في محور تأسيس الحزب الشيوعي


أنصار الديمقراطية الجديدة
2017 / 9 / 10 - 19:23     

تتناول هذه المحاولة أولا فهم أسباب فشل التجارب السابقة فيما يخص تأسيس الحزب الشيوعي الماوي بالاعتماد أساسا على بعض الوثائق المتوفرة على مواقع التواصل الاجتماعي والمتعلقة بتجربة الثمانينات والتسعينات وسنتناول لاحقا محور كيفية توفير مستلزمات التأسيس حاليا وفق واقع المجموعات الماوية أولا وحسب حركة الطبقات ثانيا وتحديدا تطور تجربة الجماهير.
لماذا فشلت التجارب السابقة ؟
قبل البحث في فشل هذه التجارب نود التأكيد على أن العناصر التي شاركت في مشاريع تأسيس الحزب الشيوعي في الثمانينات والتسعينات انحرفت وشكلت أحزابا قانونية إسلاموية قومجية تشيد بوطنية الأنظمة و بالجيوش العربية وأخرى اشتراكية ديمقراطية شاركت في "الحوار الوطني" أو اكتفت بالنشاط الثقافي والإعلامي والباقي التحق بالبيروقراطية النقابية وضمِن مكانه ظرفيا في المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل او في بعض الهياكل
إن ارتداد كل هذه العناصر يعني ببساطة أنها لم تلتزم بالطرح الوطني الديمقراطي وبالخط الشيوعي الماوي وبالتالي وحسب النتائج الحاصلة حاليا فإنها طورت خطا شرعويا أو نقابويا أو قومجيا سارت عليه وعلى أساسه طلبت التأشيرة من النظام وفق قانون الأحزاب .
لذلك فان قضية الخط الصائب تظل محورية في تقييم التجارب السابقة لان الخط هو المحدد وهو الذي ينير الممارسة العملية ، غير أن العناصر الانتهازية مهما كان نوعها تتظاهر بتبني الخط العام على المستوى اللفظي لكنها تعمل على تخريبه عمليا وقد قال ستالين في "خط واحد أم خطان ؟" ما يلي: "إن السؤال الأساسي أيها الرفاق يتمثل فيما إذا كان عندنا خط عام أم خطان؟ لقد صرح ريكوف في خطابه أن لنا خطّا عاما واحدا وانه إن وجدت بعض الخلافات التافهة فلأن طريقة تصور الخط العام تحتوي على "فروقات طفيفة" فهل هذا صحيح؟ لا مع الأسف انه ليس فقط غير صحيح بل مناقض تماما للحقيقة وبالفعل إذا كان خطنا واحدا ولا توجد بيننا سوى فروقات طفيفة لماذا سارع بوخارين الى تروتسكيي الأمس وعلى رأسهم كاميناف من أجل محاولة تأسيس كتلة انشقاقية ضد اللجنة المركزية ومكتبها السياسي؟"(1)
يتضح جيّدا أن قضية الخط العام قضية جوهرية ويتجسد الخط العام في البرنامج السياسي وفي القانون الأساسي والنظام الداخلي للحزب وكذلك وخاصة في الخطة (التكتيك) التي تعتبر التجسيد العملي للبرنامج في فترة معينة. و فضلا عن ذلك فان السؤال المحوري و الأساسي هو مدى تطابق التكتيك مع الخط العام أي مع التوجهات الإستراتيجية الواردة في البرنامج وهو ما يعني مدى تطابق المقول مع الممارس ومدى مساهمة المهام العملية مهما كانت جزئية في التقدم في تطبيق البرنامج . فكيف تعامل الماويون في الثمانينات مع هذا التوجه وهل كان لهم خط عام صائب وممارسة مشتركة وفق هذا الخط ؟
يتبين حسب الوثائق المتوفرة إلى حدّ الآن أن برنامج المنظمة الم الل الذي يحتوي على بعض الغموض والانحرافات وُضِع على الرف وظل حبرا على ورق وأصبح في قطيعة تامة مع النشاط اليومي الجماهيري فلم يتحول البرنامج إلى أداة عمل يومية ولم تتحقق وحدة الإرادة نظرا للصراعات التي كانت تشق "العناصر القيادية "آنذاك حسب ما ورد في نص ملخص"مسيرة الحركة الشيوعية الماوية"(2) إذ نقرأ ما يلي:
" وتشكلت قيادة وقتية على أساس عنصر الصمود في محلات البوليس لا غير دون مراعاة قضية التمكن من الخط ومن المستوى النظري والعملي فتواجدت عناصر من أصول بعثية وأخرى من تكوين ماركسي لينيني وثالثة منحدرة من التجربة النقابية لا غير وهو ما جعل هذه العناصر " القيادية " غير متماسكة لا تربطها وحدة الإرادة وظلت المسائل الجوهرية المطروحة محل صراعات لا تحسم بل تؤجل أو تحسم بصفة توفيقية في انتظار ما سيفرزه الواقع وهكذا كان الخط الم الل يعارض دوما التوجهات الاقتصادوية النقابوية والتوجه القومجي العروبي بل وصل الأمر في بعض الأحيان إلى التهكم و تبادل التهم باتهام هذا العنصر بأنه أممي والآخر قومي عروبي والثالث نقابي بيروقراطي...ويعكس هذا الوضع واقع الصراع بين الخطين الذي كان يشق التنظيم والذي كان لزاما على العناصر الم الل تفجيره ودفعه نحو الحسم حتى تقع تنقية الخط وفضح الأطروحات الغريبة عن مصلحة الطبقة العاملة وفكرها."
ويضيف كاتب النص الذي يبدو انه عايش الصراع : "طرحت مثل هذه الأوضاع في العديد من المرات قضية الحسم في إعادة البناء التي طالت أكثر من خمس سنوات ووقع نقد العناصر ذات التوجهات الإقتصادوية والقومجية والتي لا يرضيها العمل المؤسساتي وفق مبدأ المركزية الديمقراطية... . وتزامن نقد الحياد النقابي والشرعوية مع ضرورة إيجاد البرنامج السياسي والنظام الداخلي واندلعت الصراعات حول هذه الوثائق الأساسية بما في ذلك إعداد لوائح مؤتمر تأسيسي وإصدار أهم مسائل التراث بصفة علنية وقانونية إما في الهجرة أو في الداخل إن أمكن وأفضت هذه الصراعات التي دامت أكثر من سنتين إلى الاتفاق حول برنامج جاء يحمل في طياته بذور التصفوية وكان محل صراع أدى في النهاية إلى إعلان الانشقاق والانقلاب على الخط واتهام الم الل الماويين بالتروتسكية والشرعوية الخ... خاصة بعد 7-11- الانقلاب الأبيض في تونس- وأفرز هذا الوضع 3 مواقف متباينة: موقف عروبي متخونج سيقع بلورته لاحقا في الطرح التصفوي (حاليا حركة النضال الوطني- الإضافة من عندنا)وموقف شرعوي نقابوي سيفضي إلى تشكيل حزب قانوني تحت نظام الجنرال (العود - الإضافة من عندنا) وموقف ماركسي لينيني سيعمل على إعادة بناء الحركة الشيوعية الماوية " ويستنتج الكاتب- حسب تجربته الذاتية - أن فشل تأسيس الحزب الشيوعي في الثمانينات " يرجع إلى الانحراف القومجي الذي تمسك بالنزعة الانشقاقية بتعلة إيجاد حزب عربي الآن و هنا و فورا بمعزل عن واقع الحركة الشيوعية العربية كما طرح مفاهيم تصفوية الهدف منها التملص من تأسيس الحزب الشيوعي والبقاء تحت راية الأطراف الأخرى وتحديدا منها الإسلامية والقومية."(المصدر السابق)
نعتذر عن طول الاستشهاد أولا وعن الاكتفاء برأي واحد فيما يخص تجربة الماويين في الثمانينات وذلك نظرا لنقص الوثائق ، وندعو الجميع بالمناسبة إلى محاولة الحصول على الوثائق أو الشهادات الحية من قبل من عايش التجارب السابقة حتى تكتمل الرؤية ونعتبر حسب الوثائق المطلع عليها في الافتراضي والنقاشات الجانبية مع البعض أن فشل تأسيس الحزب الشيوعي في الثمانينات يرجع أساسا إلى طبيعة الخط وإن ادعى البعض أن هذا الخط كان صائبا في مجمله فان النتيجة كانت كارثية بما أن أغلب "رفاق الأمس" قد أصبحوا اليوم جزءا من النظام الحالي (في البرلمان- في هياكل عليا للاتحاد وفي هياكل المجتمع المدني وفي الجبهة "الشعبية") وهو دليل قاطع على أن تربية هذه الكوادر تمت على أساس المشاركة في السلطة وعلى أساس معارضات مدنية همها الوحيد هو إدخال بعض الإصلاحات على النظام القائم.
فهل تقع تربية الكوادر نظريا وعمليا في اتجاه المشاركة في السلطة عبر الانتخابات مهما كان نوعها برلمانية أو نقابية أو ثقافية ...أم يقع تكوين الكوادر البروليتارية تحت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام؟ وهل أن الممارسة العملية والنشاط اليومي يهدف إلى تجسيد القطيعة مع النظام والإعداد الكفاحي للثورة أم يعمل فقط في إطار المعارضات الجماهيرية الواسعة؟
إن فشل التجارب السابقة في تأسيس حزب الطبقة العاملة يطرح أكثر من سؤال خاصة بالنظر إلى واقع المجموعات الحالية وخطها السياسي وممارساتها اليومية. فهل فهمت هذه المجموعات اليوم دروس التجارب السابقة ؟ وإذا لم تفعل ذلك فستعرف نفس المصير بالتأكيد، أي الفشل في تأسيس الحزب الشيوعي - وهو ما لا نريده طبعا - لمصلحة الشغالين والشعب عموما.
إن المهام صعبة وصعبة للغاية لأنها تتطلب العديد من نكران الذات والعديد من التضحيات وكل من يعبر عن استعداده للتضحية والعمل الشاق ويعقد العزم على تحدي الصعاب ويتميز بسلوكه اليومي في خضم الصراع الطبقي فهو جدير بان يكون الكادر البروليتاري الوفي لقضية الطبقة العاملة والشعب وعنصرا أساسيا في تأسيس الحزب الشيوعي.
إن التربية الشيوعية تتناقض كليا مع التربية الاشتراكية الديمقراطية المعتمدة أساسا على تشكيل المعارضات الجماهيرية لحصد الأصوات في الانتخابات
إن التربية الشيوعية هي تربية كفاحية نظرا لطبيعة الصراع الطبقي وهي تطرح منذ البداية في برنامجها وخططها قضية السلطة لان كل تحرك مهما كان جزئيا فهو يُعدّ لإسقاط السلطة الرجعية وإيجاد سلطة شعبية وإن ظلت جنينية.

المراجع = (1) ستالين- خط واحد أم خطان؟ – كتاب مسائل اللينينية ص 332 .
(2) ملخص مسيرة الحركة الشيوعية الماوية- م علي الماوي- الحوار المتمدن.
(راجع كذلك "التيار التصفوي من المزايدة إلى الانهيار" لنفس الكاتب).

ثابت, ابن الشعب
( وقع ارسال هذا النص في جانفي 2017 لاحد المجلات الشيوعية في تونس (مجلة غير قانونية)لكن لم يقع نشره ونجهل طبعا الاسباب)

تونس -10سبتمبر 2017