تطور مفهوم الطبقة العاملة لدى ماركس من طبقة بذاتها الى طبقة لذاتها..


ماجد الشمري
2017 / 8 / 16 - 22:31     

لم يبدأ ماركس نشاطه الفكري والسياسي،شيوعيا ثوريا صرفا،هكذا،وفجأة!.فوصوله لتلك القناعات،استغرقت مدى زمنيا،واحتاجت لتراكم،وتحول،وتطور فكري،وارتقاء في الوعي،من خلال :القراءة العميقة والمكثفة،والهضم والتمثل،ومعايشة الواقع،وانعكاساته على صفحة العقل المنفتح والنقدي،للتزود بالمعرفة،والنقد للظواهر الاجتماعية من:سياسة واقتصاد وتاريخ..الخ.وهذا الامر هو طبيعي،ويشمل كل المفكرين ماديين ومثاليين ،مع التفاوت بينهم والاختلاف في الوعي المطابق للواقع والوعي الزائف.لقد كانت رحلة ماركس الفلسفية والنظرية،وممارساته السياسية العملية،خاضعة لصيرورة من التحول والتطور المتدرج كما ونوعا.ففي مراهقته،وبداية شبابه،كان متعلقا بالادب،وهاويا للكتابة،في مجال الشعر والرواية،فقد كان رومانسيا حالما،مع نزعة للرفض والتمرد.ومن الناحية السياسية كان متأثرا جدا بوالده،الذي تخلى عن دينه مضطرا،من اجل البقاء في ترير،ومزاولة مهنته كمحامي،بسبب التشريعات البروسية الظالمة والمعادية للسامية.اي كان كوالده،ليبراليا علمانيا،ومعاديا للاستبداد البروسي الملكي المطلق.وكانت تربطه بوالده علاقة حميمة جدا،فكرية وعاطفية متبادلة.درس ماركس القانون في جامعة بون لفصل واحد،ثم تحول الى جامعة برلين الجادة والاكثر اكاديمية.واسوة بكثير من طلاب تلك الجامعة،كان توجهه الفلسفي هيجيليا مثاليا-الفلسفة التي عشقها اكثر من اي شيء اخر-وانضم الى لمجموعة"الهيجيليين اليساريين"او الشباب،بزعامة الفيلسوف الالماني فيورباخ،واستاذه الشاب برونو باور.ورغم اثر هيجل على تطوره الفكري،الا انه اتخذ موقفا سياسيا يساريا،بأتجاه الديمقراطية الثورية،ونبذ دراسة الحقوق بالضد من رغبة والده.واستمر بقراءة هيجل وفيورباخ،وكان يحلم ويتطلع ليكون استاذا للفلسفة،مثل معلمه"برونو باور".الا انه غير رأيه،عندما طرد فيورباخ من التدريس،لالحاده وموقفه المناويء للحكم البروسي والكنيسة.واستقال ايضا برونو باور من عمادة الجامعة.اتجه ماركس للعمل في الصحافة-تلك المهنة التي سيزاولها طيلة حياته-عمل في صحيفة"الراينش تسايتونغ"الليبرالية،واندفع في الكتابة السياسية ناقدا ومحرضا على الثورة.اصطدم ماركس بفلسفة هيجل،المحافظة والرجعية،في جانبها السياسي،وتناقضها بين:اطروحاتها المثالية الميتافيزيقية،والواقع الفعلي المادي للعلاقات الاجتماعية.اخذ ماركس المنهج الجدلي من فلسفة هيجل المقلوبة على رأسها،ووظفه في نقد المجتمع والسياسة والدين.اما مفهوم البروليتاريا لديه،فلم يكن في بدايته واضحا ودقيقا،وحتى مجهولا.فقد اتخذ فهمه للبروليتاريا بعدا وسياقا متعرجا،ولكن متصاعدا،ليصل في النهاية الى المفهوم الطبقي العلمي الكامل لتحديد البروليتاريا،اجتماعيا واقتصاديا،كطبقة اجتماعية رئيسية،تصارع البرجوازية من اجل تحررها.فماركس في شبابه لم يعتنق اي عقيدة ،او يتبنى اي نظرية اشتراكية او ثورية،وحتى قبل بدئه بدراسة الاقتصاد السياسي،عندما اقترب من الحركة العمالية.لذا يمكن التساؤل،ونحن نرى اهمية هذه المعتقدات والدراسات في كتاباته،عن السبب الذي قاده لان يجعل من قضية البروليتاريا،قضيته المركزية بالذات؟.انه من الضروري ان نتابع الوقائع التي سبقت نشره"مدخل الى نقد فلسفة الحق عند هيجل"في عام1844،وبتسلسلها التاريخي،لنتمكن من الفهم.فبعد استقالة صديقه برونو باور من الجامعة كعميد،تخلى ماركس عن مشروعه في الحصول على وظيفة اكاديمية،ومن ثمة ترك العمل الصحفي في الراينش تسايتونغ،ليعتزل في كروزناخ عام1842،وشرع في تكوين نفسه،كمؤرخ نظري لتاريخ الثورات،بالدراسة الجادة والمكثفة،لتاريخ الثورات الانكليزية والفرنسية،وقراءته العميقة للاشتراكيات الطوباوية المتنوعة،وروادها،مثل:"سان سيمون"و"شارل فورييه"وغيرهم،وليكتشف تحليلا اوليا لتركز رأس المال،وافقار البروليتاريا،ويبدأبقراءة الاقتصاد السياسي:"لسمث،وفيرغسون،وريكاردو،وكنباي"وغيرهم،واكتشافه لمصطلحي:القيمة الفضلى،والقيمة المضافة،لدى" سيسموندي".وتوصل الى فكرة :ان الاقتصاد هو اساس كل العلوم الاجتماعية،ولا يفلت منه ومن قوانين المادية اي شيء.الا ان تلك الدراسات،وهذا الانهماك الموسوعي،لم تظهر تحمسا او اهتماما او ارهاصا لديه،بالقضية العمالية،وبهذا الشكل السافر فيمابعد!.الا انه ثمة وثيقة،هي التي شكلت قطيعته مع تاريخه الليبرالي،وماضيه الديمقراطي البرجوازي،او تخليه عن وهمه السابق والمطلق بالديمقراطية الليبرالية.تلك الوثيقة هي البحث او المقال الذي كتبه حول المسألة اليهودية،والتي استلهمها من قراءته لبحثين،كتبهما برونو باور،حول التحرر السياسي لليهود،وبالرغم من ان نصه ذاك،لاصلة له لابالاشتراكية،ولا بالبروليتاريا.الا اننا نلمس توجهه الجديد،والطاريء لديه،وكأنه انبثاق مفاجيء!.فقد اكد في بحثه في المسألة اليهودية،على ان:الدين ما هو الا انعكاس مشوه للظروف الاجتماعية لبني الانسان(ان الدين هو تأوه المخلوق المضطهد،ومشاعر عالم بلا روح،انه افيون الشعب ).فبرونو باور في بحثه عن التحرر السياسي لليهود،كان اصلاحيا،ولم يكن يهدف الا لاثارة اليهود الالمان لقضية تحررهم،ولم يدعو سوى لاصلاحات في النظام القانوني وحريات اليهود الدينية،والتي يجب ان تقوم بها الدولة البروسية.اما ماركس في"المسألة اليهودية"فعلى العكس،فلم تكن دراسته نظرية لموضوع اليهود،بل كانت هجوما ضاريا،واتهاما واضحا،للآفتين الاساسيتين امام تحرر الانسانية وهما:الدولة،والمال،والقاعدة القانونية لهما،وهي:حق الملكية.ذلك النقد لم يكن يتضمن شيئا من" العلمية"مع انه ناتج عن تحليل مركز لفلسفة هيجل السياسية،والتي واضب عليها ماركس في كروزناخ،وحملها معه الى باريس.ما الذي دفع ماركس لهذه الكراهية العاطفية،لا الفكرية،للدولة والمال؟هي على الاغلب،وان لم تكن السبب الوحيد،هو:تجربته الحياتية المرة،ومعركته مع الاستبداد البروسي المطلق،ووضعه كمنفي،ومنبوذ،ومهمش من المجتمع الرسمي.ترك ماركس مخطوطه ضد الهيجلية غير مكتملا،فقد كان ينوي النضال النظري والعملي على صعيد عام وشامل:نقد السياسة والاقتصاد السياسي،-وهو عنوان كتاب كان عازما على تأليفه-وبناء تنظيم سياسي يشرع في النشاط ضد البرجوازية.فماركس كرجل حزب،حارب بلا هوادة اثناء حياته،تلك الاشكال الثلاثة التي عاصرها،لظاهرة استبدادية الدولة وطغيانها،وهي:الرجعية البروسية،والقيصرية،والبونابرتية.لذلك نجده يهاجم عبادة المال عن طريق تطوير نظريته في الرأسمال-الكتاب الذي كان قرره،واختار فكرته بعد عشرين عاما!والذي نشهد فيه ظهور القوة الاجتماعية الضد،والمطالبة بأستئصال عاهتي المجتمع الانساني،والتي هاجمها منذ عام1844.هذه القوة،هي:البروليتاريا،ضد الدولة وضد رأس المال.ان فكرة القوة الاجتماعية المكلفة بمهمتها التحريرية،هي في تصوره،تسبق المفهوم السسيولوجي للطبقة العاملة،كما رسمها وحددها في كتابه العمدة"رأس المال"والمرتبط دون انفصام الى كل نظام الانتاج الرأسمالي،وبنفس الدرجة من الارتباط،مفهوم البرجوازية،غير انها لاتخلو من تلك المسحة الاخلاقية لمفهوم البروليتاريا،اي فكرة :المهمة البروليتارية التي رصدها ماركس قبل دراساته الاقتصادية،والتي ستتبين بجلاء في كتابه الارأس"رأس المال"،وستوضح بدون فكرة مسبقة"القانون الافتصادي لحركة المجتمع المعاصر".والسؤال الذي طرحه ماركس على نفسه هنا هو:كيف يمكن لهذا القانون ان يتطابق مع فكرة الطبقة التي تقيم"دعوتها التاريخية"على الغاء اسلوب الانتاج الرأسمالي،والطبقات الاجتماعية نفسها؟.وهو سؤال يعبر عن مشروعية اكثر من الاكتفاء بأنشاء نظرية اجتماعية،والقيام بنقد الموسسات البرجوازية عن بعد!.وقد استجاب ماركس للسؤال،وتفرغ بأندفاع وحماس،للنشاط والممارسة السياسية لدرجة انه وصل في تحمل مسؤولياته كرئيسا لحزب.
اذن..ماقرأه ماركس في وجوه العمال الفرنسيين،هو اكثر من الرفض لوضع لاانساني سافر.قرأ شيئا اخر،اكثر عمقا ودلالة.هل قرأ ببساطة في هذه الوجوه المتعبة،والمحرومة،حنينه الذاتي،الذي تغذى من ينابيع الفلسفة في سنواته الجامعية،ونزعة التمرد،وروح الثورة على الواقع المتعسف،لنسفه،وتغييره؟مهما كان الامر،فلا شك انه ولاول مرة في تاريخ الحركة العمالية الثورية،تتخذ المواقف،والنشاطات،والممارسات الجماعية للرفض والتمرد لنفسها،سقفا عاليا لعواملها واهدافها،وبعداجوهريا لتحويل مصائرها.البروليتاريا..تلك الطبقة التي تجتمع فيها كل عاهات،ومساويء المجتمع الحديث،فوضعها،كان بمثابة فضيحة عامة،وادانة بكل المقاييس والقوانين والقيم،تؤكد الحدود القصوى للاجرام والحيف والظلم الظاهر للمجتمع كله.فوجودها العميق،مكبل بالقيود والاكراهات،والانسحاق المادي والنفسي،يمثل انحلالا اخلاقيا شاملا لاوضاع المجتمع البرجوازي.وثورة البروليتاريا القادمة،تتضمن طابعا شاملا،لان بؤسها ومعاناتها شاملة،ولانها لاتعاني من ظلم خاص،بل ظلما عاما،وشرطها ووضعها البشري،يشكل خسارة فادحة للمجتمع الانساني،وان تحررها،سيكون شرطا للتحرر الشامل والكامل لعموم الانسانية..هذا ماتوصل اليه ماركس في رؤيته للصورة الاولى للبروليتاريا في كتاباته النظرية،والتي سيعطيها لمفهوم البروليتاريا،عندما سيكتب عن صراع الطبقات في المجتمع الحديث،الذي عاصره.لذا سنرى صورة البروليتاريا:مثقلة ضمنيا،بالعناصر الوجدانية والعاطفية الظاهرة في سرده الملحمي في كتاباته الاولى،غير ان هذه الصورة،ستعدل في نقطة اساسية،حين سيتخلى عن مخططه الاخلاقي البحت،من اجل مخطط اكثر جدوى وفاعلية،وعملية،للنضالات الاجتماعية والسياسية.فماركس لدى احتكاكه الاول وعن كثب بالبروليتاريا،لم يشاهد فيها سوى العنصر السلبي للثورة،مادتها الايحائية والملهمة للفكر التحريضي.القوة النائمة والخاملة،والتي تستطيع النظرية وحدها ايقاظها من سباتها،ومدها بالحركة،كمادة للتغيير التاريخي.وتبينت له الثورة،هكذا:كتركيب لحركتين:عمل الجماهير،ونشاط الفكر،او بشكل ادق:كمركب،بين فلسفة جذرية ما،لواءها التغيير،وانسانية تؤمن بيقين،وتعتبر ان اختفاء البروليتاريا،شرطا ضروريا،ولازما للتحرر العام والشامل.الا ان ماركس سينقد هذه الفكرة بعد اربع سنوات في"البيان الشيوعي".بعد ان حاول ماركس في السابق،دراسة الاقتصاد السياسي الكلاسيكي،والعقائد الاشتراكية الطوباوية،وانتقاده للمثاليين،الذين خلقوا انظمة شيوعية خيالية متهافتة،بدوافع اخلاقية،ودينية،ولعدم رؤيتهم في البروليتاريا،غير مجرد"الطبقة الاكثر عذابا"،ولكونه منظما لتقليد معين،اكثر وعيا في الحركة العمالية والفكر الاجتماعي،لذا تخلى ماركس،عن فكرته الاساسية حول البروليتاريا،كمادة سلبية،منفعلة،للتنظير الثوري.فوجه نظره الجديدة هي عكس فكرته الاولى:النظرية الثورية،ليست الا التعبير عن الحركة الثورية العفوية المستقلة للطبقة العاملة،وعن الفعالية،والممارسة الذاتية التاريخية للبروليتاريا.وجاءت الثمرة الجديدة"الايديولوجيا الالمانية"والمكتوبة بالتعاون مع انجلس وهس،مكرسة لدحض"فيورباخ"و"شتيرنر" وشلة"الاشتراكية الحقة".وهو الكتاب الاكثر قسوة من"العائلة المقدسة"والذي انجز في عام1845-1846والمتروك بسبب عدم وجود ناشر"لنقد الفئران القاضم"!.ويمكن تسمية هذا النص:بسسيولوجيا ماركس"المادية".حيث مثل هذا الكتاب تطورا ملموسا،ومتقدما على مفهوم البروليتاريا الوارد في"العائلة المقدسة"عام1844.غير انه بسبب الفكرة الغامضة التي يتضمنها عن بروليتاريا محددة بشكل وثيق بالتاريخ،عرضته لموجة لاذعة من النقد نتيجة هذه"التاريخانية".اما انجلس،فقد كتب،عدة مقالات نقدية حول هذه النقطة،فقد اتجه في خط معاكس:"الفكر لايصنع التاريخ،الجماهير الشعبية هي التي ترسم للتاريخ مهمته،وهي التي تحتل مكانة كبرى منه بحسب تعمق نشاطاتها في مجراه"."التاريخ لايصنع شيئا،الانسان الحي الحقيقي هو الذي يصنع كل هذا"."الانسان ليس الاداة السلبية للتاريخ المبني بأشخاص يتابعون اهدافهم الذاتية"."التاريخ هو نشاط الانسان الذي يتابع اهدافه الحقيقية"..ومع كل هذا،فأن فكر ماركس،المؤلف الرئيسي،ل"العائلة المقدسة"يتخذ شكلا اخر مختلفا،صحيح ان وصفه للبروليتاريا يشبه كثيرا،ومن حيث الاسلوب،التصريحات العاطفية للبدايات الاولى،الا ان تجديده يكمن في الاستخدام الكبير،للدراسات الاقتصادية،ومن الممكن تلخيص فكره العميق والمعقد،بما يلي:ان مؤسسة الملكية الخاصة محكومة بالاختفاء،بسبب ديناميكيتها الذاتية،ولانها تتضمن القوة المضادة والنقيضة،والتي تمثل سلبيتها:البروليتاريا،وفي شروط وجود البروليتاريا،فأن كل الاوضاع اللاانسانية للمجتمع الحديث،توجد بكثافة،وبهذه الدرجة القصوى من البؤس والجوع،فأن البروليتاريا تعي وضعها،ويدفعها فقرها المتناهي،لاختيار الحل الراديكالي،المتطرف والجذري:كي تتحرر،عليها ان تحرر المجتمع بأسره،لانها فقط بألغاءها لشروط وجود اللاانسانية في المجتمع،تستطيع استعادة انسانيتها،التي كانت قد جردت منها..في نص"العائلة المقدسة" هذا والمكتوب في عام1844نمسك بأساس القانون المسمى:ب"افقار البروليتاريا"والذي جرى توضيحه بعد عشرين عاما من ذلك التاريخ،وبتعابير اكثر علمية وتقنية في"رأس المال"كما نجد فيه،وان كان بنوع من الوجدانية الطاغية،الديالكتيك الشهير للسلبية.ولكن ماركس لم يبرز في مكان آخر،وبهذه القوة،الاساس الاخلاقي،لنظريته عن الحركة الاجتماعية،كما بدت في هذه السطور من"العائلة المقدسة":"ان مايتخيله البروليتاري ،او ماتتخيله البروليتاريا كلها،عما يمكن ان يكون هدفها الآني،ليس بهام جدا.ان ما هو مهم،هو ماهي عليه فعلا،وما ستكون،تاريخيا،مجبرة على صنعه تطابقا مع نفسها،وفي تنظيم المجتمع البرجوازي الحالي"..ان بديهية التحرر الذاتي للبروليتاريا،كانت موجودة دائما،كلازمة في كل اعمال كارل ماركس:ابتداءا ،من نقد هيجل،ونقد العائلة المقدسة في عام1844،وحتى في الخطاب الافتتاحي للاممية الشيوعية الاولى،بشعارها المدوي"تحرر الطبقة العاملة،سيكون من صنع الطبقة العاملة نفسها"وايضا في خطابه حول كومونة باريس،وتأملاته الاخيرة حول مصير الكومونة الفلاحية في الثورة الروسية القادمة،ونجدها ايضا-هذه اللازمة-في مفاهيم ماركس السسيولوجية،عن الطبقة والاحزاب العمالية،فعامل العفوية الديناميكي،هو بنظر ماركس،اساسي وحيوي،في مختلف مراحل النضال التحرري للبروليتاريا،وبالعكس من البرجوازية التي خضعت ولادتها،وتطورها التاريخي كطبقة اجتماعية،لآلية عمياء،تتلمس اتجاهاتها المتداخلة،في طريقة الانتاج الرأسمالي نفسها...
ان البروليتاريا ،تعرف عبر تطورها التاريخي كطبقة اجتماعية،تحولا بنيويا،ككتلة صلدة بالاصل"تجاه الرأسمال"،ولكنها تنتهي عبر نضالاتها"بالتكون"في"طبقة من اجل ذاتها".كان هذا جانبا من رد ماركس على برودون،في كتابه"فلسفة البؤس،ب"بؤس الفلسفة"،والذي حلل فيه ماركس:الديمقراطية المستقبلية دون طبقات"حيث تنعدم الهيمنة الطبقية،وتسود الشراكة التي تستبعد الطبقات وصراعاتها،لانه لن تكون هناك سلطة سياسية بمعنى الكلمة،وفقط في نظام للاشياء لن يعود فيه طبقات وصراع للطبقات،ستتوقف التطورات الاجتماعية عن ان تكون ثورات سياسية".وقد اعتبر ماركس كتابه"بؤس الفلسفة"و"البيان الشيوعي"تمهيدا ومقدمة لقراءة"رأس المال".ويعطي"البيان الشيوعي"الذي كلف انجلز بكتابته،وكتبه ماركس،بشعاره الخالد"ياعمال العالم اتحدوا".وهو الشعار الذي انبثق من نضالات العمال الباريسيين الامميين،ووصفا صوريا لتلك النضالات،ولهذا"التكون الذاتي"الاجتماعي للبروليتاريا،والذي تكلم عنه ماركس،حتى عن "تنظيم البروليتاريا في طبقة"،ويضيف ايضا بعد ذلك"ومن ثم في حزب سياسي".ومن هنا،فان الدعوة الثورية للبروليتاريا ملاحظة في نوعيتها التاريخية"الطبقة الثورية الوحيدة فعلا".والبروليتاريا:"تحمل مستقبل الانسانية بين يديها،لان حركتها،باختلاف كل الحركات الاجتماعية في الماضي،هي:"حركة الاغلبية العظمى من اجل فائدة الاغلبية العظمى".وهكذا فان البرجوازية بتطويرها للصناعة الكبرى،وتجميعها للثروات بين ايدي الاقلية،تخرب بنفسها القاعدة الاجتماعية لوجودها:انها تنتج"حفاري قبرها".البروليتاريون..الذين سيكون انتصارهم محتما،كانهيار الرأسمالية وطبقتها المالكة....
طبقة..وعي طبقي..حزب طبقي..هذا الثالوث من المفاهيم المترابطة بقوة لاتنفصم في التصور الاجتماعي والسياسي لدى ماركس،بخصوص البروليتاريا،هي ما شكل اساس نظريته السياسية في مبدئها.ومن اجل فهم افضل لهذه النظرية ،يمكن الرجوع الى مانشر من اعمال ماركس(بعد وفاته)والتي بقيت غير مكتملة،اظافة الى مراسلاته العديدة مع رفاقه واصدقاءه،والتي تكشف وجوها متنوعة من تجليات ومضمون هذه النظرية:الاعتقاد بعفوية العمال من جانب،والاتجاه الى التقييم المتزايد لدور العنصر السياسي في الحركة العمالية(الحزب)من جهة اخرى.هذا الملمح الثاني،ملتصقا،ولازما للاول بنفس الوقت.لذانجد ماركس قد قرر :اهمال نشاطه كمنظر بروليتاري،والانصراف الى المساهمة الجادة والفاعلة للنشاط والممارسة السياسية والتنظيمية،او يعطي على الاقل:ارائه،واحكامه،وتوصياته،وتعليماته السياسية بأسم الحزب،والذي كان يعتبر زعيما له.ان هذه المواقف هب التي قادت بعض النقاد وشارحي ماركس،للحديث عن:"يعقوبية ماركس"،ولان يجدوا جذورا لايديولوجية حزب ك"اللينينية" مثلا.كذلك اعطى المفهوم الاولي لديناميكية الطبقة العاملة العفوية،الولادة لتيارين من الماركسية ضد النزعة السياسية:كالنقابية الثورية،وشيوعية المجالس،الاقرب للفوضوية.وفي غياب سسيولوجيا للاحزاب التي كان ماركس قد اخذ على عاتقه كتابتها في ملخص الكتاب الثالث من رأس المال،فان علينا من اجل ان نعي ونحدد نظريته التاريخية،الرجوع الى كتاباته المتناثرة،النظرية والسياسية،لنستطيع ان نستنتج منها مفهوما متجانسا للبروليتاريا،بمختلف اشكالها.ان احد اهداف هذه التعاريف النادرة والموجزة،نجده في حاشية من الكتاب الاول من رأس المال:"ان علينا ان نفهم البروليتاري بالمعنى الاقتصادي،اي العامل الاجير الذي ينتج الرأسمال ويعطيه قيمة،والذي يصبح مرميا في الشارع عندما يصبح بدون فائدة لشهية فائض القيمة..لرأس المال".وبتكلمه عن البؤس العمالي،فان ماركس يواجهه تحت مظهرين:اجتماعي وفردي.البؤس الاجتماعي للعامل،قابل للشفاء،لانه نسبي،ومحدد تاريخيا،والسلسلة التي تربط العامل الى رأس المال،يمكن ان تكون" ذهبية"!كما يمكن ان تعطيه ضمان نسبي ومؤقت،دون ان تهدد وجود النظام الذي جعله عبدا!لذلك فان النقابات العمالية التي تقود النضالات المطلبية من اجل تحسين الاجور.ان ماركس يدعو لخلق مجتمع يكون:"التفتح الحر فيه لكل انسان شرطا اساسيا للتفتح الحر للجميع".هكذا يتبين،ويظهر المفهوم الماركسي للبروليتاريا عبر تطوره كتعليم اخلاقي،ثم كحتمية اقتصادية،متكيفة مع الشروط المفروضة على الانسان،هذا الضحية للتطور الرأسمالي التكنيكي الهائل..ان اصالة هذه الاخلاقية،والموروثة في جزء منها عن مجموعة الرواد الانسانيين الخياليين،الفرنسيين والانجليز،تكمن في اساسها السسيولوجي.ولكن هذه التعاليم لاتخلو من التباسات،لان ماركس كرجل حزب،كان اقل درجة،من ماركس المنظر الثوري..................
................................................................
المصادر/
المسألة اليهودية/كارل ماركس
العائلة المقدسة/كارل ماركس
بؤس الفلسفة/كارل ماركس
البيان الشيوعي/كارل ماركس
رأس المال/كارل ماركس
....................................................
وعلى الاخاء نلتقي...