القضايا الأساسية في النظرية الماركسية (2) - 1) الأساس الاقتصادي والبناء الاجتماعي


أشرف حسن منصور
2018 / 2 / 22 - 04:07     

معايير تحليل القضايا الأساسية في النظرية الماركسية:
بعد أن تعرفنا على القضايا الأساسية التي تعبر عن التوجهات النظرية والمنهجية للماركسية، أود فيما يلي تناول كل قضية منها بالتحليل، وسوف تكون معاييري في التحليل هي الآتية:
• هل لاتزال هذه القضايا صالحة في وصف وتفسير الرأسمالية المعاصرة أم أن الزمان تجاوزها؟
• هل تنطبق هذه القضايا على كل المجتمعات أم على المجتمعات الرأسمالية المتطورة فقط؟
• البحث فيما إذا كانت كل قضية على حدة قاصرة على الماركسية وحدها أم أن غيرها من التوجهات النظرية في العلوم الاجتماعية يتبناها.
• البحث في المصدر الأصلي لكل قضية: هل كان ماركس نفسه أم أننا يمكن أن عثر على حضور سابق لقضية ما في أعمال سابقة على ماركس.
• متى يوصف مفكر ما بالماركسي؟ هل الاستغناء عن قضية أو أكثر من هذه القضايا يخرج المفكر من زمرة الماركسية أو من التوجه الفكري الماركسي؟ أم أن المفكر يظل ماركسياً على الرغم من رفضه لبعض هذه القضايا؟ هل يجب على المفكر أن يتمسك بكل القضايا السبع عشرة كي يكون ملتزماً بالماركسية أم أن في الأمر مرونة أكثر من ذلك؟
*************************************************
1) الأساس الاقتصادي للمجتمع هو الذي يحدد البناء الاجتماعي ككل، بالإضافة إلى نفسية الشعب داخل هذا البناء
ويُقصد بالأساس الاقتصادي، نمط الإنتاج السائد، سواء كان مشاعياً أو عبودياً أو إقطاعياً أو رأسمالياً. والبناء الاجتماعي هو كل ما عدا ذلك من نظم سياسية وقانونية وأخلاقية ودينية...إلخ. وكان ماركس يقصد بذلك، أن كل مجتمع يأخذ طبيعته الخاصة ويكتسب خصائصه المميزة له من أسلوب الإنتاج المادي السائد في هذا المجتمع. فنمط الإنتاج المشاعي الذي بدأت به البشرية تاريخها لا يعرف الدولة، لأن الحاجة إليها لم تكن قد ظهرت بعد، إذ أن عمليات الإنتاج والتوزيع تتم تلقائياً وجماعياً، والاستهلاك يكون جماعياً، ولم تكن الملكية الخاصة قد ظهرت بعد. ومع عدم وجود ملكية خاصة فلا تظهر الحاجة إلى حمايتها ولا إلى حماية الطبقة المالكة لها، ولما كانت الدولة هي التي تقوم بتنظيم عمليات الإنتاج والتوزيع وحماية الملكية الخاصة وحماية الملاك، فلا تظهر الحاجة إليها في هذه المرحلة. وبالتالي فإن الدولة هي التنظيم السياسي الذي لا ينشأ إلا عند توافر شروط مادية عليها تقوم.
وقد كانت العلاقة بين الأساس الاقتصادي والبناء الاجتماعي في الفكر الماركسي علاقة ثنائية وحيدة الاتجاه، بحيث يكون كل مجتمع منقسماً إلى هذين المجالين، وبحيث يكون الأساس الاقتصادي هو المحدد الأساسي والوحيد لكل الظواهر الاجتماعية الأخرى، إن بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ويسمى الأساس الاقتصادي في أعمال ماركس بالمصطلح الألماني Grund، وهي تترجم إلى الإنجليزية بكلمة Base، أو Economic Basis، أو Economic Structure وتترجم بصورة خاطئة في بعض الأحيان بكلمة Infra-structure، إذ أن هذا المصطلح محايد ويدل على البنية الأساسية للإنتاج والمواصلات لكنه لا يعني الهيكل الإنتاجي كله والذي يعبر عن نمط الإنتاج السائد. أما البناء الاجتماعي فهي ترجمة Super-structure، وهي تعني كل ما عدا نمط الإنتاج المادي من ظواهر اجتماعية. لكن المفارقة هنا هي أن في الفكر الماركسي ثنائية أخرى بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج: قوى الإنتاج هي الهيكل الصناعي والتكنولوجي القائم، وعلاقات الإنتاج هي علاقات الملكية والعلاقات بين المنتجين وبعضهم وبين الرأسماليين والعمال. فهل تنتمي علاقات الإنتاج إلى البناء التحتي أم البناء الفوقي؟ يميل ماركس إلى معالجة علاقات الإنتاج على أنها جزء من البناء التحتي، لكن الحقيقة أن مفهوم علاقات الإنتاج قد توسع للغاية في الفكر الماركسي اللاحق حتى أصبح يضم أنواعاً كثيرة من العلاقات الاجتماعية التي تسهم في إعادة إنتاج نمط الإنتاج الرأسمالي، مثل بيروقراطية الدولة والهياكل الإدارية للشركات الرأسمالية، والعلاقات الاجتماعية السائدة في مؤسسات التعليم والبحث العلمي. فهذه العلاقات وإن كانت بعيدة عن المجال الإنتاجي العيني الخالص، إلا أنها تسهم في تدعيم علاقات الإنتاج الرأسمالية وهي من هذه الجهة تعيد إنتاج الرأسمالية على المستوى الاجتماعي. ومعنى هذا أن علاقات الإنتاج لا يمكن أن تقتصر على علاقة الملكية مع وسائل الإنتاج والعلاقة بين المنتجين أو بين الرأسماليين والعمال، بل يجب أن تضم علاقات كانت تنتمي من وجهة النظر الماركسية التقليدية إلى البناء الفوقي.
والمدهش في الأمر أن ماركس لم يكن هو أول من قال إن الأساس الاقتصادي للمجتمع هو الذي يشرط كل الظواهر الاجتماعية الأخرى، إذ أن أول من قدم هذه الفكرة هم الاقتصاديون الإنجليز في القرن الثامن عشر، وعلى رأسهم آدم فيرجسون وآدم سميث. بل إن مفهوم الحتمية الاقتصادية التي يخضع لها المجتمع كله، وفكرة تبعية كل التغيرات الاجتماعية والسياسية للتغيرات في الأساس الاقتصادي للمجتمع لم تكن فكرة أصيلة من إبداع ماركس، بل كانت من وضع الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، الإنجليزي والفرنسي، في القرن الثامن عشر، وخاصة المدرسة الفيزيوقراطية التي كانت تقول إن الأرض هي المصدر الأساسي للثروة، والتي أرجعت كل التغيرات الاجتماعية والسياسية إلى تغيرات في إنتاجية الأرض الزراعية وفي طبيعة التربة ونسبة خصوبتها ومعدلات إنتاجها. وكلمة "فيزيوقراطية" Physiocracy تعني "حكم الطبيعة"، أي الطبيعة (الأرض) باعتبارها حاكمة لمن عليها من البشر مع علاقاتهم الإنتاجية والسياسية والاجتماعية. فقد كانت البوادر الأولى لفكرة الحتمية الاقتصادية متخذة شكل حتمية الطبيعة وحتمية الاقتصاد الزراعي وأولويته المطلقة في تشكيل مصائر البشر.