الطبقة العاملة السورية تبحث عن حزبها .. 1


بدر الدين شنن
2006 / 1 / 27 - 10:22     

في زحمة المتغيرات المحلية والدولية الاجتماعية والسياسية ، يكتسب الجدل حول دور الطبقة العاملة وحزبها السياسي وحول نضالها من أجل عالم لاطبقي .. أكثر إنسانية وعدالة ، يكتسب أهمية خاصة ، سيما في بلد كسوريا يقع في قلب الشرق الأوسط العاصف .. المرشح لتغييرات جيو - سياسية وإجتماعية دراماتيكية كبيرة . وفي ضوء ذلك ، ولبناء رؤية تستهدف واقع وحراك الطبقة العاملة السورية ، من حيث وجودها وبنيتها ، ومن حيث وعيها لذاتها وتأطير حكرتها ، وتحديد موقعها ودورها في الخريطة الطبقية الاجتماعية - السياسية السورية ، لابد من تناول نقدي لأطروحات عديدة وردت في سياق سجالات إجتماعية - سياسية أنكرت ، حسب معايير فلسفية كلاسيكية ، وجود طبقة عاملة في المجتمع السوري ، وفي سياق مسوغات إنسحابات أحزاب من الإصطفاف الطبقي العمالي وانتقال هذه الأحزاب إلى مواقع طبقية أخرى ، كما وردت في سياق تفاسير مغالطة لإنهيار المنظومة الاشتراكية ، وفشل الأنموذج السوفييتي في تجربة بناء المجتمع اللا طبقي البديل . تلك الأطروحات اللئيمة التي خلقت مناخاً مشحوناً بالإحباطات والمعوقات الكبيرة أمام محاولات إعادة بناء حزب عمالي من طراز جديد

إن أولى تلك الأطروحات التي أنكرت وجود طبقة عاملة حسب المعايير " الفلسفسة الكلاسيكية " المزعوم تداولها في بلدان صناعية متطورة ، واعتبرت أن الطبقة العاملة السورية ذات تركيب بيني البنية ، اي أنها لتأمين موارد عيشها تتوزع بين مصدرين ، الأول ، العمل في ملكية خاصة أو أعمال زراعية في الريف ، والثاني ، الكسب من خلال بيع قوة العمل في الصناعة في المدينة ، ما يفقد الطبقة العاملة السورية خصيصة أصالتها الطبقية والثورية ، ويجعلها في موقع تابع يدور في فضاء هو أقرب إلى الطبقة الوسطى منه إلى فضاء طبقي نوعي مستقل ، وفي هذا يكمن مرد ضعف الأحزاب الشيوعية وعدم المبرر لوجودها وضرورتها
ليست هناك حاجة لكبير جهد لإدراك أن هذه الأطروحة جامدة أكاديمية المصدر ، أي انها غير واقعية وغير موضوعية ، وتنظر للحراك الاجتماعي في حالة سكون ، ولاغلو إذا قلنا أنها تصدر عن " منظرين يتعاطون مع ما كتب في هذا الصدد في أوائل وأواسط القرن العشرين
وربما شكل هذا الطرح حول الطبقة العاملة السورية أحد أ سباب طرح المبررات ، التي تضافرت مع مبررات أخرى مرتبطة " بضرورة " اللحاق بمتغيرات العصر " العولمي " الإمبراطوري ، الذي " يدفع " إلى التعاطي مع الصراعات الطبقية ، على المستوى المحلي خاصة ، إلى أزمنة بعيدة لاحقة ، وذلك نتيجة الوهم ، أن الرأسمالية الإمبراطورية تملك القدرة الكلية المطلقة على ابتلاع العالم
وليس بقليل الأهمية التأثير السلبي لمثل هذه الأطروحات ،التي غذاها ودفعها إلى أعلى انهيار المنظومة الاشتراكية وفشل السوفييت في تجربة بناء مجتمع لاطبقي بديل، في رفع حمى الإحباط إلى درجات عدمية قصوى على الصعيد النظري والسياسي والاجتماعي

لذا ، ولما تملكه هذه الأطروحات من زخم هجومي بالغ الخطورة ، سواء كان ذلك يمس المصالح العمالية الطبقية ، أو المصالح الوطنية ومستقبل البلاد ، إن بصدد ضرورة بناء حزب طبقي عمالي من طراز جديد ، لقيادة الطبقة العاملة في معاركها الطبقية المتزايدة الحدة والخطورة مع زحف اقتصاد السوق ، أو في معاركها المشتركة مع قوى التغيير الديمقراطي لاسقاط الاستبداد ، وبناء حياة سياسية جديدة تفضي إلى خلق مناخ ديمقراطي يساعد على خوض نضالات ناجحة في عمليات التمايزات الطبقية ، فإنه بداية لابد من من الإجابة الموضوعية على التساؤلات التالية
هل يوجد طبقة عاملة في سوريا .. هل مازالت المعايير الكلاسيكية لمفهوم الطبقة العاملة ملزمة وحتمية في الظروف الاجتماعي والسياسية المحلية والدولية الراهنة
هل تشكل الطبقة العاملة السورية حضوراً مميزاً في الخريطة الطبقية ، يؤهلها للقيام بدور طليعي في العملية التغييرية السياسية الراهنة ، وفي التحولات الكبرى في
البلاد في المستقبل ؟
هل ينبغي العمل على تأطير حديث نقابياً وسياسياً للطبقة العاملة ، لتحقيق مصالحها وتطلعاتها ، وممارسة دورها في بناء البلاد وفي تحديد الخيارات الاجتماعية
والسياسية
هل تبرر المتغيرات الدولية تغيير الإصطفافات الطبقية ، والإنتقال إلى مواقع طبقية بينية أو منحازة لقوى إجتماعي أخرى ، مواكبة للتطورات "
العولمية "الإمراطوري ؟

---------------------
في القسم الثاني : الطبقة العاملة السورية .. بنيتها .. أصالتها .. موقعها في الخريطة الطبقية .. دورها السياسي والاجتماعي والوطني