-الذكرى السنوية ال100 لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى: المثل العليا للحركة الشيوعية، وتعزيز مكافحة الحرب الإمبريالية، والنضال من أجل السلام والاشتراكية-


مشعل يسار
2018 / 1 / 25 - 01:20     

قدم السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفيتى سرجي ألكسندروف تقريرا في الاجتماع الدولي الـ19 للأحزاب الشيوعية والعمالية في لينينغراد المكرس للذكرى الـ100 لثورة أكتوبر الاشتراكية (2-4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017) باسم الحزب الشيوعي السوفييتي. جاء في التقرير إن "انتصار الثورة الاشتراكية دشن عصراً جديداً في تاريخ البشرية هو عصر الثورات والتحويلات الاشتراكية، عصر انهيار الاستعمار. وقد أصبح انتصار ثورة أكتوبر ممكنا بفضل المقدمات الموضوعية والذاتية التي نشأت وتطورت في ذلك الوقت. فأصبحت روسيا في الوسط من التناقضات المختلفة في عصر الإمبريالية، تلك التي أدت بدايةً إلى الحرب العالمية الأولى الإمبريالية، ثم إلى الثورة. ومرد انتصار الثورة الاشتراكية في العديد من النواحي إلى وجود حزب بلشفي من نوع جديد، بقيادة فلاديمير لينين. ولا تزال مسائل استراتيجية وتكتيك الحزب البلشفي في ثورة أكتوبر بالنسبة لنا راهنة حتى اليوم، بعد مضي 100 سنة. وتساءل ألكسندروف عما جلبته الثورة للعالم، فقال: أولا وقبل كل شيء، جلبت السلام! السلام بكل معنى الكلمة. والسلام يعني لا للحرب (أي نهاية الحرب الإمبريالية)، ويعني انتهاج الاتحاد السوفياتي بدأب سياسة السلام. ويعني عالم الاشتراكية. الثورة ساهمت في نشر الأفكار الاشتراكية في جميع أنحاء العالم على نطاق واسع، وتعزيز العملية الثورية العالمية وتشكيل النظام الاشتراكي العالمي.
وأضاف: كنت أعمل مؤخرا في الأرشيف، فعثرت على رسالة من ضابط بحري مثيرة للاهتمام، يقول فيها إن "السلام ولينين" وحدهما يمكن أن يوقفا تدمير روسيا. السلام ولينين – في هاتين الكلمتين الكبيرتين تتجسد المثل الإنسانية للثورة وقدرة الحزب اللينيني على الفعل الإبداعي لمصلحة الشعب. فكما ترون، قبل 100 سنة، هذا الأمر أدركه، جنبا إلى جنب مع البلاشفة والعمال، أشخاس طليعيون من فئات مختلفة. قد يبدو أننا امام حالة خاصة، ولكن هذه الملاحظة وهذا الاستنتاج من ضابط يميزان في الواقع اتجاه العملية الثورية العالمية، ذاك الذي تلمسه بشكل واضح الناس ذوو الوعي والتفكير في ذلك الوقت.
لقد فتحت الثورة فصلا جديدا في تاريخ البشرية وأحدثت تغييرا جذريا في مسار تاريخ العالم. وأدى ذلك إلى الاستيلاء على السلطة من قبل الطبقة العاملة وإقامة الدولة الاشتراكية الأولى في العالم ذات النظام الاجتماعي الذي لا يقبل اضطهاد واستغلال الناس، فالناس سادة بلادهم. (قبل انتصار ثورة أكتوبر، كانت التغيرات في المجتمع البشري تقتصر على استبدال نظام استغلالي بآخر).
ودشنت ثورة أكتوبر عهدا جديدا من الثورات البروليتارية وظهرت الاشتراكية كأحدث نظام اجتماعي على مسرح التاريخ العالمي لتبين للبشرية جمعاء وجهة التطور.
ووجهت الثورة ضربة قوية لهيمنة الإمبريالية، وقدمت للعالم مثالا لكيفية الإطاحة بالمجتمع الاستغلالي وبناء مجتمع اشتراكي لا استغلال فيه من قبل الإنسان لأخيه الإنسان، واكتساب العديد من الشعوب استقلالها. وتلقت الحركة الثورية في الدول الرأسمالية زخما جديدا.
إن الإنجاز الرئيسي للثورة هو الحفاظ على الحضارة الإنسانية. فقد تمكنت الثورة من وقف الحرب الإمبريالية العالمية الأولى المدمرة، ومن ثم إنقاذ البشرية من الفاشية. لقد سبق لي أن قلت قبل سنوات عديدة في تقريري ان انتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية في الحرب الوطنية العظمى والحرب العالمية الثانية وُضعت أسسه في عام 1917. وقد بدأ فهم هذا الطرح من قبل عدد متزايد من الناس. وهنا في الاجتماع التاسع عشر نلحظ طرح هذا الاستنتاج بقوة جديدة أمس واليوم. فالاتحاد السوفياتي الذي تشكل نتيجة للثورة هو الذي حفظ الإنسانية أولا من الطاعون الأسود الفاشي ثم من إطلاق الإمبريالية العنان لحرب نووية واسعة النطاق. فقط الاتحاد السوفيتي كان قادرا على قصم ظهر الوحش الفاشي والحفاظ على السلام على كوكبنا الأرضي.
ماذا أعطت الثورة شعوب اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية؟
قيل في هذا أيضا الكثير. فقد تحرر البلد من التدخلات الأجنبية ومن المستغِلين المحليين، وحققت شعوبه المساواة والتنمية الحرة. وتمت في أقصر مهلة إعادة تأهيل الاقتصاد الوطني، وجرى تحديثه. وحقق الاتحاد السوفياتي نجاحا غير مسبوق في وتيرة النمو الاقتصادي، والمكاسب الاجتماعية، وتطوير التعليم والعلوم والتكنولوجيا والثقافة والمجتمع السوفياتي. وحصل مواطنو الاتحاد السوفيتي على الحق في العمل، وتم القضاء على البطالة والتمييز ضد المرأة، وبات في متناول كل الناس التعليم المجاني وباتت متاحة الرعاية الطبية. واهتمت السلطات السوفياتية بحماية الطفولة والأمومة.
الإمبراطورية الروسية التي وصفها كلاسيكيو الماركسية بأنها الشرطي الأوروبي وسجن الشعوب أصبحت بفضل الاشتراكية الاتحاد السوفياتي - بلد الصداقة والأخوة بين الشعوب، البلد الذي كان له تأثير على انهيار النظام الاستعماري والذي قدم المساعدة الأممية للبلدان الأخرى. وقدم حزبنا مساعدة كبيرة للأحزاب الشيوعية والعمالية الشقيقة.
لقد كان الإنجاز الكبير للاشتراكية الواقعية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية هو تشكيل مجتمع تاريخي جديد من الناس اسمه الشعب السوفياتي. والكثير من المواطنين السوفيات لا يزالون حتى الآن، بعد 26 عاما على تدمير الاتحاد السوفياتي، يفخرون بهويتهم السوفياتية وينقلون ذكريات دافئة ورائعة عن الاتحاد السوفياتي إلى الأحفاد، موصين إياهم بالعمل على إعادة إحياء وطن ثورة أكتوبر. واليوم، في ذكرى ثورة أكتوبر الكبرى، نتذكر الثوار المتحمسين الذين وهبوا حياتهم من أجل مستقبل مشرق للبشرية. ونحن نتذكر بكل فخر أعضاء الحزب الشيوعي السوفياتي الذين ظلوا، حتى الرمق الأخير، مخلصين للحزب اللينيني ولخدمة شعبهم وشعوب العالم.
وقال ألكسندروف: في هذه القاعة الكبيرة يجلس ممثلو عدد من الأحزاب من جمهوريات الاتحاد السوفياتي الذين يتذكرون جيدا ويقدرون ويفتخرون بانتمائهم إلى وطننا العظيم الاتحاد السوفييتي. ونحن نعلن أن للشعب السوفياتي الحق في أن تكون له دولته! ومقتنعون بأنه سيأتي يوم يرفرف فيه العلم الأحمر مرة أخرى بفخر وإباء فوق الكرملين وعواصم جمهوريات الاتحاد السوفياتي، وسوف تنهض مجدداً في أرجاء وطننا المسيرة المظفرة للسلطة السوفياتية.
نحن فخورون بإنجازات أسلافنا من البلاشفة اللينينيين، وهو ما يجب ويحلو لنا أن نتحدث عنه في هذا اليوبيل. ولكن هناك مع حلول هذه الذكرى سبباً آخر لتلخيص نتائج حقبة المئة عام التي انقضت، فهو واجب علينا التحليل النقدي المبدئي للإخفاقات والهزائم، واستخلاص الدروس والاستنتاجات، والتعامل بمسؤولية مع الأخطاء، وتحليل أسباب انحطاط قيادة الحزب وتدمير الاتحاد السوفيتي وبعض الدول الاشتراكية الأخرى، وتعديلُ وتصحيح استراتيجية وتكتيكات النضال استنادا إلى تجربة الأحزاب الشيوعية والعمالية. أولم يقل لينين ان افضل طريقة للاحتفال بالذكرى هى التركيز على المشكلات التى لم تحل. لذلك، استعرضنا هذه القضايا وغيرها مرة أخرى في المؤتمر الدولي الذي عقد في لينينغراد في أغسطس، والذي نظمه حزب العمال الشيوعي الروسي المنضم الى الحزب الشيوعي السوفياتي. هذا المؤتمر الذي شاركت في أعماله عشرات الأحزاب الماركسية اللينينية (من بين تلك التي لم تصبها عدوى الانتهازية)، أقر إعلان "أكتوبر-100"، "100 عام على ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، والدروس المستفادة والتحديات التي تواجه الشيوعيين اليوم" (2017)، والذي يعرض بالتفصيل المواقف الرئيسية للأحزاب الشيوعية المشاركة في المؤتمر (تؤلف نواتها الأحزاب الشيوعية المنضمة إلى المبادرة الشيوعية الأوروبية).
إننا نعتقد أن من الممكن تحقيق الأهداف التي تعلنها الأحزاب الشيوعية والعمالية في برامجها فقط بالطريق الثوري. فإذا كان الحزب الذي يسمي نفسه حزبا شيوعياً يتخذ لنفسه طريق الانتهازية والإصلاحية، فإنه يبتعد عن هدفه الاستراتيجي الرئيسي. إن الانتهازية تلغي جوهر الأحزاب الشيوعية، وتجعلها جزءا من النظام السياسي البرجوازي. ونحن نرى أن المسار البرلماني والإصلاحي سيجعلان الحزب الشيوعي على الأرجح حزباً برجوازياً ولن يفضي نضال هذا الحزب أبدا إلى الاشتراكية. لذلك، ليست لدينا أوهام حول أن من الممكن في إطار الرأسمالية، من خلال الإصلاحات، تصحيح النظام الاستغلالي.
واليوم، مثلما لـ100 سنة مضت، تبقى على جدول الأعمال الثورة، وإقامة ديكتاتورية البروليتاريا، وإضفاء الطابع الاجتماعي على وسائل الإنتاج، والتنمية الشاملة للديمقراطية والإنسان.
غير أن أخذ السلطة هو مجرد جزء من المهمة. فيمكن أن تضيع السلطة من أيدينا، وأن نضيّع المكاسب. وهذا ما حدث فعلا في الاتحاد السوفيتي. فمشكلة الاحتفاظ بالسلطة ترتبط ارتباطا مباشرا بمسألة ديكتاتورية البروليتاريا، وبالدعم الصادق للتحولات الاشتراكية من جانب قطاعات واسعة من الشعب العامل، وفي الوقت نفسه بتطوير الديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية. إن منع تسلط البيروقراطية هو مهمة معقدة غاية التعقيد. وقد فشل الحزب في الماضي في التعامل مع هذه المهمة ففقدنا البلاد .... بعد عام 1991، تخلص حزبنا، بقيادة رئيس الحزب الشيوعي السوفياتي أوليغ شينين من "النزعة الغورباتشوفية" ومن عدد من العيوب والشوائب الأخرى. وجد الحزب في نفسه القوة لبعث منظمات الحزب في الجمهوريات ورص صفوفها لأول مرة في شكل اتحاد الأحزاب الشيوعية - الحزب الشيوعي السوفياتي، وبعد ذلك كجزء من الحزب الشيوعي السوفياتي المستعاد (في المجال السوفياتي). نحن لا نخفي وجود صعوبات هائلة ذات طبيعة تنظيمية وغيرها. ومع ذلك، فقد تم القيام بالكثير من العمل لتوحيد القوى الشيوعية ورص صفوفها، وبات هدف لجان الحزب هو العمل الدؤوب في الحركة العمالية. فالحزب يعمل على دراسة وحل العديد من القضايا والإشكاليات، بما يجعل انتصار الثورة لا رجعة فيه فلا نكرر الخطأ نفسه الذي وقعنا فيه.
وأضاف: ثمة في الخطاب السياسي المعاصر للأحزاب الشيوعية رأي يرى أن دمار الاتحاد السوفياتي أدى إليه بعض القضايا السياسية والقانونية المرتبطة بإلغاء بند ديكتاتورية البروليتاريا في عهد خروشوف وإلغاء المادة 6 من الدستور السوفياتي حول الدور القيادي للحزب في عهد غورباتشوف. لا داعي لنخلط بين السبب والنتيجة. فمن السذاجة الاعتقاد أن شحطة قلم أو قانوناً تشريعياً كان يمكنه إلغاء ديكتاتورية البروليتاريا. فلو كانت قائمة في تلك السنوات ديكتاتورية البروليتاريا، لما سمحت بإلغائها. كانت هناك حقا دكتاتورية النخبة (النومنكلاتورا) في الحزب والدولة، وكان النشاط الهدام الذي أدى في ميادين السياسة الحزبية والعلم والفكر والاقتصاد وغيره إلى هلاك الاتحاد السوفياتي.
لقد تحولت دولة ديكتاتورية البروليتاريا التي أنشئت بقيادة لينين، تدريجيا، من وسيلة لضمان سيطرة البروليتاريا سياسيا إلى قوة تسيطر على البروليتاريا والعاملين. بطبيعة الحال، مسألة تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا مسألة مهمة جدا وصعبة جداً، خصوصا مسألة القدرة على تحقيقها والأساليب والتقنيات المعتمدة، والعلاقة بين الدكتاتورية والديمقراطية، الخ. فنحن في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية لم نتمكن من أن نحتفظ بسلطة الطبقة العاملة. في هذه المسألة هناك عدد من التناقضات والمزالق. فالحقيقة أن دكتاتورية البروليتاريا من الصعب أن تنفذ من دون مركزية، وهذه بدورها تؤدي إلى البيروقراطية وإلى انحطاط الأجهزة العليا وخروجها على الاشتراكية. البيروقراطية تعيق تطوير المؤسسات الديمقراطية. والاشتراكية من دون الديمقراطية ليست اشتراكية، بل هي نقيضها. لقد تحدث الرفيق لوي من فيتنام في تقريره المثير للاهتمام عن اللامركزية التي كان على جمهورية فيتنام الاشتراكية أن تلجأ إليها لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وتطوير القدرات البشرية. كما نرى إذن، هناك وجهة نظر وممارسة حقيقية أخرى للحفاظ على الاشتراكية وتطويرها.
سيواصل حزبنا ليس فقط استكشاف أسباب تدمير الاتحاد السوفييتي والأخطاء في البناء الاشتراكي، ولكن أيضا تجربة بلدان أخرى. فلا يجوز تبسيط المشاكل الاقتصادية للاشتراكية وإهمال الديالكتيك الماركسي اللينيني والعلم الحديث. ومع ذلك، فإن حيثيات الاجتماع اليوبيلي لا تسمح لنا أن نتناول هذه القضايا وغيرها بالتفصيل. (فهذا هو أكثرَ موضوعُ المؤتمرات العلمية والعملية وإعداد الدراسات العلمية).
في الختام أعرب ألكسندروف عن تضامن الشيوعيين السوفييت مع الشعوب في سوريا وفلسطين وكوريا الديمقراطية وفنزويلا وكوبا والشعوب الأخرى في نضالها العادل المناهض للإمبريالية!
فاليوم، ليس للبشرية بديل عن الاشتراكية، مثلما لم تكن هناك بدائل عنها لروسيا قبل 100 سنة. إما الاشتراكية وخلاص الحياة على كوكب الأرض وخلاص الكوكب نفسه، والسير في الطريق المؤدي إلى الازدهار. وإما الرأسمالية المتسببة بالحروب والنهب والتهديد بالكارثة النووية والبيئية. وعندما تأخذ هذه الحقيقة العلمية طريقها إلى عقول الجماهير الضخمة، فإن الناس سوف تكنس الطفيليين.