الثورة: التاريخ والاقتصاد السياسي


ناجح شاهين
2017 / 8 / 11 - 13:43     

الثورة: إدراك التاريخ والاقتصاد السياسي
ناجح شاهين
"يلعن أبو التاريخ" كم هو صعب. صعب جداً جداً جداً.
المشكلة أنه يصنف في نطاق التوجيهي الآدبي، يعني "السهل" أو "اللي بدو بصم". أبداً بحسب خبرتي المتواضعة يمكن أن يكون التاريخ "أرزل" تخصص معرفي أنتجه البشر. موضوع قاسي ومراوغ إلى درجة تسبب الكآبة. على فكرة لم أكن في التوجيهي ضمن الفرع الأدبي، لكي لا يظن القارئ أنني أهرف بما لا أعرف. كنت علمي و "شاطر" بحسب معايير المدارس، وحصلت على درجات كاملة تقريباً في الرياضيات والفيزياء.
التاريخ متأبطاً ذراع الاقتصاد السياسي يقدمان أقرب "رواية" واقعية لما حدث وما يحدث وما يمكن أن يحدث. ولا جرم أن من يفتقر إلى الدربة الطويلة والبصيرة الثاقبة والذكاء والإبداع الضرورية لكي يتمثل منهج التاريخ والاقتصاد السياسي لن يجد طريقه في الظلام الدامس أبداً. سوف يظل يبحث إلى الأبد عن القطة السوداء في الليلة الحالكة السواد في القصر الواسع المهجور إلى ما لا نهاية. هذه هي "الحقيقة" في السياسة والاقتصاد: إنها القطة السواد اللعينة التي تجوب قصراً مترامياً في عتمة حالكة.
لهذه الأسباب يمكن بسهولة أن يكون أحدنا عاشقاً لفلسطين أو الحرية أو العدالة ولكنه يعمل في معسكر أعدائها دون أن يدري. ولسنا بصدد ضرب الأمثلة، ولكنها اليوم بالذات لا تعد ولا تحصى. آلاف المثقفين، وبالتأكيد ملايين المواطنين يقفون في المواقع المضادة لتطلعاتهم وآمالهم. فهم اللحظة التاريخية سيرورة معقدة تحتاج استيعاب الاقتصاد السياسي اللعين والتاريخ الرزيل على السواء. أما الشجاعة فهي قصة أخرى: لعل رجال العصابات والقتلة المحترفين المأجورين أشد "شجاعة" في الميدان من معظم الثوار. الثائر ليس شخصاً متهوراً يستسهل أمور الموت والحياة، وإنما هو إنسان لديه مشروع لبناء المستقبل على نحو معين، وفق رؤية معينة.
لسوء الحظ لا تكفي أكوام المعلومات التي تغرقنا بها "وكيبيديا" و"غوغل" و"ويكي ليكس" لصناعة الوعي. بل إن العكس هو الصحيح: إنها تشل الوعي بإضاعته وسط أكوام من الجزئيات التي لا تتناغم ولا تعطي دلالة. المنهج الذي يضع الجزء في إطار الكل هو الذي يقدم المعرفة حتى لو كانت المعلومات ناقصة.
حسن النوايا والشجاعة لا يقودان إلى أي شيء. وقد كان جمال عبد الناصر شجاعاً وطيباً، ولكنه قادنا إلى كارثة حزيران 67. وربما كان حافظ الأسد أقل شجاعة منه أو من صدام حسين الذي واجه المشنقة بثبات مذهل، ولكنه كان رجلاً حكيماً يعرف كيف يتصرف في المواقف المختلفة بما يسهم في دفع قضية الوطن والأمة إلى الأمام بمقدار ما تسمح الإمكانيات الفعلية وليس الأوهام والجمل الطائشة.
بناء الذكاء والإبداع والتدريب العميق على فهم لعبة التاريخ والاقتصاد السياسي هي مفاتيح أساس للثورة الناجحة قبل الشجاعة والإقدام. الشجاعة العمياء تصلح لعصابات الجريمة وعملاء المخابرات الأمريكية الذين لا يعرفون حتى أنهم عملاء، من قبيل داعش والقاعدة والنصرة وما لف لفها، أما الثورة فهي في حاجة إلى الإنسان الثوري الذي يعرف الماضي والحاضر وكيفية بناء المستقبل عن طريق معرفته وذكائه وإبداعه وشجاعته جميعاً. الأغبياء كما أوضح فلهم رايش هم في صف الأعداء وإن كانوا جاهزين للموت في كل لحظة في سبيل الثورة.