موت الشيوعية و مستقبل الشيوعية - مقتطف من كتاب - ماتت الشيوعية الزائفة ... عاشت الشيوعية الحقيقية !- تأليف بوب أفاكيان


شادي الشماوي
2017 / 9 / 19 - 01:37     

( ملاحظة : هذه الترجمة ليست رسميّة /This is not an official translation )
مقدّمة المترجم للكتاب 28 :
عنوان كتاب بوب أفاكيان الذى ترجمنا إلى العربيّة وننشر هنا هو" ماتت الشيوعيّة الزائفة...عاشت الشيوعيّة الحقيقيّة !" وهو ذات عنوان بيان شهير للحركة الأمميّة الثوريّة بصدد ما جدّ في أواخر ثمانينات القرن العشرين و بدايات تسعيناته في الإتّحاد السوفياتي و البلدان التي كانت تمثّل كتلته من تفكّك و تداعى و إنهيار . و الحركة الأمميّة الثوريّة وليدة الصراع بين الخطّين صلب الحركة الشيوعيّة العالميّة الذى خاضه ورثة ما سمّي بداية " فكر ماو تسى تونغ " و تاليا الماويّة ضد كلّ من التحريفيّة المعاصرة السوفياتيّة و التحريفيّة الصينيّة و التحريفيّة الألبانيّة أو الخوجيّة ، تنظيم عالمي لمجموعة كبيرة من الأحزاب و المنظّمات الماويّة أو الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة نشأ على أساس بيان الحركة الأممية الثوريّة لسنة 1984 الذى أردف لاحقا ، سنة 1993 ، ببيان " لتحي الماركسية - اللينينيّة - الماويّة " . و ظلّ هذا التنظيم العالميّ ينشط موحّدا إلى 2006 حيث حصل داخله إنشقاق أساسيّ كبير لعدّة أسباب أبرزها الإنحراف اليمينيّ ، التحريفيّ الإصلاحيّ للحزب الشيوعيّ النيبالي ( الماوي ) الذى أوقف حرب الشعب الماوية التي قادها لسنوات عشر و بدلا من إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة و تعبيد الطريق للثورة الإشتراكية بقيادة البروليتاريا و بالتالى تحطيم الدولة القائمة للطبقات الرجعيّة ، إنخرط في العمل في إطار الدولة الرجعيّة لإصلاحها . و قد سبق لنا و أن وثّقنا هذا الصراع داخل الحركة الأممية الثوريّة في كتابين تجدونهما بمكتبة الحوار المتمدّن و هما " الثورة الماويّة في النيبال و صراع الخطّين صلب الحركة الأمميّة الثوريّة " و " الماويّة تنقسم إلى إثنين ".
و بوب أفاكيان هو رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الذى كان من أهمّ الفاعلين في تشكيل الحركة الأمميّة الثوريّة و في قيادتها لذلك لم يكن مفاجأ أن يحمل بيان تلك الحركة نفس عنوان كتاب أفاكيان كما لم يكن مفاجأ أن تروّج أحزاب و منظّمات تلك الحركة لهذا الكتاب عبر العالم قاطبة و كذلك لم يكن مفاجأ عدم نشر الجزء الثاني المعدّ في الأصل لهذا الكتاب مع الجزء الأوّل منه بل صدر في مجلّة الحركة الأمميّة الثوريّة ، " عالم نربحه " عدد 17 سنة 1992 ورابطه على الأنترنت هو : http://www.bannedthought.net/International/RIM/AWTW/1992-17/index.htm. و قد إنصبّ إهتمام المؤلّف في الجزء الذى نشر بالمجلّة إيّاها على نقد إنحراف يمينيّ ديمقراطيّ برجوازي ظهر صلب قيادة حزب من الأحزاب المنتمية إلى الحركة الأمميّة الثوريّة ونقصد الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني) لجنة إعادة التنظيم. و بعد بضعة سنوات ، في طبعة ثانية للكتاب ، وقع ضمّ الجزء المنشور بالمجلّة إلى بقيّة الكتاب . لذلك لم نترجم الكتاب كما صدر في طبعته الأولى فحسب بل أضفنا إليه النصّ الذى نشر في " عالم نربحه ".
و لئن إنكبّ بوب أفاكيان في الجزء المنشور في مجلّة الحركة الأمميّة الثوريّة بتسليط سياط النقد على ذلك التوجّه التحرفيّ الإصلاحي فإنّه في الجزء الذى صدر من البداية ككتاب قد إعتنى بالردّ على الهجوم الإيديولوجيّ على الشيوعيّة الحقيقيّة ، الشيوعيّة الثوريّة من قبل الممثّلين السياسيّين و الأدبيّين للبرجوازيّة الإمبرياليّة و بالأخصّ ما صرّح به جورج بوش و برجنسكي المستشار السامي في إدارته .
و ليست هذه هي المرّة الأولى التي ينبرى فيها بوب أفاكيان و حزبه للتصدّى للدفاع المستميت عن علم الشيوعية و التجارب الإشتراكيّة للبروليتاريا العالمية وتعرية التيّارات التحريفيّة و الإصلاحيّة فقد رأينا بوب أفاكيان يقارع التحريفيّة الصينيّة التي إستولت على السلطة في الصين إثر إنقلاب 1976 و حوّلت الصين الماويّة الإشتراكيّة إلى صين رأسماليّة ، في كتاب " المساهامات الخالدة لماو تسى تونغ " و رأينا الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، ينقد بصلابة الخوجيّة و يرفع راية الماويّة في كتابنا ، " الماويّة تدحض الخوجيّة و منذ 1979 " ، و رأينا هذا الحزب بقيادة بوب أفاكيان ، يفضح تحريفيّة و إصلاحيّة الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) في كتابنا " الثورة الماويّة في النيبال وصراع الخطّين صلب الحركة الأمميّة الثوريّة " ) و ألفيناه أيضا يواجه دغمائيّة بعض الأحزاب و المنظّمات التي كانت منتمية إلى الحركة الأممية الثورية من أفغانستان و الهند و إيطاليا و غيرها و معارضتها التعاطى مع الشيوعيّة كعلم و تطوير الماويّة تطويرا ثوريّا في كتابينا " الماويّة تنقسم إلى إثنين " و " آجيث صورة لبقايا الماضى " . و لتكوين فكرة عن الخلاصة الجديدة للشيوعيّة أو الشيوعيّة الجديدة التي يعتبر بوب أفاكيان مهندسها و التي يمكن أن تعدّ مزيجا من الدفاع عن المبادئ الشيوعيّة الصحيحة و مكاسب التجارب الإشتراكية من ناحية و نقد لبعض الإنحرافات و الأخطاء و تطويرثوريّ للماويّة أو الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة لجعلها أرسخ علميّا و أقدر على قيادة المرحلة أو الموجة الجديدة للثورة الشيوعية العالميّة من ناحية ثانية ، نقترح على القرّاء الغوص في كتابنا – المتوفّر هو و بقيّة الكتب الآنف ذكرها بمكتبة الحوار المتمدّن – " عن بوب أفاكيان و أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية – تحدّث قادة من الحزب الشيوعيّ الثوريّ ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ".
و قد ينبرى أحدهم ليثير سؤال : ما علاقة كتاب " ماتت الشيوعيّة الزائفة ... عاشت الشيوعيّة الحقيقيّة ! " بمجريات أحداث الصراع الطبقيّ و الصراع الإيديولوجي تحديدا الآن و هنا ، بعد ما يناهز الثلاثة عقود من صدور ذلك الكتاب ؟ و الجواب في غاية البساطة : المسائل المطروحة و المناقشة مسائل ما إنفكّت تطرح على بساط البحث إلى اليوم في صفوف فرق اليسار عربيّا فضلا عن كون الهجوم الإيديولوجيّ على الشيوعيّة الحقيقيّة ، الشيوعيّة الثوريّة ما لقي تصدّيا كما يجب كمّا و نوعا من الشيوعيّين و الشيوعيّات في البلدان العربيّة و ما زلنا إلى اليوم نعانى أيّة معاناة من تبعات ذلك . و حتّى عالميّا ، لا تزال أفكار هذا الكتاب ليس صالحة و حسب بل تنبض حياة و على سبيل المثال سيتفطّن دارس الخطّ التحريفيّ الإصلاحيّ للحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) منذ 2006 و دارس نقد أفاكيان للحزب الهنديّ في الجزء الثاني من هذا الكتاب تقاطعا إلى درجة كبيرة بين أطروحات الحزبين المنحرفين و بالتالى بالإمكان إستغلال حجج أفاكيان في هذا المصنّف للردّ عليهما معا و حتّى على أشباههما ممّن صاروا من أنصار الديمقراطيّة البرجوازيّة المغلّفة بغلاف شيوعيّ في الكثير من بلدان العالم و على النطاق العربيّ أيضا .
و وحده من يسلك سياسة النعامة و يدفن رأسه في الرمل بوسعه إنكار ضرورة الفرز اليوم بين الشيوعيّة الزائفة أي التحريفيّة و الإصلاحيّة السائدتين داخل الحركة الشيوعيّة العربيّة من جهة و الشيوعيّة الحقيقيّة ، الشيوعيّة الثوريّة من الجهة الأخرى سيما و انّ التحريفيّة و الإصلاحيّة قد نخرا و لا يزالان أجسام حتّى القلّة القليلة الباقية من المنظّمات الشيوعيّة الثوريّة أو التي تدّعى ذلك ، و قد سمّما أفكار الشيوعيّات و الشيوعيّين و حوّلا تلك المنظّمات و أولئك الأشخاص إلى ديمقراطيّين برجوازيّين أو قوميّين شوفينيّين لا غير .
و من هنا يندرج عملنا هذا ضمن توضيح و مزيد توضيح خطوط التمايز بين علم الشيوعيّة كسلاح جبّار من أجل الثورة الشيوعيّة العالميّة من ناحية و الصورة المحرّفة و المشوّهة له التي يقدّمها التحريفيّون و الإصلاحيّون من الناحية الأخرى. غاية عملنا إذن هي مساهمة أخرى تنضاف إلى مساهماتنا السابقة في ممارسة الماركسيّة و نبذ التحريفيّة كما أوصانا ماو تسى تونغ . و يكفى إلقاء نظرة على مضامين هذا الكتاب الذى نضع بين أيديكم للتأكّد من مدى أهمّية و صحّة هذا و لا ظلّ للشكّ في أنّ دراسة القضايا المناقشة في هذا الكتاب ستساعف على كشف حقائق في منتهى الأهميّة و الدلالة و رفع الوعي الشيوعيّ الحقيقيّ و نشره في مجابهة أعداء الشيوعيّة و مزيّفيها . و بطبيعة الحال ، ينبغي عدم نسيان إعمال سلاح النقد و قراءة الكتاب قراءة نقديّة في علاقة بواقع أيّام كتابته و أيّامنا هذه و لما لا صياغة ملاحظات نقديّة تفيد في الجدالات و الصراعات في سبيل تطوير فهم علم الثورة البروليتاريّة العالميّة و تطبيقه من أجل تغيير العالم تغييرا شيوعيّا ثوريّا و تحرير الإنسانيّة من كافة أنواع الإستغلال و الإضطهاد.
و محتويات العدد 28 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ، فضلا عن مقدّمة المترجم :
ماتت الشيوعية الزائفة ... عاشت الشيوعية الحقيقية !

مقدمة الناشر :
تمهيد :
موت الشيوعيّة و مستقبل الشيوعيّة
القمم الثلاث
1 / ماركس :
أ- المادية التاريخية هي الجانب الجوهريّ فى الماركسية :
ب- السرّ القذر للإستغلال الرأسمالي :
2 / لينين :
أ - الإقتصاد السياسي للإمبريالية :
ب- الحزب البروليتاري الطليعي :
ت- تطوّر الثورة البروليتاريّة العالميّة كسيرورة ثوريّة عالميّة :
3 / ماو تسى تونغ :
أ- نظرية و إسترتيجيا ثورة الديمقراطيّة الجديدة :
ب- مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا :
4/ الماركسية - اللينينية - الماوية : توليف كلّي القدرة لأنّه صحيح

الجزء الأوّل
الهجوم الراهن ضد الماركسيّة : المراوغات و الردود
1/ أسطورة الأسواق الحرّة فى مقابل الإشتراكية الحقيقية :
2/ بصدد البرجوازية و " الطبيعة الإنسانية " و الدين : الردّ الماركسي :

3/ مرّة أخرى حول الإقتصاد البرجوازيّ و خلط البرجوازيّة للأمور:

4/ من يدافع حقا عن التحرر الوطنيّ و ما هو مفهوم الأمميّة :

5/ دكتاتورية البروليتاريا : ألف مرّة أكثر ديمقراطيّة ... بالنسبة للجماهير :

6/ الشيوعيّة ليست " طغيانا طوباويّا " بل هدفا قابلا للتحقيق و هدفا تحرّريا :

7/ " الماديّة التاريخيّة " الميكانيكيّة و الماديّة التاريخيّة الجدليّة :
الجزء الثاني
مرّة أخرى حول التجربة التاريخيّة للثورة البروليتاريّة – مرّة أخرى حول كسب العالم

1/ مسألة قوى الإنتاج :

2/ تقدّم الثورة العالميّة و تعزيزها :

3/ الثورة البروليتاريّة و الأمميّة : القاعدة الإجتماعيّة :

القيام بالثورة و دفع الإنتاج
1/ تحويل العلاقات بين الناس و تحويل الملكيّة :

2/ المساواة و الوفرة العامة فى ظلّ الإشتراكيّة :

3/ ماذا يعنى أن تكون الجماهير سيّدة المجتمع ؟

4/ البناء الإشتراكيّ فى الإطار العالميّ :

خاتمة
1/ المواجهة الإيديولوجيّة :

2/ نظرتان إلى العالم ، رؤيتان متناقضتان للحرّية :

3/ أبعد من الحقّ البرجوازيّ :

4/ التكنولوجيا و الإيديولوجيا :

5/ تغيير المجتمع و تغيير " طبيعة الإنسان " :

6/ الماديّة التاريخيّة و تقدّم التاريخ :

-------------------------------------------------------------------------------------
الديمقراطية :
أكثر من أيّ زمن مضى بوسعنا و يجب علينا إنجاز أفضل من ذلك
مقدّمة :
1 / بصدد الأحداث الأخيرة بالكتلة السوفياتية السابقة و بالصين

2/ أفق كمونة باريس : الثورتان البلشفيّة و الصينيّة كإمتداد و تعميق لها :

3 / ممارسة السلطة فى المجتمع الإشتراكيّ : القيادة و الجماهير و دكتاتوريّة البروليتاريا :

4/ الصراع الطبقيّ فى ظلّ الإشتراكيّة و أشكال الحكم الجماهيريّ :

5 / مشكلة البيروقراطيّة و دور الحزب و هياكل الدولة فى ظلّ الإشتراكيّة :

6/ تصفية التحليل الطبقيّ بإسم معارضة " الإختزاليّة الطبقيّة " :

7 / تقييم التجربة التاريخيّة :

8/ المركزيّة و اللامركزيّة و إضمحلال الدولة :

9/ إن لم تكن الطليعة هي التى تقود فمن سيقود ؟

10/ أيّ نوع من الحزب ، أيّ نوع من الثورة ؟

11 / النموذج الإنتخابيّ البرجوازيّ مقابل قيادة الجماهير لإعادة صياغة العالم :

12 / المركزيّة الديمقراطيّة و صراع الخطّين و الحفاظ على الطليعة على الطريق الثوريّ :

خاتمة : رفع التحدّى أم التنكّر للثورة ؟
ملحق " الديمقراطية :
أكثر من أيّ زمن مضى بوسعنا و يجب علينا إنجاز أفضل من ذلك "
حول الديمقراطة البروليتارية

( اللجنة المركزية لإعادة تنظيم الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسيّ – اللينينيّ) )
1 / المقدّمة :

2/ دكتاتوريّة البروليتاريا :

3- ماركس و كمونة باريس :

4/ لينين و سلطة الدولة البروليتارية :

5 / السوفياتات و ممارسة دكتاتورية البروليتاريا :

6/ نقد وجّهته روزا لكسمبورغ :

7/ ماو و الدولة الديمقراطيّة الجديدة و الثورة الثقافيّة :

8/ الخطأ الأساسيّ :

9/ الدكتاتوريّة البرجوازيّة و الديمقراطيّة البروليتاريّة :

10/ الحاجة إلى توجّه جديد:

11 / دور الحزب الشيوعيّ و عمله :

12 / حلّ لغز الحزب الشيوعيّ :

13 / بعض المسائل الإضافيّة :

14 / الخاتمة :

---------------------------------------------------------------------------------------
ملحق الكتاب
فهارس كتب شادي الشماوي
++++++++++++++++++++++++++++++

موت الشيوعيّة و مستقبل الشيوعيّة


فى الواقع ، ما نحن بصدد رؤيته ( ما حدث ) فى الإتّحاد السوفياتي هو تفكّك جهاز الإمبريالية الإشتراكية و مؤسساتها و تعويضها بنظام برجوازي إمبريالي مفضوح أكثر فأكثر و من " النوع القديم " . الحقيقة هي أنّ المستجدّات الحديثة تبيّن بأكثر جلاء ما قلته فى " نهاية / بداية " :

" إسطوانة " موت الشيوعية " لا تعنى سوى أنّ التحريفية غدت أكثر برجوازيّة مفضوحة بالنسبة للشيوعيّة الحقيقيّة و هذا لا يمثل "أزمة " و ليس بالشيء السيء بالنسبة لنا نحن البروليتاريا العالميّة و الحركة الشيوعيّة العالميّة ممثّلة فى الحركة الأمميّة الثورية [ ح أ ث] و الأحزاب و المنظّمات المنتمية إليها . فعلى المستوى الإستراتيجي ، هذا أمر جيّد بالنسبة لنا "
( " الثورة " ، خريف 1990 ، صفحة 9 ) .

و رغم أن ذلك كذلك ، علينا أن نبحث المسألة بأكثر عمق و أن نردّ على الحجج الرئيسيّة القائلة بأنذ ذلك يمثّل موت الشيوعية و فشلها التاريخي . أكرّر أنّ كلا الخطابين " نهاية / بداية " و " ماو أكثر من أيّ زمن مضى " و بمعنى أوسع خطّ حزبنا و الماركسية – اللينينية – الماوية عموما قد سبق لهم بعدُ أن دحضوا هذه الحجج ، إلاّ أنّه من اللازم الردّ عليها ردّا مباشرا .

أوّلا ، نقطة عامة : من المهمّ للغاية إدراك أنّ ثمّة إختلاف جوهريّ بين الفشل و الهزيمة فى ما يتعلّق بتجربة الثورة البروليتارية إلى حدّ الآن و التأكيد عليه . من جديد ، نلفى أنفسنا فى وضع يتّسم بعدم وجود بلدان إشتراكية ، فى الوقت الحاضر ، لكن هذا أمر يجب النظر إليه فى إطار كامل السيرورة التاريخيّة للثورة البروليتاريّة و الإختلاف العميق بينها و بين كلّ الثورات السابقة تاريخيّا .

كما أشرت إلى ذلك فى " نهاية / بداية " و لو أن أعظم قادة البروليتاريا العالميّة مثل لينين و ماو قد إقترفوا أخطاء وهو أمر طبيعي ، فإنّ خسارة الصين مثلها مثل الخسارة السابقة للإتحاد السوفياتي لم يكن سببها الرئيسي أخطاء الثوريّين و أقلّ من ذلك أن يكون سببها ما إفتُرض من " نقائص" كامنة فى الشيوعيّة و الثورة العالميّة . إنّما هي رئيسيا هزيمة ألحقتها بهم البرجوازية العالميّة و هنا ، من المفيد التذكير بما قد قلت فى " نهاية / بداية " حول القرون الطويلة التى إستغرقتها البرجوازية كي ترسي سلطتها بصورة نهائيّة و كي تطبع المجتمع بطابعها و كي تعيد تشكيله على صورتها هي كمجتمع رأسمالي . فقد كانت مسيرة من التموّجات فيها مُنيت بعديد الهزائم . لذا لا يتعيّن علينا أن نتوقّع أن تكون الثورة البروليتارية أكثر يسرا أو أن لا تشهد منعرجات و تمرّدات و محنا و هزائما قبل أن تنتصر . فى نهاية المطاف ، مقارنة مع كافة الثورات التى سبقتها و التى فيها عوضت طبقة طبقة أخرى ، فإنّ الثورة البروليتاريّة تعهد إلى نفسها بتحقيق القطيعتين الراديكاليّتين اللتين تحدّث عنهما ماركس و إنجلز : القطيعة الراديكالية مع علاقات الملكيّة التقليديّة و مع الأفكار التقليديّة . إنّها لا تبحث عن تعويض شكل إستغلالي بشكل إستغلالي آخر ، بل تبحث عن القضاء على كلّ أشكال الإستغلال و فى النهاية ، على كلّ الإختلافات الطبقيّة . لكلّ هذه الأسباب ستكون الثورة البروليتارية بالضروة أكثر إلتواءات من الثورات السابقة و علينا أن نكون على إستعداد لمسألة أنّ الشيوعية قبل أن تبلغ غايتها الأسمى ( الشيوعية العالمية ) ستمرّ بسيرورة من الثورة و الثورة المضادة أطول و أكثر تعقيدا .

بهذا الأفق التاريخي و بتحليل صريح و علمي للواقع الراهن ، بإمكاننا أن نردّ على إدّعاءات أن الماركسيّة قد هُزمت و أن الشيوعيّة قد ماتت . إن الماركسيّة التى بيّنت إمكانيّة الثورة الشيوعية و ضرورتها بإستمرار يتطلّبها الواقع بما فى ذلك الوقائع الحديثة ، و الآن و قد تقدّمت الماركسيّة لتصير ماركسية - لينينية - ماوية فإنّها تمثل أكثر من أيّ زمن مضى تمثّل مستقبل الإنسانية .



القمم الثلاث

كيما نبيّن هذا على أوسع و أعمق مدى ، سيكون من المفيد الإستهلال بتلخيص لما نسمّيه القمم الثلاث للماركسية – اللينينية – الماوية و نعنى المساهمات ( الخطوات التاريخيّة إلى الأمام ) التى قام بها أوّلا ماركس ثم لينين فماو الذين يمثّلون قفزات نوعيّة فى تطوير تحليل شامل و علمي للواقع و لوسائل تغييره من خلال النضال الثوريّ .

1 / ماركس :

كان ماركس الأوّل فى بلورة هذا التحليل و تلخيصه فى مستوى جوهريّ ، منذ أكثر من مائة سنة . و مثّل الأساس النظري و المنهجي ( النظرة إلى العالم و المنهج الذين لخّصهما ماركس ، أكثر من أيّ شخص آخر ) التوجّه الفلسفيّ الأساسيّ للماركسيّة : الماديّة الجدليّة و الماديّة التاريخيّة ( تطبيق الماديّة الجدليّة على المجتمع الإنسانيّ و تطوّره ) . فى هذا الملخّص ، وهو بالضرورة مقتضب ، لتطوّر الماركسية إلى الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة لن أسعى على صياغة المبادئ الفلسفية – المنهجية للماديّة الجدليّة و إنّما سأسعى إلى الإشارة إلى كيفيّة تطبيقها على المجتمع الإنسانيّ و على تطوّره و على النضال الثوريّ و الإستراتيجيا الثوريّة .

إلى حد بعيد ، يمكننا إعتبار الماديّة التاريخية الجانب الجوهريّ فى الماركسيّة . لماذا ذلك كذلك ؟ و ما هي أهمّية الماديّة التاريخية ؟

1- المادية التاريخية هي الجانب الجوهريّ فى الماركسية :

فى كلمات قليلة ، حدّد ماركس ، فى خضم كلّ التداخل الذى كان إلى حينذاك قد حال دون فهم التاريخ ، حدّد الواقع الحيوي و الجوهري لوجود الإنسان : حتى يعيش الناس و يستمرّون فى الحياة من جيل إلى جيل ، ينبغى عليهم إنتاج و إعادة إنتاج ما هو ضروريّ للحياة . فى مستوى معيّن ، يبدو هذا بديهيا و ماركس ، بطبيعة الحال لم يكن الأوّل فى أساس و نقطة إنطلاق فهم المجتمع الإنساني و تطوّره التاريخي . لكن المسألة لا تقف عند هذا الحدّ : كذلك له أهمّية جوهريّة أنّ لأجل إنتاج وإعادة إنتاج الضروريّ للحياة ( لأجل إنتاج و تبادل ما يحتاجونه ) يدخل الناس فى نوع من العلاقات الإجتماعيّة الملموسة للغاية ، رئيسيّا علاقات إنتاج .

و الإنتاج لا يقع بصفة مجرّدة كما لا يقع صدفة على نحو غير محدّد ، إنّ الناس لا يدخلون فى علاقات مجّردة يمكنهم إنشاءها و تغييرها كما يحلو لهم . فذلك يتمّ بالضرورة من خلال علاقات محدّدة و بدورها تتحدّد علاقات الإنتاج بمستوى و طابع قوى الإنتاج المتوفرة فى المجتمع ، فى زمن معيّن . و قوى الإنتاج ، لنقول ذلك ببساطة ، هي وسائل الإنتاج
( الأدوات و الآلات التى تستعمل فى الإنتاج و الأرض والمواد الأوّلية ) و الناس بمعارفهم و قدراتهم على إستعمال وسائل الإنتاج تلك .

أن يُحدد طابع قوى الإنتاج طابعَ علاقات الإنتاج شأن مؤكّد بغضّ النظر عن أن تكون الأدوات و الآلات المتوفّرة هي الأدوات البدائيّة الأولى للبشريّة أم الآلات و التكنولوجيا الأكثر حداثة حاليّا . مثلا ، لنتصوّر كيف سيكون تطبيق علاقات إنتاج نظام المصنع الرأسمالي على مجموعة فلاحيّة بسيطة لا تملك الآلات الحديثة و لا الوسائل الحديثة للنقل و الإتصال! و فى المستقبل ، حين تكون التكنولوجيا قد تقدّمت أكثر منها الآن ( أو أكثر ممّا نستطيع تصوّره) و من ثمّ ستكون علاقات الإنتاج مختلفة راديكاليا ، فإنّ هذا المبدأ ذاته سيُطبّق : سترتكز علاقات الإنتاج و العلاقات الإجتماعية للمجتمع على طابع و مستوى تطور علاقات الإنتاج و ستتوافق معها ، فى خطوطها العامة .

لقد أثبت ماركس أنّ علاقات إنتاج المجتمع ( التى تقوم على قوى الإنتاج ) هي القاعدة الإقتصاديّة للمجتمع . كذلك أثبت ماركس أنّ على هذه القاعدة الإقتصاديّة تنشأ أنواع من المؤسسات السياسيّة و القوانين و العادات و أيضا أشكال من التفكير و الثقافات إلخ تمثّل البناء الفوقي السياسي / الإيديولوجي للمجتمع و التي تتناسب و طابع القاعدة الإقتصادية أي تتناسب و شكل علاقات الناس لأجل إنتاج و إعادة إنتاج ما يحتاجونه للحياة .
وعادة لمّا يناقش الإنتاج أو الإقتصاد أوّل ما يجب التساؤل بصدده و تحديده هو : ما هي علاقات الإنتاج الجوهرية ( و تعنى فى المجتمع الطبقي العلاقات الطبقية ) التى من خلالها تتم عمليّة الإنتاج ؟ و ما هي طبيعة البناء الفوقي المتوافق مع هذه العلاقات الإقتصادية ...؟ و كلّ مقاربة أخرى خاطئة و مبهمة .

إضافة إلى ذلك ، منطلقا من معرفة أنّ قوى الإنتاج غير ساكنة بل ديناميكية( من معرفة أنّه نظرا لطبيعة الناس و مجتمعهم، يطوّر البشر بإستمرار قوى الإنتاج و يخلقون قوى إنتاج جديدة ) بيّن ماركس أنّ فى مرحلة معيّنة من تطوّرها ستدخل قوى الإنتاج فى صراع مع علاقات الإنتاج القائمة التى ترتكز على قوى إنتاج سابقة . حينئذ ، يتّضح أنّ علاقات الإنتاج القائمة لم تعد أفضل شكل لمواصلة تطوير قوى الإنتاج و تحوّلت إلى عراقيل لها بالذات . عندئذ تصير ثورة إجتماعية ضروريّة لتحرير قوى الإنتاج و تحقيق تغيير ثوري لعلاقات الإنتاج حتّى تتوافق مع قوى الإنتاج الجديدة .

و مثل هذه الثورة الإجتماعيّة تحصل و يُمكن أن تحصل فقط فى البناء الفوقي للمجتمع ، لا سيما فى المجال السياسي و تتركّز فى صراع عسكريّ من أجل السلطة . و منذ أن إنقسم المجتمع إلى طبقات منفصلة و متعارضة ( منذ أن قسّمت علاقات الإنتاج الناس إلى مجموعات مختلفة البعض منها يستغلّ البقيّة ) تميّز المجتمع الإنساني بالصراع الطبقي و لذلك تتطلب الثورة الإجتماعيّة أن تلحق طبقة الهزيمة بطبقة أخرى . و الطبقة التى تقدر على تنظيم أفضل للمجتمع بصيغة تستعمل فيها قوى الإنتاج و تكون أقدر على تطويرها ستكون الطبقة التى تمسك بعنان المجتمع . و مع ذلك ، لا يحدث هذا إلاّ من خلال سيرورة عميقة من الصراع الطبقي .

و تبيّن الماركسية كيف أنّ ما وُصف ينطبق على كامل تاريخ المجتمع الطبقي غير أنّها توضّح أيضا أنّ المجتمع لم يكن دائما و لن يكون دائما منقسما إلى طبقات و تبيّن لماذا ( نتيجة أيّة أحداث و تغيّرات ) إنقسم المجتمع إلى طبقات متناحرة . فقد كانت المجتمعات الإنسانيّة الأولى مشاعيّة و كان الإنتاج يجرى بصفة مشتركة و لم يكن تقسيم العمل يتطلب إضطهاد قطاع من المجتمع لقطاع آخر . بيد أنّه ، بتطور قوى الإنتاج ، لما نتج فائض ، إستولى عليه قطاع من المجتمع ( بينما بالكاد كان للغالبيّة ما يكفيها للبقاء قيد الحياة ) فتحوّلت العلاقات بين الناس فى الإنتاج إلى علاقات بين طبقات إجتماعية مختلفة أي مجموعات إجتماعيّة مختلفة محدّدة بعلاقتها بوسائل الإنتاج ( البعض مالكون للأرض أو الآلات أو غيرها من وسائل الإنتاج الإجتماعي ( دورها فى تقسيم العمل فى المجتمع ) و بحصّتها من توزيع الثروة الإجتماعية .

و منذ أن إنقسم المجتمع إلى طبقات ، أجبرت الطبقة التى تهيمِن على سيرورة الإنتاج فى وقت معيّن ( التى تحتكر ملكيّة وسائل الإنتاج) بقيّة المجتمع على العمل تحت إمرتها و تبعا لمصالحها . فقد تحكّمت فى الفائض و قرّرت ما الذى يُصنع به: على أّيّ مدى يتمّ إستهلاكه شخصيّا و تتمّ المحافظة على المؤسسات الإجتماعية و تعزيزها أو إعادة إستثماره لتطوير الإقتصاد . و الطبقة التى تسيطر بهكذا طريقة على الحياة الإقتصادية للمجتمع تسيطر أيضا على المظاهر الإجتماعية الأخرى . و قد تحكّمت فى البنية الفوقيّة ( بالخصوص أجهزة السلطة السياسيّة مثل البيروقراطية و الإدارة الحكومية و لا سيما القوى المسلّحة التى تستطيع إعالتها بالفائض المراكم ) و إستخدمتها لأجل القضاء على الطبقات و الجماهير الكادحة التى تستغلها و لأجل الإبقاء عليها مضطهَدة .

أيضا أشار ماركس إلى أنّ أفكار الطبقة السائدة على الإقتصاد هي الأفكار السائدة على الحقبة التاريخيّة . و ينعكس هذا فى الدّين و فى الفنون و فى المجالات الثقافيّة الأخرى كما فى السياسة و الفلسفة و هكذا دواليك . بصيغة أخرى ، من خلال المؤسسات الإجتماعية تتحكّم الطبقة المسيطرة بإنتشار الأفكار و تحدّد أيّ أفكار تسود فى المجتمع . فمنذ ظهور الطبقات ، تنسجم أفكار مختلف الأشخاص ، فى آخر المطاف ، و وضعهم الطبقيّ لكن فى الوقت ذاته ، تتأثّر طريقة تفكير الجميع فى المجتمع بقوّة بأفكار الطبقة التى تسيطر على القاعدة الإقتصاديّة و بالتالي على البنية الفوقيّة السياسية / الإييولوجية .

خلاصة القول ، ستعكس البنية الفوقيّة للمجتمع العلاقات الطبقيّة : ستكون تحت تحكّم و فى خدمة مصالح الطبقة التى تهيمن على الإقتصاد القائم إلى حين تتحوّل هذه الطبقة و علاقات الإنتاج التى تمثّلها و تفرضها إلى عائق أمام تطوّر قوى الإنتاج ، عندئذ ، ستقود طبقة تجسد علاقات إنتاج جديدة تتوافق مع الطابع الجديد للقوى الإنتاجيّة الشعب إلى الإنتفاض و قَبر سلطة الطبقة المهيمنة القديمة و بذلك ستفتكّ الطبقة الصاعدة السلطة و ستغيّر المجتمع تبعا لمصالحها الخاصة إلى حين ... إلى هذا كان ماركس (و إنجلز) يشيران عندما كتبا فى " بيان الحزب الشيوعي " إنّ تاريخ كلّ مجتمع إلى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ نضال بين الطبقات .

و لئن كان ما سبق يبدو أوّليّا بالنسبة لمن قد درس مبادئ الماركسيّة فذلك يعود إلى أنّ ماركس صاغ الخلاصة النظريّة التى شرحت . و مثّلت هذه الخلاصة ثورة عظيمة فى التفكير الإنساني و قطيعة راديكالية مع كلّ الأشكال السابقة للفهم (السيء ) لقاعدة المجتمع و قوانين حركته . لقد مثّل إثبات أنّ هنالك " صلة " فى التاريخ الإنساني تعزى إلى أن كلّ جيل يرث قوى الإنتاج المتطوّرة إلى حدّ تلك اللحظة و " ينقلها " إلى الجيل اللاحق ، لقد مثّل تقدّما تاريخيّا عظيما . حتّى حين يتّخذ هذا مظاهر تحطيم و إعادة بناء ، فإنّ هنالك نوعا من الحركة ، بكلّ تناقضاتها ، تعطي للتاريخ الإنساني صلة . و هذه الصلة تتّسع لتشمل أكثر فأكثر الإنسانيّة بقدر تطوّر القوى المنتجة و يدخل الناس من جميع أنحاء العالم فى تواصل و يتحدّثون لأجل الإنتاج و التبادل .

وضعت هذه الطريقة فى رؤية الأشياء حدّا لفكرة أنّ التاريخ الإنساني هو ببساطة مجموعة من الحوادث لا تربط بينها أسباب موجودة أو هي إفراز لكائنات ما وراء الطبيعة ( آلهة أو قوى أخرى ما وراء الطبيعة ) أو تقع نتيجة لأفعال أفراد و خاصة أفراد " عظماء " على غرار الملوك و الأمراء و الأباطرة و الرؤساء قادة جمعيّات و أصحاب مزارع عبيد إلخ ... يجعلون إرادتهم تتحقّق . فقد مثّل إثبات أنّ التاريخ لا يصنع على تلك الشاكلة و أنّ التاريخ هو نتاج للصراع بين المجموعات الإجتماعية المختلفة ( طبقات مختلفة فى المجتمع الطبقي ) و أنّ هذا بدوره تفرزه القاعدة الإقتصاديّة مثلما شرحنا آنفا ، كلّ هذا مثّل قفزة كبرى إلى الأمام .

و كما نعلم ، لم يقف ماركس عند إثبات الصلة فى التاريخ الإنساني و عند تحديد القاعدة الماديّة و أسباب ظهور الطبقات و تاريخ الصراع الطبقي . ففضلا عن ذلك ، أشار إلى أين تتّجه هذه السيرورة : إنّ الصراع الطبقي يقود إلى إنتصار البروليتاريا ، طبقة تولد فى المجتمع الرأسمالي كنتيجة لقوى الإنتاج التى تصبح إجتماعية و طبقة لا تمثّل شكلا جديدا من تنظيم الإنتاج فيه تستغل طبقة طبقة أخرى و إنّما تمثّل شكلا لإستغلال تطوّر قوى الإنتاج لخلق وضع تستعمل فيه قوى الإنتاج هذه بصفة مشتركة و فيه لن يوجد بعدُ إستغلال و فيه لن توجد بعدُ طبقات .

لقد أثبت ماركس أنّ بإمكان البروليتاريا و من واجبها أن تحقّق هذا لأنّ بتطوّر الرأسمالية و ما يرافقها من تطوّر لقوى الإنتاج تصل هذه الأخيرة إلى مستوى عال من الإجتماعية . يعنى ، يمكن إستعمالها فقط إذا إستعملها آلاف ، و فى نهاية المطاف ، ملايين الناس بصفة مشتركة . و البروليتاريا بآلاف ملايينها هي الطبقة التى تعمل بصورة مشتركة . البروليتاريا هي الطبقة التى تمثّل الإنتاج المشترك و علاقات الإنتاج المشتركة : علاقات الإنتاج التى تتوافق و الإستعمال الأكثر منطقيّة لقوى الإنتاج و الشكل الأنسب لتحريرها و مواصلة تطويرها .

لكن الطبقة الرأسمالية تستولى على نتائج الإنتاج و تحوّلها إلى ملكيّة ( رأسمالية ) خاصة ، إلى رأسمال و تجسّد الطبقة الرأسمالية و تفرض علاقات إنتاج تحوّلت إلى عوائق لقوى الإنتاج التى طوّرها النظام الرأسمالي ذاته . عندئذ ، يجب الإطاحة بنظام الملكيّة و التملّك إيّاه و بكلّ العلاقات الإجتماعية و المؤسسات و الأفكار المنسجمة معه و يجب تحطيمه و تجاوزه . و هذا لن يكون ممكنا إلاّ بالقضاء على كافة أشكال الإستغلال و كافة تقسيمات العمل التى تحمل فى طيّاتها تناحرات إجتماعية . هذه هي المهمّة التاريخية للبروليتاريا .

و لمّا تنجز ثورتها الإجتماعية ، تحلّ البروليتاريا التناقض الجوهري للنظام الرأسمالي أي التناقض بين الإنتاج الإجتماعي و التملك الفردي ( الرأسمالي ) . و البروليتاريا ،عند إطاحتها بسلطة الطبقة الرأسمالية و إرسائها سلطتها هي ، تمشرك ملكية وسائل الإنتاج و تحوّلها ، عبر مراحل ، إلى ملكيّة مشتركة للمجتمع . و فى الوقت نفسه ، تغيّر المؤسسات السياسيّة و طريقة التفكير السائدة ، بمعنى ، البناء الفوقي ، بصيغة لا تبقى فى النهاية طبقات و تشيّد مجتمعا مغايرا كلّيا ، ( مجتمعا دون إختلافات طبقيّة و دون تناحرات إجتماعية و دون إضطهاد جزء من المجتمع لجزء آخر ) سيتطوّر أكثر فى ظلّ الشيوعيّة .
كان هذا هو الإسهام العظيم لماركس فى إثبات صلة التاريخ الإنساني و تقديم طريقة متماسكة لرؤيته فقد شرح التطوّر المتناقض لكن الممكن الفهم ، للتاريخ الإنساني و أنّه عبر هذا التطوّر سيجرى التوصّل فى النهاية إلى مرحلة ستكون فيها الثورة الشيوعيّة على جدول الأعمال .

لرؤية ملخص مقتضب و دقيق لهذا فلنقرأ ما كتبه ماركس ذاته سنة 1852 :

" ... و فيما يخصنى ، ليس لى فضل إكتشاف وجود الطبقات فى المجتمع المعاصر و لا فضل إكتشاف النضال فيما بينها . فقد سبقنى بوقت طويل مؤرّخون برجوازيّون بسطوا تركيب الطبقات الإقتصادي . و إنّ الجديد الذى أعطيته يتلخّص فى إقامة البرهان على ما يأتى :

1- إنّ وجود الطبقات لا يقترن إلاّ بمراحل تاريخية معينة من تطور الإنتاج ،
2- إنّ النضال الطبقيّ يفضى بالضرورة إلى دكتاتورية البروليتاريا ،
3- إنّ هذه الدكتاتورية نفسها لا تعنى غير الإنتقال إلى القضاء على كل الطبقات و إلى المجتمع الخالي من الطبقات " .

( ماركس و إنجلز ، " بصدد الثورة الإشتراكية " ص 114 ، دار التقدّم ، الطبعة العربية ) .

2 / السرّ القذر للإستغلال الرأسمالي :

لقد شرح ماركس كذلك و فضح كيفيّة سير النظام الرأسمالي و بالخصوص ما سُمّي " السرّ القذر للإستغلال الرأسمالي ". حيث عالج بعمق العلاقة بين الملاكّين الرأسماليّين و الذين يعملون لفائدتهم و بيّن أنّ هذه العلاقة التى تبدو من نظرة بسيطة أنّها علاقة مساواة ( تبادل محض لأجر مقابل عمل ) تتضمّن علاقة جوهريّة من الإستغلال و الإضطهاد خلف مظهر مساواتها.

لذلك لم يقف ماركس ببساطة عند التنديد بالرأسماليّين لأنّهم أغنياء و لا عند الإشارة إلى البون الشاسع بين الثروة الكبيرة التى يتحكّم فيها الرأسماليّون والفقر المدقع للجماهير الكادحة ذلك أنّه بحث بعمق سبب كلّ هذا و أثبت لماذا لم يعد ضروريّا. الرأسمالية ليست مجتمعا حيث يُعمّم إنتاج السلع و حيث الأشياء ، أو الأشياء ذات القيمة الإجتماعية ، لا تنتج لأجل الإستعمال الآني بل لأجل بيعها مقابل مال فحسب . إضافة إلى ذلك ، ثمّة شيء آخر يميّز الرأسمالية هو أّنّ قوّة العمل ( العمل الإنساني ) تصبح سلعة . و كسلعة تتضمّن قوّة العمل قيمة مثلها مثل كافة السلع و قيمة هذه السلعة ( قوّة العمل ) تتحدّد بنفس الطريقة ، من خلال المقياس ذاته ، شأنها فى ذلك شأن قيمة بقيّة السلع : تتحدّد بوقت العمل الضروري إجتماعيا لإنتاجها ( الوقت الضروري فى ظروف الإنتاج الإجتماعية السائدة ) . و هذا يعنى أنّ قيمة سلعة قوّة العمل مُساوية لقيمة السلع الضروريّة لمعيشة العامل حتّى يواصل و يقدر على إنتاج أجيال جديدة من العمّال.

و لو أنّ مستوى تطوّر قوى الإنتاج يمكن أن يختلف من بلد إلى آخر فى المجتمع الرأسمالي عموما ، فإن قيمة السلعة هي قيمة قوّة العمل وهي أقلّ من القيمة الجمليّة التى ينتجها العامل أثناء يوم عمله . بالتالي ، جزء من عمل العامل هو عمل مدفوع الأجر أي عمل أثناءه وقع إنتاج قيمة مساوية لقيمة قوّة عمله ( ما يناسب أجره) لكن الجزء الآخر هو عمل غير مدفوع الأجر ، أي عمل أثناءه وقع إنتاج قيمة لا يقدّمون له عليها أجر . هذه هي القيمة التى يسرقها الرأسمالي . هذا هو المنبع ، الوحيد ، لربح الرأسماليّين ، منبع دخلهم الشخصيّ و ما هو أهمّ ، ما يسمح لهم بإعادة إستثمار المال و توسيع مؤسساتهم الرأسمالية وهو ما يسمح لهم بالتحكّم فى المجتمع و الإنفاق على مؤسّساتهم و خاصة المؤسّسات السياسيّة و العسكريّة التى يستعملونها لسحق الطبقة العاملة و الجماهير الشعبية .

بيد أنّه فى كلّ مجتمع حيث يُنتج فائض ( أكثر ممّا يحتاج إليه للبقاء على قيد الحياة ) لن يُوزّع هذا الفائض ببساطة بين كافة عناصر المجتمع . إذا ما حدث هذا التوزيع فإّن قوى الإنتاج الإجتماعية لن تستطيع التطوّر نوعيّا و لن توجد موارد لمواجهة النكبات الطبيعيّة أو حوادث أخرى غير متوقّعة و لن توجد موارد لإدارة المجتمع و لا لتمويل التربية و الثقافة و حاجيات شعبيّة أخرى . فقد أشار ماركس إلى أنّ هذا ينسحب على المجتمع الشيوعيّ مثلما ينسحب على المجتمع الرأسمالي . غير أنّه شدّد أيضا على الإختلاف الكبير بين المجتمعين ففى ظلّ الشيوعيّة ( وهي مجتمع أناس يتعاونون بحرّية و مجتمع خال من الطبقات ) يضبط الشعب ذاته تملك الفائض و توزيعه تبعا لحاجياته و كذلك يضبط سيرورة الإنتاج . و بالعكس ، فى ظلّ الرأسماليّة ، تتحكّم فى سيرورة الإنتاج و كذلك فى تملك الفائض و توزيعه طبقة منفصلة عن الإنتاج و تسيطر على الذين ينتجون الفائض و الثروة الاجتماعية عامة أي الطبقة العاملة . و بقدر الشدّة التى يعمل بها العمّال فى ظلّ الرأسماليّة بقدر ما يعزّزون أكثر سلطة رأس المال و يعزّزون أكثر ظروف إستعبادهم هم ذاتهم .

بصيغة مختصرة ، أثبت ماركس أنّ إنتاج القيمة و بصورة خاصة فائض القيمة ( أي القيمة التى يخلقها العامل خلال إنتاج سلع من منتوجات المجتمع الرأسمالي و كجزء من هذا ،القيمة الزائدة التى لا يدفعون له أجرا عنها ، القيمة التى يحتفظ بها الرأسمالي ) هو القوّة المحرّكة للتراكم الرأسمالي . و هذا كما شرح ماركس ، هو المضمون الجوهريّ للمجتمع الرأسمالي ، " السرّ القذر للإستغلال الرأسمالي " و أصل إضطهاد البروليتاريا . أضف إلى ذلك أنّه فسّر أنّ تبعيّة العامل لسيرورة تراكم رأس المال تخضعه لوضع لا يعيش فيه إلاّ شرط إيجاد عمل و يجده فقط شرط أن يُنتج عمله ربحا كافيا للرأسمالي الذى يستغله . لذلك تؤدى الرأسمالية فى نفس الوقت إلى إستغلال لا يلين للعمّال الذين يشتغلون و لعديد الآخرين من العاطلين ، إنّها تخلق "جيشا إحتياطيّا صناعيّا " ينمو بصفة عظيمة فى أوقات الأزمات الإقتصادية .

إنطلاقا من هذا ، إستخلص ماركس أنّه رغم أنّه على العمّال أن يناضلوا حتّى لا يدعوا النظام الرأسمالي يسحقهم ، فإنّه لا يمكن لأيّ نضال يتحدّد بطلب تحسين الظروف فى إطار النظام الرأسمالي أن يغيّر وضع الطبقة العاملة بمعنى جوهريّ : فالطريقة الوحيدة التى تمكّن الطبقة العاملة من تغيير وضعها و وضع الإنسانيّة جمعاء تغييرا جوهريّا هي النهوض ، واعية مصالحها الطبقية العليا ، لتحطيم النظام الرأسمالي و لمباشرة التحويل الشيوعي للمجتمع .

من خلال الماديّة التاريخيّة ، شرح ماركس ( هو و إنجلز) أنّ ظهور علاقات الإستغلال و الإضطهاد ( و ظهور مظهر من أكثر مظاهرها جوهريّة : الظروف الإجتماعية التى أفضت إلى إضطهاد المرأة ) كان مرتبطا بتقسيم المجتمع إلى طبقات الذى كان بدوره مرتبطا ببعض مراحل تطوّر الإنتاج . فيما بعد أثبت ماركس أنّ الرأسمالية تمثّل آخر مرحلة من مراحل الإنتاج تلك ، آخر مجتمع ستوجد فيه طبقات و تناحرات طبقيّة و أنّ البروليتاريا ستكون عبر الثورة التى تطيح بالرأسماليّة و تغيّر المجتمع راديكاليّا ، هي التى ستقضى على كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد و كافة الإختلافات الطبقيّة .

و فى نفس الوقت ، أبرز ماركس و شرح أنّه خلافا لكلّ الطبقات الأخرى فى المجتمع المعاصر و المجتمعات السابقة ، يجب على نظرة البروليتاريا إلى العالم أن تكون الأمميّة ،لا القوميّة . مع أنّ العالم فى عصر البرجوازية ينقسم إلى أمم فإن البروليتاريا طبقة أمميّة و مصالحها ، كطبقة متأصّلة فى إنتصار الشيوعيّة على المستوى العالمي . و لا يمكن تحقيق الشيوعيّة على المستوى العالمي إلاّ بالقضاء على علاقات الإستغلال و التناحرات الإجتماعية و الإضطهاد و اللامساواة فى العالم قاطبة .

يتأسّس وجوب أن تكون الأممية هي نظرة البروليتاريا إلى العالم و موقفها السياسي على واقع جوهري هو أنّ النظام الرأسمالي نظام عالمي لإنتاج السلع و الإستغلال ، إنّه نظام يحتاج و يشكّل فى كلّ مرّة أكثر سوقا عالميّة تحت هيمنة رأس المال ، نظام ( كما سنرى ) يدمج ، لا سيما فى المرحلة الإمبريالية ، كلّ الإقتصاد العالمي فى سيرورة مراكمته و يدمج أنظمة إنتاج مختلفة و بلدان فى مستويات مختلفة من التطوّر. هكذا بيّن ماركس أنّ الأمميّة ينبغى أن تكون نظرة البروليتاريا إلى العالم و مثلما قال هو نفسه إنّه لا يمكن للبروليتاريا أن تحرّر ذاتها بذاتها إلاّ بتحرير الإنسانية كافة .

و على المنوال عينه الذى وضعه ماركس بإكتشاف مضمون العلاقة بين الرأسماليين و العمّال ( البرجوازية و البروليتاريا ) فى المجتمع الرأسمالي ، فإنّه أماط اللثام عن نهب إنجلترا و البلدان الرأسمالية الأخرى للهند و مصر و الصين و بقيّة العالم و تخريبهم الإستعماريين . كما قال بقوّة و بسخرية :
" إكتشاف مناجم الذهب و الفضّة فى أمريكا و إستئصال السكّان المحلّيين و إستعبادهم و دفنهم أحياء فى المناجم و الخطوات الأولى للإستيلاء على الهند الشرقيّة و نهبها و تحويل إفريقيا إلى محميّة لإصطياد السود- ذلك كان فجر عصر الإنتاج الرأسمالي " ( ماركس ، منشأ الرأسمال الصناعي ، الفصل الرابع و العشرين للمجلد الأول من "رأس المال " ذكر بالصفحة 151 من ماركس و إنجلز " فى الإستعمار " دار التقدم ، موسكو الطبعة العربية ؛ و كذلك فى ماركس و إنجلز " بصدد الثورة الإشتراكية " ، صفحة 135 دار التقدم ، موسكو ، الطبعة العربية ) .

و دلّل ماركس على أنّ كلّ ذلك مرتبط إرتباطا لا ينفصم بالرأسماليّة و أنّ الثورة البروليتاريّة ستجهز عليه على المستوى العالمي و أن التعبير العمليّ لهذا هو أنّ ماركس و إنجلز قادا تأسيس أوّل تنظيم أمميّ للعمّال ، معروف بالأمميّة الأولى .

هنا ، علينا التوقف و التساؤل : هل " يدحض الواقع " هذه المبادئ الجوهرية للشيوعيّة و النظرة إلى العالم و المنهج الذين تقوم عليهما ؟ هل تجاوزهما الزمن ؟ هل تبيّن الأحداث العالميّة و الوقائع و التجربة اليوميّة للجماهير ، لا فى بلد واحد فحسب ، فى الولايات المتحدة ، بل فى العالم بأسره ، أنّ هذه المبادئ ما عادت بعدُ صالحة و سامية ؟ هل ما عادت تقدّم وصفا أو تحليلا صحيحا للأحداث اليوميّة و لمضمون عمل النظام الرأسماليّ و لعلاقاته على المستوى الداخليّ و العالميّ ؟

لا بالعكس ! تحتفظ مبادئ الشيوعيّة بصلوحيّتها و أكثر من أيّ زمن مضى تمثّل أساس إزالة البلبلة التى تبثّها أبواق دعاية النظام القديم و أساس إدراك ما يحدث واقعيّا فى العالم . إنّها أساس التحليل الصحيح للعالم و تغييره لفائدة مصالح الجماهير الشعبية و الإنسانية قاطبة .

لكن الماركسية علم حيّ يتقدّم مع الخطوات إلى الأمام و التغيّرات فى الواقع و فى المجتمع . بهذا نصل إلى القمّة الكبيرة الثانية فى الماركسية ، اللينينية .

2 / لينين :

مع نهايات القرن التاسع عشر ، تحوّلت الرأسماليّة إلى إمبرياليّة و كان لينين هو الذى حلّل هذا التحوّل و شرح نتائجه بالنسبة للثورة البروليتاريّة العالميّة . مدقّقا النظر فى الميزات الجديدة للرأسمالية فى مرحلتها الإمبريالية ، أثبت أنّها وصلت إلى التحوّل إلى نظام تراكم أكثر عالميّة و نظام إستغلال عالميّ كأساس لهذا التراكم . (1)

( 1/ التلخيص التالي للإمبريالية يعتمد على المؤلّفين : " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية " للينين و " إنحطاط أمريكا " لريموند لوتا و فرنك شانون ، شيكاغو ، بانر براس ، 1984 ، مجلد 1 و بالخصوص بابه الأوّل " الإقتصاد السياسي لعصر الإمبريالية و الثورة العالمية " ) .

1 - الإقتصاد السياسي للإمبريالية :

حلّل لينين أنّ الإمبريالية تتميّز بنمّو و سيطرة رأس المال الإحتكاري ، خلافا للوحدات الأصغر من رأس المال . و لا يعنى رأس المال الإحتكاري حرفيّا أنّ وحدة واحدة للرأسمال تهيمن على صناعة بكاملها ( و أقلّ من ذلك على الإقتصاد بأسره ) بل أنّ حفنة من وحدات رأس المال الضخمة و القويّة تهيمن على صناعات برمّتها و فروع كبرى من الإقتصاد . بهذا المعنى الإحتكار هو إحدى أهمّ الميزات الأكثر جوهريّة للرأسماليّة فى مرحلتها الإمبرياليّة ( بالفعل رغم تحليله لميزات أخرى للإمبريالية فإنّ لينين قال بوصف مختصر يمكن قول إنّ الإمبريالية هي الرأسماليّة الإحتكاريّة ) . مع ما سبق ، من تطور رأس المال المالي ، أي ، دمج رأس المال الصناعي مع رأس المال البنكي لتشكيل تمركزات هائلة لكميات من رأس المال تتحكم بقطاعات كبيرة من إقتصاد البلاد و يمكن أن تمارس تأثيرا بالغا على إقتصاد بلدان اخرى و مناطق أخرى و حتّى على العالم بأسره . رأس المال المالي هو رأس مال غير محدّد ( إستثماراته لا حدود لها ) بالضرورة بمؤسسة أو بقطاع معيّن من الإقتصاد. إنّه رأس مال يتمّ نقله بسرعة و بصفة ضخمة من صناعة أو قطاع إقتصادي أو منطقة أو بلاد إلى آخر / أو أخرى . إنّه رأس مال متأتّ من عدّة منابع و رغم إمكانيّة التعرّف على تحالفات رأس المال المالي و مجموعات من رأس المال المالي ، فإنّه غير قار أو قابلا للتحوّل ، بالعكس هو على حالة مستمرّة من التغيّر و الإنقسام و إعادة التجمّع فى تشكيلات جديدة و تحالفات داخل بلد واحد و على المستوى العالمي . لنعيد ، كلّ هذا ممكن بحكم أنّ تطوّر رأس المال الإحتكاري و دمج رأس المال البنكي مع رأس المال الصناعي يحدث وضعا يتحكّم فيه عدد صغير من الأشخاص هم كلّ يوم أكثر إنفصالا عن الإنتاج و عن سيرورة إنتاج القيمة ، يتحكّمون فى بليارات الملايين من الدولارات ( اليانات ، الماركات ، الفرنكات ، الروبلات ، الليرات ) من هنا جاء تشديد لينين كثيرا على طفيلية رأس المال فى مرحلته الإمبريالية .

و ميزة رئيسية أخرى لرأس المال حلّلها لينين هي أنّه مع تحوّل الرأسماليّة إلى إمبرياليّة ، عوّض تصدير رأس المال ( كإستثمارات مباشرة فى بلدان أخرى أو كقروض أو معاملات مالية أخرى ) تصدير السلع ( التجارة ) بإعتباره النشاط الإقتصادي العالمي الأكثر جوهريّة لرأس المال . و واصلت التجارة لعب دور هام جدّا لكن الإستثمارات العالميّة و أشكال أخرى من تصدير راس المال صارت تلعب دورا حاسما أكثر فى السيرورة العامة للمراكمة الرأسماليّة على الصعيد العالمي .

و مع ذلك ، و لو أنّ تحوّل الرأسماليّة إلى إمبرياليّة دشّن مرحلة جديدة من عولمة رأس المال و دمج كلّ مناطق العالم و أنظمة مختلفة فى سيرورة عامة من مراكمة رأس المال على مستوى عالمي ، فإنّ رأس المال الذى ظهر جوهريّا إنطلاقا من السوق الوطني فى البلدان الرأسماليّة حافظ على جذوره فى هذه الأسواق الوطنية . حافظ رأس المال على " شخصيّة وطنيّة " فى سيرورة المراكمة رغم أنّه كان يراكم و فقط يمكنه أن يراكم ، على النطاق العالمي . بالأسلوب ذاته الذى حوّلت به الإمبريالية بعض مظاهر إنتاج السلع إلى نقيضها لكنّها لم تنفصل و لا يمكنها ان تنفصل عن إنتاج السلع ، تجاوزت الإمبريالية فى بعض مظاهرها الراهنة العلاقة بين السوق الوطني الرأسمالي و السوق العالمي بيد أنّها لم تنفصل و لا يمكنها أن تنفصل عن السوق الوطني . فى مرحلة الإمبريالية ، تتفاقم المزاحمة بين الرساميل و مظهرها الأكثر محوريّة هو النزاع بين الدول الإمبرياليّة .

و الإمبريالية تعنى تنافسا أشدّ بين الرأسماليّين الكبار و بخاصة تنافسا بين الدول الإمبريالية من أجل الممتلكات الإستعمارية و " مجالات التأثير" إلخ . فى نهايات القرن التاسع عشر قد إنتهى بعدُ بالأساس تقسيم الممتلكات الإستعمارية لكن التوجّه الحتمي لرأس المال نحو التوسّع إلى جانب ميزات أخرى لرأس المال فى المرحلة الإمبريالية دفعا كما هو حتمي ، إلى صراع أحد من أجل إعادة تقسيم جديد للمناطق المستولى عليها . عاجلا أم آجلا ، لمرّات متكرّرة ، يدفع هذا النزاع إلى الحرب بين الإمبرياليين : عادة بصفة غير مباشرة ( " حروب بالنيابة " إلخ ) و أحيانا مباشرة ( عامة حروب بين تحالفات عسكرية أو كتل بقيادة دولة أو بعض الدول الإمبريالية عظيمة القوّة ). و مهما كانت نتيجة حرب ما ( بما فى ذلك حرب بين كتل إمبريالية ، فإنّ الديناميكية الداخليّة للإمبرياليّة ستظلّ تخلق بإستمرار أرضية حروب جديدة . فالتحالفات و الهدنة بين الإمبرياليّين لا يمكن أن تكون دائمة و لا مطلقة و حتميّا ستوجد إنتهاكات متكرّرة و ستندلع حروب من أنواع متباينة . وهذا هو ما أثبته لينين من خلال تحليل الميزات الأساسيّة للإمبرياليّة و طبعا أكّد تاريخ المرحلة الإمبريالية فى هذا القرن بشكل مأساوي تحليله.

إضافة إلى تحليل الميزات الجديدة للإمبرياليّة و تفسير أسبابها ، أشار لينين إلى أنّ الوضع الجديد يضاعف من إمكانيّات الثورة لا سيما الثورة البروليتاريّة و أشار إلى أنّ هذه الأخيرة لا ينبغى أن تقع أوّلا فى البلدان الأكثر تقدما تكنولوجيا ) بل سيمكن أن تحدث أوّلا فى بلد أكثر تخلّفا و أنّه يمكن أن تحصل حيث يدفع تفاعل تناقضات النظام الإمبريالي العالمي و الوضع الملموس لبلد إلى أزمة ثوريّة تضعف الطبقة المهيمنة و ترفع من غضب الجماهير و نضالها .

و من ناحية أخرى ، فى ما يتعلّق بالبلدان الرأسماليّة المتقدّمة ، سمح الإنتقال من الرأسماليّة إلى الإمبرياليّة للطبقات المهيمنة بالبلدان الإمبرياليّة الرئيسيّة بأن تقوم برشوة قطاع من الطبقة العاملة بفتات غنيمة إستغلالها و نهبها العالميّين . و قد تسبّب هذا فى إنقسام فى صفوف الطبقة العاملة : القطاعات الأوفر إلإمتيازات و المرتشيات هي القاعدة الإجتماعية لسياسة إصلاحيّة فى أفضل الحالات . و القطاعات الأفقر و المستغَلة أكثر تظلّ القاعدة الإجتماعية للثورة البروليتارية و الأمميّة البروليتاريّة . و أبرز لينين أنّه ، كتوجّه و إستراتيجيا جوهريّة ، كان لزاما الذهاب أسفل أكثر و أعمق إلى هذه القطاعات الأفقر ضمن البروليتاريا المحافظة على خطّ ثوري و بناء حزب و حركة تقدر على تحقيق الأهداف الثوريّة للبروليتاريا كطبقة .



2- الحزب البروليتاري الطليعي :

لم يكتف لينين بقطع هذه الخطوات الهامة إلى الأمام فى تطبيق نظريّة ماركس على المرحلة الإمبريالية و إنّما قاد نشاطا جعلها تمتاز "بصفة الواقع المباشر " و تكتسب شموليّة عالميّة . من خلال قيادته للثورة البروليتارية فى روسيا و للجمهورية السوفياتية التى أوجدها ، أثبت بالممارسة صحّة مبادئ الماركسية – اللينينية و قوّتها و قاد البروليتاريا فى التقدّم التاريخي العظيم ألا وهو الإطاحة بالنظام القديم و إفتكاك السلطة و تعزيزها و الشروع فى التحويل الإشتراكي للمجتمع .

كلّ هذا مرتبط وثيق الإرتباط بمساهمات لينين فى التحليل الماركسيّ للعلاقة بين الوعي و العفويّة و بين القيادة الطليعيّة و الجماهير ( بين الحزب و الطبقة و الجماهير التى يقودها ) فقد شرح لينين أنّ الوعي الذى يحصل عليه العمّال عفويّا لا يمكن أن يكون بعدُ وعيا شيوعيّا . فى مجتمع منقسم إلى طبقات و تهيمن عليه طبقة إستغلالية ، سيكون الوعي " العفوي " محدّدا بأفكار الطبقة المهيمنة . و للقطيعة مع وجهة نظر البرجوازية و الحصول على وعي يعبّر عن المصالح الجوهرية للطبقة العاملة ، شرح لينين ، على العمّال ألاّ يحدّدوا مشاغلهم ونضالاتهم فى النضال الإقتصادي ( النضال من أجل أجر يومي أفضل ، و ظروف عمل أحسن إلخ ) فقط و رئيسيّا ، عليهم أن يخوضوا نضالا عاما ضد النظام الرأسمالي و إضطهاد العمّال و كلّ الشرائح و الفئات الإجتماعيّة .

يتعيّن على العمّال أن يهتمّوا بكلّ مجالات المجتمع و أن يتعلّموا التعرّف على مصالح كلّ طبقة فى كلّ الشؤون الإجتماعية و الأحداث العالميّة الرئيسيّة . بهذه الطريقة وحدها يمكنهم التوصّل إلى معرفة الطبيعة الأساسيّة للعدوّ ( النظام الرأسمالي و طبقته المهيمنة ) و معرفة كلّ من إمكانية كسب حلفاء من بين قوى إجتماعية أخرى و كذلك حدود مثل هؤلاء الحلفاء بإرتباط بموقعهم و بوجهة نظرهم الطبقيّين . هكذا فحسب يمكن للبروليتاريا أن تصير واعية تماما لمصالحها كطبقة و أن تتّخذ موقفا يتماشى معها و أن تكتسب القدرة على قيادة جماهير المضطهَدين فى نضال حازم و قويّ لأجل قبر النظام القائم و إرساء نظام إشتراكي جديد تحكمه البروليتاريا .

و زيادة على ما سبق ، أثبت لينين أنّه لا يمكن للطبقة العاملة إكتساب وعي طبقيّ ثوريّ و خوض نضال ثوريّ دون قيادة حزب طليعي يمثّل بصفة مركّزة وجهة نظر و مصالح البروليتاريا و يدمجها مع نضال الجماهير فى سبيل تحويل نضالاتها و وعيها العفويّين إلى حركة ثوريّة تقودها الإيديولوجيا الثوريّة . و يتعيّن على الحزب الطليعيّ ألاّ يكون أعضاؤه من صفوف البروليتاريا فحسب بل يتعيّن أيضا أن يضمّ مثقّفين ثوريّين و ثوريّين من شرائح أخرى ، بشرط أن يتبنّى جميعهم موقف البروليتاريا و وجهة نظرها و أن يسخّروا حياتهم كلّها لهدف تحرير البروليتاريا . كي ينهض بهذا الدور الثوري الطليعيّ ، لا يستطيع الحزب أن يكون إتّحادا غير جديّ من أناس لا يوجد بينهم إلاّ تعاطف عام مع قضيّة الإشتراكيّة أو ببساطة توحّد بينهم مساهمتهم فى النضالات العمليّة للعمّال . هذان أمران هامان لكنّهما غير كافيين فينبغى على الحزب أن يكون منظّمة عالية التنظيم و الإنضباط ، توحدها نظرة للعالم و برنامج سياسي مشتركين . و عليه أن يكون قادرا على مقاومة قمع الطبقة السائدة و جهاز دولتها لقيادة ( و كجزء من قيادة ) نهوض الجماهير الذى يطيح بالنظام . و يجب أن يمتلك الحزب هياكل و أن يعمل على نحو تكون له إرادة مشتركة و وحدة عمل و يجب أن يوفّق بين الديمقراطية و المركزيّة ، و يجب أن يتميّز بنضاله على كافة الصعد من الأسفل إلى الأعلى لبلورة خطوط و تعليمات و إختيار القادة و الإشراف عليهم ، و ينبغى أن يعمل كقوّة موحّدة حيث تخضع المستويات الدنيا إراديّا إلى المستويات العليا بخاصة تطبيقا للخطوط و التعليمات . كما يجب أن يكون له عامود فقريّ من الثوريّين المحترفين لوقت كامل و على كلّ مناضليه أن يسخّروا أنفسهم بصفة متنزّهة عن المصلحة الخاصة للنضال الثوري للبروليتاريا و للحزب من أجل قيادة هذا النضال .

و ينبغى أن يظلّ جليّا أن لينين حين شدّد على أهمّية قيادة الطليعة و دورها كحاملة للوعي الشيوعي للعمّال ، فإنّه لم يكن يعارض المبدأ الجوهريّ الذى طرحه ماركس : يجب أن يحرّر العمّال أنفسهم بأنفسهم و أنّ لا مجموعة أو قّوة أخرى بمستطاعها أن تعوض الجماهير . و بالفعل بيّن لينين أنّ الحزب الشيوعي ، عندما يضطلع بهذا الدور الطليعي ، يعزّز النشاط الواعي للجماهير و أن لهذا أهمّية حاسمة لجعلها قادرة على تحقيق الثورة البروليتارية .

و هذا إضافة خارقة للعادة فقبل لينين لم يكن ذلك مفهوما بوضوح و عليه لم يتطوّر حزب منظّم و منضبط يضطلع بهذا الدور السياسي و الإيديولوجي و على هذا الأساس يرتكز على الجماهير و يحثّها على النضال تحقيقا للثورة . و ليس أمرا عرضيا و لا مصادفة أنّ كلّ الذين يعارضون الثورة البروليتارية ( بشكل مفضوح كمدافعين عن النظام القديم أو تحت راية أو أخرى أو لون أو آخر من " الإشتراكية " الإصلاحية ) لا شدّ ما يهاجمون مساهمة لينين هذه فى نظريّة و ممارسة الثورة البروليتارية .

3 / تطوّر الثورة البروليتاريّة العالميّة كسيرورة ثوريّة عالميّة :

لقد رأينا أنّ تحليل لينين للإمبريالية و نتائجها السياسيّة و الإقتصاديّة كان حاسما بالنسبة للتوجّه الإستراتيجي للثورة البروليتارية العالمية و فى كلّ بلد . و أحد المظاهر التى تتّسم بأهمّية إستراتيجية لهذا التوجّه هو الأمميّة البروليتاريّة التى عزّز كثيرا أساسها كلاّ من تطوّر الرأسماليّة إلى إمبرياليّة و تحليل لينين لهذا التحوّل و إنعكاساته الإستراتيجية . و تكثف هذا فى الموقف الذى إتّخذه لينين و الذى إتّخذه الحزب البلشفيّ تحت قيادته فى ما يتّصل بالحرب العالميّة الأولى . فغداة الحرب ، كانت الغالبيّة العظمى من الأحزاب التى كانت تسمّى نفسها إشتراكيّة أو شيوعيّة وعدت بمعارضة الحرب الإمبريالية بحرب أهليّة . و إعترفت بأنّ الحرب التى كانت ستندلع بين الإمبرياليّين كانت حرب نهب و إستغلال ، حربا بين مالكي العبيد ليس فيها للطبقة العاملة بكلّ بلد أيّة مصلحة ، و وعدت بأنّها عوض "الدفاع عن الوطن " ستقود الجماهير فى النضال ضد الحرب و ضد طبقت"ها " السائدة بهدف الإطاحة بها .

ومع ذلك ، لمّا إنفجرت الحرب رمت تقريبا كافة الأحزاب أرضا راية الأمميّة البروليتاريّة و رفعت راية " الوطن " ( راية إمبرياليي بلادها هي ) ضد بروليتاريي و مضطهَدى البلدان الأخرى . و قد كان هذا خزيا و كارثة مفاجئة بالنسبة للأمميّة الثانية التى كانت تنتمى إليها تلك الأحزاب. و عمليّا ، بقي لينين و البلاشفة الوحيدين فى الطليعة الأمميّة للذين دافعوا بصرامة عن الموقف الأمميّ البروليتاريّ و خاصة "الإنهزامية الثورية " أي موقف العمل فى سبيل هزيمة البرجوازية الإمبريالية للبلد الخاص و إستغلال كلّ المحن التى تتعرّض لها أثناء الحرب و توجيه كلّ العمل نحو هدف تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب أهليّة غايتها قبر الطبقة السائدة و دفع المجتمع بإتّجاه الإشتراكية .

و هكذا بالضبط تمّت الثورة البروليتاريّة فى روسيا فى أثناء الحرب العالميّة الأولى . و قد مثّل ذلك مساهمة عظيمة عمليّا و تعبيرا قويّا جدّا عن مبدأ الأمميّة البروليتاريّة و أهمّيته الكبرى فى حقبة الإمبرياليّة مثلما شرح لينين .

كانت ثورة أكتوبر و تكوين الجمهورية السوفياتية الجديدة بحدّ ذاتهما أمميّين و أسهما إسهاما كبيرا فى الأمميّة . أوّلا ، حوّلا ما كان يسمّى عن حق " سجن الأمم " ( الإمبراطورية القيصرية القديمة ) إلى إتّحاد شعوب قائم على المساواة فى ظلّ حكم البروليتاريا . و لإدراك الأهّمية التاريخية لمثل هذا التحويل لا نحتاج إلى أكثر من مقارنة الإتّحاد القويّ الذى شيّدته الثورة بين مختلف الأمم ، من جهة ، و النزاعات الدمويّة التى يقودها الرجعيّون و التى تندلع الآن فى الإتّحاد السوفياتي سابقا بين قوميات مختلفة و النزاع إنطلاقا من آفاقهم البرجوازية للهيمنة على أمم أخرى ، من جهة ثانية . و هذا تعبير آخر عن أن الإتّحاد السوفياتي فى ظلّ حكومة الإمبرياليّين الإشتراكيّين منذ زمن خروتشوف صار من جديد " سجنا للأمم " . و الآن تلت تبنّى أشكال مفضوحة من الحكم البرجوازي و الرأسماليّة إنفجارات و تناحرات قوميّة إلاّ أنّ جذور هذه الثمرة المريرة هي إفتكاك التحريفيّين السلطة و القفزة إلى الوراء التى شهدها الإتّحاد السوفياتي من الإشتراكيّة إلى الإمبرياليّة الإشتراكيّة .

و قد مثّل ما قام به لينين مساهمة عظيمة فى الممارسة العمليّة و تعبيرا غاية فى القوّة عن مبدأ الأمميّة الثوريّة و الأهمّية الكبرى فى عصر الإمبريالية كما حلّله لينين .

ثانيا ، لقد ألهمت الثورة الروسية و قيادة لينين و شجّعت الثورة فى البلدان المتخلّفة و المستعمَرة . و قد بيّنت الثورة البلشفيّة أنّه لم يكن على الثورة البروليتاريّة بوجه خاص مع تطوّر الإمبريالية ، أن تندلع أوّلا فى البلدان الرأسمالية المتطوّرة ( تكنولوجيّا ) . فقد كانت روسيا القيصرية بلدا إمبرياليّا لكن أيضا بلدا متخلّفا حيث لا تزال قائمة عديد البقايا الإقطاعية و خاصة فى الريف أين كانت تعيش غالبيّة السكان . و مثلما أشار لينين ، بقيت روسيا القيصرية بين الغرب و الشرق و الثورة السوفياتية مدّت جسرا بينهما . زيادة على فتحها الباب أمام الإشتراكيّة فى الإتحاد السوفياتيّ ، خلقت هذه الثورة إمكانيّات واسعة للإشتراكية فى البلدان المستَعمَرة كما شدّد على ذلك ستالين .

و قد أبرز لينين أنّ ميزة جوهريّة من ميزات الإمبرياليّة هي خلق تقسيم بين حفنة من البلدان الإمبريالية و العدد الكبير من البلدان المستعمَرة ، مباشرة أو بطريقة غير مباشرة . و بناء عليه قال إنّ الثورة الإشتراكيّة فى البلدان الإمبرياليّة تكون خداعا و غير ممكنة إذا لم تساند بالكلمة و بالعمل نضالات تحرّر الشعوب المستعمَرة التى تمثّل الغالبيّة العظمى للإنسانية . ذلك أنّه وعى القوّة التى كانت لتلك النضالات الهادفة للحصول على الإستقلال و التحرّر من الإمبرياليّة و التقدّم نحوالإشتراكيّة و قد درس بجدّية المسائل الإستراتيجية المرتبطة بذلك .

لقد حملت الثورة السوفياتيّة تأثير و بذور تنظيم الحركة الشيوعيّة إلى كثير من مناطق العالم المستعمَرة . و لنذكر على سبيل المثال بالتصريح المعروف لماوتسى تونغ بأنّ طلقات مدافع ثورة أكتوبر حملت الماركسية – اللينينية إلى الصين و غيّرت كلّيا طابع نضال الشعب و المجتمع فى ذاته.

و كتعبير ملموس لكلّ هذا تمّ تنظيم الأمميّة الثالثة . و لأوّل مرّة تأسّست أمميّة شيوعيّة حقّا بقيادة لينين و إمتدادا لخطه و ممارسته فى الثورة السوفياتية .

مجدّدا ، يمكن طرح السؤال و الإجابة عليه بإصرار : هل " فنّد الواقع " مساهمات لينين فى الماركسيّة و تطبيقها على المرحلة الراهنة ؟ الأحداث الحالية ، لا سيما في الإتّحاد السوفياتي و أوروبا الشرقية ،هل فنّدت أم أعادت تأكيد صلوحيّة اللينينيّة و شدّدت أكثر من أيّ زمن مضى على أهمّيتها ؟ إنّها لسخرية الوضع الراهن أنّ روسيا بالضبط بينما تسقط "الذئاب و الخنازير و الكلاب السافلة للمجتمع القديم و عباد السماء الذين تفوح منهم المعسكرات و الكنيسة ... و خاصة الإنحطاط " ( مثلما وصف ماركس الرجعيّين الذين أغرقوا فى الدم كمونة باريس ) تماثيل لينين فإنّ جماهير العالم و جماهير ما كان الإتّحاد السوفياتي الآن أكثر من أيّ زمن مضى تحتاج إلى الدفاع عن إرث الثائر لينين و تبنّيه كمرشد .

و هذا ما يحيلنا إلى القمّة الثالثة للماركسية – اللينينية – الماوية : الماوية .

3 / ماو تسى تونغ :

حمل لينين و ثورة أكتوبر طلقات الماركسية – اللينينية إلى بلدان مثل الصين و فتحا آفاقا أوسع للثورة التى تقودها البروليتاريا فى هذا النوع من البلدان و بادرا بأوّل تقدّم فى الإستراتيجيا المناسبة لمثل تلك الثورات لكن ماو تسى تونغ بلور كلّ هذا على مستوى أرقى و وضعه موضع الممارسة العمليّة بقوّة قائدا الثورة الصينية . فقد صاغ ماو نظرية و إستراتيجيا ثورة الديمقراطية الجديدة الموجّهة نحو الإشتراكية بالنسبة للبلدان المسماة ب " العالم الثالث " .

1/ نظرية و إسترتيجيا ثورة الديمقراطيّة الجديدة :

لقد أشار ماو إلى أنّه فى تلك البلدان و إن ظلّت بقايا علاقات ما قبل الرأسماليّة قائمة ( مثلا فى الصين ، ظلّت هنالك عديد بقايا الإقطاعيّة و العلاقات شبه الإقطاعيّة ، فى الريف بصورة خاصة ) فإنّ نوع الثورة اللازمة لأجل حلّ تناقضات المجتمع و لأجل تحرير الجماهير ليست ثورة ديمقراطية – برجوازية تركّز هيمنة البرجوازيّة و الرأسماليّة بل ثورة ديمقراطية جديدة بقيادة البروليتاريا تحرّر البلاد من هيمنة الإمبريالية و تغيّر النظام الإجتماعيّ و تقضى على العلاقات الإقتصادية و الإجتماعيّة ما قبل الرأسماليّة و تبسط الطريق أمام الإشتراكية . إنّها ثورة على مرحلتين . المرحلة الأولى تتميّز بالنضال للإطاحة بالإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية المرتبطة بهما ممّا يعبّد الطريق أمام التقدّم نحو المرحلة الإشتراكية بقيادة البروليتاريا. فى ثورة الديمقراطية الجديدة ، لا سيما فى مرحلتها الأولى ، من الضروري بناء جبهة عريضة متّحدة تجمّع كافة الطبقات و الشرائح و المجموعات التى يمكن توحيدها لمعارضة الإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطيّة و على البروليتاريا و حزبها أن يقودا تلك الجبهة المتّحدة و النضال الثوريّ عموما .
و إلى جانب هذه النظريّة ، صاغ ماو تسى تونغ الإستراتيجيا العسكريّة الجوهريّة للثورة فى بلدان ما يسمّى بالعالم الثالث . نظرا للهيمنة الإمبريالية ( و فى أحيان كثيرة الحرب بين الإمبرياليين من أجل الهيمنة ) و بحكم العلاقات ما قبل الرأسمالية و التخلّف العام لقوى الإنتاج ( مثلا ، نقص وسائل الإتّصال و النقل المتقدّمة و خاصّة فى الريف ) و التطوّر الإقتصادي غيرالمتكافئ و غير المندمج بدرجة عالية ، هنالك مناطق شاسعة من الريف أين لا يمكن للدولة الرجعيّة أن تعمل بكلّ قوتها. و إضطهاد الجماهير العريضة و فقرها المدقع ، إضافة إلى أنّه ثمّة عموما إنقسامات جدّية فى صفوف الطبقات المهيمنة و انّه ليست لها قاعدة إجتماعية رجعيّة قويّة داخل البلاد ، كلّ هذا يجعل تلك البلدان تعيش عامة وضعا ثوريّا ، على أنّ لهذا الوضع الثوريّ مدّ و جزر و حدّته ليست دوما على نفس المستوى . وعلاوة على ذلك ، يمكن تحويل تخلف قوى الإنتاج فى الريف و عزلتها إلى وضع ملائم للنضال الثوري حيث يمكّن من إيجاد مناطق مستقلّة نسبيّا إقتصاديّا .

و نتيجة كلّ هذه الميزات ( تباين مع البلدان الإمبريالية التى من اللازم أن يكون طريقها الثوري فترة من التحضيرات السياسيّة المتنوّعة بإنتفاضة و حرب أهليّة عندما تنضج الظروف الموضوعية ) فى الأمم المضطهَدة للعالم الثالث ، يمكن للحرب و يجب أن تكون الشكل الرئيسي للنضال الثوريّ ، من البداية إلى النهاية . و الطريق الإستراتيجي لإفتكاك السلطة هو الشروع فى حرب ثوريّة يقودها الحزب الشيوعي : أوّلا ، حرب أنصار على نطاق ضيّق فى الريف ثمّ توسيعها تدريجيّا إلى عمليّات عسكرية و تعزيز القوّات المسلحة للثورة فتركيز مناطق محرّرة فى الريف تمثّل مناطق إرتكاز إقتصاديّة و سياسيّة و عسكريّة للحرب الثوريّة و شيئا فشيئا إفتكاك الريف أكثر فأكثر ( محاصرين المدن ) بينما يقع إعداد الظروف لإنتفاضة فى المدن و فى النهاية النضال فى سبيل إفتكاك المدن و تحطيم سلطة الدولة الرجعيّة التى تتمركز هناك تحطيما تاما .

هذه هي الإستراتيجيا العسكرية لحرب الشعب الطويلة الأمد و مع الإستراتيجيا السياسية لثورة الديمقراطية الجديدة تشكّل سلاحا غاية فى الأهمّية بالنسبة للمضطهَدين بالعالم الثالث و من هناك بالنسبة للبروليتاريا العالميّة عموما . مع أنّ إستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد تنطبق على بلدان العالم الثالث تحديدا فإنّ مبادئ الحرب الثوريّة و مبادئ حرب الشعب التى صاغها ماو كأساس لتلك الإستراتيجيا تنطبق عالميّا على النضال الثوريّ . و من كلّ تلك المبادئ الأكثر أهمّية نجد مبدأ أنّ الحاسم فى الحرب هم الناس و ليست الأسلحة و أنّ الحرب الثوريّة هي حرب الجماهير : هذا و مبادئ ثوريّة أخرى أساسيّة فى الحرب الثوريّة متفرّعة عنه يجب تكريسها عند خوض الحرب الثوريّة فى كلّ البلدان ، كلّ بلد حسب طريقه الإستراتيجي و وضعه الموضوعيّ . هذه مساهمة عظيمة أخرى من مساهمات ماو فى النضال الثوريّ للبروليتاريا العالميّة .

2 / مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا :

لكن أعظم مساهمة من مساهمات ماو تسى تونغ هي النظريّة و الخطّ الأساسيّين لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا الذين نحتهما مناضلا ضد المشاكل الجديدة التى إعترضتهم فى المرحلة الإشتراكيّة للثورة و معالجا بعمق كلّ مظاهر التجربة التاريخيّة لدكتاتوريّة البروليتاريا فى الإتّحاد السوفياتي و فى الصين . إنّ النظرية و الخطّ الأساسيّين لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و مكافحة التحريفيّة و صعود البرجوازية ( التحريفيين أتباع الطريق الرأسمالي ) للسلطة ، مهمّة للغاية إستراتيجيّا على المدى البعيد و مهمّة للغاية آنيّا لفهم سيرورة إعادة تركيز الرأسمالية فى الإتّحاد السوفياتي و فى الصين و أيضا الإنعكاسات الحالية لتلك المحن . و كلّ هذا على صلة بدوره بمواضيع تاريخيّة عالميّة عامة متعلّقة بالثورة البروليتاريّة العالميّة .

و لنعرض التحليل الجوهري لماو : تعلّم التجربة التاريخيّة للصين و الإتّحاد السوفياتي أنّه حتّى بعد إفتكاك وسائل الإنتاج من أيدى الرأسماليّين الكبار و وضعها بأيدى الدولة ، و حتّى بعد تحويل رأس المال من الحجم الصغير و الملكيّة الخاصة إلى ملكية إجتماعية للدولة أو مجموعات تعاونية للعمّال و بالخصوص للفلاّحين ، تبقى اللامساواة و الإختلافات واضحة فى المجتمع و أكثر من ذلك ، تظلّ تعبّر عن ذاتها كتناقضات طبقيّة و صراع طبقات . و ما هو أهمّ هو أنّ تلك التناقضات
( بين الرجل و المرأة ، بين الأمم المتخلّفة إلخ ) معا مع تواصل مظاهر العلاقات الإقتصاديّة البرجوازيّة (مثل التبادل السلعي و الإختلافات فى الأجور) ، تحتوى بذرة تناقضات إجتماعيّة و تجعل البرجوازيّة تستمرّ فى التوالد بإستمرار فى المجتمع الإشتراكي . تبعا لذلك يبقى التناقض و الصراع بين البروليتاريا و البرجوازيّة هو التناقض و الصراع الأكثر حسما فى المجتمع الإشتراكي .

و إنتهى ماو تسى تونغ إلى إستنتاج مفاده أنّ تواجد الطبقات و المجتمع الطبقي سيستمرّان خلال المرحلة الإشتراكيّة : إن الإشتراكية لا تمثّل نهاية الثورة و لا مرحلة تتطوّر تدريجيا و سلميّا و بصورة متناسقة صوب الشيوعيّة بل مرحلة إنتقاليّة من الرأسمالية إلى الشيوعية متميّزة و مدفوعة بالصراع الطبقي . علاوة على ذلك ، حلّل ماو أنّ فى المجتمع الإشتراكي
( حيث الحزب هو المركز السياسي الرئيسي للدولة و القوة الرئيسية التى تقود الإقتصاد ) تتركز نواة البرجوازيّة الجديدة داخل الحزب و بخاصة فى مستوياته العليا ضمن الذين يتخلّون عن التوجّه البروليتاريّ و الطريق الإشتراكي ، الذين " يراجعون" ( يحرّفون ) المضمون الثوريّ للشيوعيّة و يتبنّون وجهة نظر البرجوازيّة و ينتهجون الطريق الرأسمالي بإسم الإشتراكية و الشيوعية .

و قد عبّر ماو عن ذلك بالصيغة المقتضبة الآتية : صعود التحريفية إلى السلطة يعنى صعود البرجوازية إلى السلطة . و قد أشار إلى أنّ هذا هو ما حصل فى الإتّحاد السوفياتي إثر وفاة ستالين بصعود خروتشاف و زمرته إلى السلطة فى 1956 و ما كان يحدث فى الصين ذاتها : هنالك بالضبط وُجد أناس مثل خروتشاف ، قدماء من قادة الثورة كانوا فى مواقع عليا و كانوا يودّون تحقيق البرنامج ذاته . لم تكن تدفعهم ببساطة أسباب تمجيد شخصيّة ، أمام التناقضات الطبقيّة و غمرة الصراعات التى يشهدها المجتمع الإشتراكي و أمام الوضع العالمي و الخطر المستمرّ لهجوم إمبريالي ، كانوا يبحثون عن مخرج سهل : كانوا يريدون تحويل البلاد إلى دولة حديثة و قويّة فى أقصر وقت ممكن و من خلال الطريق الأقلّ خطرا و إشكاليّة و عني ذلك الإستسلام للإمبريالية و قمع المبادرة الثوريّة للجماهير و وضع مبادئ الرأسماليّة و قواها المحرّكة موضع قيادة المجتمع .

و كان الردّ على أتباع الطريق الرأسماليّ و كانت طريقة كبح مخطّطاتهم لإعادة تركيز الرأسماليّة هي الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى إندلعت فى أواسط الستّينات . و كانت الثورة الثقافيّة بيانا حيّا عن النظريّة و الخطّ الجوهريّين لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا . و قد مثّلت التقدّم الأكبر الذى حقّقته البروليتاريا العالميّة حتّى الآن و حدثا تاريخيّا لم يسبق له مثيل : نهوضا ثوريا للجماهير لدفع التحويل الثوريّ للمجتمع حين كانت الثورة بعدُ قد أطاحت بالنظام القديم و ركّزت دكتاتوريّة البروليتاريا و مشركت جوهرياّ الإقتصاد و خاصّة نظام الملكيّة . و علاوة على أنّ الثورة الثقافيّة التى إمتدّت لعقد مؤثر قد حالت دون إعادة تركيز الرأسمالية ، فإنّها قد حقّقت تقدّما جديدا فى تحويل العلاقات و المؤسّسات و أفكار المجتمع و خلقت بذورا جديدة للمستقبل الشيوعي .

و حتّى نستعير مرّة أخرى الكلمات الصائبة و اللاذعة لماركس ، كما كان متوقّعا ، فإنّ كلّ " الذئاب و الخنازير و الكلاب السافلة للمجتمع القديم ، عبيد السماء الذين تفوح منهم رائحة المعسكرات و الكنيسة ... وخاصة الإنحطاط " ، سواء كانوا من الصين أو من الولايات المتّحدة الأمريكية أو من أيّ مكان كانوا ، قد إفتروا على الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و هاجموها . إنّهم يكرهونها و يحتقرونها لسبب وجيه ألا وهو أنّها تمثّل نهاية أنظمة الإستغلال و الإضطهاد . إنّها تمثّل عدم القبول بتحطيم الثورة . إنّها تمثّل القرار الواعي للجماهير بأن تنجز الثورة البروليتارية دون توقّف حتّى تحقيق الهدف الشيوعي . إنّها تمثّل تقدّما جديدا فى طريق ذلك الهدف . لا شيء ( و لا حتّى التراجع عن الثورة الثقافية و التراجع الكلّي عن الثورة البروليتارية و إعادة تركيز الرأسماليّة فى الصين ) يمكنه أن يمحو الأهمّية التاريخيّة لما أنجزته الثورة البروليتارية الكبرى و الضوء الذى قدمت مضيئة الدرب نحو المستقبل .

فى ظلّ قيادة ماو ، لا سيما خلال النهوض الشعبي للثورة الثقافية ، كانت الصين منارة و حصنا بارزا مساندا للنضال الثوري فى العالم بأسره ، مثلما شُوهد ذلك فى مساعدة القوى الثوريّة عبر العالم قاطبة و فى التجمّعات الشعبيّة المساندة للنضالات الثوريّة و فى حالة عجوز من كمونة شعبية روت أنّها كانت تعتنى بخنزير لأجل أن تضع حبّة رملها فى تقدّم الثورة العالميّة . بمعنى جوهريّ ، لأبعد من المساندة السياسيّة و الإعانة الماديّة التى قدّمتها الصين الإشتراكية للنضالات الثوريّة للبروليتاريا و لمضطهدى العالم ( بتضحيات كبيرة من طرف الجماهير الصينية ) أبعد من كلّ هذا مساندتها الأعظم كانت النظريّة و الخطّ الذين طوّرهما ماو تسى تونغ حول المسائل الحيويّة للثورة البروليتاريّة . ستبقى مساهمة ثمينة للغاية و مستديمة بالنسبة للبروليتاريا العالميّة و للحركة الشيوعية العالميّة . إنّ المستجدّات الحديثة فى الصين أو فى الإتحاد السوفياتي لا تجعل من مساهمات ماو غير صالحة أو تقلّص منها . بالعكس ، إنّها تشعّ الآن أكثر من أيّ زمن مضى فى تباين مع إفلاس التحريفية : أهمّية هذه المساهمات تتألّق اليوم أكثر من أيّ زمن مضى .

4/ الماركسية - اللينينية - الماوية : توليف كلّي القدرة لأنّه صحيح

تمثّل المساهمات الكبرى لماو تسى تونغ تقدّما فى إيديولوجيا البروليتاريا و علم الثورة نحو مستوى أرقى . فمثلما رفع لينين الماركسية إلى مرحلة جديدة هي الماركسية – اللينينية ، فإنّ ماو متّبعا نهج لينين رفعها إلى مرحلة جديدة أخرى هي الماركسية – اللينينية – الماوية . و الماركسية – اللينينية - الماويّة فهم للعالم و منهج علميّ يمكن أن يطبّق فى كلّ مجالات الحياة و الواقع و فى خلال السيرورة يتعيّن أن تتطوّر أكثر . ما قاله ماو بصدد الماديّة الجدليّة ينسحب على الماركسية –اللينينية - الماوية عموما : هي " حقيقة عامة ، ذلك لأنّه ما من أحد يستطيع فى ممارسته العمليّة الخروج عن إطارها " ( " فى الممارسة العملية " ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، بيكين ، منشورات باللغات الأجنبية ، المجلد 1 ، صفحة 446 ، الطبعة العربية ) . و كما قلت فى كتاب " من أجل حصاد التنانين" : " يمثّل فكر ماو تسى تونغ ( حين نُشر ذلك الكتاب بالأنجليزية سنة 1983 ، كان حزبنا يسمّى إيديولوجيا البروليتاريا العالميّة الماركسية – اللينينية – فكر ماو تسى تونغ . منذ ذلك الحين ، للتعبير بصيغة أعمق عن المساهمات النوعيّة لماو فى هذه الإيديولوجيا و بالتالي تطويره لها إلى مرحلة جديدة ، تبنّينا صيغة الماركسية – اللينينية – الماوية ) تطويرا نوعيا للماركسية - اللينينيّة . و بالتالى الماركسية -اللينينية - فكر ماوتسى تونغ هي فلسفة و نظريّة سياسيّة شاملة وهي فى الوقت نفسه علما حيّا و ناقدا و فى تطوّر مستمرّ . ليست مراكمة كمّية لأفكار ماركس و لينين و ماو ( و ليست كلّ فكرة و إستراتيجيا و تكتيك خصوصيّ تبنّوهم أو دافعوا عنهم صحيحة دائما و مطلقا ) بل إنّ الماركسية - اللينينية - فكر ماو تسى تونغ هي توليف للتطوّر و خاصة للتقدّم النوعيّ الذى توصّلت إليه النظريّة الشيوعيّة إنطلاقا من تأسيس ماركس لها وصولا إلى الوقت الحاضر . و لهذا السبب و بهذا المعنى ، مثلما قال لينين عن الماركسيّة ، إنّها كلّية الجبروت لأنّها صحيحة " . ( أفاكيان ، " من أجل حصاد التنانين " 1983، صفحات ،107 -108 منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ) .