ثورة اكتوبر الاشتراكية وحركات التحرر الوطني

حسان بدران
2018 / 3 / 17 - 12:45     


لا شك في أن ثورة أكتوبر كانت تعبر عن لحظة تغيير حاسم في تاريخ العالم، فهي أول ثورة تأخذ بالعلم الماركسي والحزب البلشفي كأداة للتغيير خلافاً للثورات الشعبية السابقة والتي افتقدت النظرية الصحيحة والحزب الحقيقي والقائد الملهم. فكما غيرت الثورة الفرنسية تاريخ العالم بقضائها على الاقطاع واستبداد الملكية والكنيسة وارسائها دعائم المواطنة والمساواة والدولة العلمانية وانتشار فكرها الى سائر انحاد العالم .

فقد قفزت ثورة اكتوبر خطوات للأمام، فأطاحت بالسلطة الأوتوقراطية ومكنت الكادحين والكسبة عموماً من استلامها من الطبقات الطفيلية الحاكمة لأول مرة في تاريخ البشرية حيث أرست دعائم نظام جديد نقيض للإمبريالية العالمية، فلا غرو أن قامت 14 دولة بحرب تدخل طاحنة ضد هذه الدولة البازغة على امل اجهاض الثورة والقضاء عليها في مهدها، غير أن الشعب السوفياتي العظيم قام بفضل التفافة حول قيادته الجديدة بصد هذا التدخل. وهكذا أرسى هذا النظام الجديد دعائمه حيث أزال الفروق بين الطبقات وأعطى القيمة الأولى للعمل والبناء، ثم امتدت أفكاره الى مختلف أنحاء العالم وبدأ يدعم الشعوب المنطلقة للتحرر الوطني والاستقلال عن سيطرة الاستعمار والامبريالية. ولعل الكثيرين لا يعرفون عن مدى الدعم المالي والتسليحي الذي قدمه الاتحاد السوفيتي لحركة كمال أتاتورك أثناء مقاومته لحرب التدخل الاستعمارية التي حاولت احتلال الارض التركية، أو المساعدة التي قدمها الاتحاد السوفييتي للدولة الهاشمية في الحجاز ضد الهجوم السعودي الوهابي على أراضيها، كما يذكر العرب جميعهم فضل الثورة البلشفية في فضح معاهدة سايكس بيكو التي نصت بالسر على تقسيم البلدان العربية بين انكلترا وفرنسا.

أما بعد الحرب العالمية الثانية وعلى اثر انبعاث حركات تحرر الشعوب من الاستعمار حيث أيدت ودعمت هذه الحراكات في جميع أنحاء العالم. ولا ننسى دعمها لحركة التحرر العربية ومشروع عبد الناصر بالذات وذلك ببناء السد العالي والتصنيع وتأميم قناة السويس ودعمه بالسلاح الحديث والخبراء أثناء الاعتداءات المتعددة التي قامت بها اسرائيل والدول الاستعمارية، كما يتبدّى بوضوح الأثر العميق الذي تركه الفكر الماركسي العلمي في فكر الأحزاب العربية الناشئة وفي وعي المثقفين والجماهير العربية على العموم. وفي هذا المناخ انتصرت الكثير من حركات التحرر العالمية وأقامت دولها المجيدة والمستقلة من الصين الى كوبا الى كوريا وفيتنام الى أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وامتد هذا التأثير حتى داخل دول الغرب الاستعماري التي اضطرت للقيام بكثير من الاصلاحات الاشتراكية وأنظمة الرفاه الاجتماعي، انحناءً لرياح التغيير التي احدثتها ثورة اكتوبر.

لقد كان لانتكاس التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي أثر بالغ الضرر على البلدان العربية التي فقدت الحليف والصديق الدائم. فقد استفردت الامبريالية بعدها بقيادة العالم، فقامت بحروب عدوانية جديدة على البلدان العربية بهدف تفكيكها والاستيلاء على مقدراتها وثرواتها، كما فعلت في العراق وسوريا وليبيا واليمن، كما أقامت ربيبتها اسرائيل بغزوات متعددة على لبنان وغزة وسائر الاراضي الفلسطينية.

واليوم حيث تستمر الامبريالية العالمية بعدوانيتها بأساليب جديدة، متحالفة بشكل أوثق مع الصهيونية ومنظمات الارهاب الدولي التي انتجها الفكر الرجعي التكفيري، فان الآثار العميقة التي أحدثتها ثورة اكتوبر ما زالت فاعلة في تشكيل تكتلات واحلاف جديدة تقف في وجهها وتبرز للوجود عالماً جديداً متعدد الأقطاب يحرز عليها انتصاراً بعد انتصار ويرغمها على التراجع والانكفاء