كلمة الأفتتاح - الندوة الفكرية - السياسية المكرسة للذكرى المئوية الأولى لثورة اكتوبر الإشتراكية العظمى

فرج اطميزه
2018 / 3 / 25 - 08:36     


أيتها الرفيقات، أيها الرفاق

أيها الحضور الكريم

تحية وبعد،

نشكركم جزيل الشكر على تلبية دعوتنا، ومشاركتكم احتفالية مئوية ثورة اكتوبر الإشتراكية المجيدة.

"البارحة كان مبكراً، وغداً سيكون متأخراً، اليوم يجب أن ننجز الثورة"، لم تكن عبارة فلاديمير لينين إشارة لتقدير اللحظة التاريخية فقط، بل كانت كذلك على حد تعبير الصحافي الأمريكي، جون ريد، عشرة أيام هزت العالم، وقد هزت العالم حقاً.

وكأنّ الزمن في ثورة أكتوبر حمل أكثر من الظروف الموضوعية، وأكثر من الصدفة التاريخية، فقد جاءت ثورة أكتوبر في خضم الحرب العالمية الأولى، التي لم تكن سوى تعبيراً عن تنافس استعماري على العالم، الجنود يموتون مجاناً، ويُدفعون زيفاً وكذباً إلى المعارك باسم شرف الأمم المستعمرة وحضارتها، للدفاع عن مصالح البرجوازية الصناعية فيها. جاءت الثورة البلشفية لتسحب روسيا من حرب على هذه الشاكلة، وتطرح شعار السلام العالمي والتحرر والعدالة والمساواة.

ولقد حظيت الشعوب العربية باهتمام كبيرفي إنطلاقة ثورة اكتوبر، وتُرجم الى اللغة العربية ونشر بين الشعوب العربية نداء مجلس مفوضي الشعب "الى جميع المسلمين الكادحين في روسيا وفي الشرق" والذي جاء فيه : "نظموا حياتكم القومية بحرية وبلا عائق. فلكم الحق في ذلك واعلموا أن حقوقكم مثل حقوق شعوب روسيا يحميها كل بأس الثورة وهيئاتها، سوفياتات نواب العمال والجنود الفلاحين".

كما جاءت ثورة أكتوبر بعد خمسة أيام من وعد بلفور المشؤوم، وكأنها كانت الرد التاريخي لمعسكر حمل هموم الشرق، ودافع عن مصالحه بصواريخه وطائراته وجامعاته ومؤسساته الثقافية. الشيوعيون وحدهم كشفوا للعرب وللعالم أسرار سايكس بيكو، وفي ذلك كانوا على حد نعبير الشاعر التشيلي بابلو نيرودا، فضة الأرض النقية.

ثورة أكتوبر لم تكن تعني ولادة قطب سياسي جديد فقط، أو معسكر شرقي فقط، بل كانت تعني ولادة معسكر أيديولوجي جديد، قراءة جديدة للحياة وللسعادة البشرية خالية من جنون الربح والاستغلال، نسخة أرقى من الفن والمسرح والموسيقى والأدب، هي باختصار المنظومة البشرية التي تاه عصرنا اليوم عنها كثيراً.

عمال العالم في الماضي والحاضر مدينون بالكثير لثورة أكتوبر، فعيدهم سوفيتي النشأة في اليوم من أيار، في واقعة حدثت على أراضي الغرب المتوحش، تنصلت منها الولايات المتحدة الأمريكية إلى يومنا هذا، وأخفت جريمتها كما تحاول إخفاء جرائمها اليوم في سوريا وبلادنا قاطبة. عمال أوروبا نفسها مدينون لثورة أكتوبر، فكل الضمانات الاجتماعية التي قدمتها الدولة الرأسمالية في الغرب كانت قلقاً من انتشار الأيديولوجيا العادلة التي تجسدت في ثورة أكتوبر وشبح كارل ماركس الذي اجتاح أوروبا. جميع الموظفين في قطاعات المصارف الأوروبية والتكنولوجيا والمصانع والخدمات الذين يعملون لساعات محددة، وبضمانات صحية وتعليمية مدينون لثورة أكتوبر قبل الدين لحكوماتهم المتربصة لنهش لحومهم.

وللعرب حصة من الدين لثورة أكتوبر، التهديدات الصادقة لخروتشوف في العدوان الثلاثي لم تكن حماية للقاهرة فقط، كانت كذلك دفاعاً عن فدانات الفلاحين وزراعتهم والمصانع الحكومية التي أسسها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، كما كانت تماماً الرؤوس النووية الروسية في كوبا دفاعاً عن مزارع قصب السكر عند رفاقنا في النضال في الجنوب الغربي من كوكبنا. أكتوبر المرجع في هزيمة اليانكي في فيتنام، أكتوبر المرجع في الثورة الفلسطينية، أكتوبر المرجع لباتريس لوممبا ولنيلسون مانديلا، أكتوبر المرجع في انتصار مصر في أكتوبرها الخاص، الذي سرقه السادات. عندما يحمل العالم ديناً بهذا الحجم لثورة، بأفكارها وبسلاحها، فكان من الطبيعي أن نحتفل بها، الآن هنا وهناك وهناك.

انهار الاتحاد السوفياتي ولم تنهر أكتوبر. بعد الانهيار الكبير تفرد الكاوبوي المتوحش في العالم، فاحتل العراق، وقتل الأفغان، وفكك يوغسلافيا، وامتص دماء السلاف بالتآمر مع بوريس يلتسين، ونشر المسدسات العمياء في شوارعها، وأرسل نساءها من المصاتع والمدارس ومركبات الفضاء إلى مجون الخليج، وحاصر كوبا، وأطلق يد الرأسمال الأوروبي للتراجع عن المكتسبات الاجتماعية التي قدمها للعمال خوفاً من أكتوبر أوروبي، فبعد الانهيار بسنوات آلان جوبيه يحاول تغيير قانون العمال في فرنسا، والولايات المتحدة تريد تغيير قوانين الاستثمار الأوروبية فيها، وحدها ظلال أكتوبر من أنقذت الفرنسيين وليست اوهام الاستثناء الثقافي الفرنسي.

واليوم في روسيا الرأسمالية هناك حنين غامر الى أيام وثمار ثورة أكتوبر العظيمة حيث قام مركز "ليفادا" المستقل لاستطلاعات الرأي العام بمسح لآراء المواطنين في (134) مدينة و قرية روسية و ذلك خلال الفترة من 18-21 من شهر تشرين الثاني من العام الماضي (2016) عبر فيها (56%) من المٌستَطلَعين عن حزنهم لسقوط الشيوعية (مقابل 28% فقط بالضد من ذلك) ، كما عبر( 53 % ) منهم عن افتقادهم للنظام الاقتصادي السوفيتي الموحد ، حسب التقرير الذي نشرته وكالة إنترفاكس الخبرية بتاريخ 5‏/12‏/2016.

بعد الانهيار انتفض الشارع العربي دون بوصلة فأنتج خريفاً انتحارياً بامتياز، انتحرت ليبيا، وحوصرت سوريا، وكاد الأخوان أن يسرقوا مصر إلى عصر الظلام. ولولا روسيا الصاعدة، روسيا الرأسمالية بتحفظ، والديمقراطية البرلمانية بتحفظ، لعاد العرب إلى شريعة الغاب.

في الخريف العربي، لم تكن هنالك لحظة تاريخية على شاكلة لينين في القطار في طريقه إلى القيصر، اختل العرب ولم يهتزوا على شاكلة جون ريد. ولد عالم متعدد الأقطاب، ذلك صحيح، ولكن تناقض مصالح الدول الكبرى لا يكفي، فثمة حاجة لأكتوبر جديد، يعيد الاعتبار للحظة التاريخية، وللبوصلة، ولصراع الأيديولوجيات.

ثمة حاجة لأكتوبر جديد يهز العالم المختل هذا، ويصرخ: فليسقط رأس المال بنسختيه الصناعية والتكنولوجية..

أكتوبر الجديد، هو النداء الأخير، إما الاشتراكية أو الهمجية.