ستيفن هوكينغ : كلنا فى الهم شرق وغرب


محمود محمد ياسين
2018 / 3 / 28 - 21:42     

هذا المقال إعادة لنشر مقال للكاتب بعنوان " ستيفن هوكينغ والذكاء الاصطناعي" متضمنا فقرة لم تدرج في المرة الأولى إذ سقطت سهواً. وهى فقرة تتعلق بالفكرة الأساسية لموضوع ذلك المقال والتي يراد منها أنه لا يوجد دليل علمى على مقدرة الروبوتات على التطور والتفوق على الإنسان. إلا أن ارتقاء الإنسان مثبتاً علمياً وما زال يمتلك خاصية التفوق العقلى على الكائنات الأخرى الذى مكنه من التحكم في البيئة الطبيعية حوله؛ وهى الخاصية التي أوصلته لمرحلة الإنسان السابين الحالية (homo sapiens) وتمكنه من طفرة أعلى على مستوى صفاته الجسدية والدماغية. كما أن الإنسان يستطيع بنفس المهارة التي أهلته لإختراع الأناسى الآلية أن يحدد ما إذا كانت لدى مخترعه القابلية للتطور وبالتالي التحكم في سير هذه العملية.

كذلك إعادة نشر المقال تعطى فرصة للإجابة على تعليقات على المقال يستشف منها التشكيك في علم ستيفن هوكينغ ورفض الإشادة به على أساس أنه كافر وملحد؛ والإشادة بهوكينغ هي الهدف الآخر من المقال الذى لم يكن أكثر من تعليق، متواضع، بمناسبة وفاة العالم من قارئ متابع لأعماله غير متخصص في مجال الفيزياء النظرية. والرد على أصحاب التعليقات التكفيرية هو التأكيد على أن ستيفن هوكينغ أكبر وأعظم مما جاء في المقال وحث الجميع ان يقراوا مؤلفه الشهير" تاريخ موجز للزمن" – A brief History of Time – وهو كتاب مقروء فيه معلومات كثيرة عن الكون ودراسته إسترشاداً بالنظريات الفيزيائية، الفيزياء الكميه (quantum physics) ونظرية النسبية (general theory of relativity). إن أعمال هوكينغ تعتبر إضافة مشهودة لجهود العلماء الساعية لتأسيس نظريات ما بعد النسبية. وإن الجديد في دراسات هوكينغ الخاصة بالفضاء هو أنها بعكس الدراسات الأخرى حول الموضوع تمتاز بالتطبيق العبقرى للنظريات الفيزيائية في دراسات الكون التي بسطها في بعض مؤلفاته بالصورة التي تمكن الجميع من إستيعابها. وفى هذا المجال التعلم من البشر الآخرين، (إذا ما كان لديهم ما يفيد في تقدم البشرية) رغم اختلاف الديار والمشارب الفكرية، محمدة فكلنا فى الهم شرق وغرب.

توفى في الرابع عشر من شهر مارس الحالي البريطاني ستيفن هوكينغ، الذى يعتبر من أعظم علماء الفيزياء النظرية في العالم تاركاً إرثاً ثراً في مجال تخصصه تضمنته مؤلفاته العلمية المتعددة منها الكتاب الشهير" تاريخ موجز للزمن". إشتهر هوكينغ بأبحاثه الرائدة، في مضمار علم الكون والنظرية النسبية، التي توصل عبرها لنتائج حول طبيعة الثقوب السوداء إذ برهن "نظرياً" على أنها تصدر إشعاعاً على عكس ما هو سائد عنها في الدوائر العلمية حيث كان الاعتقاد هو أن الثقوب السوداء هي مناطق في الفضاء ذات جاذبية عالية تبتلع كل ما تصادفه في مجرى حركتها ولنفس السبب لا يستطيع الضوء الانسياب خارجها. ولهذا، وفق هوكينغ، فإن الثقب الاسود ليس أسودا تماماً بل أنه يميل للتوهج نتيجه لنوع من الإشعاع منبعث منه سمى بإشعاع هوكينغ (hawking radiation).

أصيب هوكينغ في الحادية والعشرين من عمره، بينما كان يدرس علم الكونيات في جامعة كامبريدج، بمرض التصلب الجانبي الضمورى الذى يتسم بضعف الاعصاب الحركية والخلايا العصبية في الجهاز العصبي المركزي التي تتحكم في حركة العضلات الارادية التي تتحرك وفقاً لإرادة الإنسان وتعمل على تشغيل الأطراف وإعطاء القدرة على البلع والتنفس. والتصلب الجانبي الضموري لا يصيب الحواس الخمس، ولا يعطل الأداء العقلى وعمل العضلات الداخلية التي تشمل فيما تشمل القلب والجهاز الهضمى.

لم يمنع المرض هوكينغ من مواصلة دراسته الجامعية وحصوله على الدكتوراه في الفيزياء النظرية والرياضيات التطبيقية ومن مواصلة أبحاثه العلمية إلى حين حدوث وفاته، فبواسطة برنامج مثبت فى جهاز حاسوب صمم خصيصاً له ووضع في كرسيه المتحرك تمكن من التواصل مع الآخرين وتسجيل أفكاره؛ وإشتهر بدعوته للناس الاهتمام بالفضاء الذى قد يوفر أحد الملاذات في حالة تعرض كوكب الأرض لكوارث ومخاطر طبيعية كبيرة.

في حديث له، ذكر هوكينغ أن الذكاء الأصطناعي (artificial intelligence) سيتغلب على ذكاء البشر؛ فالإنسان سيفقد خلال المئة عام المقبلة معركته في التحكم على الاناسى الآلية (robots) ولن يعد في إستطاعته توجيهها في المسارات التي يبتغيها، بل ستكون نهايته على يدها.

كان هوكينغ يؤمن في تطور البشر ومن أحاديثه المشهورة في هذا الخصوص أن اللغة المكتوبة كعامل خارجى جعلت تنمية مقدرات البشر تجرى بوتيرة أسرع إذ أنها سهلت تناقل المعلومات عبر الأجيال؛ فالعامل البيولوجى الطبيعى هو الأساس في تطور الإنسان (نقل الجينات الوراثية من جيل إلى جيل)، إلا أن تناقل المعلومات منذ نشأة التاريخ المكتوب زاد من سرعة هذا التطور الذى لم يعد رهن التطور الفسيولوجى البطيء نسبياً. لكن يبدو أن عبقرية هوكينغ في مجال العلوم الطبيعية تحدها فلسفته؛ فهو كمثالى موضوعى وبنهجه البراغماتي اوقف تطور العقل البشرى عند حدود خصائصه (حجمه وتعقيده) في الإنسان بصورته الحالية، وهذا ما عبر عنه بأن العقل البشرى سوف يصبح أدنى من الذكاء الإصطناعى.

إن الذكاء الإصطناعى إختراع بشرى أدى إلى إعطاء الآلة حركية (mobility) مكنت الإنسان من إستخدامها لإنجاز مهام بشكل أسرع أو القيام باعمال صعبة وشاقّة وخطيرة أو بعمليات صناعية تحتاج للتركيز الشديد والدقة المتناهية. والإنسان الآلى مهما تعاظمت براعته فهو يقع دائماً تحت تحكم وسيطرة الإنسان الذى يحدد تصرفاته بالريموت كونترول أو بواسطة برامج حاسوبية، ويحدد متى يستخدمه ومتى يبطل حركته ويودعه المخازن إلى حين الحاجة إلى خدماته لاحقاً،الخ. ولكن الأهم من كل هذا هو أن تطور الإنسان لم يحدث اعتباطا بل حددته طبيعته كنوع له مقومات معينة أفضت إلى ارتقائه بالصورة التي حدثت.

بالطبع هذا لا يعنى ان الكائنات الأخرى ليست قابلة للتطور، ولكن مسارها جد مختلف. وعليه، فما هى الخاصية التي يتمتع بها الإنسان الآلى وعلى أي صورة يحدث تطوره؟ ولماذا لا يستطيع الإنسان إدراك قابلية إختراعه للتطور من عدمه؟ إن الإنسان في مجرى عمله فيما يتعلق بتطوير تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى يقوم بتغيير طبيعته لمستوى أعلى في الوقت ذاته.

إن الإنسان الحالي ال (homo sapiens) الذى ظهر إلى الوجود قبل 130 ألف عام نتيجة عملية تطور غطت فترة تقدر بملايين السنين متفوقاً على أنواع بشرية أخرى من ناحية حجم الدماغ والمهارة في استعمال الأدوات. وتطور الإنسان جرى باطراد مع التغيرات في المنظومة الكلية للواقع المادى الأيكولوجي. فطالما ظل هذا الواقع في حركه لامتناهية فهذا يتطلب إنقلاباً في حجم العقل وتعقيده الذى يدرك أبعاد هذا الواقع من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن إرتقاء الإنسان، لمرحلة أعلى عقلياَ وجسمانياً، مسألة موضوعية تحتمها ضرورة الحفاظ على التوازن الأيكولوجي. كما أنه من خلال اكتشافاته المتعلقه بفك شفرات الجينات، فإن الانسان يستطيع من خلال التحسين الوراثي (genetic enhancement) تحقيق ترقية طبيعته لمرحلة أعلى.

وكلمة أخيرة حول ستيفن هوكينغ. إن هوكيتغ شخصية عالمية عادلة: عارض الحروب الاستعمارية كغزو وتدمير العراق وأدان السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، كما كان داعية للحد من آثار التغييرات المناخية ومشاركاً في الحملات المنادية بنزع السلاح النووى وبتحقيق عمومية الرعاية الصحية. وقصة هوكينغ فيها إلهام عظيم للناس وما يمكن أن يحققوه تحت ضغط أصعب العقبات التي تعترضهم، ورغم إنه لم يكن أعظم العلماء في مجاله، إلا أنه لفت النظر إلى ضرورة إيلاء دراسات الفضاء أهمية خاصة كما لم يفعل شخص آخر قبله، وقد كان محقاً في ضوء الاهمية المتزايدة لسبر أسرار الكون؛ كما أن نظريته الخاصة بالثقوب السوداء رغم أنها تنتظر ان يثبتها علماء الفلك تجريبياً، لم يشك أحدا في صحتها من الناحية النظرية (الرياضية)..... انه شخصية لا تنسى.