افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (7/الفوضوية و الماركسية)


موسى راكان موسى
2017 / 7 / 20 - 12:02     



الفوضوية و الماركسية (169ـ170) :


إن النظرة إلى (( الإجتماع الشيوعي )) كإجتماع متجانس متعاضد موحد حول غاية مشتركة و بالتالي كإجتماع لا يتطلب _كونه لا يحتضن في كنفه غايات و مصالح متضادة_ حتى أي نظام وازع أو أي ضبط قانوني ـ حكومي للصراعات الإجتماعية ، يبدو و كأنه يثبت إمكانية إعتبار النظرية السياسية الماركسية بمثابة صنف من أصناف الفوضوية . غير أن كلسن (الذي حلل بعمق تداخل هذه القضايا) و على الرغم من إشارته إلى التقارب بين الماركسية و الفوضوية على أساس التقابل ، المشترك بين النظريتين ، بين الدولة و الحرية ، فإنه يلفت الإنتباه من ناحية أخرى إلى الإختلاف الذي يفصل بينهما .


يقود مفهوم (( الحرية )) الفوضوية ، كما يشير كلسن ، إلى فكرة وجود (( نظام )) أو (( تناغم )) متأصلين في العالم الطبيعي . و تعتقد الفوضوية أن إنهيار الدولة يتيح إقامة (( النظام )) من جديد (و هو نظام أصلي أو (( طبيعي )) ) و هو نظام (( يُعبّر عن تناغم إجتماعي يتدفق من (( طبيعة )) الأشياء نفسها ، و خاصة من الطبيعة الإنسانية )) (( فالإنسان خيّرٌ بالطبيعة و هو إجتماعي بالطبع )) ، (( و ما يجعله شريرا إنما الظروف الخارجية و الوازع الذي تشكّله الدولة الرأسمالية . و تنظيم كهذا يرسي مع ما يحدثه من خبث في الإنسان ، بدوره وازعه الخاص . غير أن طبيعة الإنسان الحقة و الأصيلة تظهر من جديد ، عندما تتحرر من هذا التنظيم الوازع . و نظرا لذلك فإن هذه العودة إلى الطبيعة ، إلى الطبيعة الإنسانية ، هي في الوقت نفسه ، السبيل لنشوء جماعة متعاضدة حقا )) .


و تظهر هذه الثقة التي تضعها الفوضوية (( بالنظام الطبيعي )) بألف مظهر ، فهي مثلا ضد أي تدخل إنساني منظم و مخطط ، يطال الطبيعة ، لأنها تثق ثقة كاملة ، بتناسق الأشياء ، الطبيعي و العفوي . إن الفوضوية لا تنتقد ، برأي كلسن ، فوضوية الإنتاج الرأسمالي : إنها تصر عليها . (( و هي ليست ضد التنظيم الإجتماعي الرأسمالي ، كونه شديد الفوضى بل لأنه ليس فوضويا بما يكفي )) .


و هذه ليست بالتأكيد حال الماركسية . فهي لا تبشر على الرغم من مشاطرتها الفوضوية بعض جوانب تفاؤلها الأنثروبولوجي الساذج ، الذي يشكل مرتكزا لها ، بأي (( عودة إلى الطبيعة )) ، بل إن ما تأخذه على الرأسمالية هو تنظيمها (( الفوضوي )) أو (( الطبيعي )) ، إن إنجلز يضع بوضوح مقابل التنظيم (( الطبيعي )) للإجتماع الرأسمالي (( التنظيم المخطط و الواعي )) (( إذ هنا يكمن إنفصال الإنسان النهائي ، بمعنى ما ، عن مملكة الحيوان )) .


ثم إنه يضيف : (( إن الناس ، يصبحون للمرة الأولى ، و ذلك بعد تأميم وسائل الإنتاج ، أسياد الطبيعة الحقيقيين و الواعين بوصفهم أسياد حياتهم الإجتماعية )) .


و يبدو من هذه الزاوية التمايز بين الماركسية و الفوضوية على أشده . هنا (( فطروية طبيعية )) و هناك (( إنتظام مخطط )) ، هنا (( انخراط الإنسان من جديد في النظام الطبيعي )) و هناك خروج الإنسان النهائي من مباشرة الطبيعي ـ الحيواني ، إلى (( نظام جديد )) مختلف ، هو نتاج تاريخ الإنسان و من ثم مضاد لنظام الطبيعة . هنا أخيرا (( فطروية و عفوية )) و هناك (( وعي )) و (( إرادة منظّمة )) ...