النهج الوطني الديمقراطي العربي


غسان صمودي
2017 / 5 / 23 - 23:30     

تتسابق الاحداث في منطقة الشرق الأوسط باندفاع عنيف، فسجل هذه المنطقة بخلاف أية منطقة اخرى في العالم مليء بالحروب المدمرة، بالاعتداءات المسلحة المباشرة ضد الحريات ، و التوسع الاقتصادي الرأسمالي المستتر الذي لا يقل خطرا في صورته الحالية عن السابق.

لكن تاريخ الشعوب العربية في السنوات الأربعين الأخيرة يتضمن عددا غير قليل من الصفحات السوداوية، و هي شاهدة على يأس العرب و عجزهم و بل و تذللهم للأنظمة الاستعمارية و ربط الصلة بهم اقتصاديا و سياسيا و حتى ثقافيا.
كما أن تاريخ العالم العربي الحديث ناصع بثورات التحرر الوطني و بتفجر انتفاضات الخبز و الكرامة و الشغل و الحقوق و الحريات، غير ان في هذه العملية الديناميكية التاريخية، و السيل المتدفق من التغييرات، توجد مسألة ثابتة و هي قبل كل شيء تصميم القوى الديمقراطية الثورية العربية على حماية حقوقها و مصالحها الوطنية و نيل الحرية السياسية و الاقتصادية و شق طريقها الى المستقبل.

حاليا في الداخل و في الغرب ، يحبون الحديث عن وجود "تيارات راديكالية" و عناصر يسارية في الوطن العربي ، و عن الغربة السياسية في ضوء ذلك، و الهدف منه هو اثارة النزاعات الداخلية فيما بين التقدميين العرب ، و ضرب فصائل المقاومة العربية بعضها ببعض ، و في نهاية ذلك المطاف نسف ان لم يكن شل الحركة الوطنية الديمقراطية العربية بشكل عام.

كل هذه المساعي الشريرة لا تؤخذ من الحياة الجيدة كما يقولون، انما هي على الأرجح انعكاس لذلك المأزق الذي وصلت اليه مساعي الامبريالية الأمريكية و عملائها المحليين في المنطقة .

تعتبر الساحة الفلسينية و السورية في الوقت الحاضر الأكثر حدة بالنضال المعادي للامبريالية على الجبهة الشرق أوسطية. و الشرق الأوسط بدوره يعتبر احدى أكثر البؤر توترا في العالم في هذا النضال. حيث يدور هذا النضال في أعنف اشكاله و اقساها. فما السبب في ذلك ؟ يتميز نضال الشعب الفلسطيني في أن عليه القتال ضد أكثر أشكال الاستعمار فظاعة و لا إنسانية. و أشدها عدوانا و احتلالا ث، و ضد التعصب الشوفيني المتطرف ضد المعادي للعرب من جانب حكام تل أبيب و ضد المحاولات الحمقاء الرامية لانكار حقيقة الوجود القومي للفلسطينيين العرب و حرمانهم من الحق في الوطن و بناء الدولة الوطنية الخاصة. و بكلام اخر سحق مصير شعب بكامله.

الشرط الحاسم الذي يضمن النجاح لنضال الفلسطينيين هو تعزيز وحدة فصائلهم الديمقراطية من جهة، و الفصائل الوطنية الديمقراطية العربية من جهة أخرى . فقط بالتضامن و الوحدة يحقق الشعب الفلسطيني آماله و أهدافه الوطنية العادلة و المشروعة.

لا زال أمام الشعب الفلسطيني نضال شاق و طويل من أجل حقوقه، و من أجل إقامة دولته الوطنية المستقلة. غير أنه في هذا ااطريق الطويل ينبغي أن لا يكون هناك مكان للكآبة و التشاؤم و اليأس. هناك مثل حي و ملهم و هو التجربة البطولية لثورة أكتوبر و كفاح السنوات ااطويلة المتفاني لشعوب كوبا و فيتنام و الجزائر و أنغولا و عيرها. هذه الثورات عاشت مراحل صعبة في تطورها، لكن الايمان بالنصر سيطر على عقول الكوبيين الثوريين الذين تحدوا دكتاتورية باتيستا و تسلط الولايات المتحدة الأمريكية، و دفع إلى الأمام المحاربين الفيتناميين الذين عاشوا ملحمة أسطورية في معركة مباشرة مع الامبريالية الامريكية، و شجع الوطنيين الأنغوليين و الجزائريين الذين وضعوا حدا للسيطرة الأجنبية على أرضهم.

لقد هز العالم العربي في 1980 نبأ وصول أولى الوحدات العسكرية من "فرقة الانتشار السريع" الأمريكية الى مصر، و قد وضعت أمامها مهمة التكيف مع الظروف المحلية و المناخ، و التهيئة "النفسية" لتنفيذ الأعمال الاستعمارية الجديدة، تلك الأهداف التي تم من أجلها بناء هذا الفيلق من القتلة الأمريكيين. و يمكن القول انه بموافقة القاهرة و تل ابيب فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا تتردد في تضمين خطة تحرك جيوشها فيما بعد مهمة اجهاض و اخماد نضال الشعوب العربية المعادي للامبريالية ، و بالدرجة الأولى نضال الشعب الفلسطيني.

حاليا، و في نفس الوقت الذي تتحرك فيه الولايات المتحدة الأمريكية باتجاهين رئيسيين، توسيع تواجدها العسكري-السياسي المباشر في هذه المنطقة ، و التنسيق مع الأنظمة العربية الرجعية التابعة للامبريالية من اجل ابتزاز النظام السوري و تهجينة و محاولة الإساءة اليه و الى الحلف الذي يجمع روسيا و ايران، فإنها تعمل على تحقيق مسألة واحدة و هي ربط الشرق العربي بشبكة كثيفة من القواعد الحربية . و فرض النظام السياسي الذي يتفق و المصالح الأمريكية في المنطقة، و شل إرادة القوى اليسارية العربية ، و تحويل الشرق العربي لنقل، الى ما كانت عليه أمريكا اللاتينية في أواخر و بداية القرن العشرين. حيث كان امبرياليو الولايات المتحدة الامريكية هم المسيطرون على كل شيء بلا حدود. هناك داع للتذكير، بالتضحيات الهائلة، و كم تطلب من السنين لكي تتمكن شعوب أمريكا اللاتينية من أن تبعد نفسها عن العنكبوت المشؤوم. و يجب ملاحظة ان نضال هذه الشعوب ضد استبداد الشرطي الأمريكي و الطغاة المحليين أمثال باتيستا و تروخيلو و سوموزا و غيرهم لم ينته حتى الان.

ربما لا تنطبق هذه المقارنة بحذافرها بالنسبة للوطن العربي، و لكنها بشكل رئيسي تنذر متوعدة : انتبهوا، لا تقللوا من حجم هذا النشاط الذي تديره الان اللايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل و أتباعما المحليون في المنطقة العربية شكلوا الجبهة العربية و الأممية المناهضة للهيمنة الامبريالية و الاستغلال الطبقي.