّا و التحلّى بالفكر النقديّ قضايا إيديولوجيّة منها و سياسيّة عدّة في غاية الأهمّية تتعلّق بالتغيّرات التي طرأت على الواقع الموضوعي و بالتجربة التاريخيّة للحركة الشيوعيّة العالميّة و بماهيّة الماويّة و إنقسامها إلى إثنين و نحو ذلك مثلما يمكن للقرّاء تبيّن هذا حتّى من نظرة أولى على محتويات هذا المصنّف .
و محتويات هذا الكتاب 29 ، أو العدد 29 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " إضافة إلى هذه المقدّمة :
1- الفصل الأوّل : لا يزال " بيان الحزب الشيوعي " صحيحا و خطيرا و أمل الذين لا أمل لهم
-1- قصّة " بيان الحزب الشيوعي "
- منظّمة شيوعيّة جديدة ، بيان شيوعي جديد
سلاح لخوض النضال -
بيان من أجل حركة عالميّة جديدة -
-2- " بيان الحزب الشيوعي " اليوم لا يزال صحيحا و لا يزال خطيرا و لا يزال أمل الذين لا أمل لهم
- وثيقة تغيّر التاريخ
- ماركس بشأن صعود البرجوازية و مهمّتها
- الرأسماليّة اليوم
- عالم مغاير ممكن
- النظرة الشيوعية
- معالم ثلاث لقضيّتنا
- الثورة الثقافيّة تكتسح أرضا جديدة
- إمتلاك أفق تاريخي
2- الفصل الثاني : حول " الإمبراطوريّة " : الشيوعية الثوريّة أم " الشيوعية " دون ثورة ؟
I- الإمبريالية أم " الإمبراطوريّة " ؟
II ـ ما هي الرأسماليّة ؟
- ما الذى يدفع الإمبريالية إلى الأمام ؟
- قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج
- ما الذى يدفع ماذا ؟
- إعادة إحياء نظريّة روزا لكسمبورغ
- سيادة وحيدة ؟
III- التحرّر الوطني و الدولة
- الإمبرياليّة و أنماط الإنتاج ما قبل الرأسماليّة
- التحرّر الوطني ـ لا يزال مهمّة من مهام البروليتاريا
- تواصل أهمّية الفلاّحين و المسألة الزراعيّة
– قانون القيمة و " العمل غير المادي " IV
- تحليل طبقي مضطرب
- أجر مضمون إجتماعيّا
V – الديمقراطية و الفوضويّة و الشيوعيّة
- الديمقراطية و الحكم الطبقي
- إضمحلال الدولة ... في ظلّ الرأسماليّة !
3- الفصل الثالث : ألان باديو و دكتاتورية البروليتاريا أو لماذا يساوى نبذ " إطار الدولة - الحزب " نبذا للثورة
- لماذا تصلح الدولة الإشتراكية وكيف ستضمحلّ و لماذا ينتهى ألان باديو إلى جانب الدولة البرجوازية I
1- ملاحظة سريعة عن الفلسفة
2- ألان باديو لاطبقية الدولة و الشكلانية
- الحزب فى المجتمع الإشتراكي : " غير ملائم " أم وسيلة للتحرير ؟II
1- مرّة أخرى عن روسو و التمثيليّة
2- " الخضوع البيروقراطي اللاطبقي " أم مرّة أخرى ، هل الخطّ هو الحاسم ؟
3- القيادة الشيوعية المؤسساتيّة و تناقض القادة – المقادين و رأي الخلاصة الجديدة بهذا الصدد
4- الفصل الرابع : القدح في الشيوعية و التزلّف للإمبريالية - تزييف سلافوج تزتزاك للحقائق و جلبه العار لنفسه
- تحدّيات حقيقيّة و بدائل حقيقيّة و مسؤوليّات حقيقيّة I
II- يرفض الخوض في الخلاصة الجديدة للشيوعية لبوب أفاكيان بينما يهاجمها هجوما غير مسؤول
III – مناهضة مسعورة للشيوعيّة تلبس قناع التفكير الجديد
IV – موقف تزتزاك المعادي لمناهضة الإمبرياليّة
- خاتمة : تصفية حساب و دعوة إلى نقاش جريئ و صريح V
- ملحق : سلافوج تزتزاك أحمق متعجرف يتسبّب في ضرر كبير
5- الفصل الخامس: فهم الماويّة فهما علميّا و الدفاع عنها بصلابة و تطويرها ، بهدف بلوغ مرحلة جديدة من الشيوعية : أفكار جداليّة حول مقال برنار دى مالو " ما هي الماويّة ؟ "
مفهوم دى مالو للماويّة :
نهاية مرحلة و بداية مرحلة جديدة :
الديمقراطيّة الراديكاليّة أم الشيوعيّة العلميّة :
المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ :
الصراع من أجل الدفاع عن ماو تسى تونغ و إرساء أرضيّة مزيد التقدّم :
ماو ( و ماركس ) ك " ديمقراطيّين راديكاليّين " :
الخلط بين الشيوعيّة و الديمقراطيّة :
تجاهل دروس الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى :
الثورة الوطنيّة الديمقراطيّة :
ما معنى القيادة البروليتاريّة ؟
ماركسيّة العالم الثالث ؟
الخطّ الجماهيري :
" الممارسة معيار الحقيقة " :
ملاحظات نهائيّة :
-+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++-
الفصل الرابع :
القدح في الشيوعية و التزلّف للإمبريالية
تزييف سلافوج تزتزاك للحقائق و جلبه العار لنفسه
ريموند لوتا
مجلّة " تمايزات " عدد 2 / 2012
www.demarcations-journal.org

تضمّن عدد ديسمبر 2011- جانفي 2012 من " مجلّة بلاتيبوس " حوارا صحفيّا مع الفيلسوف و المنظّر الثقافي سلافوج تزتزاك (1) . و مثّل هذا الحوار الصحفي هجوما ببنادق التشويه على التجربة التاريخيّة للثورة الإشتراكية في القرن العشرين مرفوقا بهجوم غير مبدئي و غير مدروس بشكل فادح ضد الخلاصة الجديدة للشيوعيّة لبوب أفاكيان .
و قد تقنّعت تصريحات تزتزاك هذه بأنّها تفكير جديد و دقيق في درجات الإختلاف إلاّ أنّها في الواقع لم تكن سوى مناهضة للشيوعية من الصنف القديم و البارز كجزء من الرواية البرجوازية المهيمنة عن الشيوعيّة بإعتبارها " فشلا " و " فظاعة " . و يقدّم تزتزاك نفسه ك " مناهض للرأسماليّة " غير أنّ في عرضه مدح للرأسماليّة – الإمبريالية .
و هذا ثمرة لما يسمّيه تزتزاك " يأسه النزيه " .
و في ما يلى ، أسوق ردّا على المزاعم الجوهريّة لتزتزاك و تشويهاته . و في الخاتمة ، أدعو سلافوج تزتزاك إلى المشاركة في نقاش على الملأ معى حول طبيعة الإمبرياليّة و تاريخ المشروع الشيوعي و آفاقه .
- تحدّيات حقيقيّة و بدائل حقيقيّة و مسؤوليّات حقيقيّة I
عالمنا فظيع . فحالة بيئيّة إستعجاليّة تهدّد النظام البيئي للكوكب ذاته ؛ و عن الحروب الإستعمارية الجديدة التي تشنّها الإمبرياليّة الغربيّة ينجم الموت و الدمار و التفكّك ؛ و يعانى مليار إنسان من سوء التغذية و المجاعات ؛ و النساء ، نصف الإنسانيّة ، يقع تشييئهنّ و تغليفهنّ و المتاجرة بهنّ و الحطّ من قيمتهنّ . و قد دفع تطوّر التكنولوجيا و مراكمة المعرفة الإنسانيّة الإنسانيّة إلى عتبة إمكانيّة وضع نهاية لهذا وتوفير حياة ماديّة كريمة و حياة ثقافيّة ثرية للإنسانيّة قاطبة - و مع ذلك ، يعرقل النظام الرأسمالي العالمي للربح قبل كلّ شيء تحوّل هذه الإمكانيّة إلى واقع و يقيّدها .
و تقاوم أعداد متنامية من البشر ، من مصر إلى حركات إحتلال الشوارع [ أوكوباي – المترجم ] و تضع النظام القائم موضع السؤال . و يرفع الناس رؤوسهم و يبحثون عن حلول و بدائل .
و مسؤوليّة الثوريين و كافة المثقّفين الراديكاليين في علاقة بهذه الحركات هي قطعا و بلا ريب التوحّد معها و العمل على البناء على الإيجابي الغالب فيها . لكنّ من الحيوي كذلك الخوض في الحواجز و التناقضات التي تواجهها هذه الحركات و النضالات – و العمل على توفير قيادة لتوجيه هذه التحرّكات نحو طريق ثوري أتمّ و أوعى . و في الوقت نفسه ، ثمّة حاجة ماسة لرسم خطوط تمايز بين الخطاب و السياسات الراديكاليّة و الثوريّة الحقيقيّة – و تلك التي ستأسرنا في العالم كما هو . (2)
هناك مخرج من عذاب هذا العالم و جنونه . إنّه الثورة ، الثورة الشيوعيّة . و المحاولات الأولى في التاريخ المعاصر لإيجاد مجتمعات حرّة من الإستغلال و الإضطهاد – الثورة السوفياتيّة 1917-1956 و الثورة الصينيّة 1949- 1976 – قادتها أحزاب طليعيّة ذات نظرة ثاقبة و أرست إقتصاديّات و مؤسّسات حكم جديدة تحريريّة و علاقات إجتماعيّة جديدة عمادها التعاون و تجاوز اللامساواة و شرعت في معالجة طرق التفكير القديمة - و كلّ هذا في صراع مع عوائق إيديولوجيّة و ماديّة لا يمكن تصديقها .
لقد مثّلت هذه الثورات نقاط تحوّل تاريخيّة بالنسبة للإنسانيّة المضطهَدة . و قد كانت مكاسبها غير مسبوقة و عظيمة على حدّ سواء . زمنها ، وجدت مشاكل و نقائص في الفهم و المنهج و الممارسة – بعضها جدّي تماما و بعضها حتّى مرير. كيف يجب أن نقيّم كلّ هذا ؟ و في نهاية المطاف هزمت الموجة الأولى من الثورة الشيوعيّة و أعيد تركيز الرأسماليّة . ما هي الأسباب و العوامل الكامنة وراء ذلك ؟
لقد أنتج بوب أفاكيان جملة من الأعمال ملخّصا الجانب الرئيسي الإيجابي و كذلك الدروس السلبيّة للموجة الأولى من الثورة ، بينما كان يستفيد كذلك من مجالات متنوّعة من التجارب و النشاط الإنسانيّين ، و فتح طرقا جديدة للمضيّ أبعد و القيام بما هو أفضل في المرحلة الجديدة من الثورة الشيوعيّة . و حصيلة هذا هي الخلاصة الجديدة للشيوعيّة . إنّها شيوعيّة تغييريّة ... لا تلين في تصميمها على قيادة الملايين لإفتكاك السلطة من خلال نضال ثوري مصمّم عندما تظهر الظروف للقيام بذلك ... و غاية هذا ليست أقلّ من إستخدام السلطة لتحرير الإنسانيّة و بلوغ عالم يكون فيه بمقدور البشر أن يزدهروا .
هناك تحدّى هائل ، لكن هناك أساس حقيقي للقتال من أجل مثل هذا العالم و تشييده . التحدّيات حقيقيّة مثلما هي حقيقيّة المسؤوليّات الفكريّة . و الأستاذ تزتزاك يتهرّب من هذا التحدّى . و ما نحصل عليه بدلا من ذلك هو خدعة موجّهة لا أساس لها من الصحّة في تحليل متداخل للنضال من أجل تغيير الواقع تغييرا راديكاليّا ، موقف مدروس ل " ينبغي أن لا نأخذ أنفسنا كثيرا على محمل الجدّ " ؛ و في النهاية ، التسوية مع العالم بكلّ بؤسه .
II- يرفض الخوض في الخلاصة الجديدة للشيوعية لبوب أفاكيان بينما يهاجمها هجوما غير مسؤول
من البداية ، في الحوار الصحفي ل " بلاتيبوس " ؛ يعلّق تزتزاك على الخلاصة الجديدة للشيوعيّة لبوب أفاكيان : " لا وجود لمادة نظريّة : لا يقوم باللازم ". (3) لا يقوم باللازم ؟ لا وجود لظلّ للخوض النظري لتزتزاك في هذا الحوار الصحفي ، في العناصر الحيويّة للخلاصة الجديدة ، في :
- القضايا الفلسفيّة : في أعمال مثل " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة و العلم و الفلسفة " ، و " القيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة " أجرى أفاكيان قطيعة أعمق مع بعض المفاهيم الدينيّة و شبه الدينيّة التي إنطوت عليها الشيوعيّة ، إلى جانب القطيعة الأعمق مع بعض النزعات البراغماتيّة و التجريبيّة ، و أرسى الشيوعيّة على أسس علميّة أرسخ .
- ما معنى أن نكون أمميّين في عالم اليوم . في أعمال مثل " كسب العالم ؟ واجب البروليتاريا العالمية و رغبتها " ، سنة 1981 ، بحث أفاكيان كيف أنّ الديناميكيّة العالميّة العامة للنظام الإمبريالي هي التي تضع إطار ما يجدّ في كلّ بلد على حدة . و قد طوّر توجّه كيف ينبغي على الشيوعيين أن يقاربوا كلّ شيء بما في ذلك القيام بالثورة في البلد الذى يعيشون فيه ، من وجهة نظر الثورة العالميّة أوّلا و كيف – و لماذا – ضلّ قادة المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية طريق ذلك و في ظروف معيّنة حتّى تحرّكوا ضد هذا الفهم و هذا التوجّه .
- الفهم الحيوي الجديد لطبيعة الإشتراكية كمجتمع إنتقالي ، مع الحاجة إلى المضيّ من اللامساواة و الإختلافات العميقة الجذور لعالم اليوم بإتّجاه مجتمع شيوعي و عالم خالى من الطبقات و الإختلافات الطبقيّة و من المؤسّسات الإضطهاديّة التي تفرضها و من الأفكار النابعة من هذه الإنقسامات و المعزّزة لها . و فيما تعلّم من ماو بعمق ، إعترف أفاكيان و شدّد على الحاجة إلى دور أكبر للمعارضة و تشجيع أكبر للصراع الفكري و مدى أكبر من المبادرة و الإبداع في الفنّ في المجتمع الإشتراكي . وقد نقد نظرة إحاديّة الجانب صلب الحركة الشيوعيّة حيال المثقّفين – نظرة تعتبرهم مشكلا لا أكثر. و تأسّس كلّ هذا على البحث عن الحقيقة و على الطابع التغييري للمشروع الشيوعي و تجاوز الإنقسام الذى تمتدّ جذوره إلى عصور سحيقة في القدم بين العمل الفكري و العمل اليدوي .
كيف تعيد الخلاصة الجديدة للشيوعية صياغة الإشتراكية كمرحلة إنتقاليّة حيويّة مسألة جرى تحليلها في أعمال بوب أفاكيان مثل " نهاية مرحلة – بداية مرحلة جديدة " و " الدكتاتوريّة و الديمقراطيّة و الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعيّة " و " وجهات نظر حول الإشتراكية و الشيوعيّة : نوع جديد راديكاليّا من الدولة ، نوع من النظرة إلى الحرّية مختلف راديكاليّا و أعظم بكثير".
- الإستراتيجيا الثوريّة و الحاجة إلى حركات شيوعيّة لمقاومة الدفع نحو التحوّل إلى جزء آخر من المشهد السياسي للمجتمع البرجوازي ، عوض القيام بالثورة . " القيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة " عمل حيوي بهذا المضمار . و قد طوّر الحزب الشيوعي الثوري إستراتيجيا تتطرّق للمشاكل و الصعوبات الحقيقيّة للقيام بالثورة في بلد إمبريالي كالولايات المتحدة ؛ و تجاوز الإنقسامات العميقة العنصريّة و الجنسيّة في صفوف شتّى فئات الشعب ؛ و ردم الهوّة و دفع التعاضد الإيجابي بين المثقّفين و الذين يوجدون في قاع المجتمع ؛ و تحدّى تسريع تطوّر وضع ثوريّ في زمن لا وجود فيه لأزمة ثوريّة فيما يقع إعداد الشعب لإستغلال الفرصة حين تتوفّر .
- إعداد الجماهير لتغيير العالم و تغيير نفسها . و قد شدّد أفاكيان على أنّه يجب إنجاز الثورة الشيوعيّة بتوجّه أنّ الجماهير ينبغي أن تكون القوّة المحرّكة ك " محرّرى الإنسانيّة " . فهذه الثورة ليست للإنتقام أو لتغيير المواقع في إطار " الأخير يجب أن يصبح الأوّل و الأوّل يجب أن يصبح الأخير " – و إنّما هي ثورة لتغيير العالم بأسره ، حتّى يكفّ عن الوجود إنقسام المجتمع إلى " أوّل " و " أخير " .
ماذا لدى سلافوج تزتزاك ليقوله بشأن عناصر الخلاصة الجديدة هذه ؟ لا شيء .
و يهاجم تزتزاك أفاكيان و الحزب الشيوعي الثوري قائلا إنّهما : " يملكان على الدوام الأجوبة : لا أسئلة ، فقط أجوبة " (4) ؛ بكلمات أخرى ، يريد من القرّاء أن يعتقدوا أنّ الحزب الشيوعي الثوري لا يخوض في التناقضات الصعبة و المعقّدة – له فقط يقينيّات معرفة خاصة . إنّه ينعتنا ب " الضالين " زاعما أنّنا نبحث عن أن نفرض على الآخرين رغباتهم و ما يجب أن يكونوا عليه .
و يتعيّن أن نقول إنّ هذا " تشويه " مدهش للحقيقة . فقسم كامل من كتاب بوب أفاكيان " ليس بوسع العصافير أن تلد تماسيحا لكن بوسع الإنسانيّة تجاوز الأفق " يتحدّث على وجه الضبط عن هذا التناقض ، خاصة كما يطرح نفسه في المجتمع الإشتراكي بين المصالح الأساسيّة للجماهير الشعبيّة من ناحية و ما يمكن أن يريده بعض الناس في أي وقت معطى ، من ناحية أخرى – و التحدّيات المعنيّة في التعاطى مع هذا التناقض ، بتعقيداته العديدة ، على نحو يستمرّ في التقدّم صوب الشيوعيّة بينما في نفس الوقت جوهريّا يتمّ التعويل على الجماهير الشعبيّة للمضيّ عن وعي قدما بهذا النضال .
و بالفعل ، كامل العمل المذكور أعلاه ، إلى جانب " القيام بالثورة و تحرير الإنسانيّة " تفحّص غنيّ من بوب أفاكيان لعديد التناقضات المفاتيح و تعقيدات القيام بالثورة – و بالقيام بذلك في أي بلد خاص كجزء من النضال العام في سبيل الهدف النهائي للشيوعية عالميّا .
و يتّهم تزتزاك بوب أفاكيان و الحزب الشيوعي الثوري بالحديث ببساطة عن إفتكاك السلطة ثمّ معالجة المشاكل ، و بعدم معالجة كيف أنّ كلّ هذا سيتشكّل و " ما سيعنيه في نظر الجماهير ". و هذه كذلك تهمة لا أساس لها من الصحّة . فعلاوة على الأعمال التي أشرت إليها بعدُ ، " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " ( مشروع مسودّة ) و بيان الحزب الشيوعي الثوري " حول إستراتيجيا الثورة " مفيدة للغاية بهذا الصدد .
و لا وجود لدى تزتزاك لأي نقاش ملموس و لا نقد مبدئي للخلاصة الجديدة – تشويهات رخيصة فحسب لعمل بوب أفاكيان و خطّ الحزب الشيوعي الثوري . لكن أيّها الأستاذ تزتزاك ، لتكن لنا جولة حول هذا الموضوع ، لنناقش الشيوعية و الخلاصة الجديدة في ندوة على الملأ.
III – مناهضة مسعورة للشيوعيّة تلبس قناع التفكير الجديد
في الحوار الصحفي في " بلاتيبوس " يعلمنا تزتزاك بأنّ " دروس ل[ القرن العشرين ] سلبيّة لا غير ". و يتناول بالحديث الإشتراكية في الإتّحاد السوفياتي و حقبة ستالين على أنّها " هيمنة مباشرة عنيفة " (5) و في تقديمه لطباعة بحوث ماو تسى تونغ حول الفلسفة ، يحمل تزتزاك على ماو على أنّه " قلّص الشعب إلى وسيلة للإستعمال مرّة واحدة " (6) . و في خطاب له في أكتوبر أثناء إحتلال وال ستريت ، كان تزتزاك مهووسا ب " فشلت الشيوعيّة فشلا مطلقا " . ( 7)
و من العسير أن نميّز ما الذى يعتمل أكثر هنا : إستهانة إراديّة بالدقّة التاريخيّة أم مناهضة للشيوعيّة كعمل قوّاد للسلط القائمة . على كلّ حال ، تصريحات تزتزاك خاطئة و تتسبّب في الكثير من الضرر. و للإطلاع على حقيقة الثورات البلشفيّة و الصينيّة ، أنصح القرّاء بكتابات أفاكيان و ببعض بحوثي و خطاباتى و بموقع أنترنت " وضع الأمور في نصابها " ، و الكتاب الجدالي " " سياسة التحرير " لألان باديو : شيوعيّة أسيرة حدود العالم البرجوازي " ، إلاّ أنّ بضعة نقاط تقتضي منّا الردّ الخاص الآتية نقاطه :
- " سلبيّة لا غير " ؟ لقد حقّقت الثورتان السوفياتيّة و الصينيّة أشياء مذهلة في تحرير النساء و تخطّى اللامساواة القوميّة و التحرّك بتصميم حيوي لتلبية الحاجيات الماديّة للشعب ، و البحث عن صياغة قيم و ثقافة جديدين . و قد أحرزت الثورة الثقافيّة في الصين 1966-1976 تغييرات غير مسبوقة في التعليم و في ممارسة إدارة الصناعة و الرعاية الصحّية و في الحكم الشعبي و في الفنون . لم يوجد أي مجتمع في العالم عرف مثل هذا النضال و التغيير الأساسيين الواعيين .
- خطب تزتزاك طويلا ضد ستالين و ما يسمّيه ب " الستالينيّة " و خطابه مذهل لغياب أي تحليل مادي فيه . لا يلمس لا الحصار و التهديد المستمرّين أو تأثير الإنقسامات الإجتماعيّة المستمرّة و البقايا الأخرى من المجتمع القديم ، و تواصل الطبقات و الصراع الطبقي في ظروف الدولة السوفياتيّة الجديدة . و يبرز كذلك غياب مسائل و صراعات الخطّ و البرنامج الحقيقيّة و الحاسمة : السياسات و الطريق الذين كان ستالين يمثّلهم و يقاتل من أجلهم و الخطوط و السياسات التي وقف وراءها و ناضل من أجلها آخرون في القيادة – و إنعكاسات هذا على توجّه المجتمع . عوض ذلك ، نجد أنّ ستالين طاغية .
- و يعلن تزتزاك أن القفزة الكبرى إلى الأمام في الصين بين 1958 و 1960 " تراجيديا كبرى " (8). لا يهمّ ما كانت فعلا القفزة الكبرى إلى الأمام و ما حقّقته عمليّا بمعنى مشركة الفلاحة و تجاوز اللامساواة و البون التقني بين الريف و المدينة ، و تطوير نظام أكثر لامركزيّة في تخطيط الاقتصاد و تحدّى التقاليد الإقطاعيّة و السريّة و أجل ، المساهمة في معالجة مشكل الغذاء كمشكل تاريخي للصين . يريد تزتزاك من القارئ غير المنتبه أن يعتقد أنّ هذا المسمّى " تراجيديا كبرى " ( وهو يحيل على وفايات المجاعة التي يفترض أنّ ماو إقترفها ) هراء ! ما يجرى الترويج له على نطاق واسع باسم " بحث في الأرشيف " هو تشويه منظّم لماو و روايات تاريخيّة بحسابات عدد جثث إعتمادا على إستقراء زائف و أكاذيب فجّة .
بالنسبة إلى تزتزاك ، من المكوّنات المحدّدة للتنظير الراديكالي " الجديد " و " التجديدي " هو القدح في التجربة التاريخيّة للثورة الشيوعية و تشويهها .
IV – موقف تزتزاك المعادي لمناهضة الإمبرياليّة
يقترح تزتزاك " إعادة التفكير في نقد الاقتصاد السياسي " على ضوء الرأسمالية العالمية اليوم . فإلى أين تقوده " إعادة تفكيره " هو ؟ لننظر في بعض إكتشافاته :
- " أكبر نتيجة لرئاسة بوش هي أنّ الولايات المتحدة غدت تقريبا قوّة عظمى محلّية " (9). أصحيح ما أسمعه ؟ للأسف ، نعم . و الآن سيكون شيئا أن " نصدّق " جورج بوش الإبن و قيادته الإمبريالية الأمريكيّة إلى صعوبات جدّية ، لكن إدّعاء أنّ الولايات المتحدة لم تعد قوّة هيمنة حقيقيّة و أنّها تقلّصت إلى مجرّد قوّة عظمى محلّية ، لا يجانب الحقيقة فحسب بل يبعث الإضطراب و التشويش و يضلّل الناس و يجرّدهم من سلاح الإعتراف التام بواقع ما تفعله الإمبرياليّة الأمريكيّة في العالم و معارضته . و سأكون متطلّعا ليس إلى نقاش تأكيد تزتزاك بصدد الإمبرياليّة الأمريكيّة و حسب بل أيضا إلى تبريراته للتسوية التي أقامها نلسن مانديلا مع الإمبرياليّة و خيانته الموضوعيّة لجماهير جنوب أفريقيا ، و لتجميله غزو الولايات المتحدة للعراق باسم معارضة مفترضة للأصوليّة الإسلاميّة . (10)
- و في الحوار الصحفي ذاته ل " بلاتيبوس " ، يدّعى تزتزاك أنّ " في الرأسماليّة العالميّة اليوم لم يعد هناك متروبولات [ عواصم كبرى / إمبرياليّة – المرتجم ] تسحق بلدان العالم الثالث " (11) . إنّ الشبكة العالميّة من المعامل الهشّة و مناطق إعداد المنتوجات للتصدير و عمل الأطفال في آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة ، جزء لا يتجزّأ و جزء حيويّ من ربحيّة رأس المال الغربي – و بعصا سحريّة يتبخّر هذا و يفقد دلالته في الإقتصاد السياسي لسلافوج تزتزاك . و المواد المعدنيّة التي عادة ما تستخرج في ظروف شبيهة بظروف العبيد في مناطق شاسعة من ما يسمّى بالعالم الثالث و حقوق الملكيّة العالميّة التي تبقى الأدوية خارج متناول العالم المفقّر ، و الفلاحة التجاريّة الغربيّة التي تحطّم زراعات الفلاّحين . على ما يبدو هذه آثار إنحسار الإستعمار الجديد . بالنسبة لتزتزاك الإنقسام الكبير و الإضطهادي و المفروض فرضا بين الإمبريالية و الأمم المضطهَدة لم يعد أحدّ و أعمق تناقض من تناقضات العالم .
- ليس بوسع تزتزاك أن يفلت من قبضة الديمقراطية البرجوازية . فهو يهدى أنشودة الشكر هذه لقادة الثورة البرجوازية : " كان البرجوازيّون الراديكاليّون المقاتلون في سبيل الحرّية واعين جيّدا بأنّ الحرّية تتأتّى فقط طالما هي حقّا حرّية إجتماعيّة " (12) . و يقول لشارلى روز إنّه ليس " معاديا للرأسماليّة عداءا متهوّرا " فهو يثمّن واقع أنّ " الكثير من الناس عاشوا حياة حرّة و حياة آمنة نسبيّا و في رفاه نسبي ...فى أوروبا الغربيّة في السنوات الأخيرة من الخمسينات إلى الستينات ." (13) هنا مربط الفرس : في حين أنّ الشيوعيّة " فشلت فشلا مطلقا " ، نجحت الإمبرياليّة نجاحا جزئيّا . لا يمكن لتزتزاك أن يكون إلاّ مبهورا بأن يغمض عينيه عن واقع أنّ الحرّيات البرجوازيّة و الرفاه الاجتماعي قائمان على أرضيّة إستغلال فاحش و حروب عدوانيّة و غزو و نظام حكم إستعماري جديد يتضمّن دعم الأنظمة العميلة القمعيّة بخبث على غرار نظام العربيّة السعودية .
وأودّ أن أشجّع القرّاء على عقد مقارنة بين وجهات النظر الإشتراكية - الشوفينيّة لتزتزاك بشأن الإمبريالية و الديمقراطية وهي وجهات نظر بالمناسبة تفتقر إلى أي فهم علمي للعلاقة بين البنية الفوقيّة و القاعدة المادية للمجتمع و النظام العالمي ، مع أعمال لبوب أفاكيان من ثمل " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز ما أفضل ؟ " و " الشيوعيّة و ديمقراطيّة جيفرسون " و مرّى أخرى ، " ليس بوسع العصافير أن تلد تماسيحا لكن بوسع الإنسان أن يتجاوز الأفق " .
V – خاتمة : تصفية حساب و دعوة إلى نقاش جريئ و صريح
يُنكر سلافوج تزتزاك عن خطإ و بصفة غير علميّة كامل تجربة الثورة الشيوعيّة . وهو يتعذّب بخصوص " لا حلول سهلة " و " يأس نزيه " بيد أنّه لا يتورّع عن الوقوف إلى جانب الإمبرياليّة . هذا منه وثيقة كبرى من الإستسلام السياسي و الأخلاقي . و لهذا الإستسلام صلة وثيقة بلماذا لا يقرّ سلافوج تزتزاك – و من المرجّح جدّا أنّه لا يعترف و لا يمكنه أن يعترف – بما هو في الواقع جديد و أهميّته حيويّة في الخلاصة الجديدة للشيوعية التي تقدّم بها بوب أفاكيان . في عالم يصرخ بصفة ملحّة من أجل التغيير الراديكالي ، هذه الخلاصة الجديدة في آن معا قابلة للتطبيق و حيويّة للمضيّ قدما بالنضال في سبيل تحرير الإنسانيّة .
و مجدّدا ، و أنا أختم هذا المقال ، أتحدّى سلافوج تزتزاك أن يشاركنى نقاشا على الملأ لهذه المسائل .
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
NOTES
Works by Bob Avakian Cited in This Article
Birds Cannot Give Birth to Crocodiles, But Humanity Can Soar Beyond the Horizon.
Communism and Jeffersonian Democracy (Chicago: RCP Publications, 2008).
Democracy: Can t We Do Better Than That? (Chicago: Banner Press, 1986).
Dictatorship and Democracy, and the Socialist Transition to Communism.
"The End of a Stage—the Beginning of a New Stage," Revolution magazine, RCP Publications, Fall 1990.
Making Revolution and Emancipating Humanity, Revolution, October 2007-February 2008. Also included in Revolution and Communism: A Foundation and Strategic Orientation, pamphlet (Chicago: RCP Publications, 2008).
Observations on Art and Culture, Science and Philosophy (Chicago: Insight Press, 2005).
"Views on Socialism and Communism: A Radically New Kind of State, A Radically Different and Far Greater Vision of Freedom," Revolution, March-April 2006.
Other Works and Sources
Communism: The Beginning of a New Stage, A Manifesto from the Revolutionary Communist Party, USA, (Chicago: RCP Publications, 2009).
Constitution for the New Socialist Republic in North America (Draft Proposal), (Chicago: RCP Publications, 2010).
"On the Strategy for Revolution," Revolution, #226, March 6, 2011.
Set the Record Straight website with materials from Raymond Lotta, at thisiscommunism.org
Raymond Lotta, Nayi Duniya, and K.J.A., Alain Badiou s Politics of Emancipation : A Communism Locked Within the Confines of the Bourgeois World," Demarcations: A Journal of Communist Theory and Polemic, Summer-Fall 2009 (1).
1. "The Occupy movement, a renascent Left, and Marxism today: An interview with Slavoj Žižek," The Platypus Review (42) December 2011-January 2012.
2. It is worth noting that in his discussion of the upsurge in Egypt, Žižek contents himself with tailing this movement, even making a principle out of some of its weaknesses and narrow aspects, including (so far at least) the neglect,´-or-negation, to too far a degree of the Palestinian question. See Žižek interview, p. 4.
3. Žižek interview, p. 2.
4. Ibid., p. 2.
5. Ibid., p. 5.
6. Slavoj Žižek Presents Mao: On Practice and Contradiction (New York and London: Verso Books, 2007), p. 10.
7. "Slavoj Žižek at OWS Part 2," October 9, 2011.
8. Žižek interview, p. 2.
9. Ibid., p. 3.
10. In the Platypus interview, p. 4, in his commentary on anti-Iraqi war protests, Žižek faults the U.S. left for not working with the Iraqi left, particularly the Iraqi Communist Party. This utterly revisionist party took part in the elections for the first post-invasion government—elections that were carried out under the auspices and in the service of U.S. occupation. Žižek notes the participation of the Iraqi Communist Party and goes on to say: "The standard narrative was that the Iraqi people should liberate themselves, without the U.S. occupation. But they had the same problem, and got into a deadlock. With attacks on the Green Zone: which side should you take, there? I was not ready to do what some did, to claim that, since they opposed the American occupation, they should side with the resistance. I don t think these radical Islamists should ever be supported."
Under the mantle of not giving quarter to Islamic fundamentalism, Žižek is effectively legitimizing the U.S. invasion and occupation. Contrast this social-chauvinist position with the orientation of the RCP, USA, which is based on the internationalist stand and analysis of Avakian. This analysis a) points to the existence of "two outmodeds": imperialism and Islamic fundamentalism b) identifies both as being reactionary c) calls for bringing forward a genuine revolutionary movement in opposition to both while d) making it crystal clear that, of these "two outmodeds," it is imperialism, and above all U.S. imperialism, that does greater harm to, and constitutes a far greater obstacle to the emancipation of, the masses of people in the world. See Bob Avakian, "Bringing Forward Another Way."
11. Ibid., p. 4. By contrast, see my discussion of the persistence of the savage contradiction between the imperialist metropoles and the Third World in Part 1 of the series "Shifts and Faultlines in the World Economy and Great Power Rivalry."
12. Ibid., p. 4.
13. "Charlie Rose with Slavoj Žižek," October 26, 2011.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ملحق من إقتراح المترجم
سلافوج تزتزاك أحمق متعجرف يتسبّب في ضرر كبير
ريموند لوتا
جريدة " الثورة " ، 15 نوفمبر 2016
http://revcom.us/a/465/slavoj-zizek-is-a-puffed-up-idiot-who-does-great-damage-en.html

سلافوج تزتزاك فيلسوف مخادع له تأثيره وهو غالبا ما يقدّم نفسه على أنّه " شيوعي " . على شاشة التلفزة البريطانيّة ، صرّح بدعمه لدونالد ترامب . و حسب رأيه ، إنتصار ترامب سيساعد الجمهوريين و الديمقراطيين على " إعادة التفكير في أنفسهم " ـ و يمكن أن يدفع إلى " نوع من الإستفاقة الكبرى " . و متحدّثا من البرج العاجي " ليس هناك ما يقلقنى " ، أعرب تزتزاك عن أنّ ترامب " لن يُدخل الفاشيّة " . ((“Slavoj Žižek would vote for Trump” .
هذا موقف خاطئ ، هذا سمّ . الوقوف إلى جانب العنصريّة و كره النساء و معاداة المهاجرين لا علاقة له مطلقا بأخلاق و سياسات الشيوعيّة الحقيقيّة ـ و مهما كان منطق تزتزاك ملتويا ، فإنّه عمليّا يمضى ضد التجربة التاريخيّة المريرة ، حيث أوّل عمل قام به النازيّون إثر صعودهم إلى السلطة هو سحق الثوريين .
و كلّ من يرغب في فهم و تحليل شيوعيين حقّا لتلك التجربة التاريخيّة و صلوحيّتهما اليوم يتعيّن عليه / عليها أن يطّلع على أعمال بوب أفاكيان و منها :
THE NEW COMMUNISM
“The Truth About Right-Wing Conspiracy... And Why Clinton and the Democrats Are No Answer”
“The Fascists and the Destruction of the ‘Weimar Republic’... And What Will Replace It”
The Coming Civil War and Repolarization for Revolution in the Present Era and
Conquer the World? The International Proletariat Must and Will.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------