من هم الطلبة القاعديون المغاربة(1)؟


محمد الهلالي
2017 / 11 / 18 - 01:40     

1
للمغرب ديْن على طلابه الذين أيقظوا الأسئلة الحديثة في سراديب مؤسساته، وشيدوا لها مسالك لتعبر نحو معنى سعيد للتاريخ. وهذا الديْن يوجد أمامنا، يسائلنا عن معناه، يسائل الذين يعترفون به والذين يتجاهلونه والذين لا يعون بوجوده.
من الممكن تفسير العداوة المرة والمدمرة التي ولّدَتْها ممارسة الطلية اليساريين، هنا وهناك. في هذا الآن أو ذاك.، بالجدّة التي مثلتها سلوكاتهم وأحلامهم وأساليب تعاطيهم مع الأشياء والتاريخ، وبالحِدّة التي اتّسمتْ بها شعاراتهم.
وهبَ الطلبة الثوريون أنفسهم لمعتقداتهم، وكأنهم يخلصون لتقليد رمزي قديم سنّهُ النبي ابراهيم: تقليد التضحية المؤسسة على الهبة والإخلاص وقبول الخضوع.
إنها مَدينة جديدة فتِحت. وصولٌ بعد هجرة. انتظار مؤقت في مكان مسحت علامات عنفه. يوحي بعدم إلزامه بالتمرد عليه. تظهرُ الهبة كقرار ذاتي، كبذل بدون أخذن كبذل بدون مقابل، كعطاء وليست كمبادلة. تعلن الهية عن وجود الرغبة في التضحية، عن الاستعداد للتضحية. فتصبح الهبة بذلك بوابة التضحية.
2
يخضع القادمون الجدد لعملية استبدال الاسم. وهي عملية مقنعة. فوِفْق أية شروط تتم؟ هل تتمُ مثلا وفق تعاقد بين مجموعات الطلبة؟ أو وفق فرض قانون يفرض ذلك الاستبدال؟
قبل التضحية المعلنة نحو أفق الآتي، قبل التضحية التي تتحقق-تعاش بحضور شهود-أحياء وأموات، توجد التضحية الأولية-الأولى-الخفية، التي تنسل إلى جسم الاسم، فتستقر فيه محوا كاتبا لاسم جماعي-صفة شخصية.
يسود بهذا الاستبدال الناتج عن التضحية اسم الرفيق كاسم جماعي شخصي، اسم ينحو نحو انتزاع المسمى من أسر قدسية وطبقية الاسم، قد يتعلق الأمر باسم سياسي-شخصي.
إن عملية التسمية-اللاتسمية هذه تخترقها رغبة تسييد الجماعي في الفردي، وتغييب الفردي في الجماعي. إنه احتفال خاص بالبراكسيس، وامتلاء خاص بالموضوعية.
يحتفل الرفيق بولوجه المكان-الحرم. مجال الجماعة الجديدة والتمثيلية. تمثيلية الجيل، تمثيلية الحداثة، تمثيلية القيم الكونية، تمثيلية الرفاق وفق قواعد الديمقراطية الليبرالية. إنها لذة ولوج المعنى التاريخي للتاريخ.
3
من يقبل هبة الرفيق؟ من يقبل هبة الرفاق الذين كلفوا باستقبال هبة الرفيق والتأكد من صحتها-إقرار الحقيقة وفق مقاييس الحرم. فلا تضحية بدون التزام. ولا التزام بدون قبول الالتزام: أن يقبل الرفيق الالتزام، وأن تقبل جماعة الرفاق التزامه وتصدق قبوله الالتزام أمامهم. الوقوف أمام أسياد الحقيقة الجدد.
تقدم التضحية كفقدان كفقدان وكنعيم: سنفقد لاسم لننعم باسم آخر، سنفقد المدينة لنعيش في مدينة أخرى، سنفقد الجسد لننعم بالخلود في تاريخ آخر غير تاريخ النبي إبراهيم-الأب-واضع التسمية-الذي تمردنا عليه-باحتلالنا لموقع المسمى لأنفسنا.
4
أن نوجد معناه أ نحتج، وكأننا نوجد لنحتج. نقدم أنفسنا مالكي للحقيقة، مالكين الحجة التي لا تقهرها حجة. وتقديم الحجة القاهرة يعني أيضا استعدادا لممارسة القهر بالحجة وبدونها، أي بالقوة. فإذا كانت حجتنا كرفاق قوية فكان يجب أ تكون قوتنا أقوى: إن التضحية تتكلم لغات الجسم.
أمرت الرأسمالية الامبريالية الآباء بالتضحية بالأبناء، فلبوا الأمر بخضوع الأسياد المنهزمين والمستفيدين من هزائمهم. فلم ينقذنا أحد من الموت-الحياة الميتة. فقررنا أن نختار منقذا: الأب-الرفيق، والرفاق-الآباء... وبما أننا لا نتكلم نفس اللغة، وبما أن الأشياء لا تنطق، وبما أن الثورة هي قبل كل شيء معنى الثورة، فقد عوقبنا بالبحث عن معنى موحد للتضحية والالتزام والنضال... معنى ينفلت منا باستمرار.
5
أراد الطلبة اليساريون المغاربة، الطلبة القاعديون، الطلبة المناضلون الجذريون أن يساهموا في تقديم معنى جديد للحرية، للالتزام، للممارسة النضالية، للعدالة الاجتماعية. للحداثة والتقدم. وقدموا تضحيات كبرى في سبيل ذلك. وواجهوا بصمود وشجاعة كل أشكال القمع والتضليل والتحايل التي استهدفت اجتثاثهم. ومثلوا رأيا شجاعا في المواقع التي وجدوا فيها. ومن واجب تاريخ بلدهم أن يفخر بهم.
أما الخلافات والخصومات التي تخرج من صلب ممارساتهم ومن مختلف سبل تفكيرهم، والتي تصل أحيانا حد الإقصاء، والتجريد من الهوية الثورية، فيمكن التفكير فيها من خلال هذا التساؤل: أية تضحية تلائم التزام المناضل اليساري؟
هوامش:
1) رابط كتاب من هم الطلبة اليساريون؟ من هم القاعديون؟ لسعيد عبو في مكتبة الحوار المتمدن:

https://www.4shared.com/office/C1Fayq3Pei/_____.html