التنظيم والنضال الجماهيري الواعي السبيل الوحيد لتحقيق اهداف الشعوب والبشرية


سعاد خيري
2006 / 1 / 26 - 10:09     

عانت شعوب العالم والبشرية عموما خلال آلاف السنين من علاقات الانتاج الطبقية القائمة على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج . واذا تصفحنا التاريخ العالمي منذ نشوء هذه العلاقات حتى يومنا هذا نجد ان التنظيم والنضال الجماهيري الواعي على اختلاف درجات تطوره المرتبطة بدرجة تطور وسائل انتاجه كان السبيل الوحيد لتحرر الشعوب من العبودية والاقطاعية وصولا الى الراسمالية . وإذ لعب الافراد عبر التاريخ دورهم في توعية وتنظيم الجماهير وقيادة نضالاتها، فان الدور الرئيس والحاسم هو للجماهير. ففي المراحل الحاسمة من النضال تلعب السايكولوجيا الاجتماعية والخبرات والتجارب التاريخية دورها في اطلاق مبادرات الجماهير او تشلها. ولذلك عملت الراسمالية ولاسيما في مرحلتها الحالية، التي تفاقمت فيها جميع تناقضاتها واصبحت خطرا يهدد البشرية، على دراسة كل مراحل تطور البشرية واساليب اعاقتها وقهر الجماهير وتضليلها ومحاربة كل اشكال تنظيمها وابادة قياداتها الثورية الواعية وشل نشاطاتها باقسى العقوبات وتشويه سايكولوجيتها بالرعب واليأس والحرمان بهدف قتل سليقتها الثورية ونسيان تجاربها التاريخية المجيدة. واستخدمت وتستخدم كل تلك الوسائل فضلا عن كل ما اتاحته وتتيحه لها الثورة العلمية التكنولوجية من اسلحة الابادة الشاملة ماديا وفكريا وسايكولوجيا .
ورغم ضعف القيادات السياسية على الصعيد العالمي فقد وعت البشرية الاخطار المحدقة بها وبالكرة الارضية وباشرت بتنظيم الجماهير بمختلف اشكال التنظيم الجماهيري وزجها بالنضال ضد العولمة الراسمالية من خلال فضح جميع ادواتها من المؤسسات المالية ومؤتمراتها ومنظماتها وحروبها وقوانينها واحلافها وانظمة دكتاتورية وعصابات ارهابية ، فضلا عن دعم نضال الشعوب التي ترزح تحت هيمنتها او احتلالها..
وفي نظرة شاملة الى العالم نجد ان جميع شعوب العالم تعاني من هيمنة العولمة الراسمالية سواء في المراكز او الاطراف ولكن بنسب متفاوتة. فحتى الشعب الامريكي القطب الاوحد للعولمة الراسمالية يعاني من تفاقم التفاوت الطبقي ومن مختلف انواع العنصرية ويعيش اكثر من 30% تحت خط الفقر وتتفاقم في صفوفه الجريمة والمخدرات وتتقلص يوميا حرياته الشخصية وتمتليء سجونه على سعتها..الخ .
ولكن ما يعانيه الشعب العراقي منذ ثلاث سنوات من الاحتلال من صنوف التقتيل والابادة والحرمان من ابسط مستلزمات الحياة والرعب بعد ما حمله النظام الدكتاتوري المقبور من كوارث وحرمانات، لتركيعه وقتل سليقته الثورية . ولعل من اخطر ما اورثه النظام الدكتاتوري لشعبنا في هذه المرحلة هو عمله على تحدي جميع وسائل الدكتاتورية ليس بمقاومتها بأي شكل من اشكال التنظيم والنضال الجماهيري، بل باستخدام قابلياته في تحمل آثارها وانتظار المخلص. وكان النظام الدكتاتوري ما ان يجد شعبنا وقد تحمل اية وسيلة من وسائل قهره حتى يعمد الى الاشد منها. ولاشك تتحمل القوى السياسية الانهزامية المسؤولية التي عطلت جميع اشكال التنظيم والنضال الجماهيري بحجة حماية الجماهير من البطش وقبولها بالاحتلال كمخرج من الدكتاتورية .
ورغم استمرار الانتظار السلبي لاكثر من ثلاث عقود انطلق الشعب العراقي في مقاومة الاحتلال منذ اليوم الاول. فقد كان لانهيار النظام الدكتاتوري بذلك الشكل المهين تأثيره في قتل كل تلك السلبية وانطلقت الجماهير في نضالات جماهيرية، اثارت جنون قوات الاحتلال. فعمدت الى استرجاع كل ترسبات تأثير تلك العقود من السلبية مستخدمة القوى السياسية التي تدعمها و تحميل الشعب العراقي اشد انواع الحرمانات وافضع اشكال الرعب وعرض صنوف من الارهاب الدموي على شاشات التلفزيون. واشغاله بالبحث عن الامان ولقمة العيش وحرمانه من التيار الكهربائي لمعظم ساعات الليل والنهار في بلد تصل درجة الحرارة صيفا الى 50 درجة مئوية في الظل بحيث تتعفن جميع المأكولات بعد اعدادها بست ساعات وتجد ملايين الفيروسات والمكروبات المناخ الملائم لتكاثرها وانتشارها وانتشار ما تسببه من امراض. وتنخفض بالشتاء الى ما يقرب من الصفر مما يؤدي الى اصابة الشيوخ والاطفال بمختلف امراض البرد، فضلا عن الحرمان من استخدام كل الاجهزة الحضارية من مكيفات ووسائل اعلام وفي مقدمتها النور الذي مهد اكتشافه تطور جميع العلوم . وفي البداية تعالت الشكوى والاحتجاجات عبر الصحف ولكنها لم تصل الى تنظيم لجان في المحلات والمدن لتنظيم النضال الجماهيري من اجل تحرير الجماهير من الظلام ومختلف اشكال الامراض.
وما ان تلافت الفئات المتمكنة من التخفيف من ازمة الكهرباء باللجوء الى المولدات حتى عمدت قوات الاحتلال الى تعميق ازمة النفط والوقود في بلد من اغنى بلدان العالم بالنفط، ايغالا في تعذيب الشعب العراقي واستغلال سلبيته في ترسيخ قواعده العسكرية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، من خلال ما يسميه العملية السياسية. فعلى الجماهير ادراك:لا الحكومات التي ينصبها ولا البرلمانات التي ينظم انتخابها ولا أي حزب سياسي ينضوي بخيمة مؤسسات الاحتلال يمكن ان يقدم للشعب أي من حقوقه . وانما على القوى الوطنية المخلصة والجماهير تنظيم نفسها والانطلاق في نضالها الجماهيري .فللشعب العراقي تجارب رائعة وقابليات جبارة . وهاهي بوادر التنظيم والنضال الجماهيري ضد البطالة في الناصرية وفي الانباروالبصرة ضد الارهاب والاحتلال ونضالات المرأة من اجل حقوقها وربط ذلك بتحرير الوطن من الاحتلال. ولابد من تطوير التنظيم والنضال الجماهيري ليشمل القضايا الاساسية التي تمس حياة الملايين مثل رفع مستوى التنظيم والنضال من اجل الكهرباء والوقود الى مستوى النضال الجماهيري بالقيام في تظاهرات واعتصامات وتطويرها وفقا لتطور الواقع دون الخضوع له، وعدم انتظار هذه الوزارة اوتلك او هذا المخلص اوذاك وليس للشعب الا ثقته بنفسه وبقدراته وتجاربه. وبذلك يقدم شعبنا للبشرية مثلا رائعا ويساهم في تحريرها.
سعاد خيري في 24/1/2006