إضاءات اضافية من اجل شحذ سلاح التنظيم


التيتي الحبيب
2017 / 10 / 18 - 00:36     


في صيف 1973 نشرت منظمة الى الامام في العدد 9 من الجريدة المركزية الى الامام مقالة تعتبر من المقالات الاساسية في الخط السياسي والإيديولوجي لها بعنوان" لنبني الحزب الثوري تحت نيران العدو .جاء هذا المقال كرد حاسم على نقاش دار بين المنظمتين الماركسيتين اللينينيتين 23 مارس والى الامام حول الموقف المحتم عليهما اتخاذه ازاء القمع الاهوج الذي شنه النظام ضد المنظمتين والذي سقط بموجبه معتقلون من اطر المنظمتين.
ففي الوقت الذي ذهبت فيه منظمة 23 مارس الى تبني خطة تراجعية تحمي اعضائها واعتبرت ان الفترة هي فترة تراجع سياسي يجب ان تترجم تنظيميا بالتركيز على التكوين الداخلي للأعضاء القدماء والجدد، عكس ذلك صدرت هذه الوثيقة لتؤصل الى موقف الى الامام معتبرة ان الحزب بالمواصفات اللينينية لا يمكنه ان يبنى إلا في خضم الصراع الطبقي وبارتباط وثيق بالنضالات الجماهيرية، وانتقدت الاسس والخلفيات التي اعتمدتها منظمة 23 مارس وهو ما سمي بعد ذلك بنظرية الخط الداخلي.
هذه الوثيقة توجد اليوم تحت تصرف الجمهور العريض وتعتبر دراستها مهمة لا غنى عنها لكل من يعتبر نفسه معنيا بمهمة المساهمة في بناء حزب الطبقة العاملة المغربي.
ماهو حكم التاريخ في ذلك الصراع الذي عرفته الحركة الماركسية اللينينة آنذاك حول هذه النقطة المفصلية؟ يكمن الحكم فيما اعتقد انه سمح لمنظمة الى الامام بالاستمرارية التنظيمية والسياسية وبالتالي بصمودها التنظيمي طبعا لا بد من الاشارة لتواضع النتائج وبهزالتها، لكنني اعتبر ان الفرق بين التنظيمين اصبح نوعيا في مآلات تطور كل منهما.الى الامام فتحت طريق التغيير الثوري واسست لقطائع مع النظام والدولة الكمبرادورية بينما 23 مارس رغم وجود تيار ثوري جنيني انتهت بالمجمل الى الاصلاحية.
ارتأيت الرجوع الى هذه الوثيقة لأنها تعتبر بالنسبة للمناضلين الشباب والعديد من التيارات الماركسية اللينينية بمثابة بوصلة في العمل وهي ما يوجه ذلك الاندفاع وتلك الحماسة بدون خوف ولا وجل من الاجهزة البوليسية والتي لا تفوت الفرصة او المناسبة لاعتقال كل طاقة ثورية تظهر هنا او هناك وذلك تطبيقا لسياسة كلاسيكية اتبعها النظام وهي سياسة الارض المحروقة وحرمان هذه التيارات او المناضلين من الحصول على تراكم الخبرات والدروس.
ارتأيت ضرورة الرجوع لهذه الوثيقة لأنني لمست عبر الملاحظة والمتابعة ان ما يستحضره غالبا بعض المناضلين من هذه الوثيقة لا يتعدى احد اوجهها فقط ويغفلون او يتناسوا الاوجه الاخرى والتي لا تخلوا من الاهمية الحاسمة ايضا. يستحضر المناضلون من هذه الوثيقة جانبها المهتم بمواجهة الاعتقالات وهم بذلك يختزلون نيران العدو في احد مظاهرها اي المواجهة مع القمع.لكن لماذا هذا الاختزال وما هي دوافعه؟ ربما يعود ذلك الى اسباب حقيقية وهي المواجهة العنيفة التي خصها النظام لمثل هؤلاء المناضلين وبالتالي تركزت المعركة في ميدان القمع السافر وفي مسالة مواجهته وتحديه والصمود امامه.
ما اريد اليوم القاء المزيد من الضوء عليه هو ان العدو يستعمل اسلحة مختلفة ومتنوعة وذلك حسب كل وضع او ظرف اجتماعي رغم ان الثابت والمشترك هو سيادة اسلوب القمع والاعتقالات او القتل خارج نطاق قانونه.لذا وجب توسيع دائرة الاهتمام لمفهوم "نيران العدو".انها تشمل جميع الاساليب والسياسات التي يتخذها النظام او جميع مؤسسات الدولة بما فيها الاجهزة القانونية والإعلامية والإيديولوجية.فإذا كان القمع يستهدف التنظيم ويمنعه من الوجود والتوسع والانتشار فان الاساليب الاخرى فإنها تستهدف ايضا منع فكرالمناضلين وخططهم من ان تحدث التأثير الذي يرجونه لها.انها اذا حرب طبقية بكل ما تعني من كلمة.ولذلك يستعمل النظام كل الوسائل القذرة من الاشاعات او اختلاق اخبار او اللعب على التناقضات او التمايزات في التقدير السياسي للمناضلين او التيارات المختلفة ناهيك عن استغلال الاخطاء او الهفوات والنفخ فيها وتضخيمها، كما انه يستعمل الاخفاقات او الهزائم والانكسارات المؤقتة وتضخيمها لتصبح هزائم نهائية او اندحارا كاملا.انه يوظف كل تلك الترسانة من اجل عزل التنظيم عن محيطه الاجتماعي لتسهل عملية اجتثاثه عضويا.
هكذا تأخذ مقولة "بناء الحزب تحت نيران العدو" معنى ربط التنظيم بالنضالات وجعل خط الحزب خط الجماهير والفهم السديد لمفهوم الطليعة باعتبارها تلك العلاقة الجدلية بين المناضلين وأوسع الجماهير في فهم دقيق لواقع تلك الجماهير وتقدير سليم لاستعداداتها وللشعارات المناسبة لكل ظرف وفترة .ان الخط السديد يبنى في هذا الاطار وليس خارجه.وانطلاقا من مبدأ ان الجماهير هي من تحرر نفسها بنفسها وان للحزب دور هيأة اركان خوض الحرب الطبقية بالمعنى الدقيق والواسع يصبح للحزب ومناضليه مسؤولية تاريخية مبنية على الثقة المتبادلة بينه وبين تلك الجماهير وهي ثقة تلمسها وتتأكد منها الجماهير في العمل اليومي والدؤوب للمناضلين الذي يمثلون الحزب او ينطقون باسمه.انهم المربي الجماعي للجماهير وهم في نفس اللحظة يتربون على ايدي الجماهير يتعلمون امورا لن يجدوها في المرجعيات ولا في الكتب النظرية.وبما ان هؤلاء المناضلون وذلك الحزب منخرط في النضال الملموس وبكل واجهاته، فإنهم معرضون حتما للخطأ ولسوء التقدير، ومن اجل معالجة مثل هذه التجارب لا بد ان يقوم الحزب او مناضلوه المرتكبون للأخطاء او سوء التقدير بعملية نقد وتقد ذاتي وطبعا اذا لم يبادروا فان الجماهير تلاحظ وتصدر احكامها قد تكون نهائية ووخيمة على الحزب لاسيما اذا وضعنا بالحسبان ان الاعداء الطبقيين وحتى بعض الحلفاء سيستغلون اخطائنا ويركبون عليها ويوظفونها ضدنا فيكون الثمن افدح من ثمن الاعتراف بها ونقدها وتقديم النقد الذاتي المناسب.وبذلك يحق القول اننا نبني الحزب تحت نيران العدو وحتى الاصدقاء.
ان حزبا يبنى ضمن هذا المنظور فانه سينال صفة الطليعة وسيحظى بالاعتراف والاحتضان من طرف العمال والكادحين وطبعا ستتعقد عملية عزله او اجتثاثه وسيصبح حزبا طليعيا وراسخا جماهيريا.