افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (5/إضمحلال الدولة)


موسى راكان موسى
2017 / 7 / 18 - 02:33     



إضمحلال الدولة (165ـ167) :


لا يبقى أمامنا سوى المباشرة بتحليل هذه الغاية (( المحشورة )) وراء شبكة التطور التاريخي الموضوعي . هذه الغاية ، هي كما نعلم جيدا ، (( الإجتماع الشيوعي )) : و هو يتميّز بالقضاء على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج و إنقراض الدولة . و يظهر هذان الأساسان للنظرية السياسية الماركسية هنا ، بجلاء :


أ ــ الأطروحة التي تقول بأن الدولة تولد من إنشعاب المجتمع إلى طبقات .

ب ــ الأطروحة التي تعتبر أنه حينما يتم القضاء على هذا الإنقسام إلى طبقات تكون شروط إنهيار السياسي و الدولة قد تحققت .


(لنقل هنا أن كلسن يعترف بأهمية مؤلف لينين في (( الدولة و الثورة )) في مجال إعادة الإعتبار لنظرية إضمحلال الدولة التي حجبتها الأممية الثانية أو همشتها جزئيا) .


إن مركز النظرية أو نقطة ثقلها يكمن بوضوح في التقابل بين الدولة و الحرية . لنتذكر الكتاب الشهير من إنجلز إلى بيبل Bebel في آذار 1875 : (( الكلام عن دولة شعبية حرة ليس إلا عبثية صرفة : إن البروليتاريا بحاجة إلى دولة ، ليس من أجل الحرية بل لسحق أعدائها . فحين يصبح الكلام عن الحرية ممكنا ينعدم وجود الدولة )) .


ها هنا حجج يدركها الماركسيون جيدا . غير أن فضل كلسن يبقى في أنه إنتزع نواة النظرية و حددها بطريقة مخصوصة ، فالنظرية الماركسية كونها تتمحور حول التقابل بين الدولة و الحرية (( لها طابع فوضوي مكتمل )) (( أما الإختلاف بين نظرية ماركس و إنجلز الفوضوية و سائر النظريات الفوضوية ، نظرية باكونين Bakounine مثلا الخصم الأكبر لماركس ـ فهو في أن الفوضوية غير الماركسية ، تقول )) كما يشير كلسن (( بإضمحلال فوري لجهاز الدولة عقب ثورة البروليتاريا ، فيما تعتبر الفوضوية الماركسية أن هدف الثورة المباشر هو تأميم وسائل الإنتاج ، و تعتبر أن من آثاره النهائية الحتمية الإضمحلال الذاتي للدولة )) .


قد تبدو هذه التأكيدات مذهلة في نظر بعض الماركسيين . غير أن هذا لا يطعن في صحة عرض كلسن بشيء . فهذا العرض لا يتناسب مع طروحات ماركس و إنجلز فحسب ، بل مع طروحات لينين في (( الدولة و الثورة )) أيضا .


يشير لينين في صفحة من الدفاتر التمهيدية لهذا النص بعبارات مماثلة إلى التطابق و الإختلاف بين الماركسية و الفوضوية حيال نظرية الدولة . دون أن ينسى الإشارة إلى الهوة السحيقة التي تفصل العداء الماركسي تجاه الدولة عن الدعوة (المعلنة أو المضمرة) لها من قِبل الفريق الأكبر من الإشتراكية ـ الديموقراطية الألمانية .


و يمكننا أن نلحظ بسهولة ، عندما نستعيد محاولات بعض الماركسيين الإيطاليين ، التي سادت منذ أعوام و سعت لإيجاد و/أو لإدخال في إطار الماركسية (مستعينة ببعض آراء غرامشي) (( علم السياسة )) ، إنها تفتقد إلى أصل متين .


لا يوجد علم سياسة في الماركسية و لا يمكن أن يوجد مثل هذا العلم ، لأن النظرية الماركسية في السياسة و الدولة تقوم على إضمحلالهما ، ذلك أن ما تقوله الماركسية في هذا الميدان إنما الإختفاء التدريجي لمدار السياسي و الدولة : أي تحديدا عكس ما هو ضروري لإرساء (( علم سياسة )) .