مهدي عامل عن التحرر الوطني والصراع الطبقي


هيفاء أحمد الجندي
2017 / 11 / 23 - 13:27     

مهدي عامل
عن التحرر الوطني والصراع الطبقي هيفاء أحمد الجندي
والبنية اللاتفارقية:
قدم مهدي عامل قراءة جدية ومعمّقة للبنة الكولونيالية ، جعلته يتفرد عن سائر أترابه بهذه القراءة المبتكرة ـ التجديدية ـ فأنتج تخالفه مع النص الماركسي بإبداعه نصاً ماركسياً متمايزاً نابعاً من خصوصية التركيب الاقتصادي ـ الاجتماعي.
إن تخالفه عن النصوص الكلاسيكية للنظرية الماركسية يرتبط بطبيعة الصراع الطبقي في البنية الاجتماعية الكولونيالية، من حيث ارتباطه بالعلاقة الكولونيالية، يعطيه طابعاً وطنياً ويحدد حركته كحركة تحرر وطني من الامبريالية. وقطع العلاقة الكولونيالية لا يتم إلا بتوقف تجدد علاقات الإنتاج الكلولونيالية التي تمثل القاعدة المادية للسيطرة الامبريالية وتجدد السيطرة يكمن بتجدد قاعدتها المادية وقاعدتها المادية هي بنية علاقات الإنتاج ولذلك لا يمكن الفصل بين حركة التحرر من الامبريالية عن حركة الصراع الطبقي.
إذاً إن الصراع الطبقي في البنية الكولونيالية له طابع وطني ويتحرك في إطار من التبعية البنوية كصراع بين قوى اجتماعية تهدف إلى الحفاظ والإبقاء على علاقات الإنتاج وتأبيد علاقة التبعية وقوى نقيضة تهدف إلى تحويل هذه العلاقات وقطع العلاقة الكولونيالية وهنا بالتحديد، لا يمكن للصراع الطبقي أن يتحرك في شكله الخاص إلا كصراع وطني بين قوى تابعة للامبريالية وقوى معادية. وهذا الموضوع يحيلنا إلى موضوعة غاية في الأهمية وتشير إلى عبقرية مهدي وهي الاستبدال الطبقي، وهي واحدة من المقولات التي ارتبطت بفكر مهدي وميزته.
إن الاستبدال الطبقي يطال البورجوازية الصغيرة دون سواها، وبمعنى أنها عرفت تفارقاً طبقياً بأن تمايزت فئة منها ـ بعدما اعتلت سدة الحكم ووصلت إلى السلطة بانقلاب عسكري واتخذت لنفسها صفة: « الأنظمة التقدمية » التي تشهد زوالها اليوم وبئس المصير، بعد هذا التحول أصبح من يحكم هو البورجوازية الكولونيالية وليس البورجوازية الصغيرة وصيرورة تحولاتها وضعتها في تناقض مأزقي مع تجدد علاقات الإنتاج الكولونيالية الذي هو شرط بقائها في السلطة بالرغم من الإصلاحات الفوقية التي أجرتها وكانت قاعدة مادية لإثرائها فيما بعد وإثر تغير وضعها الطبقي تغير موقفها من الامبريالية. وبهذا التحول قطعت مع سائر الفئات الأخرى اقتصادياً وسياسياً دون أن تقطع إيديولوجياً، وتحولها إلى كولونيالية منعها من حل القضية الوطنية والحل يكمن بتحويل علاقات الإنتاج والتحرر من التبعية وبهذا الخصوص يقول مهدي (إن الأزمة ليست في حركة تحويل علاقات الإنتاج بقدر ما هي في حركة تجددها الدائم لأن التحويل هو حل للتجدد وبالتجدد تتأمن سيطرة هذه الفئة، والانتقال المرحلي لا يحدث تغييراً جوهرياً. ويقصد بالانتقال المرحلي هو الاستبدال الطبقي داخل الطور الواحد من الإنتاج أي ما يمكن تسميته نهوض في طور الأزمة حيث يجري تثبيت علاقات الإنتاج ويمنع نهوض الطبقة العاملة في مرحلة تكون الطبقة المسيطرة الجديدة وفشل هذه البورجوازية في تحويل البنية كتابع لفصلها بين الوجه الوطني ـ والاجتماعي:
الاجتماعي كحركة معادية للرأسمالية، والوطني القائم على معاداة الامبريالية.
إن حاضر البورجوازية المتجددة «الريعية» يعطي شرعية لتأكيد ما أبدعه مهدي حول مفهوم الاستبدال الطبقي وتحولات هذه الطبقة التي كان شرط بقائها في السلطة هو تبعيتها وهذه التبعية وقفت عائقاً أمام التحرر الوطني من حيث هي حركة معادية للامبريالية.
هذه الفئة من البورجوازية التي وصلت بانقلابات عسكرية واغتنت وتحولت إلى بورجوازية تجارية، مالية ، طفيلية ـ ريعية وأفرزت فيما بعد زمرة مافيوية / عائلية متحكمة بالمقدرات الاقتصادية للبلدان العربية من مصر إلى سورية وتونس وغلفت هذا النهب بايديولوجية عروبية ـ علمانية، دينية. وموقعها الجديد جعلها تندمج وتتحالف مع الرأسمال المالي الاحتكاري وبدأت بتنفيذ سياسات الليبرالية الاقتصادية والبدء بالخصخصة لأكثر القطاعات ربحية، مما أدر عليها أرباحاً طائلة، معمقة الاستقطاب والتفاوت وعلاوة على ذلك قامت بشفط الفائض وحيازتها للعائد والريع عبر التبادل الغير متكافئ، أفقرت البورجوازية الكومبرادورية شرائح عديدة من موظفي الدخل المحدود، الفلاحين، صغار المنتجين، الحرفيين اللذين تضرروا بفعل مزاحمة البضائع الأجنبية وانفتاح الأسواق كما أن أصحاب المال الصغير حوصروا وعوقبوا ولجمت استثماراتهم المتواضعة في القطاعات الإنتاجية.
إن البيروقراطية المغلقة دفعت البعض إلى مراكمة الثروات الطائلة وجعلت منهم أقلية مستثمرة في القطاعات الخدمية، العقارية... إلى أن أتت اللحظة التاريخية وأزاحت الشعوب الغمامة والغشاوة عن وعيها. ضاقت الشعوب ذرعاً بالبذخ والاستهلاك الفاجر ومن انعدام الحريات والديمقراطية ولم يعد ينفع معها عطاءات، مكرمات، فالمنح تروض وعي الناس وتميعه تجاه عدوها الإنساني، الطبقي ، القهري.
انتفضت شعوبنا وهبت وهي المعينة، دون سواها، بالمسألة الوطنية وبتحريرها من متاجرة البورجوازية الطفيلية لأن القضية الوطنية هي قضية فلاحين هجروا من أراضيهم وتحولوا إلى متسولين وعمال في القطاعات الخدمية وآخرون يرزحون تحت خط الفقر، أقول هذا لأن هذه الفئات المسحوقة لا تفصل في نضالها بين الوطني والديمقراطي والاجتماعي وهذا ما سيزيد من فاشية البورجوازية المدعومة من الامبريالية ومشيخات البترو دولار لأن سادة الأنظمة هذه وأصحاب رأس المال الاحتكاري يريدون تمييع الثورة وقطع الطريق عليها من خلال عسكرتها أو بافتعال الحرب الأهلية أو صناعة بديل نيوليبرالي يحافظ على الجوهر الكولونيالي ويحسّن شروط التبعية تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان ويكرّس الارتهان للخارج.
الثورة مستمرة لأنها سيرورة والشعب يريد الانعتاق والتحرر من البورجوازية العربية، الريعية، ومن الامبريالية الداعمة لها، ولأنها سيرورة طويلة الأمد أي الثورة فمن الطبيعي أن تتعثرحركيتها وتمر بمراحل انتقالية طويلة وقاسية.
وأمام التناقض المأزقي للبورجوازية الكولونيالية بما يخص القضية الوطنية ، يطرح مهدي البديل، والبديل هو الطبقة العاملة التي ستقوم بكسر الإطار البنيوي لبنية علاقات الإنتاج الكولونيالية وأن الممارسة السياسية لصراعها الطبقي هي حتماً ممارسة وطنية، وحل التناقض الوطني في بنية العلاقات الكولونيالية، هو حل اشتراكي يحدده منطق الصراع الطبقي وأن الطبقة العاملة هي الحبلى بالمستقبل الاشتراكي.
من حيث المبدأ لا غبار على التحليل النظري المجتهد للبنية وعلاقات الإنتاج فيها، و تموضع الطبقات ولكن يمكن أن ندون بعض الملاحظات على هذا التحليل الذي لا يخلو من التناقضات والالتباس بين المستوى النظري والتعيين الواقعي.
يكمن التناقض عند مهدي في النظر إلى الطبقة العاملة على أنها متكونة أحياناً وأن التبعية تمنع التكون أو هي عائق في وجه التكون.
وإذا انتقلنا من المستوى النظري إلى المستوى السياسي أو التناقض الرئيسي (وهو التناقض المرحلي) وغالباً ما تتسم هذه المرحلة بأنها تحالف قوى ثورية « مرحلة تحول ديمقراطي » وبهذا الخصوص يقول مهدي إن الشرط الأساسي للتكون المستقل للجماهير الشعبية في وجه البورجوازية هو التكون المستقل للطبقة العاملة، وانسجاماً مع ما طرح أتصور: أن شرط استقلال الطبقة العاملة هو استقلال الجماهير الشعبية.
وكان الحري بمهدي أن يتحدث عن فئات شعبية للدقة الواقعية، فإن اقتصار الحديث عن الطبقة العاملة ربما يعود لطهرانيته الحزبية. ألم تندلع الثورتان الروسية والصينية وكانت الطبقة العاملة قيد التكون.
إن الثورة الشعبية الديمقراطية تفتح الأفق والمدى الطويل للانتقال إلى الاشتراكية ومن هنا تنبع أهمية طرح تروتسكي حول الثورة الدائمة. إذاً، هي ثورة شعب في وجه الطغمة التي نمثل رأس المال الاحتكاري.
التحرر من الامبريالية يمر حتماً بالتحرر من ممثلتها وتتصف هذه المرحلة بأنها مرحلة انتقال إلى الاشتراكية وليس إلى الرأسمالية كما يحاول البعض أن يروج معتبراً أن الطبقة الوسطى هي من تقود الحراك الشعبي وسوف تقضي على الأشكال الما قبل رأسمالية ليتم الانتقال إلى الرأسمالية ولكون المرحلة هي مرحلة ثورة ديمقراطية شعبية والسواد الأعظم في هذه الثورة هم من الكادحين، المهمشين بما يؤدي للانتقال إلى الاشتراكية، من جانب آخر فإن البعض يتجاهل الامبريالية ويعتبرها مجرد مرحلة من مراحل تطور الرأسمالية.. فتجاهل الامبريالية وإسقاطها من منظومة البعض يعني رفض الإمكانية التاريخية لإستراتيجية ثورة متواصلة على مراحل والتعلل بأوهام تطور الرأسمالية في العالم العربي.
إذاً، الثورات بشعوبها وشبابها هي ثورة مجتمع ضد سلطة ومهما اختلف شكل التحليل والتوصيف يبقى هناك شعب يثور ضد الاستبداد وطالما هناك رأسمالية في العالم فالظلم والاستغلال قائم.
واليوم، مع الثورات الشعبية، نطوي صفحة الوطنية الشعبوية، (الإصلاحات الفوقية وديكتاتورية الحزب الواحد). وننظر إلى المستقبل بعين الرجاء بولادة ديمقراطية حقيقية، وفي المستقبل لن تكون هناك عدالة بدون ديمقراطية ولا منجزات ديمقراطية دون تقدم اجتماعي، ولأن فكرنا الماركسي لن نجده في الكتب وإنما في التفكير العميق بالتحولات. والتحدي الأكبر هو إنتاج نظرية للثورات تستمد خصوصيتها من المعطيات والتحولات: وعملية إنتاج الماركسية كما يقول مهدي هي عملية مستمرة باستمرار الحركة الثورية من حيث هي حركة تغيير للعالم وانتقال به من الرأسمالية إلى الاشتراكية، وعملية إعادة إنتاجها متجددة بتجدد الشروط التاريخية الخاصة بتحقق السيرورة الثورية، وتقع على المثقفين النقديين كونهم على معرفة علمية بقوانين التطور التاريخي للبنى أن تدفع بهم وتحثهم على أن يستخلصوا ويبنوا نظرية للثورة خاصة ببلدان العالم الثالث، يوجد شعب لم يقرأ لينين وماركس وغرامشي ولكن الوعي الذي يتم إنتاجه ويتكشّف للجميع خلال الثورات ملفت ويحيرني شكل توصيفه ـ ذكاؤه بالرغم من فطريته ، عفويته، تلقائيته، إن الممارسة السياسية تنتج نظريتها وشعاراتها وخصوصيتها وعناوينها.