وجهة نظر...


غازي الصوراني
2018 / 5 / 17 - 17:32     



كان مشروع الاخوان المسلمين – وما يزال – مشروعاً دينياً وسياسيا ينظر لمفاهيم المواطن والمواطنه والوطن والوطنية والقومية ومفاهيم العقل والعقلانية والعلمانية والحرية والمساواة نظرة تشكك وريبة ونظرة رفض وتكفير، كما يصفها المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد.
هكذا تم تجريف الوطن باختصاره في دين الأغلبية، وتم تجريف الدين باختصاره في الرؤية الفقهية للعالم !!! ، وصولاً إلى المرحلة الراهنة حيث صارت " الصدقات" وموائد الرحمن مجال للمنافسة بين الاثرياء، وصارت عشرات الفضائيات تعرض الفتاوي الدينية الشكلية في زواج المتعة والمسيار وإرضاع الكبير وتفسير الاحلام ... إلى آخر هذه الفتاوي ، ضمن اقتصاد السمسرة الكومبرادوي ، بحيث نلاحظ – في ظل استشراء خضوع الأنظمة وتخلف المجتمعات العربية في هذه المرحلة – ولادة ظاهرة طارئة ، فحواها أن التراث والفكر الديني السلفي المتعصب بات اليوم يسحب المجتمعات العربية إلى الوراء ، ونعتقد أن السبب في انتشار هذه الظاهرة يعود إلى " طبيعة " هذه المجتمعات التي تغلغلت في أوساطها مظاهر القلق والإحباط واليأس الناجم عن تزايد المعاناة والفقر والبطالة والفساد والاستبداد ، دونما أي أفق أو ضوء يؤشر على الخلاص ، وبالتالي لم يكن مستغربا عودة هذه المجتمعات بسبب عفوية جماهيرها وقصور وعجز قوى اليسار - وبتأثير العديد من اجهزة الاعلام والفضائيات العميلة - إلى الخلف بالمعنى التراثي السلبي في اطار انظمة التخلف والتبعية ، أو إلى الفكر الديني السلفي ثم تستسلم له، ليقودها بحيث اصبحت مظاهر وأوضاع البطالة والفقر والهبوط السياسي والفساد وكل مشكلات المجتمع العربي " تُحَوّل إلى قضايا تحلها العودة إلى آراء ووجهات نظر شكلانية باسم الدين ، وعلى رأسها رفض مبدأ الحرية الدينية ، ورفض مبدأ فصل الدين عن الدولة والسياسة ، ورفض اعتبار الشعب أو المجتمع مصدر القوانين وفق اسس الديمقراطية وقواعدها ، ورفض تعزيز المحاكم المدنية العامة لضمان المساواة التامة في الحقوق والواجبات ورفض عقلنة السلطة أوالدولة والمجتمع انطلاقا من رفضهم تعزيز الثقافة العلمية الديمقراطية العقلانية.، واخيرا اصرارهم على تكريس تخلف المرأة بذريع عودتها إلى البيت ووفرض الحجاب والنقاب عليها بالاكراه في معظم الحالات .
ولذلك لا بد من تفعيل النضال المجتمعي السياسي والديمقراطي الهادف الى تحرير الدين من سيطرة الطغم الحاكمة باسم الدين وإساءة استعماله لأغراض سياسية ومصلحية طبقية، وكذلك تحرير المجتمعات العربية من هيمنة المؤسسات الدينية، الى جانب التزام كافة القوى الديمقراطية واليسارية العربية لكي تكرس كل الجهود النظرية وأشكال النضال الوطني والاجتماعي الميداني اليومي والسياسي والديمقراطي من أجل تحقيق هدف الدولة الديمقراطية على قاعدة فصل الدين عن الدولة ...اذ انه بدون تحقيق هذا الهدف لا يمكن أن تحقق المجتمعات العربية أي نهوض تحرري او تطور اجتماعي اوسياسي او ثقافي أو اقتصادي أو تنموي أو تكنولوجي أو عسكري ..بل ستعيد انتاج التبعية والتخلف داخل الانظمة والحركات الرجعية عبر صيغ جديدة في سياق تطوير العلاقات مع الشروط والسياسات العدوانية الامريكية والخضوع لها.
بناء على ما تقدم ، فإن من واجب القوى والفصائل والاحزاب اليسارية الفلسطينية ، أن تنتقل من حالة الركود الراهنة إلى حالة التفاعل الذي يحقق قدرتها على الاستجابة والتحدي للمأزق السياسي والمجتمعي ، وان تبدأ نضالها المشترك من اجل انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية التعددية وتعزيز الكيانية السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية وتطويرها ودمقرطة مؤسساتها ، بما يؤدي الى عقد المجلس الوطني التوحيدي ، وهو هدف لن يتحقق بدون اتفاق فصائل اليسار الفلسطيني ومبادرتهم الى بلورة التيار الوطني التقدمي الديمقراطي.