كيف سنناضل ضد الفاشية؟


دوف حنين
2017 / 7 / 15 - 10:22     


**حراك شعبي
حراك كهذا لا يأتي بديلا للحزب، ولا يحاول خلق قائمة لانتخابات الكنيست. فأهمية ومساهمة حراك كهذا هي انه يقوم بالضبط بما ينقص. فهو يحرك الكثير من الناس الذين ليسوا أعضاء في أحزاب او جمعيات، والذين لا يريدون حاليا الانضمام لحزب او جمعية، فيسهِّل لهم أن ينشطوا بشكل جماعي، أن يُسمعوا صوتهم، وأن يشاركوا في نشاطات ناجعة في الحقلين الاجتماعي والسياسي. برأينا، هذا الحراك ضروري، لأننا مقتنعون انه دون تجنّد شعبي من القواعد، من تحت، لن يكون بالإمكان صد المخاطر القائمة.




في الـ 3 من تموز، نشر عضو الكنيست السابق باسل غطاس مقالا نقديا حادا لمواقف الحزب والجبهة، ولرئيس القائمة المشتركة عضو الكنيست أيمن عودة. يشمل المقال العديد من الادعاءات، كما ويشمل أيضا نقدا شخصيا. لا نية لدي بالانجرار نحو جدال شخصي مع عضو الكنيست السابق باسل غطاس. كما ولا أنوي الرد عليه بنقد شخصي لتصرفاته في قضايا مختلفة.
ما أقصده هنا، هو تناول قضية مبدئية تكمن في أساس نقد باسل غطاس. وأقصد السؤال الأساسي: كيف نحلل واقع البلاد؟ وأي طريق نفكر أنه الطريق الصحيح والذي علينا مواجهة المخاطر من خلاله؟ إن أحد المركبات المهمة في تحليلنا للواقع في إسرائيل يرتبط بالتهديد الفاشي القائم في الواقع. وعندما نعتمد تعبير "الفاشية"، لا نتخذه شعارا سياسيا فارغا، كما ولا نستخدمه كأدارة ترهيب أو إثارة للجمهور الذي نخاطبه. بل نستخدم المصطلح لأنه يعبر عن تحليل محدّد.
فعندما نتحدث عن خطر فاشية في إسرائيل، لا نظن أننا نبالغ. نحن نظن أن إسرائيل موجودة في واقع لم تعد تستطيع المنظومة الحاكمة فيه على التعامل مع التناقضات التي تنتجها سياساتها. وفي هذا الواقع تشكلت حالة فقدان توازن داخلي، تحمل في داخلها خطر تشكيل توازن جديد، خارج الحيز الديمقراطي. في السنوات الأخيرة حدثت هنا تطورات خطيرة جدا. فقيادة اليمين في الحكم تتبنى مواقف معادية للديمقراطية بشكل واضح. وفي العقد الأخير، وبالأخص في السنتين الأخيرتين، يختار بنيامين نتنياهو – رئيس الحكومة وزعيم الليكود –التحريض العنصري ضد الجماهير العربية وقيادتها السياسية كمركب مركزي في استراتيجيته. ان العنصرية يتم تقطيرها من فوق، من القيادة الحاكمة في إسرائيل، لتسمّم تدريجيا جماهير واسعة. وليشتعل هذا التراكم الخطير بشكل كبيرعند الأزمات، مثل الموجة الفاشية الذي حدثت في صيف 2014، خلال حرب غزة الأخيرة.
لذلك ممنوع على أي منا التساهل في تقييم شدة الخطر. علينا أن نفهم ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقنا، أيضا في النضال العام في المجتمع الإسرائيلي وأيضا بما يخص مكانة المجتمع العربي، الذي يعتبر هدفا مركزيا للهجمة اليمينية. كما ويقلقنا ضعف الحواجز التي كانت في السابق تستطيع لجم النزعات الخطيرة. فالمحكمة العليا – تهاجَم من الخارج وتضعف من الداخل. الإعلام مفكك، وبعضه تتم السيطرة من قبل رجال السلطة. كما أن الهجمة لم تسلم منها الجامعات ومنظمات المجتمع المدني.
كما ومن المقلق أيضا ما يحدث في أحزاب الوسط. فأحزاب مثل "يش عتيد" وحزب العمل تنجر هي أيضا، أحيانا، وراء الموجة العكرة. وسلوكهم يتسم أحيانا بالإنتهازية. إذ أنهم غير مستعدين للنضال المبدئي، بل يحاولون ملائمة أنفسهم لما يظنونها المواقف الرائجة في الرأي العام. لذلك فعندما يبدو الرأي العام يمينيّا –تنجر أحزاب الوسط يمينا. والنتيجة هي أنه أحيانا يتم الدفع قدما بخطوات خطيرة ومعادية للديمقراطية بموافقة سياسية واسعة.




**كيف حلل حزبنا الشيوعي الواقع؟


ان هذا الواقع يلقي علينا مسؤولية خاصة. إلا أنه من الواضح لنا أننا لن نستطيع وحدنا صد المخاطر ومواجهة التحدي الكبير. هذا التحليل هو ما قاد الحزب الشيوعي في مؤتمره الأخير الى الاستنتاج بوجود حاجة لتشكيل معسكر ديمقراطي واسع، لمقاومة النزعات الفاشية وللنضال بإتجاه آخر، إتجاه السلام والمساواة. هذه هي النقاط الأساسية في تحليل الحزب الشيوعي في مؤتمره ال-27:
"إن سؤال من يعزل من، يصبح مهما جدا. وفي هذا السياق توجد امكانياتان أساسيتان: إما أن يتمكن اليمين الإسرائيلي الترانسفيري من عزل اليسار والجمهور العربي، وإما أن تستطيع القوى الديمقراطية عزل اليمين. إن الخطوات التي تقودها المؤسسة وأحزاب اليمين المتطرف ضد الحيّز الديمقراطي في إسرائيل هي كبيرة. ونحن لا نقلل من أهمية هذا الخطر، كما ولا نتعجّل لرفع أيدينا امامها، لأننا لا نقلل من إمكانيات المواجهة. فلدى كل من الجمهور اليهودي والعربي في البلاد توجد قوى متنوعة يمكننا تجنيدها لمعركة ديمقراطية. لقد راكمت الحركة الشيوعية خبرة غنية في النضال ضد الفاشية. وهذه التجربة تعلمنا انه عندما ننشط ونثابر مبكرا لإقامة جبهة واسعة ضد الفاشية – يمكننا عزل وهزيمة الفاشيين".
"التحدي الذي يضعه الحزب الشيوعي أمامه وأمام الجمهور اليهودي والعربي هو صد خطر الفاشية بإقامة جبهة شعبية يهودية-عربية واسعة معادية للفاشية، بتحالف مع كافة القوى المعادية للفاشية ووفق خط سياسي صحيح. فالمعركة ضد الخطر الفاشي في إسرائيل ليست قضية تكتيكية قصيرة الأمد، بل مسألة استراتيجية مركزية. فرؤية العالم الثورية والتجربة الشيوعية تلقي على الحزب الشيوعي الإسرائيلي مسؤولية كبيرة ووظيفة مركزية في هذه المعركة الأساسية".
"إن الوحدة الكفاحية المطلوبة ليست قائمة انتخابية مشتركة، بل معسكر ديمقراطي كبير فيه وقفة يهودية-عربية مشتركة ضد الخطر، يهود وعرب يرفضون الاستسلام لليأس الذي يحاول اليمين زرعه. على المعسكر الديمقراطي ان يظهر على شكل تحالفات تنشط في الميدان وفي المؤسسات الجماهيرية، تجمع قوى من أماكن، حركات، مؤسسات وأحزاب مختلفة. إن الوحدة الكفاحية ستجمع معا العديد من الناس الذين يشعرون أنهم تبقوا وحدهم، أمام التآكل الخطير في الحيّز الديمقراطي، امام الهجوم على حرية التعبير والإحتجاج، وأمام محاولات الإسكات والتمييز. على المعسكر الديمقراطي أن يبادر ويقود تحالفات جماهيرية في وجه المبادرات الفاشية والمعادية للديمقراطية".
"النقاش مع الخصوم السياسيين والفكريين هو دائما ضروري وسنستمر فيه، إلا أننا تعلمنا من التجربة أنه وفي حال الخطر الفاشي – علينا توجيه جلّ هجومنا على من ينمّون التهديد الفاشي وأولئك الذين يعبّدون له الطريق، لا على القوى السياسية القريبة نسبيا الينا أو أولئك الموجودين في المركز الليبرالي في الخارطة السياسية. في وجه الخطر الفاشي علينا تشكيل تحالفات واسعة جدا".
"منذ عام 1948 يقود الشيوعيون معركة بقاء الجماهير العربية في وطنها. إن البقاء ليس فقط البقاء الجسدي في دولة إسرائيل، بل هو أيضا موقف سياسي -بتجنيد الجمهور العربي للوقوف كقوة ديمقراطية في النضال السياسي والاجتماعي الذي يدور في داخلها. إن مهمتنا بالنضال ضد مخطط الترانسفير السياسي للمواطنين العرب الى خارج الحلبة السياسية الإسرائيلية أصبح أكثر ضرورة مع زيادة قوة اليمين العنصري وفي وجه ظواهر اليأس في المجتمع العربي، والتي تؤدي الى التقوقعالقومي والذي يتم التعبير عنه بالانسحاب من المعركة على صورة المجتمع في إسرائيل".
"على الحزب الشيوعي تقع المسؤولية الكبرى بالإستمرار بقيادة المجتمع العربي نحو معركة جماهيرية شجاعة، مسؤولة ومجنِّدة، تضمن مستقبله كأقلية قومية ومواطنتها المتساوية. معركة كهذه ستُفشل محاولات عزل الجمهور العربي سياسيا وستحقق إمكانياتها كقوة ديمقراطية جدية في المجتمع في إسرائيل".
"التجربة في إسرائيل علمتنا، أن التحالفات الجماهيرية لحماية الحيّز الديمقراطي كانت ناجعة عندما نجحنا في دمج النشاط في الكنيست مع التنظم خارجها. هكذا على سبيل المثال، فالنشاط في الكنيست وبعد أن تم تعزيزه بضغط المظاهرات في الشارع، نجح في صد إقامة لجنة التحقيق البرلمانية ضد منظمات اليسار. إلا أنه خلافا لذلك، فالمعركة ضد رفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست فشلت – رغم التعاون منقطع النظير داخل الكنيست، بين كل كتل المعارضة –لأنه لم يرافق هذه المعركة نضال جماهيري منظم. من هذه التجربة نتعلم، أن علينا الدمجبشكل منهجي بين التعاون الديمقراطي الواسع في الكنيست وخارجها".




**تجربة حراك "نقف معا"

الى هنا تحليل مؤتمر الحزب الشيوعي. منذ أن كُتِب التحليل، يمكننا رؤية بدايات تطورات إيجابية في هذا الاتجاه. في هذا السياق يبرز تطور حراك "نقف معا"، الذي هاجمه باسل غطاس في مقاله. فخلافا لما كتبه غطاس، فإن حراك "نقف معا" لم تؤسسه الجبهة. فقد ولد من نضال الشارع ضد الانفلات العنصري في القدس في خريف 2015. إن المظاهرة الأولى التي بادر اليها الحراك أقيمت في 17 أكتوبر 2015 وسارت في القدس الغربية، في وجه هجمات زعران لهافا الكهانيين. شارك في هذه المظاهرة الفا متظاهر من اليهود والعرب، والتي وُجِّهت ضد التصعيد العنيف في الأراضي المحتلة، ضد اطلاق الرصاص العشوائي على الشباب الفلسطيني وموجة الاعتقالات الإدارية، وأيضا ضد الزيادة في منسوب العنصرية داخل إسرائيل، ضد تحريض الوزراء وأعضاء الكنيست من اليمين ضد الجمهور العربي، الذي أدى لإعتداءات عنصرية على مواطنين عرب.
توسع الحراك بسرعة الى خارج القدس ليصبح لديه مجموعات نشاط في مناطق مختلفة في البلاد. إن الحاجة لوقفة مشتركة ليهود وعرب ضد الاحتلال والعنصرية لأجل أجندة مختلفة للمجتمع، أجندة تجعل الأسئلة الحقيقية حول السلام، المساواة والعدالة الاجتماعية في مركز الاهتمام - هي حاجة في كل حلبات مجتمعنا. فمنذ إقامة "نقف معا"، برز الحراك في مظاهرات ونشاطات عديدة، ضد الاحتلال، لحماية الحيّز الديمقراطي، ضد العنصرية ضد المواطنين العرب، ولأجل العدالة الاجتماعية وحقوق العمال. هكذا كانت مظاهرة الآلاف في كانون أول 2015 لحماية "نكسر الصمت - شوفريم شتيكا" و"بتسيلم"، امام حملة تحريض منظمة "ام ترتسو". هكذا كانت مظاهرة الآلاف التي نُظمت قبل خمسة أشهر في تل ابيب، احتجاجا على هدم البيوت في القرية العربية-البدوية غير المعترف بها ام الحيران في النقب، ضد اطلاق الرصاص وقتل المعلم يعقوب موسى أبو القيعان، ولتوجيه اصبع الاتهام للوزير جلعاد أردان. في كل شهر تنظم الحركة مظاهرات إسرائيلية فلسطينية في حاجز "همنهروت"، بجانب بيت جالا، في الضفة الغربية المحتلة، تحت عنوان "مسيرات الحرية".
حراك كهذا لا يأتي بديلا للحزب، ولا يحاول خلق قائمة لانتخابات الكنيست. فأهمية ومساهمة حراك كهذا هي انه يقوم بالضبط بما ينقص. فهو يحرك الكثير من الناس الذين ليسوا أعضاء في أحزاب او جمعيات، والذين لا يريدون حاليا الانضمام لحزب او جمعية، فيسهِّل لهم أن ينشطوا بشكل جماعي، أن يُسمعوا صوتهم، وأن يشاركوا في نشاطات ناجعة في الحقلين الاجتماعي والسياسي. برأينا، هذا الحراك ضروري، لأننا مقتنعون انه دون تجنّد شعبي من القواعد، من تحت، لن يكون بالإمكان صد المخاطر القائمة. دون تجند شعبي من تحت، لن يكون بالإمكان خلق دعم قوي بما فيه الكفاية لمواقف يسارية ولبناء مقاومة لمبادرات يمينية ومعادية للديمقراطية. دون ضغط من تحت لن نتمكن من الضغط على أحزاب الوسط.
بناء حراك شعبي للنضال في الشارع هي خطوة لا تبدل بل تكمل التحالفات البرلمانية. فنحن بالطبع مع تحالفات في قضايا متفق عليها أيضا في الكنيست، مع قوى لديها مواقف مختلفة عنا. فعندما نتفق مع احد في قضية معينة، يمكننا ان نناضل معه من اجل هذه القضية. مثل، تحالفات عرفت كتلتنا في الكنيست خلقها على مر السنين أيضا مع أعضاء كنيست من كتل أخرى في قضية القرى العربية البدوية غير المعترف بها في النقب. لا توجد طريقة للعمل في الكنيست الا مع أناس لديهم مواقف مختلفة. ولكن، بالطبع، فإن التحالف في الكنيست هو فقط جزء مما علينا القيام به، أما المعركة الأساسية فهي بناء قوى في الشارع، خارج الكنيست، بنضالات شعبية وبحراكات شعبية.
لطالما كان موقف حزبنا التاريخي مطالبة الجمهور العربي ان لا ينعزل، بل ان يأخذ جزءا نشطا في المعركة. فوفق تحليلنا إن التمييز ضد الجمهور العربي يجعله صاحب إمكانية لأ نيكون قوة ديمقراطية، ذات وزن مؤثر في النضال لتغيير المجتمع. لا انعزال، لا خروج، لا انفصال عن اشخاص اقرب نسبيا للمواقف الديمقراطية. بدلا من ذلك، طريق حزبنا التاريخي لطالما كان – إيجاد سبل إقامة التحالفات في قضايا متفق عليها، بهدف النضال من أجل طريق اخر للمجتمع. هذا هو موقفنا التاريخي وهذا هو أيضا التحدي الحالي.