مقتطفات من كتاب “عشرة أيام هزت العالم”

جون ريد
2017 / 12 / 2 - 20:07     


أمضيت الكثير من الوقت في سمولني. لم يعد من السهل الدخول إليها. كانت صفوف مزدوجة من الحراس يحرسون البوابات الخارجية، وبعد أن تجاوزت الباب الأمامي كان هناك صف طويل من الناس في انتظار أن يسمح لهم بالدخول.. كانوا يمرون أربعة في المرة الواحدة، يُسألون عن هوياتهم وسبب وجودهم هنا. كان المرور بتصريحات توزع على الدخول، ويتم تغيير نظام التصاريح كل بضع ساعات، بسبب محاولات الجواسيس المستمرة للتسلسل.

في أحد الأيام وصلت إلى البوابة الخارجية ورأيت تروتسكي وزوجته يقفان أمامي. أوقفهم الجندي. بحث تروتسكي في جيوبه لكنه لم يجد تصريح المرور

أخيرا قال: “لا يهم. أنت تعرفني. اسمي تروتسكي”.

“أنت لا تملك تصريحا” أجابه الجندي بعناد “لا يمكنك الدخول. الأسماء لا تعني شيئا بالنسبة لي.”

“لكني رئيس سوفييت بتروجراد”.

“حسنا”، أجاب الجندي، “إذا كنت شخصا على هذا القدر من الأهمية فلابد أنك تملك على الأقل ورقة صغيرة.”

كان تروتسكي في غاية الصبر، وقال: “دعني أرى القائد”. تردد الجندي، وتمتم بشيء يفيد بأنه لا يريد إزعاج القائد في كل تفصيلة تمر عليه. ثم أشار أخيرا للجندي المسئول عن الحراسة. شرح تروتسكي له الأمر، مكررا “اسمي تروتسكي”

“تروتسكي”؟ حك الجندي الثاني رأسه، ثم أضاف أخيرا “لقد سمعت هذا الاسم في مكان ما. أعتقد أن الأمر على ما يرام. يمكنك الدخول يا رفيق.”

في الممر التقيت كاراخان، عضو اللجنة المركزية في الحزب البلشفي، الذي شرح لي هيكل الحكومة الجديدة.

“سوف تكون منظمة فضفاضة، حساسة للإرادة الشعبية ممثلة بالسوفييتات، بما يسمح بالمشاركة الكاملة للقوى المحلية. في الوقت الحاضر تقف الحكومة المؤقتة حائلا دون إنفاذالإرادة المحلية الديمقراطية، تماما مثلما كانت حكومة القيصر تفعل. مبادرة بناء المجتمع الجديد سوف تأتي من أسفل. وسوف تشكل الحكومة بحسب دستور حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي.

سوف تصبح اللجنة المركزية لكامل سوفيتيات العمال والجنود هي البرلمان، وسوف تتشكل لجان لترأس الوزارات بدلا من الوزراء وسوف تكون مسئولة أمام السوفيتيات مباشرة.

يوم 30 أكتوبر، وبناء على موعد سابق ذهبت إلى حجرة صغيرة، خالية من الأثاث في أعلى مبنى سمولني لأتحدث مع تروتسكي. جلس في وسط الحجرة على كرسي خشن أمام طاولة عارية. كان من الضروري أن أبدا بطرح بعض الأسئلة. تحدث سريعا وبثبات لأكثر من ساعة. أما مضمون كلامه، بنص كلماته، فأسوقه هنا:

إن الحكومة المؤقتة عاجزة تماما. والبرجوازية تتولى السلطة، إلا ان سلطتها مقنعة بائتلاف موهوم مع الأحزاب المؤيدة للحرب الدفاعية. على مدى الثورة كلها نرى انتفاضة الفلاحين، الذين كانوا في انتظار الأرض التي وعدوا بها. وهذا الاستياء ذاته يستولى بجلاء على جميع الطبقات الكادحة في جميع أنحاء البلاد. ولا يمكن لسلطة البرجوازية أن تتحقق إلا عن طريق الحرب الأهلية. فالبرجوازية لا يكن أن تمارس الحكم إلا بطريقة كورنيلوف، ولكن القوة تعوزها… إن الجيش معنا. وقد خسر المساومون ودعاة المصالحة والاشتراكيون الثوريون والمناشفة كل نفوذهم، لأن الصراع بين الفلاحين والملاكين العقاريين، بين العمال وأرباب العمل، بين الجنود والضباط، قد بلغ درجة خارقة من الشدة انعدمت معها إمكانية المصالحة، ولا يمكن انجاز الثورة وإنقاذ الشعب إلا بتركيز جهود الجماهير الشعبية، إلا بانتصار البروليتاريا…

“إن السوفيتيات هي أصدق تمثيل للشعب أصدق من حيث تجربتها الثورية أفكارها وأهدافها. وهي باعتمادها المباشر على الجنود في الخنادق وعلى العمال في المعامل وعلى الفلاحين في القرى، إنها بالفعل بمثابة العمد الفقري للثورة.

“جرت هناك محاولات لإقامة السلطة بدون السوفييتات، فما نجم عن هذه المحاولات غير انعدام السلطة، وفي الوقت الحاضر تحاك في كواليس مجلس الجمهورية الروسية مختلف أنواع الخطط المعادية للثورة، وحزب الكاديت يمثل الثورة المضادة النشيطة. أما السوفييتات فتمثل قضية الشعب، وليس بين هذين المعسكرين أية فئة ذات شأن… إنها المعركة النهائية الحاسمة. إن الثورة البرجوازية المضادة تنظم جميع قواها ولا تنتظر غير اللحظة المواتية للهجوم، ولسوف يكون ردنا حاسما.. إننا سننجز العمل الذي بالكاد بُشر به في فبراير والذي تقدم إلى أمام أثناء حركة كورنيلوف…”

ثم انتقل إلى السياسة الخارجية للحكومة المقبلة:

“سيكون أول عمل نقوم به هو الدعوة إلى الهدنة الفورية على جميع الجبهات والى مؤتمر لجميع الشعوب لمناقشة شروط الصلح الديمقراطية، وسيكون مدى ديمقراطية معاهدة الصلح متوقفا على مدى الدعم الثوري الذي نتلقاه في أوروبا؛ وإذا ألفنا هنا حكومة السوفييتات، فسيكون ذلك عاملا قويا في سبيل الصلح الفوري في أوربا لأن الحكومة ستتوجه باقتراح الهدنة إلى جميع الشعوب مباشرة وبدون واسطة، متخطية الحكومات. وعند عقد الصلح ستمر روسيا الثورية على مبدأ “لا إلحاق ولا غرامة، على أساس حق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية” وإقامة “الجمهورية الأوروبية الاتحادية...

“وإني لأرى أوروبا، في نهاية هذه الحرب، يعيد تكوينها، لا الدبلوماسيون بل البروليتاريا، الجمهورية الأوروبية الاتحادية أو الولايات المتحدة الأوروبية – هذا ما يجب تحقيقه. الاستقلال الذاتي الوطني لم يعد كافيا، فالتطور الاقتصادي يتطلب إلغاء الحدود الوطنية. فإذا ما ظلت أوروبا مجزأة إلى جماعات قومية، فإن الامبريالية ستواصل فعلها. وليس غير الجمهورية الأوروبية الاتحادية تستطيع منح السلام للعالم بأسره.” وابتسم ابتسامته الرقيقة الساخرة بعض الشيء “ولكن هذه الأهداف لا يمكن بلوغها بدون عمل الجماهير الأوروبية…. الآن.”