هل فشلت البورجوازية في إنتاج حفاري قبرها !؟


فؤاد النمري
2018 / 5 / 1 - 15:18     

هل فشلت البورجوازية في إنتاج حفاري قبرها !؟

في مقال لجريدة الغارديان البريطانية قبل بضع سنوات يستعرض آراء بعض كبار الكتاب في بريطانيا وفرنسا يتوقفون جميعهم عند احتفاظ الماركسية بقوتها كنظرية علمية واستدلالهم على ذلك بتزاحم القراء في أوروبا والولايات المتحدة على شراء كتاب "رأس المال" لماركس إثر أزمة 2008 المالية، يعترف جميعهم بديمومة حيوية الماركسية لكنهم يؤكدون مع ذلك فشل البورجوازية في إنتاج حفاري قبرها خلافاً لما بشر ماركس وإنجلز في بيانهما الشيوعي (Manifesto) 1848 . فهل حقاً فشلت البورجوازية في إنتاج حفاري قبرها !؟

كنا أطفالا بعمر الرابعة عشرة والخامسة عشرة نجتمع في أحد أزقة القرية المعتمة ليلاً ونعقد الرهان على أن "كايد" وهو مثال الشجاعة في القرية لا يستطيع الذهاب إلى المقبرة في طرف القرية ليلاً حيث للأموات أشباح تنهض من قبورها وتهاجم كل من يتواجد بين القبور . ولعل رهان الأطفال هذا كان رهان الكبار أيضاً فلم يُرى قط أحدهم في الطريق إلى المقبرة ليلاً .
فلاسفة وماركسيو البوجوازية الوضيعة مهما ادعوا من شجاعة لا يستطيعون الذهاب إلى مقبرة البورجوازية حتى في أعالي النهار . ولكي لا تُمتحن شجاعتهم المدعاة ينكرون موت البورجوازية وأن ثمة قبوراً للبورجوازية يُستدعى زيارتها ليس ليلاً فقط بل ونهاراً أيضاً . ولذلك تراهم بقطعون بأن البورجوازية لم تنتج حفاري قبرها كما قرر ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي قبل مائة وسبعين عاماً .
ما يساعد أنصاف الفلاسفة والماركسيين في مثل هذه الدعوى الباطلة هو أن الهيكلة الطبقية التي تحدث عنها ماركس في أواسط القرن التاسع عشر ليست هي نفس الهيكلة في أواسط القرن العشرين . ماركس تحدث عن ثلاث طبقات، العليا منها وهي طبقة الأرستقراطية من فلول الإقطاع ومالكي العقارات، والطبقة الوسطى وهي الطبقة البورجوازية، وطبقة العمال (البروليتاريا) . أما هيكلة منتصف القرن العشرين فهي مختلفة . إضمحلت واختفت الطبقة الأرستقراطية لتحل محلها الطبقة البورجوازية الرأسمالية كطبقة عليا، ثم الطبقة الوسطى من البورجوازية الوضيعة التي سماها ماركس في البيان الشيوعي أدنى الطبقة الوسطى (lower middle class)، ثم الطبقة الدنيا، طبقة العمال . ذلك يعني أن الطبقة البورجوازية الوسطى في عهد ماركس إنشطرت إلى طبقتين متمايزتين في تقسيم العمل : الطبقة البورجوازية الرأسمالية التي تشغل العمال وتستغلهم وهي الطبقة العليا، وطبقة البورجوازية الوضيعة وهي الطبقة الوسطى التي تنتج الخدمات، الطبقة الرجعية دائماً وأبداً حتى وهي تناضل ضد الرأسمالية بجانب العمال، ثم طبقة العمال .
فهل الطبقة الرأسمالية، وهي الطبقة التي سماها ماركس وإنجلز البورجوازية في حديثهما عن إنتاج حفاري قبرها، ما زالت حية ولم تدفن في القبر !؟

نهضت البروليتاريا الروسية بقيادة لينين ورفاقه البلاشفة في ثورة اشتراكية دائمة (permenant) لا تتوقف قبل أن تدفن البورجوازية في العالم في القبر . كان البلاشفة قد دفنوا البورجوازية الرأسمالية الروسية الفتية في القبر قبل دخول تسعة عشر جيشاً جهزتها الدول الرأسمالية إلى الأرض الروسية لتخنق البلشفية في مهدها غير أن البلاشفة ردوها مدحورة مهزومة فلم تعد الإمبريالية الأنجلوفرنسية تلوي حراكاً غير التآمر على مستقبل الثورة الاشتراكية فكان أن صنعت أعداء للشيوعية كالفاشية في ايطاليا والإخوان المسلمين في مصر والنازية في ألمانيا . غير أن سوء صنيع المخابرات الأنجلوفرنسية إرتد عليها فكان أن حطمت النازية الهتلرية كل الرأسمالية الأوروبية ولم يبق من الرأسمالية العالمية طرف حي نابض سوى في الولايات المتحدة . غير أن الإدارات الأميركية المتعاقبة بعد روزفلت أُبتليت بحماقة تجاوزت حماقة هتلر فلم تجد وسيلة لمقاومة الشيوعية في شرق آسيا سوى نقل نظامها الرأسمالي إلى هناك . وهكذا دفنت الرأسمالية الأميركية في القبر وقام عوضاً عنها رأسمالية زائفة في الصين وشرق آسيا . زيف الرأسمالية في شرق آسيا يتمثل بمبادلة المصتوعات الشرق أسيوية بدولارات لا قيمة لها بغير مبادلتها بمثل هذه البضائع . الرأسمالية في الصين وشرق آسيا لا بمكن التوسع بها إلا بمقدار ما يتحمل الدولار من تدهور وهو لم يعد يتحمل حيث قيمته اليوم ليس أكثر من سِنتين من سنتات 1970 .
نعم، نجحت ثورة اللاشفة الإشتراكية في دفن البورجوازية الرأسمالية عميقاً في قبرها وقد تأخر ذلك نحو عشر سنوات حيث توقعه ستالين أن يتم في نهاية الخمسينيات أو بداية الستينيات وكان ذلك بسبب خيانة قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي برئاسة خروشتشوف للثورة .

تأخر دفن البورجوازية الرأسمالية نحو عشر سنوات بسبب خيانة الحزب الشيوعي السوفياتي للثورة، وبسبب هذه الخيانة أيضاً توفر لليورجوازية الوضيعة دور لم تحلم به على الإطلاق . الإنقلاب الذي قادته البورجوازية الوضيعة السوفياتية على الاشتراكية لم يدفع بالبروليتاريا السوفياتية إلى خارج المسرح بل دفع أيضاً بالبروليتاريا في العالم الرأسمالي إلى الخارج . ولما غاب قط البروليتاريا أخذ فأر البورجوازية الوضيعة يلعب كيف يشاء ويأكل كل قطعة الجبن بالكامل دون أن يبقي جبنا في البيت فيقضي جوعاً .

ليس هنالك أدنى شك في أن البروليتاريا التي وحدها دون غيرها تنتج أسباب الحياة ستعود إلى مسرح التاريخ لتلقي بالبورجوازية الوضيعة إلى مزبلة التاريخ وتتحرر الإنسانية من آخر قيود الإنتاج الصدئة فلا تعود بحاجة للحربة والديموقراطية .
كارل ماركس وفردريك إنجلز لم يخطئا حين أكدا أن "البورجوازية ستنتج حفاري قبرها" .