أميركا اللاتينية: اليسار هَبْ نَسِيما


مجدي الجزولي
2006 / 2 / 28 - 10:38     

"علينا الوعي أن نصر كوبا لا يكمن في الصواريخ السوفييتية، أو في تضامن المعسكر الاشتراكي معنا، أو في تضامن كل العالم. إن نصر كوبا رهين بوحدة شعبنا وجهده وتضحياته". بهذا التقرير الصادق والثاقب ختم مناضلنا الشهيد إرنستو تشي جيفارا خطابه إلى عمال السكر في سانتا كلارا بتاريخ 28 مارس 1961، فقط 21 يوماً قبل محاولة الولايات المتحدة الفاشلة اجتياح الجزيرة الكوبية – عملية "خليج الخنازير". اليوم، وبعد 40 عام تقريباً من استشهاد جيفارا في اكتوبر 1967، تهب على أميركا اللاتينية نسائم يسار وطني ليس له من ولي في موسكو أو غيرها، فقد اندثر الأخ الأكبر بخيره وشره. اليسار الذي صعد إلى الحكم في فنزويلا والأرجنتين والإكوادور والأوروغواي وبوليفيا وتشيلي لم تحمله رافعات سوفييتية مدعاة، بل سلالم جهد وتضحيات في صناعة ديمقراطية حقة أتت أكلها أولاً في المبادرات الشعبية ضد استغلال الليبرالية الجديدة، وفي العمل الجماعي لغمار الناس من العمال والعاطلين عن العمل والسكان المحليين، ثم في صناديق الانتخاب. صمتت بندقية جيفارا لكن إتصل ويتصل سعيه الثوري بأذهان وسواعد أصحاب وتابعين، نساء ورجال، ينشدون تنفيذ برامج عملية لمقاربة وعد التحرير الوطني والعدالة الاجتماعية، وتستبطن رؤاهم ربما حلماً سعيداً باشتراكية القرن الواحد والعشرين.

ولد إرنستو تشي جيفارا عام 1928 وهو بالمولد أرجنتيني، ومن حيث التأهيل طبيب، لكن بالحياة مناضل أممي نَصَر بما يرى واجباً بروليتاريا الكون لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالثورة. إنضم الشهيد إلى الثوريين الكوبيين في المكسيك عام 1954 ليصبح من القادة البارزين بجانب فيديل كاسترو خلال أعوام النضال المسلح (1956 – 1959) ضد حكم الديكتاتور فولغنسيو باتيستا. كان جل المقاتلين تحت لواء كاسترو وجيفارا من الفلاحين المضطَهَدين، لذا كان في مقدمة اهتماماته النظرية والعملية مسألة الإصلاح الزراعي تحت شعار "الأرض لمن يفلحها". في أكتوبر 1959 تسنم جيفارا موقع مدير برنامج التصنيع التابع لمعهد الإصلاح الزراعي، ثم غادر هذا المنصب في نوفمبر من نفس العام ليصبح محافظاً للبنك المركزي الكوبي. في فبراير 1961 حملت الثورة الكوبية مناضلها مهام وزارة الصناعة حديثة الإنشاء. بعد نضال شاق ومنتج مع قضايا البناء الاشتراكي في دولة زراعية، كان فيه شهيدنا صريحاً لا يخفي حقيقة ولا يتعامى عن عجز أو نقيصة، قرر جيفارا الاستقالة من منصبه الرسمي والتخلي عن حصاده السياسي وكذلك جنسيته الكوبية المكتسبة كفاحاً ليعود إلى الأحراش مقاتلاً ثورياً كما بدأ، فشد الرحال أولاً إلى الكونغو، ثم صد راجعاً إلى القارة اللاتينية مضيفاً بندقيته إلى بنادق ثوار بوليفيا. في السابع من اكتوبر 1967 قامت قوة مكونة من 1300 جندي بوليفي تامة التدريب على يد القوات الخاصة الأميركية بتوجيه من وكالة المخابرات المركزية (CIA)، ومكلفة بالقبض على مناضلنا، بالهجوم المحكم على جيفارا ورفاقة السبعة عشر قبالة مدخل وادي شرو في بوليفيا. أصيب تشي أول الأمر برصاص مدفع رشاش بعد انسحابه من موقع نيران قاذفات الهاون نحو وادي توسكال. هناك ألقى الجنود البوليفيون القبض على تشي وصاحبه سارابيا، ثم تم ترحيله إلى بلدة لا هيغيراس مساء اليوم التالي. صباح التاسع من اكتوبر 1967 صدر أمر من جهات عليا بإعدام تشي. تنفيذ الأمر كان مهمة قاسية، فمن بمقدوره قتل الأسطورة؟! أمر الكابتن فرادو الملازم بيريز بإطلاق الرصاص على تشي، لم تطاوع بيريز نفسه رغم أنه تحفز للقتل بكيل السباب للمناضل المصاب. من أطلق الرصاص على تشي كان الرقيب تيران، بعد أن دعم شجاعته بزجاجات عدة من البيرة. رفض جيفارا أن يموت جالساً رغم القيد الذي كبل يديه من الخلف وقال "لمواجهة هذا سأظل واقفاً" (سي آي إيه، القيادة الجنوبية: تقرير عن نشاطات كتيبة الجوالة الثانية وموت جيفارا، نوفمبر 1967).

دفعت الامبريالية عنها سيف التحرر الوطني الذي أشهره جيفارا ورفاقه ضدها بدرقة التآمر السوفييتي، ولم يسعف شهيدنا إحتجاجه على السوفييت بقوله أن نصف الكرة الشمالي – الإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية – يستغل النصف الجنوبي من الكرة الأرضية. طور جيفارا نظريته القائلة بأولوية الكفاح المسلح، خاصة حرب العصابات، وناصر بعاطفة فاعلة الثورة الفيتنامية داعياً رفاقه في القارة اللاتينية صناعة أكثر من فيتنام لهزيمة الامبريالية وتحقيق الحرية الوطنية والأممية، كان هذا مراد الشهيد ومسعاه! رؤية جيفارا لمستقبل قارته الثوري تختصرها كلماته التالية: "يتصل الكفاح المسلح في أميركا اللاتينية عبر غواتيمالا وفنزويلا وبوليفيا، كما تبرز علامات للثورة في البرازيل. هناك أيضاً بؤر للمقاومة تشتعل حيناً ثم تُخمد. لكن تنضج الأوضاع في كافة بلدان القارة تدريجاً ليظهر نمط من الصراع لا يكفيه هدفاً إلا إقامة حكومة ذات توجهات اشتراكية. (...) طريق فيتنام هو الطريق الذي سيسلكه شعبنا، هو الطريق الذي ستسلكه قارتنا. (...) لا بد أن نعي حقيقة أن الامبريالية نظام كوني، آخر مراحل الرأسمالية، ولا يمكن هزيمته إلا بمواجهة كونية. الهدف الاستراتيجي لهذا الصراع هو سحق الامبريالية. حصتنا فيه، أي مسؤولية الشعوب المستَغَلة عاجزة النمو، هي إزالة قوام الامبريالية في بلداننا. المرتع الذي منه تستخرج الامبريالية رأس المال، والمواد الخام، والفنيين، والعمالة الرخيصة؛ وإليه تصدر أدوات الهيمنة من رأس مال جديد، وسلاح، وسلع. هكذا تخضعنا الامبريالية للاعتماد التام عليها. إن العنصر الأساس في هذا المسعى الاستراتيجي هو التحرير الحقيقي لكافة شعوبنا؛ تحرير لا سبيل إليه سوى بالكفاح المسلح في غالب الأمر، ووسيلته ونهايته لا محالة الثورة الاشتراكية" (رسالة جيفارا إلى القارية الثلاثية: السكرتارية التنفيذية لمنظمة تضامن شعوب افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، أبريل 1967).

في الواقع، جعلت الولايات المتحدة الأميركية من ذهان التهديد السوفييتي مبرراً مستهلكاً للتدخل الامبريالي الفظ في أميركا اللاتينية كلما جاءت الإرادة الشعبية بغير حلفاءها. ومربط الفرس ليس مؤامرات السوفييت بل حقيقة أن ديمقراطيات القارة درجت على حمل قوى شعبية تحررية إلى الحكم كلما سنحت الفرصة. تميزت سياسة الولايات المتحدة تجاه القارة اللاتينية خلال الحرب الباردة بتناقض أولي بين مصلحة الولايات المتحدة المعلنة في محاصرة "التمدد السوفييتي"، ومصلحتها الفعلية في إجهاض وتدمير أي نمط مستقل للتنمية. لتحقيق مسعاهم نظم الأميركيون ودعموا الانقلابات العسكرية، وناصروا أفظع الشموليات، وأطاحوا دون وجل "حرياتي" بحكومات جاءت بها الإرادة الشعبية عبر صناديق الانتخابات مستغلين تهمة "الشيوعية" لحشد الدعم المحلي والدولي خلف سياستهم الخارجية. أول تدخل أميركي من هذا النوع كان في غواتيمالا عام 1954 عندما نظمت الولايات المتحدة انقلاباً عسكرياً للإطاحة بالحكومة الائتلافية الوطنية بقيادة جاكوب آربنز. انتخب الغواتيماليون حكومة آربنز مختارين مريدين، عن قناعة ببرنامج آربنز الانتخابي الذي جاء ضمن بنوده: إعادة توزيع الأرض غير المزروعة على مئات الآلاف من الفلاحين الأجراء؛ إصلاحات اجتماعية تشمل الاعتراف بالإتحادات النقابية؛ حملة واسعة للقضاء على الأمية؛ دعم الصناعة الوطنية بميزات تفضيلية وتمويل حكومي. تشكلت حكومة آربنز من ائتلاف واسع كان فيه الشيوعيون الغواتيماليون (حزب العمال) أصغر الشركاء بنصيب أربعة مقاعد من جملة 51 مقعد برلماني للائتلاف الحاكم (ستوكس، ابريل 03). لكن هذه الحقيقة، بجانب واقع أن غواتيمالا انتخبت آربنز ولم ينقض عليها تحمله الدبابات، لم تشفع لبلاده عند الإدارة الأميركية، حيث وصف الرئيس آيزنهاور حكومة آربنز بأنها "دكتاتورية شيوعية" (ضمن المصدر السابق). وزاد شارلس باروز من مكتب الشئون البين أميركية أن الإصلاحات الاقتصادية في غواتيمالا تهدد المصالح الأميركية، إذ تقدم نموذجاً بديلاً للتنمية للبلدان المجاورة، قائلاً: "أصبحت غواتيمالا تشكل تهديداً متزايداً لاستقرار هوندوراس والسلفادور. إن الإصلاح الزراعي في غواتيمالا يمثل سلاحاً دعائياً فتاكاً، والبرنامج الاجتماعي لحكومة آربنز المتمثل في مساندة العمال والفلاحين في صراعهم ضد الطبقات العليا والشركات الأجنبية الكبرى يجذب بشدة سكان الدول المجاورة في أميركا الوسطى حيث تسود ظروف مشابهة" (ضمن سيكماير، 1994). هذه الدوافع غير مستترة الامبريالية حدت بالولايات المتحدة قياد الانقلاب العسكري عام 1954 الذي قضى على حكومة آربنز "الشيوعية"، ودشن 40 عاماً من الديكتاتوريات العسكرية المدعومة أميركياً راح ضحيتها أكثر من مائة ألف مواطن غواتيمالي. ولقد أقرت الأمم المتحدة أن قتل الدولة الغواتيمالية لمواطنيها وصل حد الإبادة الجماعية خلال عهد الثمانينات، بسند كامل من الإدارة الأميركية (ستوكس، ابريل 03). نفس السيناريو الأميركي تكرر باختلاف التفاصيل في تشيلي (11 سبتمبر الجنوب) عام 1973، عندما أطاح الجنرال بينوشيه عبر انقلاب دموي عنيف بحكومة الشهيد سالفادور أليندي المنتخبة، ثم ضد الثوار الساندينيستاس في نيكاراغوا الذين انتصرت ثورتهم غلاباً على ديكتاتورية آناستازيوس سوموزا عام 1979 رغم دعم الولايات المتحدة السخي لسلطة الديكتاتور. بل إن الولايات المتحدة انتهجت نفس الأسلوب عام 2002، وليس من تهديد "شيوعي" أو إتحاد سوفييتي ولا يحزنون، عندما تآمرت الإدارة الأميركية مع قيادات حليفة لها في الجيش الفنزويلي لتنفيذ انقلاب عسكري ضد حكومة هوغو شافيز المنتخبة، كاد أن ينجح لولا أن الشعب الفنزويلي خرج إلى الشارع في انتفاضة أعادت السلطة إلى الحكومة التي انتخبها. التدخل الأميركي كان مباشراً وفاجراً حيث وفرت البحرية الأميركية التنسيق والمساندة للانقلابيين (الغارديان، 29 ابريل 2002)، بينما قدم البيت الأبيض الدعم السياسي عبر متحدثه الرسمي الذي قال: "رغم أن شافيز منتخب ديمقراطياً لا بد من إدراك أن الشرعية ليست أمراً تمنحه فقط أغلبية الناخبين" (الأوبزرفر، 21 أبريل 2002).

بنظرة كلية إلى أوضاع القارة اللاتينية نجد أن سمات عامة للاستغلال الامبريالي وتنامي ونضج القوى الوطنية المضادة له تفسر بدرجة ما سر النجاح اليساري. إذا اعتمدنا دخل الفرد كمقياس للتقدم الاقتصادي، كما يفعل معظم الاقتصاديون، نجد أن متوسط دخل الفرد في القارة شهد نمواً بمعدل 82 % خلال الأعوام 1960 – 1980، أي قبل فرض مناهج الليبرالية الجديدة على اقتصاديات القارة. ثم تناقص إلى 9% خلال الفترة 1980 – 2000، ولم يتجاوز 1% في الفترة 2000 – 2005 (فايسبروت، يناير 06). من جملة 550 مليون هم عدد سكان القارة الكلي، يعتبر 220 مليون من الفقراء، و100 مليون من أفقر الفقراء - يعيشون على أقل من دولار أميركي في اليوم. بإزاء هذا الفقر البنيوي ترزح القارة تحت نير انقسام طبقي لا يحتجب ولا يتستر، بل تعتبر القارة الأسوأ في العالم من حيث انعدام المساواة بحسب تقرير التنمية الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2005. مثلاً، تفتخر مدينة ساو باولو البرازيلية بأعلى نسبة هيليكوبتر للفرد في العالم، إذ يتحاشى الأغنياء عن طريق الطيران المرور بأحياء الصفيح (الفافيلاس). بينما تتباهى المكسيك برابع أغنى رجل في العالم، كارلوس سليم، الذي تقدر ثروته بما يفوق 46 بليون دولار، بالإضافة إلى العديد من البليونيرات الآخرين، ومرد ذلك جزئياً إلى انخفاض ضريبة الدخل في المكسيك (بي بي سي على الإنترنت، 24 نوفمبر 05).

فنزويلا، البلد الذي يوفر 15% من احتياجات النفط الأميركية، حقق إبان الفترة 1970 – 1998 معجزة في الانهيار الاقتصادي جراء سياسات الليبرالية الجديدة التي تفرضها واشنطن، حيث تناقص متوسط دخل الفرد بمعدل 35%، أحد أسوأ معدلات التدهور في العالم (فايسبروت، يناير 06). هذا الانحدار السريع كان لا بد أن يجد من يتصدى له، وذلك ما حدث فعلاً. بانتخاب حكومة هوغو شافيز اختار الشعب الفنزويلي شق طريق بديل عرفه الرئيس شافيز بما يلي: "إنه لمستحيل أن تحقق الرأسمالية أهدافنا، كذلك ليس بالإمكان البحث عن طريق وسط، أنا أدعو كافة الفنزويليين السير على درب اشتراكية القرن الجديد" (ضمن فوريرو، نوفمبر 05). رغم أن السنين الأولى لحكم شافيز شهدت زعزعة سياسية شديدة، تبعتها محاولة انقلابية عام 2002، إلا أن حكومته تمكنت من الاستواء على الدرب، حيث حقق الاقتصاد نمواً بمعدل 18% في 2004، و9% في 2005. كما ضاعفت الدولة الصرف على الخدمات الاجتماعية بأكثر من مرة، بجانب توفير الغذاء المدعوم لأقل من نصف السكان بقليل، والخدمات الصحية المجانية لغالب سكان البلاد الفقراء (فايسبروت، يناير 06). التفسير التقليدي للنجاح الفنزويلي هو تصاعد أسعار النفط العالمية، لكن سبق وأن ارتفعت أسعار النفط الخام في السبعينات بما يوازي الارتفاع الحالي، إلا أن اقتصاد فنزيلا تضعضع في تلك الحقبة بدلاً من أن ينتعش.

يعتبر الاقتصاديون التقليديون سياسات شافيز الاقتصادية خليط من حمائية الستينات مع بعض السياسات المأخوذة من تجربة كوبا وتجارب المعسكر الاشتراكي، مضاف إليها ارتجال فنزويلي مبدع. في العام 2004 أسست الحكومة الفنزويلية وزارة للاقتصاد الشعبي، قامت هذه حتى الآن بإنشاء 6480 هيئة تعاونية توظف 210 ألف شخص، يذهب إنتاج بعضها لصالح الدولة. فيما يخص السياسة المصرفية تلزم الدولة البنوك الخاصة بسقف صارم لنسبة الأرباح، وبتخصيص 31,5% على الأقل من قروضها لصالح مشاريع الإنتاج الزراعي، والإسكان، والأعمال الصغيرة. من جهة أخرى أنشأت الدولة شركات حكومية جديدة لصناعات التعدين، الحديد والصلب، والجرارات، وتعتزم إنشاء شركة لصناعة الكمبيوتر، وكذلك الحصول على التكنولوجيا النووية من الأرجنتين والبرازيل، مع تأكيد نية الاستفادة منها لأغراض سلمية؛ في إنتاج الطاقة والرعاية الصحية (فوريرو، نوفمبر 05). في اغسطس 2005 أعلن الرئيس شافيز عزم الحكومة النظر في مصادرة 136 من المصانع المغلقة، وذلك خلال حفل أقيم بمناسبة شراء تعاونية عمالية لمصنع كاكاو ظل مغلقاً لمدة 9 سنوات بالاستفادة من قرض حكومي. أكد شافيز في ذلك اليوم أن نمط الاقتصاد التعاوني الذي تدعمه حكومته هو ذلك الذي يولد ثروة جماعية عبر العمل المشترك، معلناً أن العدد الكلي للشركات والوحدات الإنتاجية الخاصة المعطلة التي تنظر الدولة في مصادرتها يبلغ 1149. استعرض الرئيس قائمة طويلة من المصانع والشركات المغلقة من بينها مصنع للسمك في ميناء قوانتا يتوفر على كافة متطلبات الإنتاج، معلقاًً: "إذا رفض أصحاب العمل فتح المصنع سيتحتم علينا فتحه بأنفسنا". شعار شافيز في سياسته مثل شعبي فنزويلي يقول: "من يملك دكاناً إما أن يبقيه مفتوحاً أو أن يبيعه"، مضيفاً أن الدولة عازمة على مصادرة كل دكان لا يفتحه صاحبه أو يبيعه. في ذلك لا يقصد شافيز الدكاكين الصغيرة، حيث تتكون القائمة التي استعرضها من شركات توظف كل منها ما بين مائة إلى خمسمائة عامل (مارتن، سبتمبر 05). حكمة شافيز المرسلة وبلفظه أنه "في حدود الرأسمالية لا يمكن حل المشاكل التي تواجه الفنزويليين من فقر وبؤس و عدم مساواة". من هذا الباب دشن شافيز خطة تعرف بإسم "الإدارة المشتركة"، مثالها البارز أكبر مصنع للألمونيوم في فنزويلا، ألكازا (ALCASA)، مملوك للدولة، حيث تخضع الإدارة لتحكم العمال، بما في ذلك انتخاب وعزل المديرين. تجربة ألكازا أثبتت حتى الآن أن إدارة العمال للإنتاج تؤدي إلى تقليص فرص الفساد وسوء الإدارة وتحجم من بيروقراطية العمل. مثلاً، كانت شركة خاصة تقوم بأعمال الصيانة في خط الإنتاج رقم 3 في المصنع، ما تسبب في فقدان 10% من الطاقة الإنتاجية للخط المعني على مدى سبعة أعوام بسبب الفساد. قرر العمال في اجتماع عام طرد الشركة الخاصة وتشغيل العدد المطلوب من العمالة لإنجاز المهمة من داخل المصنع. وكانت النتيجة إنجاز أعمال الصيانة الضرورية في زمن قياسي وتحقيق كامل الطاقة الإنتاجية (كالديرا، مايو 05). لرصد نجاحات وإخفاقات تجربة "الإدارة المشتركة" عقد عمال فنزويلا مؤتمر قومي عام في الفترة 16 – 18 يونيو 2005، كان من توصياته: تضمين مقترح بخصوص "الإدارة المشتركة" الثورية يقول بأيلولة الشركات لملكية الدولة، دون توزيع الأسهم على العمال، لكن بحيث يتم توزيع الأرباح بحسب حاجيات المجتمع التي تقررها مجالس "التخطيط الاشتراكي"، هذه المجالس هي أجسام تقوم بتنفيذ القرارات التي يتخذها المواطنون في جمعياتهم العامة." كما أوضح المؤتمرون أن تجربة "الإدارة المشتركة" هي في الواقع خطوة نحو بناء "المجتمع الاشتراكي" (مارتن، سبتمبر 05). جدير بالذكر أن استفتاءاً أجرته شركة خاصة في مايو/يونيو 2005 كشف عن تفضيل 47,5% من أهل فنزويلا لحكومة "اشتراكية"، ودعم 25,7% منهم للرأسمالية، بينما لم يجاوب البقية على السؤال المطروح.

لا أزيد على أدب الممارسة إلا كلمات موحيات لماركس وانجلز في المانفستو الشيوعي: "إن المجتمع البرجوازي بعلاقات الإنتاج والتبادل والتملك الخاصة به قد استحضر وسائل مهولة للإنتاج والتبادل، وهو كالساحر الذي عجز عن التحكم في القوى التي أطلقها بتعاويذه". التحية خالصة لعمال فنزويلا وهم يبسطون سلطتهم على الإنتاج والتبادل لما فيه خيرهم وخير شعبهم.