ترسمل المتمركس : عصام الخفاجي أنموذجاً / 9-20


حسين علوان حسين
2017 / 7 / 19 - 20:18     

ت . القليل الأقل من الاستنتاجات العلمية لماركس و انجلز
في الحلقات السابقة ، و في معرض الرد على قول الأستاذ عصام الخفاجي المحترم : "أما التعامل مع الماركسية كبرنامج سياسي أو كدليل لعمل الثوريين في الأمد القصير والمتوسط أو حتى للتنبؤ به ، فقد كانت له عواقب وخيمة على اليسار" ، بينت أهمية الماركسية كسلاح ماض في رسم خارطة الطريق للشيوعيين ، بل و لكل الحركات الثورية ؛ كما أوضحت حقيقة أن الماركسية لا "تتنبأ" ، بل أنها "تستنتج" في ضوء معطيات التحليل العلمي للواقع . لذا سأورد في هذه الحلقة بعض تلك الاستنتاجات العبقرية لماركس و انجلز مثل : تشكل الأسواق المشتركة قارياً ، و العولمة الإقتصادية ، و تقسيم البشر إلى حفنة من أصحاب الثراء الفاحش إزاء المليارات من الفقراء ، و تحول علم الإقتصاد السياسي إلى حلبة لأبواق الذرائعين من صائدي الجوائز ، و نشوب الحرببين العالميتين ، الخ . كل هذه الأستنتاجات زكاها التاريخ ، مثلما زكى الأستنتاج بنشوب الثورات الاشتراكية في أوربا و غيرها ، بحيث أن نصف البشرية في النصف الثاني من القرن العشرين أصبحت تقوده أحزاب إشتراكية ، ناهيك عن حصول الثورات الاشتراكية التالية في الأقل و ذلك بعد البيان الشيوعي ، عام 1848:
كومونة باريس ، 1871
ثورة اكتوبر الاشتراكية ، 1917 بقيادة البلاشفة
الحرب الأهلية الفنلندية ، 1918
الثورة الألمانية 1918-9 ، بقيادة روزا لكسمبورك و كارل ليبكنخت
الجمهورية السوفيتية الهنغارية 1919 ، بقيادة بيلا كون
جمهورية المجلس البافاري ، 1919
الثورة المنغولية ، 1921 ، بقيادة حزب الشعب المنغولي الثوري
انتفاضة لاماتنزا في السلفادور ، 1936 بقيادة فارابوندو مارتي
الثورة الاسبانية ، 1936
الثورة الشيوعية في الصين ، 1949
حرب التحرير الشعبية اليوغسلافية 1943 – 1945 بقيادة جوزيف بروز تيتو
حرب التحرير الشعبية الالبانية 1942 – 1944 بقيادة أنور خوجا
ثورة آب في الفيتنام الشمالية ، و قيام جمهورية فيتنام الديمقراطية الشعبية ، 1945
الحرب الكورية و قيام جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية عام ، 1948
الثورة الكوبية ، 1959 ، بقيادة فيديل كاسترو و تشي جيفارا
ثورة العمال المجيدة في الكونغو برازافيل ، 1963
حرب الفيتنام و توحيدها ، 1975
حرب لاوس و قيام جمهورية لاوس الديمقراطية الشعبية ، 1975
الثورة الإثيوبية و قيام الجمهورية الاثيوبية الديمقراطية ، 1976
ثورة الساور الأفغانية ، 1978
ثورة غرينادا و اسقاط نظام حكم أريك غايري ، 1979
ثورة الساندينستا في نيكاراغوا ، 1979
الحرب الأهلية في البيرو ، 1980- 2017
ثورة النخلباري في الهند ، 1967
الثورة الماوية في النيبال و انتصارها عام 2006
الانتفاضتان الشيوعيتان في سري لانكا ، 1971 ، 1989
و من المعلوم أن السبب الرئيسي وراء فشل أي من الثورات أعلاه هو استدامة الراسمالية لحروبها الساخنة و الباردة ضدها بكل الأسلحة . و لم تشهد البشرية ، لا قبل ماركس و انجلز ولا بعدهما ، من زكى التاريخ و ما زال يزكي استنتاجاتهم مثلهما .

أ . الأستنتاج بكون رأس المال قد أصبح هو من يقرر مصائر الشعوب و الأمم (كارل ماركس : رأس المال ، 1867):
"كل بلد – حتى و إن كان أكبر و أقوى البلدان – أصبح الآن خاضعاً للاقتصاد الكلي للعالم الذي يقرر مصائر الشعوب و الأمم ."

ب . تحول رأس المال إلى دِين (كارل ماركس : رأس المال ، 1867) :
" مثلما هي الحال في الدِين عندما يصبح الإنسان محكوماً بما ينتجه عقله نفسه ، كذلك في الأنتاج الرأسمالي ، فإن الأنسان يصبح محكوماً بما تتنتجه يده نفسها ."

جـ . ولادة العولمة الإقتصادية (ماركس و انجلز : البيان الشيوعي ، 1848)
"إن الحاجة للتوسيع الدائم للسوق من أجل تصريف منتجاتها تلاحق البرجوازية حول سطح الكرة الأرضية برمتها ، فتستوجب تعشعشها في كل مكان و تأسيسها للإرتباطات في كل مكان . "

د. تشكُّل الأسواق القارية المشتركة (اليوروزون ، الآسيان ، إلخ) (كارل ماركس : 1976 ، رأس المال)
"إن البلدان المستقلة أو حتى المقاطعات المقاطعات المتحدة على نحو غير وثيق ، بكل مصالحها المنفصلة و قوانينها و حكوماتها و أنظمتها الضريبية ، تندمج مع بعضها بحكومة واحدة ، و بقانون واحد ، و بمصلحة طبقية وطنية واحدة ، و بحدود واحدة ، و بتعرفة جمركية واحدة . "

هـ . الإستقطاب الرأسمالي للفقر و الغنى بين سكان العالم (كارل ماركس : راس المال ، الجزء الأول ، 1867) :
" و أخيراً ، فأن القانون الذي يوازن دوماً بين الفائض النسبي للسكان - أو الجيش الاحتياطي للصناعة – و بين درجة التراكم الرأسمالي و طاقته ، هذا القانون يمسمر العامل برأس المال بأقوى من الأوتاد التي مسمر بها فلكان برميتيوس بالصخرة . هذا القانون يؤسس لتراكم الفقر قدر تأسيسه لتراكم رأس المال . تراكم رأس المال على أحد الأقطاب هو في نفس الوقت التراكم للفقر و لآلام الكدح و العبودية و الجهل و الظلم و التخلف الذهني على القطب المعاكس ؛ اي على طرف الطبقة الاجتماعية التي تنتج منتجها بشكل رأس المال ."

و . سلبية الدولة الرأسمالية (كارل ماركس : ملاحظات نقدية عن الإصلاح البروسي ، 1844)
"الدولة قائمة على التضاد بين الحياة العامة و الحياة الخاصة ، بين المصالح الكونية و المصالح الخاصة . و لهذا ، يستوجب على الدولة أن تكتفي بالنشاطات الرسمية السلبية ."

ز. ظهور علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) (ماركس ، الملكية الخاصة و الشيوعية ، 1844)
" سيضُمُّ العِلْمُ الطبيعي لنفسه عِلْمَ الانسان ، مثلما سيَضُمُّ عِلْمَ الانسانِ لنفسه العِلْمَ الطبيعي ، ليصبح هناك علماً واحداً . "

ح . هيمنة الرأسمالية على الإنتاج الفكري (كارل ماركس ، الأيديولوجيا الألمانية ، 1845)
"أن أفكار الطبقة الحاكمة في كل عصر هي الأفكار الحاكمة ؛ أي أن طبقة القوة المادية الحاكمة للمجتمع هي في نفس الوقت القوة الفكرية لذلك المجتمع . فالطبقة الاجتماعية التي تمتلك تحت تصرفها وسائل الانتاج تهيمن في ذات الوقت على الانتاج الفكري بحيث تصبح أفكار من لا يمتلك و سائل الانتاج الفكرية – عموماً – خاضعة لها . إن الأفكار المهيمنة ليست أكثر من التعبير المثالي للعلاقات المادية المهيمنة ، أي العلاقات المادية الحاكمة المُدرَكة كأفكار . "

ط . قيام الطبقة الراسمالية (والطبقات السائدة قبلها) بتسويق مصالحها الخاصة كما لو كانت هي مصلحة سكان الأرض طراً (مثلما يفعل الأستاذ عصام الخفاجي المحترم و من لف لفه) (كارل ماركس : الأيديولوجيا الألمانية ، 1845)
"بغية تحقيق أهدافها ، تضطر كل طبقة اجتماعية جديدة تضع نفسها محل الطبقة الحاكمة قبلها إلى أن تتولى تصوير مصالحها الخاصة بكونها المصلحة العامة لكل أفراد المجتمع عبر التعبير عنها بشكل مثالي . إنها مجبرة على إكساب أفكارها شكلاً كونياً ، و على تقديمها باعتبارها الأفكار الوحيدة ذات العقلانية و المصداقية الكونية . "

ي. تحرر بولندا من ألمانيا مناط بتحرر ألمانيا نفسها (فريدريك انجلز ، خطاب عن بولندا: 1847)
"لا يمكن لأي أمة أن تصبح حرة إذا كانت في نفس الوقت تضطهد الأمم الأخرى . لذا ، فإن تحرير ألمانيا لن يحصل بدون تحرر بولندا من الظلم الألماني ."

ك . نشوء التناقض بين قوى الإنتاج و علاقات الانتاج هو المسبب لقيام الثورات الاجتماعية ، ماركس ، مقدمة لنقد الاقتصاد السياسي ، 1859:
"في مرحلة معينة من التطور ، تصبح قوى الأنتاج المادي للمجتمع متناقضة مع علاقات الإنتاج القائمة ... عندها تبدأ مرحلة الثورة الاجتماعية ."

ل . التطوير الرأسمالي للتكنولوجيا سيدمر الانسان و الطبيعة ، ماركس ، رأس المال ، الجزء الأول ، الفصل الخامس عشر ، 1867 :
"الإنتاج الرأسمالي ، لذلك ، يطوِّر التكنولوجيا ، و يجمع العمليات المختلفة مع بعضها في كل اجتماعي واحد ، و لكن فقط على حساب امتصاص كل المصادر الأصلية للثروة – الأرض و العامل ."

م . تحويل الرأسمالية للاقتصاد السياسي من علم موضوعي إلى بوق تبريري مأجور في سباق لاصطياد الجوائز (إبحث في واقع منح جائزة نوبل لأقزام الذرائعيين من أمثال هايك (1974) و فريدمان (1976) و ناش (1994) و أومان (2005) و شركاه) ، ماركس ، توطئة للطبعة الألمانية الثانية لرأس المال ، 1873:
"لقد سيطرت البرجوازية في فرنسا و انكلترا على السلطة السياسية . و منذ ذلك التاريخ ، فقد اتخذ الصراع الطبقي ، عملياً و نظرياً في آن واحد ، أشكالاً علنية و مهددة . و هذا ما قرع ناقوس جنازة الإقتصاد السياسي العلمي للبرجوازية . و منذ ذلك التاريخ ، لم تعد المسألة ما إذا كانت هذه النظرية (الاقتصادية) أو تلك صحيحة أم لا ، بل أصبحت المسألة ما إذا كانت تلك مفيدة لرأس المال أم مؤذية له ، ميسِّرة له أم معوقة ، خطرة سياسياً أم لا . و هكذا فقد حل محل الباحث المتجرد ، صائد الجوائز المأجور ، و بدلاً من البحث العلمي الأصيل ، ساد الضمير المريض و النية الخبيثة للذرائعي .

ن. إستنتاج إنجلز الفذ بنشوب الحرب العالمية الأولى . الإستنتاج العلمي هذا يحدد ألمانيا دون غيرها بكونها الطرف الذي سيتسبب باندلاع تلك الحرب ، و يحدد طبيعتها بأنها ستكون حرباً عالمية (و ليست محلية) غير معهودة ، و ستشمل كل قارة أوربا ، و أنها ستستمر بين ثلاثة أو أربعة أعوام متواصلة ، و ستتسبب بمقتل بين 8-10 مليون جندي (العدد الفعلي لقتلى الجنود خلال تلك الحرب هو حوالي 10 ملايين) ، و ستسبب المجاعة و الأوبئة (توفي مليونان في وباء الإنفلونزا عام 1918) و الدمار الشامل للقارة الأوربية . كل هذا الإستنتاج العلمي حاصل قبل إندلاع الحرب العالمية الأولى بسبع و عشرين سنة و التي استمرت أربعة أعوام (1914-1918) مثلما استنتج انجلز ، ناهيك عن الحرب العالمية الثانية (1939-1945) . هكذا تشتغل الماركسية العلمية التي يغري إعداؤها قوى اليسار بركنها جانباً . إنجلز ، مقدمة لبورخهايم ، 1887 :
"إن الحرب الوحيدة المتبقية لبروسيا-ألمانيا كي تشنها ستكون حرباً عالمية ، و ستكون فوق ذلك حرباً عالمية لم يسبق و أن تخيل أحد درجة عنفها ، حيث سيتربص ثمانية ملايين إلى عشرة ملايين جندي باعناق بعضهم البعض ، و سيدمرون أوربا أكثر من تدمير أسراب الجراد . إن الدمار لحرب السنين هذه المضغوطة في ثلاث أو أربع سنوات سيشمل القارة (الأوربية) كلها ، جالباً المجاعة و المرض و الإنكفاء الكوني نحو البربرية ."

انتهت قائمتي الناقصة باستنتاجات ماركس و انجلز التي زكاها التاريخ ، و ما زال ؛ و التي تفند قول الأستاذ عصام الخفاجي المحترم – و غيره بهذا الخصوص . و من المعلوم أن الأمانة العلمية توجب على كل من يتصدى لانتقاد أي نظرية أن يدرج أولاً نصوصها – مثلما كان يفعل ماركس و انجلز – ثم يخضعها للبحث و التدقيق لتبيان صحتها من عدمها في ضوء الوقائع . و عندما يفشل الكاتب في توخي مثل الموضوعية البحثية في وزن أقواله ، و يلجأ للارتجال المرسل ، فإن كلامه لن يكون أكثر من لغو متحامل و تبويق ، و سينقلب سبة عليه في النهاية ، مع الأسف الشديد .
يتبع ، لطفا .
19/ 7 / 2017