الحد الشيوعي الفاصل


فؤاد النمري
2018 / 3 / 12 - 19:45     

يتوجب علينا أن نفترض رغم كل الإشارات المعاكسة أن الأحزاب التي ما زالت قائمة باسم الشيوعية تعلم تبعاً للإرشاد اللينيني - ولا أقول الستاليني لأنها انقلبت معادية للشيوعية تحت راية العداء لستالين وهو مفخرة العمل الشيوعي وباني الاشتراكية السوفياتية وقاهر النازية – تعلم أن الإمبريالية العالمية وحين كانت في قمة قوتها قد رُدّت خائبة في حربها على الثورة البلشفية 1919 – 1921، وأن النازية الهتلرية بعد أن فككت أكبر إمبراطوريتين إمبرياليتين، بريطانيا وفرنسا، سحقها الاتحاد السوفياتي في حربها عليه 1941 – 1945 ورفع في 8 مايو أيار 1945 راية المطرقة والمنجل فوق الرايخ الهتلري . لا الامبريالية ولا النازية استطاعت أن تزحزح الدولة السوفياتية عن نهجها الإشتراكي اللينيني السليم . ما قهر الدولة السوفياتية البروليتارية وهزمها وعطل ثورتها الإشتراكية أخيرا هو العدو الداخلي الذي كان قد حذر منه لينين في كتابه "الضريبة العينية" 1922 مؤكدا على أن البورجوازية الوضيعة هي العدو الرئيسي للإشتراكية، ويتوجب على الشيوعيين فضح أولئك الشيوعيين الذين لم يدركوا بعد خطورة البورجوازية الوضيعة على النظام الإشتراكي .

الأحزاب الشيوعية المعوَمة اليوم بالرغم من أن ثورتها في المركز الذي حدده مؤسس الثورة فلاديمير إيلتش لينين وهو موسكو قد هزمت وأطبح بها ووصل الأمر بقادة روسيا الجدد إلى تحريم الشيوعية إلا أن هذه الأحزاب المعومة "لا حس ولا خبر" وكأن الإنهيار وقع في كوكب آخر وليس في مركز ثورتها موسكو وهو ما يستوجب منها "الحس والخبر" !! لكن لماذا كل هذا التجاهل المستهجن أشد الإستهجان !؟ هل لمثل هذا التجاهل أن يخدم الأحزاب المعولمة بشيء !؟ العكس هو الصحيح، حيث لن يعود الناس يصدقونها فيما تدعي . لسبعة عقود وهي تدعي أنها ستأتي بالشيوعية في وقت قريب وفجأة تبلع ألسنتها "ولا حس ولا خبر" !! في أحايين قليلة جداً يواجه عدد قليل من قادة هذه الأحزاب المعومة حقيقة أن تعويم أحزابهم المستجد بحاجة لشرعية تسنده فيدعون أن الإنهيار في مركز الثورة الشيوعية كان بسبب البيروقراطية وغياب الديموقراطية . مثل هذا الإدعاء الوقح لا يدعيه إلا أدعياء في غاية الوقاحة . كبف للإتحاد السوفياتي أن يبرز في منتصف القرن العشرين كأقوى قوة في العالم تحمي مظلته الجبارة شعوب العالم تفجر ثورة تحرر وطني تودي بالإمبريالية، مظلة عمودها البيروقراطية وغياب الحريات !؟ لئن كان الأمر كما يدعي هؤلاء الأدعياء الوقحون فلتناضل شعوب الأرض لبناء البيروقراطية وقمع الحريات !!

من واجبنا كشيوعيين بلاشفة من تلامذة لينين وستالين، عند هذا الحد الشيوعي الفاصل أن نفضح تصميم الأحزاب الشيوعية المعومة على تجاهلها أسباب انهيار مركز الثورة في موسكو . السبب الواحد الوحيد لهذا التجاهل أو الأحرى الخرس هو أن الكشف عن أسباب الإنهيار سينهي تعويم هذه الأحزاب كي تواجه الإفلاس الفاضح ويفضح خيانتها لقضيتها المدعاة وهي الشيوعية . الجنود السوفييت الذين قلوبهم قدّت من الفولاذ كما نقش الملك جورج السادس على سيفه المهدى إليهم وشهد على ذلك الرئيس التاريخي للولايات المتحدة روزفلت لم يكونوا إلا أحرارا في أصدق أمثلة الحرية .

ليس لدينا أدنى شك ولدى ستالين أولاً في أنه لو تم إنجاز الخطة الخمسية بنجاح في العام 1955 لأنتصرت الإشتراكية على أعدائها في الداخل انتصاراً نهائيا وكاسحاً مثلما كانت قد انتصرت على أعدائها في الخارج . ألغيت الخطة الخماسية تجاوزاً للقانون والنظام بحجة أنها توهن وسائل الدفاع عن الاتحاد السوفياتي كما أعلن رسمياً في حينه – وكنت شخصياً آنذاك قد استقبلت قرارالإلغاء بتأييد وفرح غامر . وهو ما يعني الإنصراف في اقتصاد الحرب وزيادة التسلح . طبعا ليست الإمبريالية من وجه الحزب الشيوعي للإنصراف إلى التسلح يل العكس هو ما كان حبث كانت وزارة الخارجية الأميركية طيلة السبعينيات والثمانينيات تصدر بياناً سنوياً تشكو فيه من انصراف الدولة السوفياتية إلى التسلح وتوظيف مختلف مؤسسات الإنتاج في خدمة التسلح، وكان الشيوعيون يكذبون تلك البيانات الصحيحة .
طبعاً القوى التي فرضت على الحزب الشيوعي إلغاء خطته الخماسية خلافا للقانون وللنظام هي قوى داخلية . ما هي هذه القوى الداخلية ؟ الأحزاب الشيوعية المعومة ترفض رفضاً قاطعاً الإجابة هلى هذا السؤال والإجابة عليه ستظل تتحدى أخر شيوعي في هذه الأحزاب . هذا بالضبط ما يرتب على الشيوعيين البلاشفة تعليل هذا الحرون للأحزاب الشيوعية المعومة . ليس هناك من علّة أخرى لهذا الحرون سوى أن هذه الأحزاب ترفض رفضاً قاطعاً تسمية القوى الداخلية السوفياتية التي قادت الإنقلاب على الإشلراكية لأنها هي نفسها من طينة تلك القوى . إنها البورجواوية الوضيعة التي على الرغم من تحذيرات لينين الشديدة في العام 1922 لم يدرك عامة الشيوعيين الدور الإقتصادي المعادي لبناء الإشتراكية . أن يسمي الشيوعيون المعومون البورجوازية الوضيعة السوفيتية الطبقة التي ارتدت على الاشتراكية فذلك يعني أنهم يدينون أنفسهم وهو ما لن يفعلوا .
ما زلت أذكر جيداً الترحيب والتهليل بوصول خروشتشوف إلى قمة هرم السلطة وإعلانه أنه سيقيم الديموقراطية المفقودة في المجتمع السوفياتي وطبعاً كان ذلك الغبي الذي رفعه العسكر لاحتلال مركز ستالين يعني الديموقراطية البورجوازية التي تعترف بحق البورجوازية في استغلال العمال وهو لا يدرك بأن الديموقراطية الاشتراكية كا نت بأبهى صورها في الاتحاد السوفياتي، كما أعلن إلتزامه بالقيادة الجماعية . تضمنت تلك الوعود الكاذية إدانة الاشتراكية السوفياتية ومع ذلك وجدت نرحيباً مميزا من قبل الأحزاب الشيوعية في الأطراف . نسف خروشتشوف كل هذه الوعود الكاذبة عندما رفض التنحي عن قيادة الدولة والحزب بعد أن سحب المكتب السياسي عنه الثقة وقام بانقلاب عسكري طرد بموجبه قيادة الحزب وأبقى على اثنين من تسعة هما خروشتشوف نفسه وميكويان الذي لم يسحب الثقة . الأحزاب الطرفية المعومة اليوم كانت أيضاً "لا حس ولا خبر" . وما يجدر ذكره في هذا المقام هو أن من كلفه الحزب لقراءة خطابة بمناسبة إحياء ذكرى ثورة أكتوبر في العام 1963 أثناء احتفالنا في السجن وعندما قال "سنحطم رأس ماوتسي تونغ" نهضت منسحباً من الاحتفال حيث كنت أهاجم خروشتشوف كما يهاحمه ماوتسي تونغ . وعندما اجتمعت بالأمين العام المساعد في ايار 1965 لتسوية الخلاف بيننا وعندما قال المساعد سنحطم رأس ماوتسي تونغ بالنعال وحك حذاءه بأرض الغرفة أجبته .. مهلك يا رفيق فكل الحزب الشيوعي الأردني لا يساوي عدد الشيوعيين في حي واحد من أحياء شنغهاي .
الأحزاب الشيوعية المعومة بعد انهيار الإتحاد السوفياتي كانت قد وقفت بقوة تدعم البورجوازية الوضيعة في انقلابها على الإشتراكية في الاتحاد السوفياتي، ولذلك فهي لن تدين نفسها . تخرج من الشيوعية، وقد خرجت فعلاً، دون أن تدين نفسها .

الإنقلاب على الإشتراكية عبر ثلاث محطات بقيادة رجل العسكر في الحزب نيكيتا خروشتشوف . المحطة الأولى كانت إلغاء الخطة الخمسية بقرار غير قانوني وغير نظامي اتخذته اللجنة المركزية للحزب بقيادة خروشتشوف في سبتمبر ايلول 1953 واللجنة المركزية انتخبها المؤتمر لتنفذ تلك الخطة لا لتلغيها . وكان ذلك القرار هو الثمن الذي دفعه خروشتشوف للعسكر لقاء تنصيبه أميناً عاماً للحزب بدل مالنكوف وهو القرار الذي أسس لعسكرة الاتحاد السوفياتي ليصبح مصنعاً للأسلحة بدل الاشتراكية وهو مازال ذلك المصنع المشغول بالقتل وندمير الحياة كما في سوريا .
والحطة الثانية وهي خطاب خروشتشوف السري يهاجم ستالين ابقونة العمل الشيوعي – ليس لدي أدنى شك في أن العسكر هم الذين كتبوا الخطاب حيث أن خروشتشوف لا يحسن الكتابة وأمروه إلقاءه في المؤتمر العام العشرين للحزب . ولما كان خروشتشوف على ثقة تامة يأن المكتب السياسي لن يوافق على كلمة من ذلك الخطاب فقد وقع هذا الانتهازي الغبي في "حيص بيص" وهو لا يستطبع معاندة العسكر وهم الذين نصبوه في مركز ستالين . لم يكن من حيلة أمام هذا الإنتهازي سوى أن ينتظر نهاية أعمال المؤتمر العشرين ويطلب جلسة إضافية من خارج أعمال المؤتمر وتوافق اللجنة المنظمة للمؤتر دون أن تسأل عن موضوع الطلب ويقول عضو المكتب السياسي مولوتوف في مذكراته.. " فوجئنا بخروشتشوف يتناول ورقة من جيبه لم نكن على علم بها" يهاجم ستالين . وتصف جريدة الغارديان البريطانية (The Guardian) بمناسبة الذكرى الخمسين للخطاب في 25 فبراير شباط تقول .. "عند انتهاء المؤتمر استدعي المندوبون إلى جلسة غير متوقعة .. وعندما اعتلى نيكيتا خروشتشوف المنبر وبدأ الحديث بعض الأعضاء الحضور غابوا عن الوعي وآخرون شدوا على الرأس بالكفتين إحباطاً وغالب الحضور لم يكونوا يصدقون ما يسمعون " .
المحطة الثالثة فكانت في المؤتمر الثاني والعشرون للحزب في أكتوبر 1961 حيث أهال خروشتشوف التراب على جثمان الاشتراكية وأعلن إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا واستبدالها بما أسماها "دولة الشعب كله" خارقاً بذلك المفاهيم الأولية للماركسية . ولم يخجل صنيعة العسكر خروشتشوف في إعلان استبدال الإقتصاد الإشتراكي باقتصاد السوق ومبدأ المرابحة في الإنتاج في نفس المؤتمر .

البورجوازية الوضيعة التي استولت على السلطة في الإتحاد السوفياتي بعد رحيل ستالين بقيادة العسكر ورجلهم خروشتشوف كما في العالم الرأسمالي بعد انهيار النظام الرأسمالي في السبعينيات، هذه البورجوازية الوضيعة هي أشد عداء للعمال من الرأسماليين . في المحطتين الأولى والثالثة اللتين عبرت إليهما البورجوازية الوضيعة في مسيرتها نحو تقويض الثورة الإشتراكية لم يكن هناك ما يسعف فعلاً في تحقيق الهدف الأخير، فلا الإنصراف إلى عسكرة الاقتصاد في الاتحاد السوفياتي أو إلإنصراف إلى إنتاج الخدمات في الدول الرأسمالية الكلاسيكية يمكن أن يكونا بديلين للإنتاج الرأسمالي أو الإشتراكي . ودولة البورجوازية الوضبعة تفتقد لأي سند مادي يؤهلها لتشكيل دولة قابلة للحياة . بناء على كل هذا كانت المحطة الثانية، محطة ستالين، هي التي توفر كل الأسلحة الفعالة التي تمكن البورجوازية الوضيعة من شن حرب لا هوادة فيها على الإشتراكية وقائدها الحقيقي يوسف ستالين . تلك الأسلحة وفرها خروشتشوف في خطابه السري الخياني والأخرق حيث أنكر على ستالين الميّزة الأولى التي تميّز بها على سائر القادة التاريخيين وهي إنكار الذات .

وهكذا عمدت البورجوازية الوضيعة بريادة خروشتشوف أن تخوض معركتها النهائية الحاسمة في المحطة الثانية، في محطة ستالين . هل كان ستالين يمارس طقوس عبادة الذات بموجب خطاب خروشتشوف السري وغولاً دموياً يفتك برفاقه في الحزب وبأقرب الناس إليه وقد قتل الملايين كما يدعي مجندو البورجوازية ىالوضيعة، أم كان مثالاً للإنسان الشيوعي الذي ستخلقه الشيوعية بعد مائتي عام كما براه الشيوعيون البلاشفة والإبن الأكثر براً ياليشرية كما رآه رفاقه في الحرب بعد أن عرفوه عن كثب تشيرتشل وروزفلت !!؟
تلك هي اليوم معركة الشيوعيين البلاشفة الحاسمة والتي فرضتها البورجوازية الوضيعة زماناً ومكاناً وموضوعاً وليس الشيوعيين . ولذلك يجب ألا يُؤخذ على الشيوعيين ارتكاب عبادة الفرد حيث يتوجب عليهم الدفاع عن الإشتراكية التي بناها ستالين . الهدف الأخير للطرفين المتقاتلين هو الاشتراكية، الإشتراكية التي مثلها ستالين برأي الطرفين .