افول الماركسية - التناقض الجدلي و اللا تناقض (5)


موسى راكان موسى
2017 / 7 / 1 - 06:53     



و في الختام (145ـ147) :



و في الختام فإني أشير إلى مسائل لم يتيسر لي ، حتى الآن ، أن أعالجها بما يناسبها .


المسألة الأولى و هي كيفية تعامل فلسفة العلوم الحديثة مع مبدأ عدم إجتماع النقيضين ، و قد رأت به مبدأ (( المنطق الصوري )) أو الشكلي ، أي نتيجة للتقليد الموروث عن ليبنتز و كانط (كما يتصوره البعض) ، أي تقبّلته بوصفه مبدأ (( حقائق العقل )) أو بمعناه الأقرب إلى الدلالة التقنية المحايدة الذي أبرزه كانط ، أي بوصفه مبدأ العقل (( Principium Rationis )) ، و قد أدرج هذا المبدأ في نهاية المطاف في عداد قضايا المنطق الحديث و هي قضايا لا تمت إلى الخارج بصلة ، بل تتعلق بقواعد التحولات في الذهن .


و ها هنا قول لآينشتاين لا يقتصر على قضايا الرياضيات بل يتعداها إلى المعارف المنطقية و هو يقول لا تكون السنن الرياضية يقينية بقدر ما ترجع إلى الواقع بل إنها بقدر ما تكون يقينية لا ترجع إلى الواقع .


و قد أُرسي على هذا الأساس خاصة منذ ويتجنشتاين تقسيم القضايا إلى أنواع هي الآتية (( في المقام الأول هناك القضايا الصادقة على أساس شكلها فقط )) (( بديهيات (يقود تعريفها إلى الدور) برأي ويتجنشتاين ، و هي تتشابه إلى حد ما مع (( الأحكام التحليلية )) عند كانط . التي لا مصداق لها في الواقع ... تنتمي إلى هذا النوع الصيغ المنطقية و الرياضية التي لا تُعتبر من لوازم الواقع ، بل تستخدم لتغيير تلك اللوازم . أما في المقام الثاني فهناك نفي هذه القضايا أو القضايا النقيضة التي تعتبر متناقضة بذاتها أو فاسدة من حيث شكلها . أما فيما يختص بالقضايا الأخرى فصوابها و خطئها مرهون بالقواعد الإعتبارية الموضوعة لها . إنها قضايا وضعية (صحيحة أو غير صحيحة) و هي تدخل في نطاق العلم الوضعي )) .


و إننا نرى بوضوح ، و من خلال هذا التحديد للأشياء ، أن العروة الوثقى القائمة بين مبدأ اللا ـ تناقض و التجربة ، أي العروة التي شكلت لب النظرة الأرسطية الأصلية و مرتكز التفكر الكانطي (في ذروة إنفصال كانط عن ليبنتز) قد إنفصمت و اندثرت .


أما المسألة الثانية فتتعلق بكانط تحديدا . و هي إنه لا يحظى بمكانة خاصة مرموقة في فلسفة العلوم الحديثة . بحيث أن لهيوم مكانة أرفع بكثير . إن أشياء كثيرة قد أساءت لكانط ، منها أولا نظرية الأحكام التركيبية المسبقة . و ثانيا إضفاؤه نوعا من العصمة على ميكانيك نيوتن و الهندسة (( الأوكليدية )) ، و ثالثا محاولة الكانطية ـ الجديدة البائسة _و ذلك على الرغم من الفطنة و الدقة التي إكتسبتهما مع كاسيرر_ إدخال قوة أو فعالية العلم الحديث في متن النظام الكانطي .


غير إن ها هنا أمر ذو دلالة ، و هو أن ما يعطي لكانط مكانة بنظر أصحاب التيارات الوضعية الحديثة المتطرفة ، هو قوله بخارجية الوجود عن المنطق : أي القول بأن الوجود ليس محمولا .


و دون أن أعطي هنا لائحة دقيقة ، و مكتفيا بذاكرتي أسترجع مواقف و أسماء ، لها شأنها في الفكر الحديث ، هي تظهر نوعا من الإجتماع بهذا الصدد : من موريتز شليك إلى رودلف كارناب ، من مور إلى ألفرد آيير ، كي لا نتكلم عن بوبر الذي أعطى لكانط أهمية كبرى و إن ذهب مذهبا مختلفا عن الآخرين جميعهم .


غير أن الأمر لا يختلف هنا ، عما سبق ، إذ يبدو (( الطابع الخارجي )) قطعة معزولة منفردة ، فيما كانت من قبل عنصرا عضويا في متكوّنٍ متناسق المزاج . إن (( مبدأ الواقع )) (أو الخُبر) لا يفلح في الإلتحام (( بمبدأ المنطق )) بعد أن كان أصلا له .


ها هنا ، على ما أعتقد ، المتن الذي يفترض أن تتموضع في حيزه ضرورتان و هما الأشد وطأة _إلا أنهما ، كما يبدو لي ، من الصعب تحقيقهما_ الأولى و قد اتخذتها الفلسفة المعاصرة معيارا لها ، و هي نظرية الحقيقة كتطابق (كتصديق) و الثانية و هي بعبارة (( لشليك )) Schlick ـ نظرية أصل المعرفة . أما الأولى فتواجه شركا و هو إستمرار فخ النظرية القائلة بالمعرفة كمجرد تناسق ، و أما الثانية فتواجه نظرية (( الشك )) التي تعود إلى بوبر (و قد تداولها بعده هانسون ، تولمين ، خون و خاصة فييرابند) ـ و التي تسقط التمايز بين (( النظرية )) و (( المعاينة )) برد الثانية إلى الأولى ثم بإعتبار أن لأي نظرية القدرة على إنتاج كينونة مخصوصة .