لينين وحركة التحرر الوطنية في الشرق – تاريخ وحاضر (1)


خليل اندراوس
2018 / 1 / 28 - 18:05     


**امبريالية.. ومقاومة!
الامبريالية العالمية تسعى إلى تفريغ محتوى الاستقلال الوطني الذي نالته الدول الفتية ولأجل بلوغ هذه الاهداف تستخدم الامبريالية الامريكية والصهيونية العالمية وربيبتهما اسرائيل في منطقة الشرق الاوسط طرائق الضغط العسكري والتحكم الاقتصادي ومساندة ودعم الانظمة الرجعية السوداء في المنطقة وعلى رأسها السعودية، ولكن في النهاية لا بد ان تتعاظم ايضا مقاومة الشعوب وخاصة في منطقة الشرق الاوسط ضد سياسة النهب والقرصنة والعدوان البربرية الامبريالية الصهيونية، وأكبر مثل على ذلك مقاومة شعب سوريا واليمن والعراق وصمود ومقاومة الشعب العربي الفلسطيني

على مدى اكثر من عشرين عاما اهتم لينين اهتماما خاصا بنضال شعوب المستعمرات وأشباه المستعمرات، وحركة شعوب الشرق التحررية وقدم دراسات ومباحث تدعم من الناحية النظرية والسياسية مواقف الماركسية اللينينية والشيوعية من قضيتي القومية والمستعمرات. فقد قدم لينين مقالات حول انتفاضة الشعب الصيني على الامبرياليين في سنة 1900 وحول الثورة الصينية في سنة 1911 وحول الثورة التركية في سنتي 1908 – 1909، وكذلك قدم العديد من المقالات التي تشهر بجرائم المستعمرين الانجليز في الهند، وتبين مبلغ اهمية الحركة التحررية الوطنية التي بدأت في بدايات القرن التاسع عشر في الهند.
وحينما هاجم الامبرياليون الايطاليون طرابلس الغرب في سنة 1911 كتب لينين بسخط شديد عن "المجزرة البشرية" التي نظمها الايطاليون في افريقيا الشمالية وتحدث باحترام عميق عن بطولة العرب الذين آثروا الموت في معركة غير متكافئة ضد المغيرين على قبول العبودية. وقد كتب لينين ان القبائل العربية تأبى الخضوع وأضاف يقول بمرارة: "سيستمرون زمنا طويلا في "تمدينها" بالحراب والرصاص وحبال المشانق والنار واغتصاب النساء".
وفي العديد من المقالات عبر لينين عن محبته وتقديره لشعوب الشرق ودعمه لبدايات النضال التحرري العظيم الذي استعر في ذلك الوقت أي بدايات القرن التاسع عشر في آسيا وافريقيا والذي جذب إلى النشاط السياسي ملايين من شعوب الشرق الذين كانوا فيما مضى مهانين ومحرومين من الحقوق الانسانية. وقد سخر لينين أشد السخرية من كذبة الامبريالية العالمية الطنانة بشأن ما يدعونه بـ "الرسالة التمدينية" التي تقوم بها الدول الامبريالية تجاه شعوب الشرق.
ان الحروب المحلية والنزاعات العسكرية في شتى قارات العالم التي تنشب بصورة دورية من اواخر القرن التاسع عشر قد باتت، نقاطا تحدد طريق الامبريالية التاريخي. ان الامبريالية تسعى وتعمل على رفض الحقائق السياسية لعالمنا المعاصر وتتنكر لارادة الشعوب ذات السيادة، وتسعى إلى حرمانها من حق اختيار طريق تطورها بنفسها وتهدد سلامتها. وفي هذا يكمن السبب الرئيسي لنشوب الحروب والنزاعات في مناطق مختلفة من العالم.
ان الهدف الذي ترمي اليه هذه الدول التي تدعي القيام برسالتها "المتمدنة" عندما تنقض على شعوب آسيا وافريقيا وإذ تقتل الالوف من السكان الآمنين وتعرض من يبقى على قيد الحياة لعمل العبودية وآلام البؤس، ان هدف هذه الجرائم الوحشية التي تقترفها الامبريالية المعاصرة هو ان يضمن لحفنة من اصحاب رأس المال "وملوك" الصناعة الانجليز والفرنسيين والالمان والامريكان وغيرهم الارباح الفاحشة التي لا يمكن ابتزازها الا في المستعمرات، الارباح القذرة التي تعتصر من دماء شعوب الشرق، هي الهدف الذي يختبئ خلف الكلمات الطنانة "الرسالة التمدينية" هي الهدف الذي شنت وتشن من اجله الحروب الاستعمارية، هذا كان في بدايات القرن التاسع عشر وكتب عنه لينين بوضوح وفي العديد من المقالات، وهذه هي الممارسات العدوانية البربرية التي تمارسها الامبريالية العالمية وربيبتها الصهيونية العالمية وأصحاب رؤوس الاموال والشركات عابرت القارات وشركات صناعة السلاح في عالمنا المعاصر، واكبر مثل على ذلك ما حدث في العراق، وليبيا وما يحدث في سوريا الآن، وما يجري من مؤامرة امريكية – صهيونية رجعية عربية تجاه القضية الفلسطينية من خلال طرح "صفقة العصر" بهدف القضاء الكامل على القضية الفلسطينية وتمرير سياسات الهيمنة الاسرائيلية على المنطقة بهدف احداث تغييرات في منطقة الشرق الاوسط تؤدي إلى قيام ما يسمى مشروع "اسرائيل الكبرى" في منطقة الشرق الاوسط كقاعدة امامية للامبريالية العالمية تستعبد شعوب المنطقة وتمارس الجرائم الوحشية في المنطقة، وما حدث ويحدث للشعب العراقي والسوري والليبي واليمني والفلسطيني من قبل الثالوث الدنس الامبريالية والصهيونية وانظمة الاستبداد لا بل الاستعباد العربي لأكبر مثل على ذلك.
لقد عنون لينين احدى مقالاته بعنوان "اوروبا المتأخرة وآسيا المتقدمة"، وهذه التسمية على ما فيها من غرابة تنطوي، كما يلاحظ لينين على حقيقة مرة فالفئة الامبريالية العليا في اوروبا الغربية رغبة منها في الحفاظ على سيادتها تقدم على التحالف مع الرجعية السوداء، لذا كان على الليبرالي الانجليزي بوصفه نائبا للملك في الهند، عدوا للتقدم والحريات الدمقراطية وهو يبذل قصارى جهده لكي يبقي في الهند على العلاقات الاجتماعية الأشد تأخرا ويدعم الامراء الهنود الاقطاعيين واداراتهم الاستبدادية، ويسعر العداء الديني بين الهنود طبقا لمصلحة المتروبول.
وبرأي كاتب هذه السطور في عصرنا الحالي الامبريالية العالمية والصهيونية العنصرية تقدم على التحالف مع انظمة الاستبداد العربي مع الرجعية السوداء، ضد كل تحول دمقراطي وضد الحريات وضد التقدم في منطقة الشرق الاوسط، ضد العلمانية ضد الفكر الثوري القومي في المنطقة لكي تبقى العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية في منطقة الشرق الاوسط الأشد تأخرا والعمل على تأجيج وتسعير الصراع الديني داخل شعوب الشرق الاوسط وهذا ما فعلته فرنسا والولايات المتحدة في لبنان في الثمانينيات من القرن الماضي وما فعلته الامبريالية العالمية في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وما يفعله الثالوث الدنس من تحويل الصراع في الشرق الاوسط كصراع بين الشيعة والسنة.
وفي عصرنا الحالي يحلو الكلام من قبل الامبرياليين والصهيونيين عن "العالم الدمقراطي" "العالم الحر" وعن اسرائيل "كدولة دمقراطية وحيدة في الشرق الاوسط" في حين كل ما يجري من جرائم واحتلال واستيطان كولونيالي وتأخر واستبداد وصراعات دينية هو من صنع ايدي كهنة الحرب الامريكي الامبريالي والصهيوني العالمي. فكلمة "العالم الدمقراطي" او "العالم الحر" عبارات مستعارة كاذبة ديماغوغية فارغة يتخذها العالم الرأسمالي والمجتمع الصهيوني العنصري في اسرائيل من خلال نفي وجود الشعب الآخر ليس فقط في المناطق الفلسطينية المحتلة لا بل ايضا داخل اسرائيل من خلال عشرات القوانين التي تميز تمييزا عنصريا شوفينيا ضد الاقلية القومية الفلسطينية داخل اسرائيل. الظلم والاستبداد وسياسات العدوان والحروب والاحتلال والاستعباد الذي تعاني منه شعوب الشرق وخاصة الشرق الاوسط اعاقت وتعيق لدرجة كبيرة تطور وتقدم بلدان الشرق الاوسط اقتصاديا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا. والحقيقة تتلخص كما يقول لينين "في كون الامبريالية تعمل لإبقاء الشعب جاهلا ومحروما من الحقوق ومتأخرا من الناحيتين الاقتصادية والسياسية وتدافع عن افظع اشكال الاستثمار وعن ركود القرون الوسطى في البلدان التابعة، وتقاوم الحركة الناشئة القوية والتقدمية الحركة المتطلعة إلى المستقبل والمتعاظمة تعاظما لا مرد له، حركة شعوب الشرق".
وهذا ما فعلته اسرائيل والامبريالية الامريكية والرجعية العربية من خلال تآمر هذا الثالوث الدنس ضد الحركة القومية العربية في العراق ضد عبد الكريم قاسم وبعد ذلك ضد المناضل والقائد العربي الكبير جمال عبد الناصر. كتب لينين في سنة 1913 يقول شارحا مبلغ الاهمية التاريخية لحركة شعوب الشرق التحررية يقول: "ان يقظة آسيا وشروع البروليتاريا المتقدمة في اوروبا بالنضال في سبيل السلطة يرمزان إلى مرحلة جديدة في التاريخ العالمي بدأت في اوائل القرن العشرين"، واليوم بعد النجاحات الكبرى للصين الشعبية والتضامن والتحالف الايجابي مع روسيا من قبل الصين ودعم مواقف ايران من قبل روسيا والتحالف الاستراتيجي بين روسيا وايران، دفع الولايات المتحدة الآن وخاصة في فترة المأفون ترامب في وضع الصين وروسيا كأول اعداء للولايات المتحدة، ولكن من الاصح الحديث بأن سياسات الصين وروسيا الايجابية عالميا وفي المنطقة لا تروق وغير مقبولة على الدول الامبريالية التي تعمل على ابقاء شعوب الشرق وخاصة الشرق الاوسط شعوبا محرومة من الحقوق وتعاني من التمزق والتأخر من كل النواحي الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.
فالامبريالية العالمية تسعى إلى تفريغ محتوى الاستقلال الوطني الذي نالته الدول الفتية ولأجل بلوغ هذه الاهداف تستخدم الامبريالية الامريكية والصهيونية العالمية وربيبتهما اسرائيل في منطقة الشرق الاوسط طرائق الضغط العسكري والتحكم الاقتصادي ومساندة ودعم الانظمة الرجعية السوداء في المنطقة وعلى رأسها السعودية، ولكن في النهاية لا بد ان تتعاظم ايضا مقاومة الشعوب وخاصة في منطقة الشرق الاوسط ضد سياسة النهب والقرصنة والعدوان البربرية الامبريالية الصهيونية، وأكبر مثل على ذلك مقاومة شعب سوريا واليمن والعراق وصمود ومقاومة الشعب العربي الفلسطيني ضد سياسات اسرائيل العدوانية الكولونيالية الاستعمارية وصفقات التصفية المطروحة ضد القضية العادلة للشعب الفلسطيني من قبل الثالوث الدنس.
لقد بينت الامبريالية العالمية عمليا انها تمتاز من بين جميع التشكيلات الاستغلالية بأنها التشكيلة "الاقل حبا للسلام" و "الاكثر توقا إلى العنف" ولذلك فهي "الاكثر اثارة للنزاعات" حسب اقوال لينين (راجع مقالة لينين "الاشتراكية والحرب"، فالامبريالية الامريكية والصهيونية العالمية تستخدم على نطاق واسع وخاصة الآن في منطقة الشرق الاوسط الاستراتيجية والغنية بالنفط الحروب والنزاعات المحلية بغية القضاء على حركة التحرر الوطني لشعوب المنطقة، القضاء على الانتماء القومي للشعوب العربية وتمزيقها ساعية إلى كبح تطورها وتقدمها.
فبواسطة المساعدات العسكرية والمالية الممنوحة للأنظمة الرجعية المحلية والموالية للامبريالية وخاصة اسرائيل في منطقة الشرق الاوسط تعمل الامبريالية الامريكية والصهيونية العالمية على تحويل اسرائيل إلى حصن وقاعدة امامية لحماية المصالح الامبريالية في المنطقة وتحويل اسرائيل إلى رأس جسر ضد قوى التحرر الوطني والقومي في منطقة الشرق الاوسط وهذا ما فعلته اسرائيل من خلال العدوان العسكري المخطط والمبرمج بالتنسيق مع الولايات المتحدة والسعودية عام 1967 بهدف القضاء على حركة التحرر القومي الوطني التقدمي العلماني بقيادة جمال عبد الناصر، وللأسف الشديد استطاع هذا الثالوث الدنس الاسود الحاق الهزيمة بالمشروع القومي العربي الوطني الناصري وهذا ما تفعله اسرائيل والامبريالية في سوريا الآن ولكن هذا المشروع هذه المرة فشل على صخرة صمود الشعب السوري ونهج المقاومة والتدخل الروسي المباشر في سوريا. (يتبع)