إنعكاسات علي مقال (التَّناقض بين المادية والدِّياليكتيكية) لانور نجم الدين


أحمد العروبي
2017 / 11 / 22 - 11:34     

أنا شخصيا تيقنت من أهمية الديالكتيك بعد الاطلاع علي العلم و ليس قبله , كانت الفكرة موجودة و مطروحة بالنسبة لي لكن لم أقتنع بها إلا بعد الاطلاع علي العلم

ما يقوله نجم الدين صحيح فيما يخص العلم فهو مختلف عن الفلسفة من حيث المنهج حيث الأول الدليل المادي فيه يأتي قبل العقلي و الثاني الدليل العقلي فيه يأتي قبل المادي
إلا إن كلاهما مؤسس علي قاعدة العلوم الصورية و هذا لان هذه العلوم وجودها ممكن في حال لم توجد الطبيعة نفسها و التي نتيجة لوجودها هناك بشر
العلوم الصورية ما يجعلها متسقة مع نفسها هو عدم القدرة علي تخيل نقيض القوانين المؤسسة لها
فمثلا لا يمكنك تخيل عملية الطرح تماما كالجمع في الرياضيات , أو إمكانية التناقض في المنطق , في حين يمكن تخيل نقيض القوانين الطبيعية في كون أخر.

حينما يقول نجم الدين أن العلم يختلف باختباره للمادة و دراستها فهو محق. لكن هذه الدراسة و الاختبار لم تكن مؤسسة علي الفراغ بل كانت مؤسسة علي قاعدة المنطق الاستقرائي و الذي يتم وصفه بمنطق العلم , إلا إن العلمية كلها لا تتوقف عليه بل إن عمله ينتهي بإنتاج مقدمة كبري (نظرية) و هنا يبدأ عمل المنطق الصوري مره أخرى !!! فلا يمكن الفكاك من كلاهما

المشكلة الوحيدة هنا و التي جعلت الفلسفة تبتعد كثيرا عن العلم هو تكثيف البديهيات و أظن سبب هذا هو نقص المعلومات و الأدوات اللازمة للتطبيق قواعد الاستقراء بشكل أوسع مما جعل البديهيات تتراكم تدريجيا.

فالمنطق الصوري ليس لأنه أنتج مقدمات كبري مغلوطة عن النفس و العالم و المحرك الأول وقت سيادة الفلسفة علي الفكر أنه لا شيء. و هنا لن أستخدم نتائج الاستقراء التي أنتجت معلومات مغلوطة في بداية انفصال العلم عن الفلسفة , بل سأستخدم نموذج الآلة الصماء التي لا تستطيع التميز و لا تنتج منتج ذو جودة عالية إلا حينما تكون مدخلاتها ذات جودة عالية

المطحنة مثلا قادرة علي طحن الحجر الجيري لكن لن تستطيع خبزه فيما بعد , هنا المشكلة ليست في الآلة الصماء بل في المدخلات
المنطق آلة فكرية صماء لا تميز شيء و لا تفهم أي شيء و ليس لديها موقف و لا تقدم أي قيمة مضافه كالتي يقدمها الإنسان للفكر مثلا
بل هي مجرد آلة يخضع منتجها للمدخلات التي دخلتها

بتفكيك الفلسفة في العصور المختلفة يتضح نمط إتباعها للعلم في عصرها , فكانت فلسفة أرسطو تابعة للعلم الذي جمعه و أضاف عليه في عهده و كذلك فلسفة كل من كانط و ديكارت تابعة لما وصل له العلم في وقتها حيث الفيزياء الكلاسيكية , ثم فيما بعد الفلسفة العلمية و الوضعية المنطقية (مدرستي فيينا و برلين) كانتا تابعتين للعلم في عهدهما حيث الفيزياء المعاصرة

لم يكن سبب الفلسفة تقسيم العمل ! بل غياب الأدوات و المعلومات اللازمة ببساطة التي جعلت للدليل العقلي النفوذ الأكبر علي حساب الدليل المادي
و أنا شخصيا أري أن نفس الشيء حدث للدين قبل التطور الذي أدي لظهور الفلسفة
فالدليل الغيبي المعتمد علي الكائنات الفوق طبيعية الوهمية كان له النفوذ الأكبر نظرا لعدم وجود أي معلومات و أي أدوات و التي تحقق بعضها فيما بعد بنضوج الفلسفة في الظاهرة اليونانية في التاريخ البشري.
و لا أقصد هنا السبب الجيني الذي يبقي الدين فاعلا , بل السبب الذي يجعله مهم كأساس للمعرفة لدي الاذكياء الذين انفصلوا فيما بعد عن بقية المجتمع بتطوير ما سمي لاحقا بالفلسفة.

و لذلك بإزالة سبب المشكلة و هو البديهيات حيث لا يتم إضافة أي مقدمة أخرى دون التحقق منها من خلال الاستقراء تكون الفلسفة علي نفس الخط مع العلم و تفقد جوهرها المميز.

و هنا لا حاجة للفصل التعسفي بين الفلسفة و العلم , فهي ليست دين حتي يتم التعامل معها بالعزل لتمكن الخرافة منه.

بشكل عام مقالات أنور نجم الدين استثنائية و من الصعب إيجاد مثيل لها حتي لدي المثقفين غير العرب , هو عقلية نقديه محترمة و أنا أعشق هذا النوع من العقليات.