أميركا اللاتينية: اليسار هَبْ نَسِيما 2


مجدي الجزولي
2006 / 3 / 7 - 11:57     

في معرض نقدها لممارسات الشيوعيين الروس، شرحت المناضلة الشهيدة روزا لوكسمبورغ (1871 – 1919)، في كراستها المعنونة "الثورة الروسية" (1918)، أن إلغاء الحريات الديموقراطية سينتهي لا محالة إلا خنق مصدر الحيوية الذي منه خرج فكر التحرير، ومنه تغذت إرادة التحرير، والذي هو منبع العلاج لكل داء اجتماعي. السيرة اللاحقة للدولة السوفييتية أثبتت ما ذهبت إليه لوكسمبورغ، حيث قضت بداء داخلي أساس هو الشمولية، فقد تغولت الدولة على المجتمع أيما تغول، وما عاد من صوت يصدر سوى أن يكون صدى للدولة وإرادة سلطتها. في زمان وجود الدب السوفييتي، التزمت معظم الأحزاب الشيوعية في العالم الثالث فكراً وممارسة بنهج الشيوعيين الروس شديد الشمولية وشديد المركزية باعتباره صحيح السنة "الماركسية اللينينية"! دون الخوض في التفاصيل التاريخية لهذا التدجين، وهي شديدة الاشتباك والتعقيد لا يكفيها المقال الموجز، ظني أن في انعدام النموذج الملموس بانهيار القطب السوفييتي خير ما، حسبه كثير من أهل اليسار الجذري مكروه محض أصاب الطبقة وقضيتها. الحجة في ما أزعم أن غياب الشهود الاشتراكي فتح الباب لإعادة اختراع الاشتراكية وتصحيح العلاقة بين الآيديولوجيا وهدفها، فاشتراكية السوفييت رغم انجازاتها كانت كديالكتيك هيغل تقف على رأسها، فيها الإنسان يخدم الاشتراكية، والأحرى أن تخدم الاشتراكية الإنسان. من هذا الباب يتصل النظر في خبرة يسار أميركا اللاتينية وتجاربه الجديدة، عل في ذلك ما ينعش أملاً في تجديد المراد الاشتراكي بتوطين مناهج الماركسية في مسار بلادنا التاريخي الخاص وادراك اتجاهاته وانزلاقاته، كباب لنا إلى حداثة سودانية نخترعها ونبدعها ليست نسخاً أو مسخاً، فذلك سر نجاح آربنز المغدور في غواتيمالا، وأليندي الشهيد في تشيلي، واليوم شافيز في فنزويلا، وموراليس في بوليفيا.

تطرقت في الجزء الأول من هذه الكلمة إلى جانب موجز من تجديد شافيز الاقتصادي، حيث ذكرت خبر وزارة "الاقتصاد الشعبي" المنشأة عام 2004، والمعنية بأمر التعاونيات العمالية والفلاحية؛ وتجربة "الإدارة المشتركة" التي يأخذ بموجبها العمال زمام المبادرة في إدارة مواقع الإنتاج عبر ديموقراطية تتيح لهم انتخاب الإداريين وعزلهم والتدخل في وضع الخطط؛ وكذلك سياسة حكومته في مصادرة وحدات الإنتاج المعطلة. في شأن تجذير ديموقراطية الحكم دشنت حكومة شافيز مفاهيم جديدة ومؤسسات مبتكرة لتعمير الثقافة والممارسة السياسية، لا يمكن الآن تقدير فعاليتها ونجاحها فهي بعد في طور التأسيس والتجربة. مثلاً، أنشأت الحكومة الفنزويلية وزارة بإسم "الاشتراك الشعبي" (popular participation) هدفها بحسب الرئيس شافيز "نقل السلطة إلى الشعب"، يهدي عملها درس وادراك متراكم لتجارب البلاد في الحكم وضبطه؛ ونقد جاد لديموقراطية "الامبراطورية". المقصود بذلك نمط الديموقراطية الأميركية التي استحالت إلى ديكتاتورية طبقية تتبادل الحكم فيها طبقة سياسية واحدة ذات جناحين؛ أو بلفظ أهل الوزارة الجديدة: "إن للولايات المتحدة إرث يمتد إلى 200 عام من الحكم التمثيلي (representative government)، حيث يحيل الناس أمر الحكم والسلطة إلى غيرهم، ما نعتزم في فنزويلا هو نظام يتمتع فيه الناس بالسلطة في ديموقراطية يساهمون فيها ويتزعمونها" (ضمن آلبرت، نوفمبر 05). عماد النهج المقترح يتكون من مجالس محلية تشريعية وتنفيذية في آن يمثل كل منها وحدة اجتماعية مكونة من 200 – 400 أسرة، أو 1000 – 2000 شخص. هذه المجالس هي المناط بها إتخاذ القرار في مجتمعاتها القاعدية، إذ تجمع بين لا مركزية الإدارة، وديموقراطية السلطة. وهي في قراراتها غير منازعة ما دامت اختياراتها لا تمس شأن يؤثر على الكافة، مثل الجريمة أو سن الانتخاب والترشيح، حيث يتطلب تغيير بنود قانونية عامة من هذا النوع مواجهة المستويات الأعلى من المجالس حتى المجلس التشريعي. شرح مسؤول وزاري هذا المبدأ كما يلي: "إذا اختار أحد هذه المجالس المحلية القيام بتغيير ما يطال مجال نفوذه، كسن الانتخاب على المستوى المحلي مثلاً، فله القيام بذلك وتنفيذه تحت اشرافه الخاص دون الحوجة لمناقشة الأمر أبعد من ذلك. إما اذا امتدت رغبة المجلس المحلي إلى ما هو أوسع، كتغيير قانون الانتخابات على المستوى القومي مثلاً، فإن ذلك يتطلب تصعيد الاقتراح عبر المتحدث بإسم المجلس إلى المستويات الأعلى، ثم يعود الاقتراح إلى كافة المستويات القاعدية لمناقشته، وإذا تم تبني الاقتراح فيتم تنفيذه بغض النظر عن رأي شافيز أو رؤساء البلديات أو المجلس التشريعي" (ضمن المصدر السابق). يبدو أن البوليفاريون الجدد (سيمون بوليفار) في فنزويلا بصدد صياغة أجسام سياسية موازية للهياكل الديموقراطية المعتادة، بحيث يتم تقليص سلطة "النواب" في المركز، حتى لا تفرض القرارات من عل على المجتمعات المحلية. في النموذج الجديد ينتخب الناس متحدثين بإسمهم (spokespersons) وليس ممثلين لهم (representatives)؛ ما يتم اقتراحه في وحدة قاعدية ينتقل إلى المستويات الأعلى عبر متحدثين منتخبين، ثم يعود إلى القواعد الأخرى عبر متحدثين آخرين لمزيد من المناقشة ومن ثم الإقرار، وما يتم الإتفاق عليه على المستوى القاعدي يكون ملزماً. الوسيلة إلى ذلك ليست إلغاء النظام القديم بل منافسته، والأكثر وقعاً أن نظام "ديموقراطية الاشتراك" (participatory democracy) الذي تهم الوزارة الجديدة بتنفيذه لا يعني القضاء على الأحزاب السياسية والحريات الديموقراطية وانفراد الحزب الحاكم بالسلطة كما خبر العالم بإسم "الديموقراطية الشعبية". الأحزاب تنشط في المؤسسات الجديدة وتقدم مرشحيها وبرامجها على المستويات كافة، ليس فقط من باب الدعاية السياسية قبيل الانتخابات، إذ أن الهياكل الجديدة تفرض على الأحزاب التحول من النشيد إلى المقترحات العملية والعمل الملموس الذي يُفترض أن يتعرض للاختبار والتقييم والتقويم في كل مستوى. من حيث الشرعية فإن 255 من البلديات في فنزويلا ومجموعها 355 قد أقرت الهياكل الجديدة وهي بحسب المسؤولين في الوزارة المعنية تعتبر باباً "لبناء اشتراكية تدمج الادراك الناقد للجهود السابقة في روسيا وكوبا وغيرها". يؤكد المسؤولون الفنزويليون أنهم لا يعتزمون فرض نموذج يقوم على إدارة الدولة للمؤسسات بالمعنى السابق، لكن سعيهم يهدف إلى "بناء نموذج فنزويلي خاص لتقليص اسبوع العمل، وحماية البيئة، وإحراز العدالة الاجتماعية للمجموع وللفرد" (ضمن المصدر السابق).

ارتبطت نزعات تفكيك المركزية السياسية والتشريعية والإدارية في فنزويلا، وفي أميركا اللاتينية عموماً، بسعي فعال لتقوية مستويات الحكم المحلي يعود تاريخه إلى الثمانينات من القرن الماضي، حيث يتم اليوم انتخاب رؤساء البلديات في معظم بلدان القارة اللاتينية بدلاً عن تعيينهم من قبل الرئيس أو السلطة المركزية. وذلك استجابة لفوارق جمة بين المدينة والريف، وللاختلافات بين المكونات الاجتماعية خاصة ومعظم بلدان القارة تجابه انقسامات طبقية وثقافية بين السكان الأصليين من جهة، والمحتلين القدامى والوافدين من جهة أخرى، رغم الاختلاط الشديد بين هذه المجموعات. في مناقشة هذه القضية يتم التمييز بين ثلاثة أبعاد من فك المركزية: وظائف الإدارة والخدمات العامة كالصحة والتعليم؛ التخطيط الاقتصادي والتنمية؛ الإدارة السياسية، والمقصود بالأخيرة نقل الاختصاصات السياسية للحكومة المركزية إلى مستويات أخرى إقليمية ومحلية. كما تختلف أيضاً بواعث المسعى وأهدافه: الليبراليون الجدد الذين سادوا القارة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ينظرون إلى اللامركزية كجزء من استراتيجية لتحجيم نفوذ الدولة على الاقتصاد، إذ يجب على الدولة تقليص حجمها ووزنها عبر خصخصة الخدمات العامة والاستثمارات. من وجهة نظر التكنوقراط الهدف هو عقلنة وزيادة فعالية الخدمة الحكومية، بحيث يتم تقليص الكلفة وتحسين مستوى الخدمات العامة. أما التنمويون فينظرون إلى اللامركزية كأداة لتخفيف حدة التباينات الإقليمية. الجديد في المقاربة "البوليفارية" لفك المركزية هو محتواها السياسي، إذ يؤخذ بها كاستراتيجية لرفع مستوى المشاركة السياسية للسكان؛ دمقرطة الحياة السياسية والاجتماعية؛ تحقيق مزيد من الربط بين القرارات السياسية والإدارية؛ والاستجابة لحوجات ومطالب السكان. الهدف الأخير يمثل في وجهة نظر يسار أميركا اللاتينية أولوية قائدة للأهداف الأخرى باعتبار السكان هم مصدر المشروعية، وبحيث تخدم اللامركزية أغراضهم المباشرة.

بغض النظر عن القوى الدافعة تقاصرت نزعات فك المركزية في كثير من بلدان القارة عن تحقيق الآمال المرجوة، حيث جابهت صعوبات من شاكلة الصراع على تقسيم الموارد والسلطة بين مستويات الحكم المختلفة (مركزية، إقليمية، محلية)؛ اختلاف مصالح وأهداف القائمين على الأمر؛ نقص الكفاءات والتمويل على المستويات المحلية؛ وبالطبع إرث طويل من الهياكل السياسية المتسلطة. النتيجة أنه لا يمكن الزعم أن مجرد نقل عدد من المسؤوليات من السلطة المركزية إلى مستويات الحكم الإقليمي والمحلي يؤدي إلى مزيد الديموقراطية (هنغشتنبرغ، 1999) أو إلى تنمية فعالة وإلى العدالة الاجتماعية. لكن، الواعد في التجربة الفنزويلية، وهي بعد قيد النشوء، هو المحتوى السياسي الغائب في غيرها، وتكامل القرار الإداري والسياسي، والأهم من ذلك استنادها على تمليك المجتمعات المحلية أدوات الإنتاج عبر تعاونيات العمال والفلاحين، والإدارة المشتركة للوحدات الإنتاجية الأكبر، ووجود الإرادة السياسية والاجتماعية اللازمة لتحقيق التحول المقصود. وبالطبع حقيقة أن فنزويلا هي خامس أكبر مصدر للنفط في العالم؛ في العام 2005 كانت أرباح الحكومة الفنزويلية من صناعة النفط تساوي 20 بليون دولار، وفي العام 2004 كانت الحصيلة 12 بليون دولار (فوريرو، نوفمبر 05)، أو على حد وصف أحد رجال الإدارة الأميركية "بخلاف كاسترو فإن شافيز اشتراكي صاحب جيوب عميقة" (بي بي سي نيوز على الإنترنت، 24 نوفمبر 05). جدير بالذكر أن سعر برميل خام البترول عام 1998، عندما وصل الرئيس هوغو شافيز إلى السلطة، كان تسعة دولارات بينما بلغ في العام 2005 ستين دولار، ما وفر للتجربة الوليدة موارد مالية لا يستهان بها. رغم أن الدولة الفنزويلية قد أكملت سيطرتها على صناعة البترول والغاز الطبيعي، فهي ما زالت تعتمد على مقاولين دوليين للقيام ببعض المهام الفنية؛ لمواجهة هؤلاء لا تنوي حكومة شافيز تبني سياسة المصادرة، بل يرى مسؤولوها أن الوسيلة الأفضل هي تكوين "تعاونيات" صناعية تقوم بنفس المهام لمنافستهم. يقوم العمال أنفسهم بإدارة هذه التعاونيات، وفي أقلها مساواتية لا يتجاوز أعلى الرواتب أدناها بأكثر من نسبة 3 إلى 1 مع نية الحكومة دمج هذه التعاونيات في إتحاد لتسهيل التعامل بينها وفق القيم "الاشتراكية" بدلاً عن التنافس فيما بينها بحسب قواعد السوق (آلبرت، نوفمبر 05). الغرض النهائي هو إجبار المقاولين الدوليين على الانسحاب وإكمال سيطرة الفنزويليين على ثروتهم.

تم انتخاب هوغو شافيز رئيساً لفنزويلا في السادس من ديسمبر عام 1998 على خلفية ثورة شعبية مناوئة لسياسات حكومة كارلوس آندريز بيريز، بدأت بالإحتجاج الجماهيري على زيادة أسعار المواد البترولية عام 1989 في العاصمة كاراكاس. حكومة بيريز كانت تلتزم بصرامة توصيات صندوق النقد الدولي التقشفية الرامية إلى "إعادة الهيكلة"؛ بينما وعد شافيز بهجر درب "الصندوق" وتأميم صناعة البترول تدريجياً وقد صدق وعده. ولد هوغو شافيز (51 عام) وترعرع في إقليم لانوس الرعوي جنوبي فنزويلا، أصوله العرقية خليط من الزنوج والهنود والحمر، والدته معلمة وكذلك والده، وعنهما ورث قدراته التربوية والخطابية. تخرج شافيز ضابطاً في الجيش الفنزويلي حيث اشتهر كأستاذ في كلية الحرب بكاراكاس. كرئيس عرف شافيز بكثرة سفره وتنقله في أرياف ومدن بلاده حتى أن صديقه الرئيس الكوبي فيديل كاسترو نصحه بعدم الانغماس دون داع وجيه في الشئون الإدارية قائلاً: "أنت رئيس فنزويلا، ولست عمدة كاراكاس" (ضمن قوت، اغسطس 2005). عمّد شافيز التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي دشنتها حكومته بإسم "الثورة البوليفارية" تيمناً بسيمون بوليفار، القائد الفنزويلي في القرن التاسع عشر الذي جلب إلى القارة أفكار التنوير الأوروبي والثورة الفرنسية، ونجح في تحرير عدد من بلدانها من الحكم الإسباني. بنظرة كلية فإن الإنجاز الأساس لشافيز يتمثل في تحويل ريع البترول الفنزويلي لفائدة غالبية السكان، رغم أنف الامبريالية الأميركية والطبقة البرجوازية المحلية المتحالفة معها، ما ضمن له دعم ومساندة 70% من مواطنيه. أفلح شافيز في تخليص بلاده لدرجة كبيرة من فك الليبرالية الجديدة ومؤسساتها الدولية، واستعاد إرثاً قارياً عميقاً في التحرير الوطني. إلا أن شكوكاً ما زالت تحوم حوله، حيث لم تستطع نسبة مقدرة من أهل بلاده إغفال حقيقة مشاركته ككولونيل شاب في محاولة انقلابية فاشلة عام 1992. كما أن العديد من الأميركيين اللاتينين لا يستطيعون تصور "عسكري تقدمي"، بما لهم من تجارب دموية مع الديكتاتوريات العسكرية.

سياسة حكومة شافيز تقوم في العموم على استحداث هياكل جديدة اقتصادية وسياسية واجتماعية تعمل بالتوازي مع المؤسسات القديمة بغرض منافستها. تعرّف حكومة شافيز هذه المؤسسات الجديدة بأنها "اشتراكية"، أو "بوليفارية"، أو "مضادة للرأسمالية" لكنها لا تفرضها فرضاً مزيحة الهياكل القديمة ضربة لازب بل تسعى لتوطينها في النسيج الاجتماعي بحيث تثبت جدواها وأفضليتها على القديم عن طريق التنافس المقبول والقانوني. حتى اليوم فإن سبيل شافيز إلى كسب المساندة هو الإقناع وليس القسر، فثورته البوليفارية "سلمية" تتفادى المواجهة العنيفة، وذات سمة طليعية في أن القيادة تتقدم الشعب برامجياً وآيديولوجياً بخطوات وتحاول دفعه إلى التغيير والحركة بأسرع مما اعتاد، لكنها تتغذى غالباً من القاعدة إلى أعلى. في شخصه أثبت شافيز حتى اليوم شجاعة على التجريب والتعلم، وزهداً في سلطة مركزية هائلة بحكم روحه الكاريزمي وثقة شعبه فيه، وكان مصدراً لصد نوازع التسلط في حكومته، إلا أنه من الصعب التكهن بمستقبل ثورة فنزويلا حال إنزاح من السلطة بالموت وبغيره، أو حال فسد بالسلطة. على أية حال فإن تجربة فنزويلا بحسب ما توفر من مصادر تعتبر فريدة في أنها نأت بنفسها عن التعايش الداجن مع الرأسمالية كما فعلت أحزاب الديموقراطية الاجتماعية الأوروبية، وكذلك نجت من فتنة الشمولية التي فتكت بالمعسكر الاشتراكي. لكنها تواجه مخاطر خارجية جدية تهدد بإجهاض الثورة، بالذات من الولايات المتحدة، من بينها نية لإغتيال الرئيس شافيز بعد أن فشل مسعى الانقلاب العسكري عام 2002. داخلياً تفتقر "الثورة البوليفارية" لأي نقد فاعل من جهة اليسار، فهي تختط حدودها بنفسها ولا تغتني باجتهاد يساري من خارجها ما قد يستحيل إلى هيمنة ضمنية على خطاب "الاشتراكية". كما يعوزها في أحيان كثيرة الوضوح البرامجي الضروري خاصة في الشأن الاقتصادي، ولم تقدم حتى اليوم خطة عمل ملموسة تنتصر للمرأة، أو تعارض نوازع التمييز العرقي في مؤسسات الدولة والمجتمع. مهما كان من نواقص التجربة فإن شعب فنزويلا قد سلك درباً اختاره مريداً راغباً في التحرير الوطني فيه من الإبداع "الثوري" غير القليل، غايته في ذلك إحراز العدالة الاجتماعية والديموقراطية الجذرية وتغيير "الحياة" بما ينجيه من ملل الرأسمالية القاتل!